ج4 - ف142
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
142- (يسوع يُرسِل الاثنين والسبعين ليبشّروا به)
17 / 09 / 1945
ما أن صَرَفَ الفقراء بعد الطعام، حتّى بَقِيَ يسوع مع رُسُـله وتلاميذه في حديقة مريم المجدليّة. يَجلسون عند حدودها بالقرب مِن مياه البحيرة الساكنة، إنَّما المكتظّة بـمَراكِب الصيّادين المنهمكين في الصيد.
«سوف يَحصلون على صيد وفير.» يقول بطرس الذي يُراقِبهم.
«أنتَ كذلك، سوف يكون صيدكَ وفيراً، يا سمعان بن يونا.»
«أنا يا ربّ، متى؟ أتريدني أن أَخرُج للصيد مِن أجل طعام الغد؟ سأذهب حالاً و...»
«لسنا في حاجة إلى طعام في هذا البيت. الصيد الذي ستقوم به، للمستقبل هو، وفي المجال الروحيّ. وسوف يكون معكَ صيّادون ممتازون، أَغلَب هؤلاء.»
«أليس جميعهم، يا معلّم؟» يَسأَل متّى.
«ليس الجميع. إنّما الذين، بالمثابرة سيُصبِحون كَهَنَتي، فسيصيدون صيداً وفيراً.»
«هِدايات، أليس كذلك؟» يَسأَل يعقوب بن زَبْدي.
«هِدايات، توبة، عودة إلى الله. آه! أشياء كثيرة.»
«اسمع يا معلّم. لقد قلتَ لنا سابقاً، إن لم يَسمَع أحد لأخيه، حتّى بوجود شهود، فليؤنّبه المجمع. والآن، إن كنتُ قد أدركتُ تماماً ما قُلتَه لنا، منذ أن تعارفنا، يبدو لي أنّ الكنيسة سوف تحلّ محلّ المجمع، تلك التي سوف تؤسّسها. إذن أين سنذهب لِنُصح الإخوة المتعنِّتين؟»
«سوف تذهبون إلى ذواتكم، لأنّكم أنتم مَن سوف تكونون كنيستي. بالنتيجة، سوف يأتي المؤمنون إليكم، إمّا لكي يحصلوا على نُصح لذواتهم، وإمّا ليُقدّموا النُّصح لآخرين. أقول لكم أكثر: لن يكون بإمكانكم إسداء النصائح فقط، بل سـيكون بإمكانكم أن تَحلّوا مِن الخطايا باسمي. سيكون بإمكانكم فكّ سلاسل الخطيئة، كما يمكنكم عقد رباط شخصين يتحابّان، جاعِلِين منهما جسداً واحداً. وما سوف تفعلونه سيكون مقبولاً في عينيّ الله كما لو أنّ الله نفسه كان قد فَعَلَه. الحقّ أقول لكم: كلّ ما تربطونه على الأرض سيكون مربوطاً في السماء، وكلّ ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السـماء. وأقـول لكم أيضاً، لكي أجعلكم تُدرِكون سلطان اسمي، بخصوص الحبّ الأخويّ والصلاة: إذا اثنان مِن تلاميذي، وأَعتَبِر تلاميذي الآن كلّ الذين يؤمنون بالمسيح، اجتمعا ليطلبا شيئاً مستقيماً باسمي، فسيعطيه أبي لهما، ذلك أنّ للصلاة قُدرة عظيمة، للوحدة الأخوية قُدرة عظيمة، ولاسمي وحضوري وسطكم قُدرة عظيمة، بل قُدرة لا نهائيّة. وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فسأكون فيما بينهم وسأصلّي معهم، ولن يرفض الله شيئاً للذين يصلّون معي. ذلك أنّ كثيرين لا ينالون لأنّهم يُصلّون وحدهم، ولدوافع غير مشروعة، أو بكبرياء، أو إنّ الخطيئة في قلبهم. طَهِّروا قلوبكم حتّى يمكنني أن أكون معكم ثمّ صلّوا، وسوف يُسمَع لكم.»
