ج8 - ف10

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

10- (في مدينة أورشليم وفي الهيكل بعد قيامة لعازر)

 

27 / 12 / 1946

 

إذا كان خبر موت لعازر قد حرّك وهيّج أورشليم وقسماً لا بأس به مِن اليهوديّة، فإنّ خبر قيامته قد انتهى إلى هزّ المشاعر والولوج كذلك إلى حيث لم يُحدِث خبر وفاته أيّة إثارة.

 

بدون شكّ الفرّيسيّون والكَتَبَة القلائل، أو بالأحرى السنهدرينيّون الحاضرون عند القيامة، لم يُحدّثوا العامّة عنها. أمّا اليهود فقد تحدّثوا عنها حتماً، والخبر انتشر مثل البرق، ومِن منزل إلى آخر، ومِن شرفة إلى أخرى، أصوات نسوة تردّده، فيما يعمّمه الشعب في الأسفل فرحين بشكل عظيم لانتصار يسوع، ولعازر. الناس يملأون الشوارع متراكضين هنا وهناك، ظانّين دوماً بأنّهم أوّل الواصلين لنقل الخبر، إنّما يلبثون خائبين لأنّ الخبر معلوم في عوفل كما في بيزيتا، في صهيون كما في النقطة [الجادّة] السادسة. إنّه معلوم في المعابد والمتاجر، في الهيكل وفي قصر هيرودس. إنّه معلوم في قلعة أنطونيا، ومِن قلعة أنطونيا ينتشر، إلى أماكن الحراسة عند الأبواب، أو بالعكس. إنّه يملأ القصور كما الأكواخ: «إنّ رابّي الناصرة قد أقام لعازر بيت عنيا، الّذي مات عشيّة الجمعة، ووُضِع في القبر قبل بداية السبت، وقام في الساعة السادسة هذا اليوم.»

 

التهاليل العبريّة للمسيح والعليّ، تتداخل مع هتافات الرومان المختلفة: «بحقّ جوبيتر!، بحق بولوكس! بحق ليبيتينا!» وهلمّ جَرّاً.

 

الوحيدون الّذين لا أراهم وسط الجمع الّذي يتحدّث في الشوارع هم السنهدرينيّون. لا أرى واحداً منهم، فيما أرى خُوزي ومَنَاين يخرجان مِن قصر فخم، وأسمع خُوزي يقول: «عظيم! عظيم! لقد أرسلتُ الخبر في الحال إلى يُوَنّا. هو حقّاً الله!» ومَنَاين يجيبه: «إنّ هيرودس، الّذي أتى مِن أريحا لتملّق… السيّد، بيلاطس البنطيّ، يبدو مجنوناً في قصره، فيما هيروديا مهتاجة، وتحثّه كي يأمر باعتقال المسيح. إنّها ترتعد مِن سلطانه. وهو مِن الندم. إنّ أسنانه تصطكّ وهو يقول للأكثر وفاءً أن يحموه… مِن الأشباح. لقد ثمل لمنح نفسه الشجاعة، والخمر يدور في رأسه ويُريه خيالات. إنّه يصرخ قائلاً بأنّ المسيح قد أقام أيضاً يوحنّا، الّذي يصرخ في أذنه الآن بلعنات الله. أنا قد هربتُ مِن جهنم تلك. لقد اكتفيتُ بالقول له: "إنّ لعازر قد قام على يد يسوع الناصريّ. حاذر أنتَ مِن أن تمسّه، لأنّه الله." إنّني أُبقيه في هذا الخوف لئلّا يذعن لرغبات امرأته القاتلة.»

 

«أنا عليَّ بالأحرى أن أذهب إلى هناك… عليَّ أن أذهب إلى هناك. إنّما أردتُ قبلها الذهاب إلى إيليئيل وألقانة. إنّهما يعيشان منعزلين. إنّما يظلّان صوتين مؤثّرين في إسرائيل! ويُوَنّا مسرورة لتكريمي لهما. وأنا...»

 

«حماية جيّدة لكَ. هذا صحيح. إنّما ليست أبداً مثل محبّة المعلّم. تلك هي الحماية الوحيدة التي لها قيمة...»

 

خُوزي لا يردّ بشيء. يفكّر… يغيبان عن ناظري.

 

يتقدّم آتياً مِن بيزيتا يوسف الذي مِن الرّامة على عَجَل. يُوقفونه. إنّهم مجموعة مِن السكّان، الّذين لا يزالون غير واثقين إن كان ينبغي تصديق الخبر. ويَسأَلونه عن ذلك.

 

«صحيح. صحيح. لعازر قام وشفي أيضاً. لقد رأيتُه بعينيّ.»

 

«فإذن… هو حقّاً مَسيّا!»

 

«أعماله هي هكذا. حياته كاملة. إنّها الأزمنة. الشيطان يحاربه. ليستنتج كلّ واحد في قلبه ما يكون الناصريّ.» يقول يوسف، بحذر إنّما في ذات الوقت بدقّة. يحيّي ويمضي.

 

يتجادلون وينتهون إلى الاستنتاج: «هو حقّاً مَسيّا.»

 

أحد الجنود يتحدّث ضمن مجموعة: «إن استطعتُ، غداً سأذهب إلى بيت عنيا. بحق فينوس ومارس، إِلَـهَيَّ الـمُفَضَّليَن! يمكنني أن أجول العالم مِن الصحاري الـمُحرِقة إلى الأراضي الجرمانية المتجمّدة ، إنّما أن أجد نفسي أمام شخص، ميت منذ أيّام، يقوم، فهذا لن يحدث لي ثانيةً. أريد أن أرى كيف يكون شخص عائد مِن الموت. سوف يكون أسوداً بفعل مياه أنهار ما وراء القبور...»

