الدفاتر: 12 / 06 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(12 / 06 / 1943)
يقول يسوع:
«إذا ما قرأ كثيرون ما أمليه عليكِ، سيجدون أنّ بعض التعابير هي قويّة بعض الشيء، تقريباً مستحيلة وفقاً لمنظورهم البشريّ. الأب (ميغليوريني) سيكون أقلّ اندهاشاً، لأنّه، كونه خادمي، يعرف أن لا مستحيل لدى الله، أيضاً بعض أنماط سلوك تجاه النفوس التي ما كان ليقتدي بها أشخاص يقيسون الأمور ويطبّقونها بحسب معايير ونماذج خَلقوها هم، والتي هي قاصرة على الدوام.
عندما قلتُ (في إملاء 04 / 06): ’لقد أحببتُكِ لدرجة أنّني أرضيتُكِ حتّى في انجرافاتكِ...‘، أكون قد قلتُ جملة تجعل الكثيرين يجحظون ويوجّهون لي انتقادات عديمة الاحترام، ولكِ أحكاماً قليلة التحبّب. ومع ذلك فالأمر هو هكذا، وحصل بفضل نظرتي فائقة الحكمة.
عندما أردتُ أن تكوني لي، أيا ماريا المسكينة، كنتِ بشريّة جدّاً، والبشرية الّتي كانت تحيط بكِ كانت أكثر بشريّة منكِ بعد وكانت تُثقلكِ أكثر فأكثر على الدوام، لدرجة أنّكِ كنتِ بحقّ فظّة صغيرة. فلو كنتُ طلبتُ منكِ حينذاك ما طلبتُه منكِ لاحقاً، وبخاصّة ما أريده منكِ ساعة إثر ساعة، ما أريده الآن، لكنتِ فررتِ فزعة.
ولكنّ يسوع لا يخيف مطلقاً. يسوع مع أولاده الأحبّاء هو أب ذو حنان كامل؛ ذو حنان إلهيّ، فيسوع وإن صار إنساناً وعرف مشاعر الإنسان، فقد كان، وهو على الدوام، الله، وبالتالي يبلغ بالمشاعر كمال الله.
إذاً، فأنا، كي أُدنيكِ منّي، وكي تقتربي دون خوف ودائماً بحبّ أكثر، قد اتّبعتُ القاعدة نفسها الّتي تتّبعونها غالباً أنتم البشر لتكسبوا الأولاد المشاكسين. لقد قدّمتُ لكِ ومنحتُكِ كلّ ما كنتِ تشتهينه. أحياناً كانت تفاهات، وأحياناً أخرى أموراً هامّة. وبالتالي، فيسوعكِ قد منحكِ إيّاها.
أحياناً، كنتِ تحلمين بعينين مفتوحتين وكنتِ تعتبرين حلمكِ حقيقة. إنّ إنساناً كان ليناقضكِ معتبراً إيّاكِ مجنونة أو كاذبة. أنا، الله، قد حوّلتُ أحلامكِ إلى حقائق كي لا أحقّركِ في أعين العالم. بهذا الشكل، حصلتُ على تعلّقكِ بي لدرجة أن تصبحي ما أنتِ عليه الآن: تائهة فيَّ، غير منفصلة عنّي.
أنتِ، الكائن المنتهي وغير الكامل، بمحدوديّتكِ ونقائصكِ البشريّة ما عدتِ موجودة، لأنّكِ مُتَشَرَّبة، وتركتِ نفسكِ أتشرّبكِ أنا. إنّكِ ترينني في كلّ شيء محبَّب، وغير محبَّب، سارّ أو حزين يحصل لكِ. تتصرّفين وأنتِ تنظرين إلى وجهي. إنّكِ مفتونة بوجهي. بإمكاني توجيهكِ بنظري. حتّى بأقلّ مِن ذلك: خفقان قلبي وحبّي يقودانكِ. تحيين بحبّي. تحيين في حبّي، تحيين لأجل حبّي.