بطرس غارق في التفكير. يراه يسوع ويَسأَله عن السبب. فيشرح بطرس: «أُفكّر لأيّ واجب عظيم اخترتَنا، وأخاف لذلك، أخاف مِن أن لا أُجيد القيام به.»
«بالفعل، فإنّ سمعان بن يونا أو يعقوب بن حلفى أو فليبّس أو آخرين لن يُجيدوا الفِعل، ولكنّ الكاهن بطرس والكاهن يعقوب والكاهن فليبّس أو توما سوف يُجيدون فِعله لأنّهم سَيَعمَلون جنباً إلى جنب مع الحكمة الإلهيّة.»
«و... كم مرّة ينبغي لنا أن نَغفر للإخوة؟ كَم مرّة إذا أخطأوا ضدّ الكَهَنَة، وكم مرّة إذا أخطأوا بحقّ الله؟ لأنّه إذا كان ذلك سيحصل كما الآن، فَبِما أنّهم يخطئون إليكَ، فسيُخطِئون إلينا مرّات ومرّات كثيرة. قُل لي إذا ما كان عليَّ أن أغفر على الدوام أو عدداً مِن المرّات. سبع مرّات أو حتّى أكثر مثلاً؟»
«لا أقول لكَ سبع مرات، بل سبعين مرّة سبع مرات. مرّات لا حدود لها. ذلك أنّ الآب السماويّ سيغفر لكم أنتم مرّات كثيرة، عدداً لا يُحصى مِن المرّات، لكم أنتم الذين ينبغي لكم أن تكونوا كاملين. وكما يتصرّف هو معكم عليكم أن تتصرّفوا أنتم، لأنّكم سـوف تُمثِّلون الله على الأرض. على كلّ حال اسمعوا. سوف أروي لكم مَثَلاً يَصلح للجميع.»
ويسوع الذي كان مع رُسُله فقط في مكان محاط بالشمشاد، يتّجه صوب التلاميذ الذين، مِن جهتهم، كانوا مُجتَمِعين بكلّ احترام في مكان مزيّن بفسقيّة مليئة بالمياه العذبة الصافية. ابتسامة يسوع هي الإشارة بأنّه سيتحدّث. وبينما هو ماض بخطوته البطيئة والطويلة التي يقطع بها مسافات طويلة في وقت قصير، وبدون عجلة، وهم يسرّون جميعاً، وكالأطفال حول مَن يُفرِحهم، يحيطون به كالحلقة. تاج مِن الوجوه المتنبّهة حتّى يستند يسوع على شجرة ضخمة ويبدأ الكلام.
ما قُلتُه للشعب أوّلاً، ينبغي لكم أن تُتقِنوه أنتم، يا مَن تمّ اختياركم مِن بينهم. لقد سَأَلَني سمعان بن يونا: "كم مرّة عليَّ أن أغفر؟ لِمَن؟ لماذا؟" وأجبتُهُ على حِدة، والآن، أُكرِّر إجابتي على مَسمع الجميع لأنّه يَصحّ أن تعرفوا.
اسمعوا كَم مرّة، وكيف، ولماذا يجب أن تسامحوا. يجب أن تسامحوا كما يُسامح الله، وهو الذي إذا ما أخطأ المرء ألف مرّة ونَدِم، يَغفِر ألف مرّة، طالمـا هو يَرى أنّ إرادة ارتكاب الخطيئة، السعي إلى أسباب الخطيئة، غير موجود لدى الخاطئ، إنّما على العكس ليست الخطيئة سوى ثَمَرة ضُعف الإنسان. في حال المثابرة على ارتكاب الخطيئة بملء الإرادة، لا يُمكن أن يكون هناك غُفران للإساءات ضدّ الشريعة. ولكن رغم أنّ تلك الأخطاء تؤلمكم شخصيّاً، سامِحوا. اغفروا دائماً لفاعلي الشـرّ لكم. اغفروا لكي يُغفَر لكم، فأنتم كذلك ترتكبون الأخطاء ضدّ الله وضدّ إخوتكم. المسامحة تَفتَح ملكوت السماوات، لِمَن غَفَر ولمن غُفِر له. وهذا يُشبِه ما حَصَلَ بين مَلِك وخُدَّامه.