 

«فإن كان فاضلاً، فسيكون شاحباً مصفرّاً بعد شربه ماء حقول إليزيه (مكان إقامة المغبوطين في الجحيم) الأزرق. ليس هناك سوى ستيكس...»

 

«سوف يقول لنا كيف هي مروج الزنابق والهادس... آتي أنا أيضاً.»

 

«إذا ما أراد البنطيّ ذلك...»

 

«آه! بالتأكيد يريد ذلك! لقد أرسَلَ في الحال ساعياً إلى كلوديا، كي تأتي. إنّ كلوديا تحبّ هذه الأمور. لقد سمعتُها أكثر مِن مرّة تتناقش مع الأخريات ومع مُعتَقيها اليونان حول النَّفْس والخلود.»

 

«كلوديا تؤمن بالناصريّ. بالنسبة لها هو أعظم مِن أيّ إنسان آخر.»

 

«نعم. إنّما بالنسبة لفاليريا هو أكثر مِن إنسان. هو الله. تقولان إنّه نوعاً ما كجوبيتر وأبولو بالنسبة للقُدرة والجمال، وأكثر حكمة مِن منيرفا. هل رأيتموه؟ أنا أتيتُ إلى هنا للمرة الأولى مع البنطيّ، ولا أعلم...»

 

«أعتقد بأنّكَ وصلتَ في الوقت المناسب لترى أموراً كثيرة. منذ قليل كان البنطيّ يصرخ بملء الصوت الجهير قائلاً: "هنا كلّ شيء يجب أن يتغيّر. يجب أن يفهموا أنّ روما هي الّتي تسيطر، وأنّهم، كلّهم، مُستَعبَدون. وكلّما كانوا أكثر عَظَمَة، كلّما كانوا أكثر استعباداً، لأنّهم أشدّ خطراً." أظنُّ أنّ ذلك كان بسبب ذاك اللوح الّذي حمله إليه خادم حنانيا...»

 

«أجل. هو لا يريد أن يُنصِت إليهم… ويقوم بتبديلنا كلّنا، لأنّه لا يريد صداقة بيننا وبينهم.»

 

«بيننا وبينهم؟ هه! هه! هه! مع أولئك ذوي الأنوف الضخمة ونَتِني الرائحة؟ إنّ البنطي يعجز عن هضم الخنازير الكثيرة الّتي يأكلها. إلّا… إن تكن صداقة مع امرأة لا تأنف مِن تقبيل أفواه حليقة...» يقول أحدهم ضاحكاً بمكر.

 

«هذا حدث منذ اضطرابات عيد المظالّ حيث طلب تبديل كلّ الجنود ونال ذلك، وعلينا المغادرة...»

 

«هذا صحيح. قد تمّ بالفعل الإبلاغ في القيصريّة عن وصول السفينة العسكريّة الّتي تقلّ لونجين ووحدة مئته. ضبّاط جدد، جنود جدد… وكلّ ذلك بسبب تماسيح الهيكل أولئك. لقد كنتُ بأحسن حال هنا.»

 

«أنا كنتُ أفضل حالاً في برينديزي... لكنّني سأعتاد.» يقول الّذي وصل وشيكاً إلى فلسطين.

 

يبتعدون هم كذلك.

 

حرّاس للهيكل يمرّون مع ألواح شمع. يلاحظهم الناس ويقولون: «السنهدرين يعقد اجتماعاً طارئاً. ما الّذي يريدون فِعله؟»

 

أحدهم يجيب: «لنصعد إلى الهيكل ونَرَ...» ينطلقون صوب الطريق الّتي تمضي إلى موريا.

 

الشمس تختفي خلف منازل صهيون والجبال الغربيّة. يهبط المساء، وسوف يُخلي عاجلاً الشوارع مِن الفضوليّين. أولئك الّذين صعدوا إلى الهيكل ينزلون منه مستائين، لأنّهم طُرِدوا حتّى مِن عند الأبواب، حيث مكثوا طويلاً ليروا السنهدرينيّين يمرّون.

 

داخل الهيكل، الخاوي، المقفر، الّذي يلفّه ضوء القمر، يبدو هائلاً. السنهدرينيّون يتجمّعون رويداً رويداً في قاعة السنهدرين. الكلّ موجودون، كما حين الحكم على يسوع، إنّما مَن كانوا آنذاك كَكُتّاب للمحكمة ليسوا موجودين. لا يوجد سوى السنهدرينيّين، قسم في أمكنتهم، قسم ضمن مجموعات عند الأبواب.

 

يدخل قيافا بوجهه وجسمه الّذي لعلجوم (ضفدع) سمين شرّير، ويذهب إلى مكانه.

 

يَبدأون على الفور مناقشة الأحداث الحاصلة، ويُحمّسهم الأمر إلى درجة أنّ الجلسة سرعان ما تغدو حامية. يتركون المقاعد، ينزلون إلى الفسحة الفارغة وهم يشوّرون ويتحدّثون بصوت مرتفع. البعض ينصح بالهدوء والتفكير بتمعّن قبل اتّخاذ القرارات.