عندما تشعرين بسرور تهرعين إليَّ لتقولي لي ’شكراً‘. عندما تكونين في حاجة إلى أمر ما، تمدّين يدكِ طالبة إيّاه. عندما تكونين في كرب، تأتين لتبكي على قلبي. أنتِ مقتنعة بأنّني كلّ شيء بالنسبة لكِ لدرجة أنكِ تتّخذين قرارات، تتحلّين بثقة قد تبدو غير فَطِنة وجنوناً في أعين البشر القاصرة. أمّا أنتِ فإنّكِ تعرفين أنّني كلّ شيء بالنسبة إليكِ، الله-الكلّ الّذي أستطيع كلّ شيء، وتثقين بي.
هذه الثقة المطلقة بالضبط هي الّتي تدفعني لأقوم باستمرار باجتراح المعجزات الصغيرة لكِ، لأنّ ثقة مَن يحبّني هي ما يفتح قلبي الإلهيّ ليجعل سيولاً مِن النِّعَم تنهمر.
أنتِ لي لأنّني عرفتُ أن أجلبكِ، لأنّني عرفتُ أن أجعل مِن إنسانيّتكِ المسكينة الغضّة تحفة للرحمة. أنتِ لي، أيا نسخة منّي مصغّرة. لقد كنتِ لأمور أخرى كثيرة. كنتِ تعيشين لأجل الهموم البشريّة. كنتِ تتألّمين، كنتِ تموتين بالجسد والنَّفْس لأنّكِ نَفْس لا يستطيع العالم إشباعها ولم تكوني تعرفين إيجاد الطريق. الآن، أنتِ لي، لي أنا فقط. أنتِ سعيدة أيضاً وأنتِ على الصليب لأنّكِ تحظين بمن يحبّكِ كما تريدين أنتِ. تمتلكيني أنا، إلهكِ وعروسكِ، يسوعكِ.»
----------
«عندما تتوصّل نَفْس لأن تكون لي بالكامل هكذا، يكون الحبّ بالنسبة لها هو الشريعة والوصايا، الإلهيّة هذه وتلك، إنّما الّتي تبقي المرء يحسّ بوجودها أيضاً. إنّها مثل السرج لبهيميّتكم كي لا تهيج وتسقط في المعاصي.
إنّما الحبّ لا وزن له. هو ليس لجاماً يُـمارِس إكراهاً. هو قوّة تقودكم مُحرّرة إيّاكم حتّى مِن بشريّتكم. عندما تحبّ نَفْس بحقّ، يأخذ الحبّ فيها حيّزاً في كلّ شيء. إنّها مثل طفل بين ذراعيّ أُمّه الّتي تغذّيه، تُلبِسه، تهدهد له لينام، تغسله، تأخذه في نزهة أو تضعه في مهده لخيره. الحبّ هو المغذّي السرّي الّذي يسمو بالنفوس الـمُعَدّة للسماء.
وإذا ما، بفعل معجزة خاصّة، مُرادة بمقدار ثلاثة أرباع مِن قِبَل إرادتكم –ذلك أنّه دون إرادتكم لا يمكن لبعض المعجزات، بل لا ينبغي أن تُجتَرح- وبمقدار الربع مِن صلاحي، قد أصبحت النفوس جميعها حيّة فقط بالروح، أي كلّها أهلاً للسماء، لكنتُ أعلن للأرض كلمة ’نهاية‘، كي أستطيع اقتيادكم جميعاً إلى السماء قبل أن تأتي خميرة بشريّة جديدة لتُفسِد مِن جديد البعض مِن الأكثر ضعفاً بينكم. ولكن للأسف هذا لن يحدث أبداً. بل على العكس، الروحانيّة والحبّ يموتان على الأرض أكثر فأكثر.
لهذا السبب ينبغي للنفوس الّتي تعرف العيش في الروحانيّة والحبّ أن تُلامِس قمم الروح، المحبّة والتضحية -لأنّ التضحية ليست أبداً غائبة عن هذا الثالوث مِن الأمور الضروريّة لتكونوا مِن تلاميذي الحقيقيّين- والتكفير عن الآخرين الّذين جعلوا الروح والحبّ عقيمين في قلبهم.
تكفير، تعزية، ألم. هي الأضحيات الّتي ستخلّص العالم.»