مقدّمة دفاتر 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(مقدّمة دفاتر 1943)
في 23 نيسان 1943، الجمعة العظيمة، تلقّت ماريا فالتورتا باكورة سلسلة مِن "الإملاءات" -المنسوبة بشكل رئيسي للسيّد المسيح، إنّما كذلك، بين حين وآخر، لله الآب، للروح القدس، لمريم، ولشخصيات أخرى على صلة بالوحي الإلهيّ- والتي ستمتد على مدى سنوات عديدة، متزامنةً إلى حدّ كبير، إجابة لدعوة المسيح، مع الزمن الّذي تأمّلت أثنائه وكتبت [ماريا فالتورتا] بشكل سردي كافّة المراحل الأساسيّة في حياة الفادي.
هذه الفترة مِن نموّها الإنسانيّ، وخاصّة الروحيّ، لا تظهر فجأة؛ فقد سبقتها سنوات مِن الاتّحاد المتدرّج مع المسيح، بلغت أوجها بفعل التضحية بالذات الّتي قدّمت بها ماريا فالتورتا ذاتها "كنَفْس ضحيّة" متلهّفة للمشاركة في عمل الفداء.
مُسمّرة في السرير بسبب اعتلال خطير ومتعاظم، ومنقطعة عمليّاً عن كلّ حياة اجتماعيّة طبيعيّة، وغير مفهومة عموماً ممّن هم على تواصل مباشر معها، وتحت تأثير لمسة الإلهام الملحّة، فقد أضحت كاتبة غزيرة الإنتاج، حتّى ولو لم تكفّ عن التأكيد أن محتوى "الإملاءات"، أو الإيحاءات، لم يكن ثمرة إبداعها الأدبيّ الشخصيّ، وإنّما هي لم تكن سوى أداة طيّعة بين يديّ الله وكانت تكتب ما كانت تسمعه أو تراه.
إنّ مدى عَظَمة إنتاجها والمنابع الّتي كانت تعزوها إليها شكّلت حدثاً روحيّاً غير عاديّ في هذا العصر يستحقّ اعتباراً متيقّظاً.
إنّ مجموع عمل ماريا فالتورتا بكامله موسوم بحسّ مكثّف مِن "الكاثوليكية": ما الذي يعنيه أن يكون المرء مؤمناً كاثوليكيّاً في هذه المرحلة مِن التاريخ، وإدراك حيّ لمسيحيّة دامت عشرين قرناً والتحدّيات الحاضرة الّتي تواجهها الكنيسة والإنسانيّة كلّها.
الدفاتر المجمّعة معاً في هذا الجزء كُتبت جميعها في العام 1943، في خضمّ الحرب العالميّة (وقد نُشر جزءان آخران بالإيطاليّة، متضمّنة نصوص مِن سنة 1944 ومِن الفترة ما بين 1945 و1950 على التوالي)، فهي تعكس إذاً لدى الكاتبة إدراكاً لاذعاً، وأحياناً متوجعاً، لتورّط إيطاليا في الحرب، وكذلك للأخطاء البشرية والروحيّة المتعلّقة بها. إنّ توجّسها هذا كان بمثابة خلفية لبعض ملاحظات المسيح حول مسائل كالإساءة في استعمال السلطة، الأبعاد الشيطانيّة للحرب وفقدان الإيمان المسيحيّ في قطاعات واسعة مِن الشعوب. إنّما سيكون مِن الخطأ قصر السياق على هذه الحقبة مِن التاريخ وحدها، ذلك أنّ هذا الجزء [دفاتر 1943] يحتوي أيضاً على فقرات كثيرة ذات محتوى نبوي صريح، على سبيل المثال، اختلال التوازنات البيئية الوشيك في العالم، الصراعات الدموية، والحرب المهولة بين الخير والشرّ، المذكورة ليس فقط في رؤيا يوحنّا، بل في التفسيرات الحديثة لأنبياء العهد القديم. وهكذا يتمّ تقديم رؤيا شمولية للأزمنة الأخيرة، وبشكل خاصّ فيما يخصّ رسالة نائب المسيح وكلّ المسيحيّين المقتنعين بنقل حياة وتعليم الفادي والمشاركة الكلّيّة في رسالته الإنسانيّة والسماويّة، وفي الوقت ذاته بآلامه وتمجيده.
واحد مِن المحاور المهيمنة لتلك النصوص هو اندماج الصلابة الّتي يؤكّد بها المسيح بنوّته الإلهيّة ودوره الفريد في الزمن والأبديّة، وحنان أسلوبه في الدنوّ مِن النفوس المضطربة وسعيه الصبور لرفعها إلى الإيمان، الرجاء والمحبّة، عبر الاتضاع للتضحية بالذات وتعاون تلك النفوس. وهو يصرّ مراراً وتكراراً على أهمّية تخليص وتحرير جميع المؤمنين –وكلّ المظاهر الدينيّة بالذات- مِن كلّ نجاسة، وبخاصّة الكهنة، وهم المسؤولون عن خلاص الكثير مِن النفوس، والّذين، بالنتيجة، عليهم أن يكونوا شبيهين بالمسيح في عملهم. إنّ الحبّ والألم، عندما يتّحدان بالمسيح في صلاة شخصية عميقة، يصبحان الجناحين اللذين يتيحان لبشريتنا البائسة التحليق للاتّحاد مع الثالوث الأقدس.
مريم حاضرة أيضاً في هذا العمل؛ أحياناً هي توزّع التعليمات وتسلّط الضوء على الحياة مع يسوع؛ وفي مناسبات أخرى تتيح لنا تأمّلها في قداستها وأمومتها فائقة الطبيعة.
الروح القدس يتجلّى، باختصار إنّما بشكل فاعل، كالحبّ النشيط شخصيّاً، ضامّاً الآب والابن في عناق وحيد وفاعل عبر كلّ الخليقة.
مسألة أخرى هامّة في العمل هي تفوّق "الروح"، القادر على المشاركة في حياة الألوهة، على "النَّفْس" و"الجسد" في بنية الكائن البشريّ. على الشخص احترام حقّ الروح في القداسة هنا في الدنيا، في امتلاك الله الّذي جعله الفادي ممكناً، والعمل على الدوام بما يتماشى مع التوق فائق الطبيعة الذي تختبره الروح. وأولئك الّذين يفشلون في فعل ذلك، مُسكِتين روحهم ومناهضين تطلّعاتها، هم مذنبون بقتله، حارمين الله وذواتهم مِن الفرح المقابل في الغبطة.
هذه الدفاتر تنتمي إلى فئة مِن الكتابات الصوفيّة المعروفة جيّداً في الكنيسة الكاثوليكيّة: تلك الكتابات المسمّاة "الوحي الخاص". هذا النموذج مِن الوحي لا يُلزِم إيمان المسيحيّين، ولكنّه يمتلك قيمة في إمكانيّته تثقيف النفوس وتأجيجها، دافعة إيّاها إلى حبّ الله حبّاً أعظم ووضع التعاليم الإلهيّة موضع التطبيق العملي في الحياة اليوميّة.
نحن واثقون، لا بل مقتنعون، أنّ هذا العمل يمتلك هذه الصفات الموحى بها بفيض، وبهذا الروح نقدّمه للقرّاء كغذاء روحيّ.
ديفيد. ج. مورّاي