 

آخرون يردّون: «إنّما ألم تسمعوا أولئك الّذين أتوا إلى هنا بعد الساعة التاسعة؟ إن فقدنا اليهود الأكثر أهمّيّة، فماذا ينفعنا بعد تكديس الاتّهامات؟ كلّما طال أمد حياته، كلّما قَلّ تصديقنا إذا ما اتّهمناه.»

 

«وهذا الحدث لا يمكن نكرانه. لا يمكن القول للكُثُر الّذين كانوا هناك: "لقد أخطأتم النّظر. لقد كان وهماً. كنتم سكارى" فالميت كان ميتاً. متعفّناً. متحلّلاً. كان قد وُضِع في قبر مقفل، والقبر كان مختوماً تماماً. الميت كان تحت الرباطات والطيوب منذ عدّة أيّام. الميت كان مربوطاً. ومع ذلك فقد خرج مِن مكانه، لقد آتى مِن ذاته دون أن يسير وصولاً إلى الفتحة. وما أن تمّ تحريره، حتّى لم يعد بعد ميتاً في جسده. كان يتنفّس. لم يعد هناك فساد بعد. بينما قبلاً، عندما كان حيّاً، كان مصاباً بقروح، وعندما مات كان متعفّناً تماماً.»

 

«هل سمعتم اليهود الأكثر نفوذاً، أولئك الّذين دفعناهم إلى هناك لاستمالتهم إلينا تماماً؟ لقد آتوا ليقولوا لنا: "بالنسبة لنا هو مَسيّا." لقد أتوا كلّهم تقريباً! العامّة بعد ذلك!...»

 

«وأولئك الرومان الملاعين الطافحون بالخرافات؟ ماذا ستفعلون بشأنهم؟ بالنسبة لهم هو جوبيتر الأعظم. وإذا ما تبنّوا هذه الفكرة! لقد جعلونا نعرف قصصهم، وكان ذلك لعنة. ملعونون هم مَن أرادوا الهلّينيّة فينا، ولنتملّقهم فقد دنّسونا بعادات ليست عاداتنا! إنّما ذلك يفيد أيضاً لمعلوماتنا. ونعرف بأنّ الرومانيّ سريع الهدم والبناء بالمؤامرات والانقلابات. والآن، إذا ما البعض مِن هؤلاء المجانين الّذين هنا قد تحمّسوا للناصريّ، ونادوا به قيصراً، وبالتالي إلهيّاً، فَمَن يقدر على لمسه بعد؟»

 

«إنّما لا! مَن تريد أن يفعل ذلك؟ إنّهم يستهزئون بنا وبه. ومهما كان ما يفعله عظيماً، فهو دوماً "يهوديّ" بالنسبة لهم. وبالتالي بائس. إنّ الخوف يجعلكَ أحمقاً أيا ابن حنانيا!»

 

«الخوف؟ أسمعتَ كيف أجاب البنطيّ على دعوة أبي؟ إنّه مذعور، أقول لكَ. إنّه مذعور مِن هذا الحدث الأخير، ويخشى الناصريّ. يا لبؤسنا! هذا الرجل قد جاء لأجل هلاكنا!»

 

«لو لم نذهب إلى هناك على الأقل، ولو أنّنا لم نأمر تقريباً أكثر اليهود نفوذاً بالذهاب إلى هناك! لو أنّ لعازر قد قام دونما شهود.»

 

«وإذاً؟ ماذا كان ذلك ليُغيّر؟ لم نكن حتماً نستطيع جعله يختفي كي نُقنِع بأنّه لا يزال ميتاً!»

 

«هذا لا. إنّما كان بإمكاننا أن نقول بأنّه كان موتاً زائفاً. يمكن دوماً إيجاد شهود مرتشين ليَنطقوا كذباً.»

 

«إنّما لماذا كلّ هذا الاضطراب؟ لا أرى المبرّر لذلك! أربّما قام بفعل استفزازيّ ضدّ السنهدرين أو كبير الكَهَنَة؟ لا. لقد اكتفى فقط باجتراح معجزة.»

 

«اكتفى؟! ولكن هل أنتَ أحمق، أم مُباع له يا إليعازر؟ ألم يستفزّ السنهدرين أو كبير الكَهَنَة؟ وماذا تريد أكثر؟ الناس...»

 

«يمكن للناس أن يقولوا ما يريدون، إنّما الأمور هي كما يقول إليعازر. الناصريّ لم يقم سوى باجتراح معجزة.»

 

«ها هو الآخر الّذي يدافع عنه! لم تعد بعد عادلاً يا نيقوديموس! لم تعد بعد عادلاً! إنّه عمل ضدّنا. ضدّنا، أتفهم؟ لا شيء سوف يُقنِع الجمع بعد. آه! يا لبؤسنا! أنا اليوم كنتُ محطّ سخرية بعض اليهود. أنا محطّ سخرية! أنا!»

 

«أُصمت يا دوراس! أنتَ لستَ سِوى مجرّد إنسان. إنّما الفكرة قد ضُربت! شرائعنا! امتيازاتنا!»

 

«حسناً تقول يا سمعان، وينبغي الدفاع عنها.»

 

«لكن كيف؟»

 

«بطعن، بتدمير امتيازاته!»

 

«إنّه قول سريع يا صادوق. إنّما بماذا تُدمّرها إن كنتَ لا تُحسِن، مِن ذاتكَ، إحياء بعوضة؟ هنا تلزمنا معجزة أعظم مِن معجزته. إنّما لا أحد منّا يمكنه فِعل ذلك، لأنّ...» إنّ مَن يتكلّم لا يُحسِن قول السبب.

