ج4 - ف174

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

174- (يسوع مع سالومة، زوجة سمعان ابن عمّه)

 

20 / 10 / 1945

 

يسوع يجتاز الناصرة مع سمعان الغيور ومارغزيام، متّجهين صوب الريف الممتدّ باتّجاه قانا. ويجتاز مدينته العدائيّة وعديمة الإيمان، سالكاً بالضبط الشوارع الأكثر مركزيّة، وقاطعاً بشكل مُوارِب ساحة السوق المكتظّة في تلك الساعة الصباحيّة. يلتفت كثيرون للنَّظَر إليه. قليلون جدّاً مِن السكّان يحيّونه، النساء، وبالأخصّ المسنّات منهنّ، يبتسمن له، ولكن لا أحد يُقبِل إليه، ما عدا بعض الأطفال. وعندما يمرّ يُرافِقه هَمس. بالتأكيد، يسوع يرى كلّ شيء، ولكنّه لا يُظهِر ذلك. يتحدّث إلى سمعان أو إلى الصبيّ الكائن بين الرَّجُلَين، ويُتابِع طريقه.

 

إنّهم الآن عند البيوت الأخيرة. على عَتَبَة واحد مِن هذه البيوت امرأة في حوالي الأربعين مِن عمرها. يبدو أنّها تنتظر أحداً. عندما ترى يسوع تهمّ بالتقدّم، ثمّ تتوقّف وتخفض رأسها وقد علاها الاحمرار.

 

«إنّها إحدى قريباتي، هي زوجة سمعان بن حلفى.» يقول يسوع للرَّسول.

 

تبدو المرأة وكأنّها على الأشواك، فريسة لمشاعر متناقضة. يتبدّل لونها، ترفَع عينيها وتخفضهما. وجهها كلّه يُعبِّر عن أنّ سبباً ما يَكبَح فيها رغبة في التكلّم.

 

«السلام لكِ يا سالومة.» يقول لها يسوع محيّياً وقد أَصبَحَ قريباً منها.

 

تنظر إليه المرأة مندهشة مِن صوت قريبها الحنون، وتُجيب، وقد زاد احمرارها: «السلام لـ...» رغبتها في البكاء تمنعها مِن إتمام الجملة. تغطّي وجهها بثني ذراعها وتبكي قَلِقَة، مُستَنِدة على إطار الباب.

 

«لماذا تبكين هكذا، يا سالومة؟ ألا يمكنني فِعل شيء لمواساتكَ؟ تعالي هنا، في هذا الرُّكن، وقولي لي ما بكِ...» ويمسكها مِن مِرفقها ويسير بها في زقاق يفصل بيتها عن حديقة بيت آخر. سمعان، ومعه مارغزيام مندهشاً، يَمكُثان عند مدخل الزُّقاق.

 

«ما بكِ يا سالومة؟ أنتِ تعرفين أنّني أحبّكِ كثيراً، أنّني أحبّكم كثيراً على الدوام. جميعكم. هكذا على الدوام. عليكِ أن تؤمني بذلك، لذا عليكِ أن تَثِقي...»

 

يتوقّف البكاء كما لسماع هذا الكلام وفهم معناه الحقيقيّ، ثمّ تُعاوِد وبشكل أقوى، بالتناوب مع الكلمات المتقطّعة: «أنتَ نعم... نحن... ليس أنا، ومع ذلك... ولا حتّى سمعان... ولكنّه هو أكثر غباء منّي... أنا كنتُ أقول له... "ادعُ يسوع"... ولكنّ البلدة كلّها ضدّنا... ضدّكَ... ضدّي... ضدّ ابني...» وحينما تَصِل إلى حدّ مأساويّ، فإنّ بكاءها يُصبِح بدوره مأساويّاً. فتعضّ المرأة نفسها، وتُتَمتِم، وتَلطُم وجهها، كما لو أنّ الألم كان يَجعَلها تَهذي.

 

يُمسِك لها يسوع يديها قائلاً: «لا ليس هكذا. أنا هنا لمواساتكِ. تكلّمي وسأتدبّر أنا كلّ الأمور...»

 

تَنظُر إليه المرأة وهي تفرك عينيها دَهشَة وألماً. ولكنّ الرجاء مَنَحَها قوّة لتتكلّم، وتتكلّم بتؤدة: «حتّى ولو كان سمعان مُذنِباً سترحمني؟ حقّاً؟... آه! يا يسوع، يا مَن تُخلِّص الجميع! صغيري! حلفى، آخِر أولادي، مريض... وهو مُشرِف على الموت!... لقد كنتَ تحبّه، حلفى. كنتَ تَصنَع له لُعَباً مِن الخشب... كنتُ ترفعه لِيَقطُف العنب والتين مِن أشجاركَ... وقبل أن تمضي إلى... إلى العالم، كنتَ تُعلِّمه أموراً كثيرة صالحة... الآن لم يَعُد بإمكانكَ... إنّه كالميت... لن يأكل العنب والتين بعد الآن. لن يتعلّم شيئاً...» وتبكي بدموع حارّة.

 

«سالومة، كوني طيّبة، وقولي لي ما به.»