أراد مَلِك أن يُحاسب عبيده. فناداهم الواحد تلو الآخر، بِدءاً مِن المراتب العُليا. جِيء إليه بواحد منهم عليه عشرة آلاف بدرة (عملة قديمة)، ولَم يَكن عنده ما يفي به دينه للمَلِك الذي أقرضه ليبني له بيوتاً ويقوم بأعمال مِن كلّ نوع. في الحقيقة، لأسباب قد تكون أو لا تكون مشروعة، لَم يَستَخدِم المبالغ التي تلقّاها لمشاريعه بعناية فائقة. فأَمَرَ الـمَلِك السيَّد، الذي أثار سخطَه كَسَلُ ذاك وعدمُ التزامه، ببيعه وبيع امرأته وأولاده وجميع ما يَملِك ليُقضَى دينه. فجثا له العبد ساجداً وأَخَذَ يَرجوه بدموع وتوسّلات ويقول: "دعني أذهب. أَمهِلني وسوف أُؤدِّ لكَ ما عليَّ حتّى آخـر دينار". والـمَلِك الذي تأثَّرَ بالألم الكبير -فقد كان مَلِكاً صالحاً- لم يَستَجِب فقط لطلبه، ولكنّه إذ عَلِمَ أنّ مِن أسباب عنايته القليلة وعدم انتباهه للاستحقاقات، كانت الأمراض كذلك، فأطلَقَه وأعفاه مِن الدين.
مضى ذلك العبد سعيداً. ولما خَرَجَ لَقِيَ عبداً مِن أصحابه، عبداً فقيراً كان قد أقرَضَه مائة دينار مِن البدرات العشرة آلاف التي كان قد حَصَلَ عليها مِن الـمَلِك. وإذ توهَّم حِماية الـمَلِك له، ظَنَّ أنّ كلّ شيء مسموح به له، فأَخَذَ بِعنق المسكين حتّى كاد يخنقه وهو يقول له: "أدِّ لي حالاً ما عليكَ". فَعَبَثا جَثا صاحبه باكياً لِيُقبِّل له قدميه وهو يئنّ: "ارحمني أنا المصاب بويلات كثيرة. أَمهِلني قليلاً أيضاً وسأعيد لكَ حتّى آخر فلس". وينادي العبد عديم الرحمة الجنود ليقودوا المسكين إلى السـجن، إلى أن يقضي الدين تحت طائلة فقدان الحريّة أو حتّى الحياة.
عَلِم أصحاب المسكين بالأمر، فاسـتاؤوا كثيراً، فَمَضوا وأخبَروا الـمَلِك والمعلّم بكلّ ما جَرى. وهذا الأخير، إذ عَلِمَ، أَمَرَ بإحضار العبد عديم الرحمة، وناظِراً إليه بِصَرامة، قال له: "يا عبد السوء، أنا كنتُ قد ساعدتُكَ فيما مضى لكي تُصبِح رحيماً، إذ إنّني قد جعلتُكَ غنيّاً وساعدتُكَ أيضاً بإعفائكَ مِن الدّين الذي لي عليكَ، والذي مِن أجله رَجَوتَني كثيراً أن أُمهِلكَ. ولم تَرحَم واحداً مِن أصحابكَ، بينما أنا، الـمَلِك، رَحَمتُكَ كثيراً. فلماذا لم تفعل كما فعلتُ أنا معكَ؟" وغَضِب ودَفَعهُ إلى الجّلادين حتّى يؤدي جميع ما عليه قائلاً: "كما لَم يَرحَم مَن له عليه القليل، بينما أنا الـمَلِك رحمتُهُ كثيراً، فليُعامَل بنفس الطريقة، حيث أنّه لم يَستَفِد مِن رحمتي".
بالطريقة ذاتها يتصرّف أبي معكم، إذا كنتم عديمي الرحمة تجاه إخوتكم، إذا كنتم أنتم الذين تلقّيتم مِن الله الكثير تصبحون مذنبين أكثر مِن أيّ مؤمن عاديّ. تذكّروا أنّه مطلوب منكم، أكثر مِن الجميع، أن تكونوا بلا خطيئة. تذكّروا أنّ الله يُسلِفكم كنـزاً عظيماً، ولكنّه يشاء أن تُعيروه اهتماماً كبيراً. تذكّروا أنّ عليكم معرفة ممارسة المحبّة والمسامحة أكثر مِن أيّ شخص آخر.