 

يوسف الذي مِن الرّامة يُنهي الجملة: «لأنّنا بشر، فقط بشر.»

 

يَنقَضّون عليه سائلين: «وهو مَن يكون، إذن؟»

 

الرجل الذي مِن الرّامة يجيب واثقاً: «هو الله. وإن كانت لا تزال لديَّ شكوك...»

 

«إنّما لم تكن لديكَ شكوك. نحن نعلم ذلك يا يوسف. نعلم ذلك. إنّما قُل علانيّة بأنّكَ تحبّه!»

 

«ما مِن سوء في أن يحبّه يوسف. أنا بذاتي أعترف به كأعظم رابّي لإسرائيل.»

 

«أنتَ! أنتَ يا غَمَالائيل، تقول هذا؟»

 

«إنّني أقوله. وأن أكون… مخلوعاً على يده هو شرف لي. لأنّني قد حافظتُ حتّى الآن على تقليد الرابّيين العظام، الّذين كان آخرهم هِلِّيل، إنّما لم أكن أعرف مَن يمكنه جمع حكمة العصور مِن بعدي. الآن أرحل مسروراً، لأنّني أعرف بأنّها لن تموت، إنّما على العكس ستصبح أعظم، لأنّها ستنمو بحكمته، الحاضر فيها بالتأكيد روح الله.»

 

«إنّما ما الّذي تقوله يا غَمَالائيل؟»

 

«الحقيقة. فليس بإغماض عيوننا يمكننا تجاهل ما نحن عليه. نحن لم نعد حكماء، لأن أساس الحكمة مخافة الله، ونحن خطأة مجرّدون مِن مخافة الله. فلو كانت لدينا هذه المخافة، لما كنّا ندوس البارّ، ولما كان فينا الجشع الأحمق لثروات العالم. الله يعطي والله يأخذ، بحسب الاستحقاقات والنقائص. وإن نَزَعَ الله منّا ما كان قد أعطانا إيّاه، كي يعطيه لآخرين، فليكن مباركاً، لأنّ الربّ قدّوس هو، ومقدّسة هي جميع أعماله.»

 

«لكنّنا كنّا نتحدّث عن المعجزات، وكنّا نقصد أنّ لا أحد منّا يستطيع اجتراحها لأنّ الشيطان ليس معنا.»

 

«لا. لأنّ الله ليس معنا. إنّ موسى قد شقّ المياه وفَلَقَ الصخر، يشوع قد أوقف الشمس، إيليا أقام الطفل وأَنزَلَ المطر، إنّما الله كان معهم. أُذكّركم أنّ هناك ستة أمور يكرهها الله، ويَنفر مِن السابع: العينان المتعاليتان، اللسان الكاذب، اليدان اللتان تسفكان دم بريء، القلب الّذي يضمر نوايا شرّيرة، القدمان اللتان تهرعان نحو الشرّ، الشاهد بالزور الّذي ينطق بأكاذيب، ومَن يزرع الشقاق بين الإخوة. نحن نفعل كلّ هذه الأمور. نحن، أقول، إنّما أنتم وحدكم تفعلونها. فأنا أمتنع عن الهتاف بـ "هوشعنا"، والصراخ بـ "اللعنة". أنا أنتظر.»

 

«العلامة! أجل! أنتَ تنتظر العلامة! إنّما أيّ علامة تنتظر مِن مسكين مجنون، إن أردنا حقّاً أن نمحنه كلّ المغفرات؟»

 

غَمَالائيل يرفع يديه، ذراعاه إلى الأمام، عيناه مغمضتان، رأسه منحنٍ قليلاً، طقسيّاً بقدر ما يتكلّم على مهل وبصوت عميق: «لقد سألتُ الربّ بقلق أن يبيّن لي الحقيقة، وهو قد أنار لي كلام يشوع بن سيراخ. هذا: "إنّ خالق كلّ الأشياء قد كلّمني وأعطاني أوامره، والّذي خلقني ارتاح في خيمتي وقال لي: ’أَقِم في يعقوب، ليكن إرثكَ في إسرائيل، اضرب جذوركَ وسط مختاريَّ‘"... وأيضاً أنار لي هذه، وقد عرفتُها: "تعالوا إليَّ، أنتم كلّكم يا مَن تتوقون إليَّ، واشبعوا مِن ثماري، لأنّ روحي أكثر حلاوة مِن العسل وإرثي أكثر حلاوة مِن شهد العسل. إنّ ذِكري يدوم في أجيال العصور. مَن يأكلني يَجُع إليَّ، ومَن يشرب منّي يعطش إليَّ، ومَن يستمع إليَّ لن يحمرّ خجلاً، ومَن يعمل لي لا يخطئ، مَن يُعرّف بي ينل الحياة الأبديّة." ونور الربّ نمى في روحي بينما كانت عيناي تقرأان هذا الكلام: "كلّ هذه الأمور يحويها كتاب الحياة، عهد العليّ، عقيدة الحقيقة… إنّ الله قد وعد داود بأن يُولَد منه الـمَلِك كلّي القدرة، الّذي يجب أن يبقى إلى الأزل على عرش المجد. إنّه يفيض حكمة مثل فيشون [أحد الرؤوس الأربعة التي انقسم إليها نهر الجنّة (تكوين 2 : 10-14)] ودجلة في زمن الثمار الجديدة، مثل الفرات يفيض بالذكاء، وينمو مثل نهر الأردن وقت الحصاد. إنّه يبثّ الحكمة مثل النور… هو الأوّل الّذي عرفها تماماً." هذا ما أناره لي الله! إنّما، يا حسرتاه! ماذا أقول، إنّ الحكمة الّتي في وسطنا بغاية العظمة كي ندركها، ونقبل فِكراً أوسع مِن البحار، ومشورة أكثر عمقاً مِن الهاوية العظيمة. ونسمعها تصرخ: "أنا مثل قناة مياه هائلة تدفّقتُ مِن الفردوس، وقلتُ: سوف أروي بستاني، وها هي قناتي تغدو نهراً، والنهر بحراً، ومثل الفجر أَنشر شريعتي على الجميع، وسوف أجعلها معروفة مِن قِبَل الأكثر بُعداً. سوف أخترق الأجزاء الأخفض، أُلقي بنظري على الراقدين، أُنير الّذين يرجون بالربّ. وأنشر أيضاً مذهبي كما نبوءة، وأتركه للباحثين عن الحكمة، ولن أكفّ عن إعلانه حتّى العصر المقدّس. أنا لم أعمل لذاتي فحسب، إنّما لكل الباحثين عن الحقّ". هذا ما أقرأني إيّاه يهوه، العليّ» ويخفض ذراعيه فيما يرفع رأسه.