 

«بطنه يؤلمه كثيراً. لقد صَرَخَ مِن المغص، وبقي يهذي عدّة أيّام. أمّا الآن فلم يَعُد يتكلّم. إنّه كَمَن تلقّى ضربة على رأسه. إنّه يتمتم ولكنّه لا يُجيب. لا يدري حتّى إنّه يُتمتِم. إنّه شاحب مُمتَقِع. وهو يَبرُد الآن. ومنذ أيّام وأنا أطلب مِن سمعان أن يمضي ويبحث عنكَ. ولكن... آه! لقد أحببتُه على الدوام، أمّا الآن فإنّني أكرهه لأنّه غبيّ، مِن أجل فكرة بلهاء يَجعَل ابني يموت. ولكنّه لو مات فسأمضي إلى بيت أهلي مع أولادي الآخرين. فليس بمقدوره أن يكون أباً عند اللّزوم. وأنا أدافع عن أبنائي. سأمضي، نعم. ولِيَقُل الناس ما يشاؤون. سوف أمضي.»

 

«لا تتكلّمي هكذا. اقتلعي فوراً فكرة الانتقام هذه مِن رأسكِ.»

 

«إنّها عدالة. أنا أثور، أترى ذلك؟ أنا انتظرتكَ لأنّ أحداً لم يكن ليقول لكَ: "تعال". أمّا أنا فأقولُها لكَ. إنّما كان عليَّ أن أفعل كما لو كانت فِعلاً مُشيناً، ولا يمكنني أن أقول لكَ: "ادخل"، لأنّ جماعة يوسف في البيت، و...»

 

«ليس هذا ضروريّاً. هل تَعِدينني أن تسامحي سمعان؟ أن تكوني زوجته الصالحة على الدوام؟ إذا وعدتِني بذلك أقول لكِ أنا: "عودي إلى بيتكِ، وابنكِ المعافى سيبتسم لكِ". هل يمكنكِ الإيمان بهذا؟»

 

«أنا أؤمن بكَ. حتّى ولو كان ذلك يُخالِف الجميع، أُؤمِن.»

 

«وبما أنّكِ تؤمنين، هل يمكنكِ أن تُسامِحي؟»

 

«...هل ستشفيه لي حقّاً؟»

 

«ليس هذا فقط. أَعِدكِ بأن يتوقّف شكّ سمعان بي، وحلفى الصغير وبقيّة الأولاد وأنتِ ومعكِ زوجكِ، أبوهم، ستعودون إلى بيتي. مريم تَذكُر اسمكِ على الدوام...»

 

«آه! مريم، مريم! لقد وُلِد حلفى حينما كانت هنا... نعم يا يسوع، سوف أسامح. لن أقول له شيئاً... أو بالأحرى سوف أقول له: "هكذا يَردُّ يسوع على تصرّفكَ: بإعادته ابنكَ لكَ". فهذا، يمكنني أن أقوله له!»

 

«يمكنكِ قوله... اذهبي، يا سالومة! لا تعودي تبكين. وداعاً. السلام لكِ يا سالومة الطيّبة. اذهبي، اذهبي!» ويُعيدها إلى الباب، ويَنظُر إليها تَدخُل، يبتسم وهو يراها متلهّفة، تَهرَع إلى المدخل دون حتّى أن تُغلِق الباب، ويدنو هو ببطء لِيُغلقه تماماً.

 

يَلتَفِت إلى الرفيقين ويقول: «والآن فلنمضِ إلى حيث كان علينا الذهاب...»

 

«هل تعتقد أنّ سمعان سيهتدي؟» يَسأَل الغيور.

 

«هو ليس بكافر. إنّه فقط مُسَيطَر عليه مِن الأقوى.»

 

«آه! ولكن إذن! هو أمر أعظم وأقوى مِن المعجزة!»

 

«ها إنّكَ تُجيب على نفسكَ بنفسكَ... أنا مسرور لتخليصي الطفل. لقد رأيتُهُ عندما كان عمره لم يتجاوز بعد الساعات القليلة، وقد أحبَّني كثيراً دائماً...»

 

«مثلي؟ وسيصبح تلميذاً؟» يَسأَل مارغزيام مهتمّاً، وقد صَعُب عليه الاعتقاد أنّ أحداً يمكنه أن يحبّ يسوع كما يحبّه هو.

 

«أنتَ تحبّني كطفل وكتلميذ. حلفى كان يحبّني كطفل فقط. أمّا فيما بعد، فإنّه سيحبّني كتلميذ. ولكنّه الآن ما يزال طفلاً. إنّه في حوالي الثامنة مِن عمره. سوف تراه.»

 

«إذن كطفل وتلميذ، لا يوجد أحد سِواي.»

 

«أنتَ بمفردكَ، حاليّاً. إنّكَ رئيس الأطفال التلاميذ. وحينما تَبلُغ كمال الرُّجولة، تذكَّر أنّكَ عَرفتَ كيف تكون تلميذاً لا يقلّ عن الرجال، وبالنتيجة، افتح ذراعيك لكلّ الأطفال الذين سيأتون إليكَ باحثين عنّي وقائلين: "أريد أن أكون تلميذ المسيح". هل ستفعل ذلك؟»

 

«سوف أفعل ذلك.» يَعِد مارغزيام بجدّيّة…

 

الريف الذي يَظهَر الآن، مضاء كلّه بنور الشمس، أَصبَحَ يُحيط بهم، وهُم يبتعدون عنّي، تحت الشمس...