ج10 - ف8

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

8- (يسوع يَظهَر ليوسف الذي مِن الرّامة، لنيقوديموس ومَنَاين)

 

04 / 04 / 1945

 

مَنَاين يسير بحيويّة مع الرُّعاة عبر المنحدرات المتّجهة مِن بيت عنيا إلى أورشليم. طريق جميلة تمضي مباشرة باتّجاه بستان الزيتون. مَنَاين يستدير نحوها بعد افتراقه عن الرُّعاة، الّذين يريدون دخول المدينة، بجماعات صغيرة، بُغية الذهاب إلى العلّية.

 

قبل ذلك بقليل، لاحظتُ مِن خلال أحاديثهم، أنّهم لا بدّ أن كانوا قد التقوا يوحنّا، الّذي كان ماضياً باتّجاه بيت عنيا حاملاً نبأ القيامة، والأمر بضرورة تواجد الجميع في الجليل خلال بضعة أيّام. قد افترقوا بالضبط لأنّ الرُّعاة يريدون أن يُردّدوا شخصيّاً لبطرس ما سبق أن قالوه حرفيّاً ليوحنّا، لإعلامه أنّ الربّ، عندما ظهر للعازر، قال بأنّ عليهم التجمّع في العلّية.

 

مَنَاين يصعد عبر درب فرعيّ باتّجاه منـزل في وسط بستان الزيتون. منـزل جميل، تحيط به أشجار أرز لبنان، والّتي تُهيمن بكتلتها الهائلة على أشجار زيتون الجبل الكثيرة. يدخل، واثقاً بنفسه، ويقول للخادم الّذي هرع لمقابلته: «أين سيّدكَ؟»

 

«إنّه هناك مع يوسف. لقد أتى منذ قليل.»

 

«قُل له بأنّني هنا.»

 

يمضي الخادم ويعود مع نيقوديموس ويوسف. تمتزج أصوات الثلاثة بصيحة واحدة: «لقد قام!»

 

ينظرون لبعضهم بعضاً، متفاجئين كونهم كلّهم كانوا يعرفون. ثمّ يُمسِك نيقوديموس بصديقه ويقوده إلى غرفة داخل المنـزل. يتبعهما يوسف.

 

«أتجرّأتَ على العودة؟»

 

«نعم. هو قال ذلك: "في العلّية." وأنا أريد أن أراه الآن، مُمجَّداً، لأتخلّص مِن ألم الذكرى الّتي أحملها عنه، مقيّداً ومكسوّاً أقذاراً، مثل مجرم أصابه سخط العالم.»

 

«آه! ونحن كنّا نودّ أن نراه أيضاً... ولنحرّر أنفسنا مِن فظاعة ذكرى عذابه، وجروحه الّتي لا تُحصى... إنّما هو لم يُظهِر نفسه إلاّ للنسوة.» يتمتم يوسف.

 

«هذا عادل. لقد كُنّ دوماً وفيّات له خلال الأعوام الأخيرة. نحن كنّا خائفين. الأُمّ قالت ذلك: "إنّ محبّتكم تلك محبّة فاترة حقّاً، إذا ما انتظرت حتّى الآن لتُظهِر نفسها!"» يقاطع نيقوديموس.

 

«إنّما لتحدّي إسرائيل، الّتي تعارضه الآن أكثر مِن أيّ وقت، نحتاج حقّاً إلى رؤيته!... لو كنتَ تدري، الحرّاس تكلّموا... رؤساء السنهدرين والفرّيسيّين، الّذين لم يهتدوا بعد مع كلّ غضب السماء هذا، يبحثون الآن عمّن عرف بقيامته، ليقوموا بسجنه. لقد أرسلتُ مارسيال الصغير –إنّ طفل يفلت بسهولة- ليُنبّه الّذين في المنـزل كي يحترسوا. لقد أخذوا نقوداً مقدّسة مِن خزنة الهيكل ليدفعوا للحرّاس، حتّى يقولوا إنّ التلاميذ خطفوه، وأنّ ما سبق أن قالوه عن القيامة لم يكن سوى كِذبة خوفاً مِن العقاب. المدينة تغلي كما المرجل. وثمّة تلاميذ قد غادروها بالفعل بسبب الخوف... أقصد التلاميذ الّذين لم يكونوا في بيت عنيا...»