 

«فإذن هو مَسيّا بالنسبة إليكَ؟! قل ذلك!»

 

«ليس مَسيّا.»

 

«ليس هو؟ فإذن ما هو بالنسبة لكَ؟ شيطان، لا. ملاك، لا. مَسِيَّا، لا...»

 

«هو الّذي هو.»

 

«إنّكَ تهذي! أهو الله؟ أهو الله بالنسبة لكَ؟ ذاك المجنون؟»

 

«هو الّذي هو. الله يعلم مَن هو. نحن نرى صنائعه. والله يرى كذلك أفكاره. إنّما هو ليس مَسيّا، لأنّ مَسيّا يعني مَلِكاً بالنسبة لنا. وهو ليس، ولن يكون مَلِكاً. لكنّه قدّوس. وأعماله أعمال قدّوس. ونحن لا يمكننا رفع اليد على البريء، دون ارتكاب خطيئة. أنا لن أُوقّع على الخطيئة.»

 

«إنّما بهذا الكلام أنتَ تقريباً قلتَ عنه إنّه الـمُنتَظَر!»

 

«لقد قلتُه. طالما دام نور العليّ، أنا قد رأيتُه هكذا. ثمّ… عندما ما عادت تمسك بي يد الربّ، المرتفع عالياً في نوره، عدتُ إنساناً، إنسان إسرائيل، والكلام ما عاد سوى كلام الإنسان الإسرائيليّ، كلامي، كلامكم، كلام الّذين كانوا قبلنا، ولا سمح الله، كلام الّذين بعدنا، الّذي نعطيه المعنى الّذي في فِكرهم، في فِكرنا، لا معناها في الفِكر الأزليّ الّذي أملاه على خادمه.»

 

«إنّنا نتكلّم، نهذي، نضيع الوقت. والشعب يهيج.» يقول كنعان بصوته الأجشّ.

 

«حسناً تقول! ينبغي أن نقرّر ونتصرّف كي ننقذ أنفسنا وننتصر.»

 

«تقولون إنّ بيلاطس لم يُرِد الإصغاء إلينا عندما كنّا نطلب مساعدته ضدّ الناصريّ. إنّما لو كنّا أَعلَمناه… لقد قلتُم قبلاً أنّ الجند إذا ما تحمّسوا، فيمكنهم أن ينادوا به قيصراً… هه! هه! إنّها فكرة جيّدة! هيّا بنا نطرح على الوالي هذا الخطر. سوف نُكرَّم كخُدّام أوفياء لروما و… وإن هو تدخّل فسوف نتخلّص مِن الرابّي. هيّا بنا، هيّا بنا! أنتَ يا إليعازر بن حنانيا، يا مَن أنتَ صديقه أكثر مِن الجميع، كن قائدنا.» يضحك حِلقِيّا بصوت كالأفعى.

 

هناك بعض التردّد، إنّما بعد ذلك، مجموعة مِن الأكثر تشدّداً، يخرجون ليتوجّهوا إلى قلعة أنطونيا. يبقى قيافا مع الآخرين.

 

«في هذه الساعة! لن يتمّ استقبالهم.» يعترض أحدهم.

 

«لا، على العكس! إنّها الأفضل. إنّ البنطيّ يكون دوماً في مزاج جيّد بعد الشرب والأكل مثلما يشرب وثنيّ ويأكل...»

 

أتركهم هناك يتجادلون، ويتّضح لي مشهد قلعة أنطونيا.

 

سرعان ما يتمّ قطع المسافة ودون صعوبة، بقدر ما هو صافٍ ضوء القمر، المتباين تماماً مع الأنوار الحمراء للمصابيح المضاءة في مدخل القصر الامبراطوريّ.

 

إليعازر ينجح في الإعلان عن قدومه لبيلاطس، يتمّ إدخالهم إلى قاعة كبيرة وفارغة. فارغة تماماً. ليس هناك سوى كرسيّ ضخم، واطئ المسند، مغطّى بقماش أرجواني يَبرز بحدّة في البياض المطلق للقاعة. يلبثون متجمّعين معاً، خائفين قليلاً، يرتجفون برداً، واقفين على رخام الأرض الأبيض. لا يأتي أحد. الصمت مطبق. إنّما، مِن حين لآخر، موسيقى بعيدة تكسر هذا الصمت.