لا تكونوا عبيداً تُلِحّون في طلب الكثير لأنفسكم، ثمّ لا تُعطون شيئاً لِمَن يسألكم. كما تفعلون، كذلك يُفعَل لكم. وستُحاسَبون كذلك على تصرّف الآخرين المنقادين إلى الخير أو الشرّ باقتدائهم بكم. آه! في الحقيقة، إن كنتم مبرِّرين فسيكون لكم مجد عظيم في السماوات! إنّما بالطريقة ذاتها، إذا كنتم سبباً في الانحراف، أو حتّى كَسالى في عمل التَّقديس، فستُجازون بشكل قاس.
مرّة أخرى أقول لكم: "إذا لم يكن أحدكم يمتلك الشجاعة الكافية ليكون ضحيّة رسالته الخاصّة، فليمض. إنّما لا يُقصِّرنّ فيها. أقول ألّا يُقصِّر في الأمور التي تُدمِّر في الحقيقة تكوينه وتكوين الآخرين. وليعرف أن يتّخذ الله صديقاً له، وليكن في قلبه على الدوام الاستعداد لمسامحة الضعفاء. حينئذ كلّ مَن يَعرِف منكم أن يَغفر سوف يُمنح الغفران مِن الله الآب.
انتهت الإقامة. عيد المظالّ قريب. والذين توجَّهتُ إليهم هذا الصباح بحديث خاصّ، ابتداء مِن الغد سوف يَسبقونني ليُبشـّروا الناس بي. فلا تَخُر عزيمة الباقين. لقد احتفظتُ بالبعض منهم على سبيل الحيطة والحذر، وليس انتقاصاً أو احتقاراً لهم. سوف يبقون معي، وقريباً سوف أُرسِلهم كما أُرسِل الاثنين والسبعين الأوائل. الحصاد كثير والفَعَلة قليلون دائماً نسبة إلى العمل الواجب إنجازه. فهناك إذن عمل للجميع. ولن يكون عددهم كافياً. إذن، بغير حسد أو غيرة، صَلّوا إلى ربّ الحصاد كي يُرسِل على الدوام فَعَلَة جُدداً مِن أجل حصاده.
الآن امضوا. الرُّسُل وأنا، أثناء أيّام الاستراحة هذه، قد أكملنا تأهيلكم مِن أجل العمل الذي عليكم القيام به، بتكرار ما قُلتُه قبل إرسال الاثني عشر. لقد سألني أحدكم: "ولكن كيف أشفي باسمكَ؟" اشفوا الروح أوّلاً. عِدْوا ذوي العاهات بملكـوت الله إذا عَرِفوا أن يؤمنوا بي، وبعد أن تَروا الإيمان فيهم، مُروا المرض أن يذهب. أَضرِموا الإيمان قبل كلّ شيء. وبكلمة واثقة بُثّوا الرجاء. سآتي بدوري لأضع فيهم المحبّة الإلهيّة، كما وضعتُها في قلوبكم بعد أن آمنتم بي وأضحى لكم الرجاء برحمتي. ولا تَخشوا بَشَراً ولا شيطاناً. فلن يُسبّبوا لكم الأذى. الأشياء الوحيدة التي عليكم خشيتها، هي الـمَيل إلى الشهوة والكبرياء والجَّشع. بها تستسلمون للشيطان وللناس الشياطين الموجودين كذلك.
اذهبوا إذن، واسبقوني على طرقات الأردن. ولدى وصولكم إلى أورشليم، اذهبوا للقاء الرُّعاة في وادي بيت لحم، وتعالوا لتجدوني في المكان الذي تعرفونه. وسوف نحتفل معاً بالعيد المقدّس، لنعود بعدئذ أكثر ثباتاً مِن أيّ وقت إلى عَمَلنا.
امضوا بسلام. أُبارِككم باسم الربّ القدّوس.»