 

«نعم، نحتاج إلى بركته لنتشجّع.»

 

«لقد ظهر للعازر... كان ذلك نحو الساعة الثالثة. لقد بدا لنا لعازر متجلّياً.»

 

«آه لعازر يستحقّ ذلك! نحن...» يقول يوسف.

 

«نعم. نحن لا نزال مُسَوّرين بالشكوك وبالأفكار البشريّة، كَبَرَص لم يُشفَ جيّداً... ولا أحد سواه يستطيع أن يقول: "أريد أن تتطهّروا منه!" الآن وقد قام، ألن يتكلّم معنا، نحن الأقلّ كمالاً؟» يَسأَل نيقوديموس.

 

«ألن يعمل معجزات بعد، ليُعاقِب العالم، الآن وقد خرج مِن الموت وبؤس الجسد؟» يَسأَل يوسف مجدّداً.

 

لكن كلّ ما يسألانه ليس له سوى جواب واحد. جوابه هو. وجوابه لا يأتي. الثلاثة يلبثون محبطين.

 

ثمّ يقول مَنَاين: «حسناً، أنا ذاهب إلى العلّية. إذا قتلوني، فهو سيغفر لنفسي وسوف أراه في السماء. إن لم أره هنا، على الأرض. فمَنَاين هو كشيء عديم الفائدة بين جماعاته، بحيث إذا سقط، فسيترك الفراغ نفسه الّذي تتركه زهرة مقطوفة في مرج مزدحم بالتويجات. لن يُلاحَظ حتّى...» وينهض ليرحل.

 

إنّما، وفيما هو يستدير نحو الباب، فإنّ الباب يتألّق بالمصلوب الإلهيّ الّذي، بيديه المفتوحتين، في بادرة عناق، يُوقِفه ويقول: «السلام لكَ! السلام لكما! إنّما ابقيا حيث أنتما، أنتَ ونيقوديموس. يوسف لا يزال يمكنه الذهاب، إذا وجد ذلك مناسباً. وها أنا ذا هنا، لأقول لكم الكلمة الّتي كنتم تطلبونها: "أريد أن تتطهّروا ممّا لا يزال يُدنِّس إيمانكم". غداً ستنـزلون إلى المدينة. سوف تقصدون الإخوة. هذا المساء، عليّ التحدّث إلى الرُّسُل وحدهم. وداعاً. وليكن الله معكم دائماً. شكراً يا مَنَاين. لقد آمنتَ أكثر منهما. وشكراً أيضاً لروحكَ. وأنتما، أشكركما على شفقتكما. اجهدا بحيث تستحيل شيئاً أسمى، مِن خلال حياة مفعمة بإيمانٍ جريء.»

 

يختفي يسوع في توهّج باهِر.

 

الثلاثة مُغتبِطون وتائهون.

 

«هل كان هو؟» يَسأَل يوسف.

 

«ألم تسمع صوته؟» يجيب نيقوديموس.

 

«أيضاً... الروح يمكنها أن تمتلك صوتاً... أنتَ يا مَنَاين، باعتباركَ كنتَ قريباً جدّاً منه، ماذا بدا لكَ؟»

 

«جسداً حقيقيّاً، فائق الجمال. كان يتنفّس. لقد شعرتُ بتنفّسه. وكان يبعث حرارة. ومِن ثمّ... رأيتُ جراحه. كانت تبدو مفتوحة حينذاك. لم تكن تنـزف دماً، إنّما كان جسداً حيّاً. آه! كُفّا عن الشكّ! لئلاّ يُعاقِبكُما. لقد رأينا الربّ. أقصد يسوع، وقد عاد ممجّداً كما تشاء طبيعته! و... هو لا يزال يحبّنا... في الحقيقة، إذا ما قَدَّم لي هيرودس مملكته الآن، أقول له: "إنّ عرشكَ وتاجكَ هما بالنسبة لي غبار وقذارة. إنّ ما أمتلكه لا يفوقه شيء. إنّني أمتلك الرؤية المغتبطة لوجه الله."»