 

«إنّ بيلاطس يتناول الطعام، هو بالتأكيد مع أصدقاء. هذه الموسيقى تُعزف في صالة الطعام ثلاثيّة الأرائك. سيكون هناك رقص تكريماً للضيوف.» يقول إليعازر بن حنانيا.

 

«فاسدون! غداً سوف أتطهّر. إنّ الشبق يرشح مِن هذه الجدران.» يقول حِلقِيّا باشمئزاز.

 

«لماذا أتيتَ إذن؟ وأنتَ مَن اقترحتَ ذلك.» يردّ عليه إليعازر.

 

«إكراماً لله ولخير الوطن يمكنني تقديم أيّ تضحية. وهذه تضحية عظيمة! كنتُ قد تطهّرت لاقترابي مِن لعازر… والآن!... نهار رهيب هو اليوم!»

 

بيلاطس لا يأتي. الوقت يمرّ. إليعازر، المعتاد على المكان، يجرّب الأبواب. كلّها مقفلة. الخوف يستولي على الحاضرين. قصص مفزعة تعود إلى الأذهان. إنّهم يندمون لقدومهم. يشعرون أنّهم أصبحوا هالكين.

 

أخيراً، مِن الجهة المقابلة لهم، حيث هم قرب الباب الّذي دخلوا منه، وبالتالي قرب الكرسيّ الوحيد في المكان، هوذا يُفتَح باب ويدخل بيلاطس، بردائه الأبيض كما هي الصالة. يدخل فيما يتحدّث إلى مدعوّين. يضحك. يستدير ليأمر عبداً رَفَعَ ستارة إلى ما وراء الباب، بإلقاء خلاصات عطريّة في مجمرة وجلب معطّرات وماء للأيدي، وأن يأتي عبد بمرآة ومماشط. لا يبالي بالعبرانيّين، كما لو أنّهم لم يكونوا موجودين. أولئك يغضبون، إنّما لا يجرؤون على الإتيان بحركة…

 

في تلك الأثناء، إلى هناك، تُجلَب المجامر، تُنثَر الأصماغ فوق النار، يُسكَب ماء معطّر على أيدي الرومان. وعبد، بحركات خبيرة، يعيد تمشيط الشعر وفقاً لذوق الرومان أغنياء تلك الحقبة. والعبرانيّون يستشيطون غضباً.

 

يضحك الرومان فيما بينهم ويتمازحون، ينظرون مِن حين لآخر إلى المجموعة الّتي تنتظر هناك في العمق، وأحدهم يتحدّث إلى بيلاطس الّذي لم يستدر أبداً لينظر، لكنّ بيلاطس يهزّ كتفيه بإيماءة سأم، ويصفّق بيديه كي يستدعي عبداً، ويأمره بصوت مرتفع بجلب الحلويات وبإدخال الراقصات. العبرانيّون، ساخطين، يستشيطون غضباً. تصوّروا واحداً مثل حِلقِيّا مضطراً لمشاهدة راقصات! إنّ وجهه قصيدة عذاب وكراهية.

 

يأتي العبيد بقطع حلوى في أكواب ثمينة، وخلفهم الراقصات مكلّلات بزهور، وبالكاد مغطّيات بأنسجة خفيفة بحيث تبدو كأنّها أوشحة. الأجساد شديدة البياض تشفّ مِن خلال الأردية الخفيفة، المصبوغة بالزهريّ والأزرق الفاتح، عندما تمرّ أمام المجامر المتوهّجة والمصابيح الكثيرة الموضوعة هناك في العمق. الرومان يُعجَبون برشاقة الأجساد والحركات، وبيلاطس يطلب ثانيةً رقصة أعجبته بشكل خاصّ. حِلقِيّا -ورفاقه يقتدون به- يستدير حانقاً إلى الحائط كي لا يرى الراقصات يطرن كما فراشات في تمايل ألبسة غير لائقة.

 

ما أن تنتهي الرقصة القصيرة، يصرفهنّ بيلاطس، واضعاً في يد كلّ واحدة كوباً مليئاً بالحلويات، والذي يلقي فيه سِواراً باستهتار. وأخيراً يتكرّم بالاستدارة لينظر إلى العبرانيّين، ويقول لأصدقائه بصوت سَئِم: «والآن… عليَّ أن أنتقل مِن الحلم إلى الواقع… مِن الشِّعر إلى… الرياء... مِن الرشاقة إلى قباحات الحياة. يا لبؤس أن يكون المرء والياً!... سلام، أيّها الأصدقاء، ولتكن بكم شفقة تجاهي.»

 

يبقى لوحده، ويقترب على مهل مِن العبرانيّين. يجلس، يتفحّص يديه المعتنى بهما جيّداً ويكتشف خطباً ما تحت ظِفر. ينشغل ويهتمّ به، ساحباً مِن ثوبه قضيباً ذهبياً صغيراً، يعالج به الضرر الكبير لظِفر معيب…

 

ثمّ، يتلطّف، ويدير رأسه على مهل. يضحك بسخرية لرؤيته العبرانيّين لا يزالون منحنين انحناءة عبيد، ويقول لهم: «أنتم! هنا! أَوجِزوا. لا وقت لديَّ أُضيعه على أمور بلا أهميّة.»

