ج3 - ف10
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث / القسم الأول
10- (يسوع في الناصرة: "سوف آتي معكَ يا بنيّ.")
30 / 04 / 1945
يسوع بمفرده. يسير بسرعة على الطريق العام قرب الناصرة. ويَدخُل المدينة مُتوجّهاً صوب البيت. وعندما يصبح قريباً منه، يَرى الأُمّ التي تمضي مِن جهتها إلى البيت وإلى جانبها سمعان بن سلفها يحمل حطباً جافّاً. يناديها: «أُمّي!»
تلتفت مريم وهي تصرخ: «آه! يا بنيّ الحبيب!» ويَهرَع الاثنان، الواحد صوب الآخر، بينما سمعان، بعد أن يرمي الحطب على الأرض، يَحذو حَذو مريم ويتوجّه إلى ابن عمّه الذي يُحيّيه بمودّة.
«أُمّاه، لقد أتيتُ. فهل أنتِ مسرورة الآن؟»
«كثيراً يا بني. ولكن... لو كنتَ فَعلتَها تلبية لرغبتي فقط فإنّي أقول لكَ بأنّه لا يحقّ لي ولا لكَ الاستجابة للدّم أكثر مِن الرسالة.»
«لا يا أُمّاه. لقد قَدِمتُ مِن أجل أمور أخرى أيضاً.»
«أحقّاً؟ كنتُ أظنُّ، بل أودُّ الاعتقاد أنّ الكلام كان مجرّد أكاذيب، وأنّكَ لم تكن مكروهاً لتلك الدرجة...» وتَرقرَقَت الدموع في صوت وعينيّ مريم.
«لا تبكي، يا أُمّي. لا تُسببّي لي هذا الألم. فأنا في أَمَسّ الحاجة لابتسامتكِ.»
«نعم، يا بنيّ، نعم. هذا صحيح. إنّكَ ترى وجوهاً كثيرة قاسية وعدوانيّة، وتحتاج إلى الكثير مِن الحبّ والابتسام. إنّما هنا، فكما ترى، يوجد مَن يحبّكَ أكثر مِن الجميع...» ومريم التي تتّكئ بخفّة على ابنها الذي يمسكها مِن كتفيها، تسير ببطء صوب البيت، وتحاول الابتسام لتزيل كلّ ألم مِن قلب يسوع. ويعود سمعان ليَحمل حِمله ويسير إلى جانب يسوع.
«إنّكِ شاحبة يا أُمّي. هل سَبَّبوا الكثير مِن المتاعب؟ هل كنتِ مريضة؟ هل أنتِ تَعِبة للغاية؟»
«لا يا بنيّ، لا. إنّني لا أعاني سوى مِن رؤيتكَ بعيداً وغير محبوب. إنّما هنا، معي أنا، فهُم طَيّبون كثيراً. أنا لا أتحدّث عن مريم وحلفى، فأنتَ تعرف كيف هما. ولكن حتّى سمعان، أترى كم هو طيّب القلب؟ إنّه هكذا على الدوام. لقد خَدَمَني خلال تلك الأشهر. والآن هو يُؤمِّن لي مَؤونة الحَطَب. إنّه طيّب للغاية، حتّى يوسف، هل تَعلَم؟ أفكار مُرهَفَة كثيرة بخصوص مريم.»
«ليبارككَ الله يا سمعان. وليباركَ كذلك يوسف. وإن كنتما لا تحبّانني بعد كمَسيّا، فأنا أغفر لكما. آه! سوف تُقبِلان يوماً إلى حُبّ المسيح الذي هو أنا، إنما كيف يمكنني مسامحتكما عن عدم حبّكما لها، هي؟»
«حبّ مريم هو العدل والاستقامة والسلام، يا يسوع. إنما أنتَ كذلك محبوب... فقط نخشى عليكَ كثيراً.»
«نعم، إنّكَ تحبّني بشريّاً. وسوف تتحوّل إلى الوجه الآخر للحبّ.»
«ولكنّكَ أنتَ أيضاً شاحب وهزيل، يا بنيّ.»
«نعم، وتبدو أكبر مِن عمركَ. أرى ذلك أنا أيضاً.» يُعلِّق سمعان.
يَدخُلون البيت، وسمعان، بعد أن يضع الحطب في مكانه، ينسحب بهدوء.
«بنيّ، الآن وقد أصبَحنا وحدنا، قُل لي الحقيقة كاملة. لماذا طردوكَ؟» تتكلّم مريم ويداها على كتفيّ يسوع، وهي تحدّق في وجهه الذي هزل.
يبتسم يسوع ابتسامة عذبة وتَعِبة: «لأنّني كنتُ أحاول جلب الإنسان إلى النـزاهة والاستقامة والعدل وإلى الدين الحقّ.»
«ولكن مَن يتّهمكَ؟ أهو الشعب؟»
«لا يا أُمّي، بل هُم الفرّيسيّون والكَتَبَة، عدا بعض البَرَرَة الموجودين بينهم...»
«ولكن ماذا فَعَلتَ لتؤلبّهم ضدّكَ؟»
«لقد قُلتُ الحقيقة. أولا تعلمين أنّ ذلك يُعتَبَر الخطيئة العظمى لدى البشر؟»
«وماذا أمكنهم القول لتبرير اتّهاماتهم؟»
«أكاذيب. ما تعرفين، وأشياء أخرى أيضاً.»
«قُلها لأُمّكَ. وَضَع ألمك كّله في صدري. فصدر الأُمّ تعوَّدَ على الآلام وهو سعيد في استنفاذها ليزيلها مِن قلب الابن. أعطني ألمكَ يا يسوع. اجلس هنا، كما عندما كنتَ صغيراً جدّاً وافرِغ كلّ مرارتكَ.»
يَجلس يسوع على مِقعَد صغير عند قدميّ أُمّه، ويَروي أحداث كلّ تلك الشهور التي قضاها في اليهودية، دون حقد، ولكن دون تَورية.
تُداعِب مريم شعره مع ابتسامة بُطوليّة على شفتيها تُناقِض الدمعة التي تتلألأ في عينيها اللازورديّتين. يتحدّث يسوع كذلك عن ضرورة التقرّب مِن النساء لافتدائهن، والمعاناة التي يُكابِدها مِن عدم تمكّنه مِن فِعلها بسبب خُبث الرجال. تُوافِقه مريم وتُقرّر: «بنيّ، ينبغي لكَ عدم رفض ما أريد. سوف آتي معكَ حينما تَنوي الرحيل. لا يهمّكَ الوقت ولا الفصل ولا المكان. سَأَردُّ عنكَ النّميمة. مجرّد وجودي يُزيل الوحل. وسوف تأتي معي مريم. إنّ لها رغبة عارمة في ذلك. وهذا ما يجب أن يكون إلى جانب قدّيس في مواجهة الشيطان والعالم: قلب الأُمّهات.»