 

يقترب العبرانيّون وهم لا يزالون بوضعيّة العبيد، إلى أن: «كفى! ليس قريباً جدّاً» تُسمّرهم بالأرض. «تكلّموا! وانتصبوا، لا يجدر سِوى بالحيوانات أن تبقى منحنية نحو الأرض.» ويضحك.

 

ينتصب العبرانيّون تحت وطأة التهكّم ويقفون متباهين.

 

«فإذن؟ تكلّموا! لقد ألححتم بالمجيء. الآن وقد صرتم هنا، تكلّموا.»

 

«كنّا نريد أن نقول لكَ… على حدّ علمنا… نحن خدّام أوفياء لروما...»

 

«ها! ها! ها! خدّام أوفياء لروما! سوف أقوم بإعلام قيصر الإلهيّ وسوف يكون مسروراً مِن ذلك! سوف يكون مسروراً! تكلّموا، أيّها الدجّالون! وأسرعوا!»

 

السنهدرينيّون يرتجفون غضباً، إنّما لا يُظهِرون ردّ فِعل. حِلقِيّا يتكلّم نيابة عن الجميع: «يجب أن تعلم، يا بنطيّ، أنّ اليوم في بيت عنيا قد أُقيم رجل مِن الموت...»

 

«أعلم ذلك. أجئتم كي تقولوا لي هذا؟ كنتُ على علم بذلك بالفعل منذ عدّة ساعات. يا لسعادته، حيث عرف بالفعل ما هو الموت وما هو العالم الآخر! وما الّذي يمكنني فِعله إن قام لعازر بن ثيوفيلوس مِن الموت؟ قد يكون حمل لي رسالة مِن الهاديس؟» إنّه ساخر.

 

«لا. إنّما قيامته خطر هي...»

 

«بالنسبة له؟ بالتأكيد! خطر وجوب الموت مجدّداً. عمليّة غير سارّة. وإذن؟ ما الّذي يمكنني فِعله؟ هل أنا جوبيتر؟»

 

«خطر ليس على لعازر، إنّما على قيصر.»

 

«على؟… السيّد! إنّما قد أكون شربتُ كثيراً! قلتم: على قيصر؟ وبماذا يمكن للعازر أن يؤذي قيصر؟ أربّما تخشون أن تُفسِد رائحة نتانة قبره الهواء الّذي يتنفسّه الإمبراطور؟ اطمئنّوا! هو بعيد جدّاً!»

 

«ليس هذا. الأمر هو أنّ لعازر وقد قام، يمكنه أن يطيح بالإمبراطور.»

 

«يخلعه عن العرش؟ ها! ها! ها! هذا أمر أكبر مِن العالم! فإذن لستُ أنا السكران، بل أنتم. قد يكون الهلع شوّش عقولكم. رؤية قيامة… أظنُّ، أظنُّ أنّ ذلك يمكن أن يصيب بالتشوّش. هيّا، هيّا إلى السرير. احظوا براحة جيّدة. حمّام ساخن. ساخن جدّاً. إنّه ناجع ضدّ الهذيانات.»

 

«نحن لا نهذي أيّها البنطيّ. نقول لكَ بأنّكَ إن لم ترتّب أمركَ جيّداً، فسوف تُمضِي ساعات بائسة. حتماً سوف تُعاقَب، هذا إن لم تُقتَل على يد الـمُغتَصِب. قريباً سوف يُعلَن الناصريّ مَلِكاً، مَلِك العالم، أتفهم؟ الجنود ذاتهم سوف يفعلون ذلك. إنّ الناصريّ يفتنهم، وحَدَث اليوم حمّسهم. أيّ خادم لروما أنتَ إن لم تكترث لسلامها؟ أتريد إذن أن ترى الإمبراطوريّة مُزعزعة ومنقسمة بسبب تقاعسكَ؟ أتريد أن ترى روما مهزومة والرايات مرميّة، الإمبراطور مقتولاً، كلّ شيء مُدمَّراً...»

 

«أُصمتوا! أنا مَن يتكلّم. وأقول لكم: إنّكم مجانين! وأكثر بعد: إنّكم كذّابون. لصوص أنتم. إنّكم تستحقّون الموت. أُخرجوا مِن هنا، أيّها الخدّام لمصالحكم، لكراهيّتكم، لدناءتكم. أنتم عبيد، لا أنا. أنا مواطن رومانيّ، والمواطنون الرومانيّون ليسوا خاضعين لأحد. أنا الموظف الإمبراطوريّ وأعمل لخير الوطن. أنتم… التابعون. أنتم… أنتم الخاضعون لنا… المحكومون المقيّدون إلى المقاعد، وترتعشون عبثاً. إنّ سُوط القائد فوقكم. الناصريّ!... أتريدونني أن أقتل الناصريّ. أتريدونني أن أسجنه؟ بحقّ جوبيتر! إن كان عليَّ لأجل سلامة روما والإمبراطور الإلهيّ أن أسجن التابعين الخطرين أو أن أقتلهم هنا حيث أحكم، فإنّ الناصريّ وأتباعه، هم وحدهم، مَن يجب أن أدعهم أحراراً وأحياء. هيّا. انقلعوا ولا تعودوا أبداً بعد للمثول أمامي. أيّها المشاغبون! أيا مثيري الفتنة! أيّها اللصوص وشركاء اللصوص! لا أجهل ولا واحدة مِن دسائسكم. اعلموا ذلك. واعلموا كذلك أنّ أسلحة وفيالق جديدة قد استُخدِمت لاكتشاف مكائدكم ووسائلكم. تصرخون بسبب الضرائب الرومانيّة. إنّما كم كلّفكم مَلكيّا الجلعاديّ، ويونا الّذي مِن سيتوبوليس، وفليبّس الّذي مِن سوكو، ويوحنا الّذي مِن بيت آوِنَ، ويوسف راموت، وكلّ الآخرين الّذين سيتم القبض عليهم قريباً؟ ولا تذهبوا قرب مغائر الوادي، لأنّ فيها جنوداً أكثر مِن الحجارة، وإنّ الشرائع وسفن الأشغال الشاقّة هي نفسها للجميع. للجميع! أتفهمون؟ للجميع. وآمُل أن أعيش طويلاً بما يكفي كي أراكم جميعاً مقيّدين بالسلاسل، عبيداً وسط العبيد أسفل عقب روما. أُخرجوا! اذهبوا وأَبلِغوا إجابتي-حتّى أنتَ يا إليعازر بن حنانيا، الّذي لم أعد أرغب أن أراك بعد في منزلي- ذلك أنّ زمن التساهل قد ولّى، وبأنّني أنا الوالي وأنتم الخاضعون. الخاضعون. وأنا مَن يتحكّم. باسم روما. اخرجوا! يا حيّات الليل! يا مصّاصي الدماء! والناصريّ يريد افتداءكم؟ لو هو كان الله، لكان عليه أن يصعقكم! ولكانت اختفت اللطخة الأقذر مِن العالم. إلى الخارج! ولا تجرؤوا على تدبير مؤامرات، أو سوف تواجهون السيف والسوط.»

 

ينهض ويمضي صافقاً الباب في وجه السنهدرينيّين المنذهلين، الّذين لا يحظون بالوقت لاستعادة روعهم، لأنّ مفرزة مسلّحة تدخل وتطردهم خارج القاعة والقصر مثل مجموعة كلاب.

 

يعودون إلى قاعة السنهدرين. يَروون. الاضطراب على أشدّه. إنّ خبر اعتقال الكثير مِن اللصوص، والإغارات على المغاور للقبض على الآخرين يزعج بشدّة كلّ الّذين بقوا، لأنّ كُثُراً، وقد تعبوا مِن الانتظار، قد رحلوا.

 

«ومع ذلك لا يمكننا تركه يعيش.» يصيح بعض الكَهَنَة.

 

«لا يمكننا تركه يعمل. فهو يعمل. ونحن لا نفعل شيئاً. ونتقهقر يوماً إثر يوم. إن تركناه حرّاً بعد، فهو سوف يواصل اجتراح معجزات، والكلّ سوف يؤمنون به. وسوف ينتهي الرومان إلى أن يكونوا ضدّنا، وأن يدمّرونا تماماً. البنطيّ يقول ذلك. إنّما إن نادى به الجمع مَلِكاً، آه! فيتوجّب عندئذ على البنطيّ معاقبتنا، كلّنا. يجب ألّا نسمح بذلك.» يصرخ صادوق.

 

«حسناً. إنّما كيف؟ الطريقة… القانونيّة الرومانيّة قد فشلت. البنطيّ يثق بالناصريّ. طريقتنا… القانونيّة… قد جُعِلت مستحيلة. هو لا يرتكب خطيئة...» يعترض أحدهم.

 

«نخترع الخطيئة، إن لم تكن هناك خطيئة.» يلمّح قيافا.

 

«إنّما فِعل ذلك هو خطيئة! القَسَم الكاذب! إدانة بريء! إنّ هذا… كثير!...» تقول الأغلبيّة بهلع.

 

«إنّها جريمة، لأنّه سيلقى الموت.»

 

«وإذن؟ أيخيفكم ذلك؟ إنّكم بلهاء ولا تفهمون شيئاً. بعد الّذي حدث، يسوع يجب أن يموت. ألا تفكّرون جميعكم أنّه مِن الأفضل لنا أن يموت رجل واحد عن كثيرين؟ وبالتالي أن يموت هو كي يخلّص شعبه، لئلّا تهلك الأمّة كلّها. وفوق ذلك… هو يقول بأنّه المخلّص. فليُضحِّ بنفسه إذن ليخلّص الجميع.» يقول قيافا، مُقزِّزاً بحقده البارد والماكر.

 

«لكن يا قيافا! فَكِّر! هو...»

 

«لقد تكلّمتُ. إنّ روح الربّ عليَّ، أنا كبير الكَهَنَة. الويل لِمَن لا يحترم حَبر إسرائيل. إنّ صواعق الله عليه! كفى انتظاراً! كفى جِدالاً! إنّني آمر وأقرّر بأنّ يأتي أيّ شخص يعرف مكان وجود الناصريّ، ويبلّغ عن موضعه، واللعنة على مَن لا يطيع كلامي.»

 

«لكن حنانيا...» يعترض البعض.

 

«حنانيا قال لي: "كلّ ما ستفعله سيكون مقدّساً". لنرفع الجلسة. يوم الجمعة، بين الساعة الثالثة والساعة السادسة، الجميع هنا للتداول. قد قلتُ، الجميع. أَعلِموا الغائبين. وليُستدعَ جميع رؤساء العائلات والطبقات. كلّ نخبة إسرائيل. السنهدرين قد تكلّم. أُمضوا.»

 

وينسحب أوّلاً مِن حيث أتى، فيما يمضي الآخرون مِن اتّجاهات أخرى، ويخرجون مِن الهيكل وهم يتحدّثون بصوت خافت، عائدين إلى منازلهم.