ج2 - ف24
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
24- (يسوع يَكْرز ويَجتَرِح المعجزات في بيت بطرس)
04 / 11 / 1944
يَعتَلي يسوع كومة مِن السِّلال والحِبال في مدخل حديقة منزل حماة بطرس. والناس مجتمعون في الحديقة، وبعضهم على شاطئ البحيرة، منهم من يجلس على الرمل، ومنهم على مَراكِب سُحِبَت إلى المكان الجافّ. يبدو أنّه يتحدّث منذ مدّة لأنّ الحديث جارٍ.
أَسمَع: «... بالتأكيد لقد قلتُم ذلك لأنفسكم مِراراً في قرارة قلوبكم. ولكنّ هذا غير وارد. فالربّ لم يُقَصِّر بِجُوده تجاه شعبه على الرغم مِن تقصير هذا الأخير بأمانته آلاف بل عشرات آلاف المرّات.
أَنصِتوا إلى هذه الكلمة: فهي تساعدكم على الإدراك.
كان لِـمَلِك في اصطبلاته أعداد مِن الخيل الرائعة. إلّا أنه كان يُولي واحداً منها حبّاً خاصّاً. فلقد كان يشتهيه حتّى قبل امتلاكه؛ ثمّ بعد أن حَصَل عليه، وَضَعَه في مكان رائع، وكان يذهب لرؤيته، فيركّز عليه نَظَره وقلبه، متأمّلاً المفضّل لديه، حالِماً أن يصنع منه رائعة مملكته. وعندما تمرَّدَ الحصان على أوامره وعصاها بهروبه إلى سيّد آخر، ورغم ألم الـمَلِك وعدله، فقد وَعَدَ المتمرِّد بالعفو بعد التأديب. ووفاء لوعده فقد كان يسهر مِن بعيد على هذا المفضّل لديه مُرسِلاً لـه الهدايا والحرّاس الذين يعيدون ذكراه إلى قلبه. ولكنّ الحصان، ورغم ألمه مِن منفاه خارج المملكة، لم يكن مثل الملك في الحبّ والرغبة في العفو التامّ. فهو صالح حيناً وشرّير حيناً، ولكنّ الخير لم يكن ليتغلّب فيه على الشرّ، إنّما العكس هو الأحرى. ومع ذلك فقد كان الـمَلِك يصبُر ويُحاوِل، بالتقريع تارّة وبالملاطفة أخرى، أن يجعل مِن حصانه الصديق الطيِّع والأَحَبّ.
وكلّما كان الوقت يمرّ، كلّما كان الحيوان يصبح أكثر جُموحاً. لقد كان ينادي مَلِكه ويبكي تحت وقع سياط أسياده الآخرين ولكنّه لم يكن بالحقيقة يرغب أن يكون في حيازة الـمَلِك. لم تكن له الإرادة في ذلك. ولم يكن، تحت وطأة الإنهاك والإرهاق والأنين، ليقول: "بسبب خطيئتي أنا هكذا". ولكنّه كان يُلقي باللائمة على مَلِكه. وبعد أن جَرَّب الـمَلِك كلّ الوسائل، عَمَدَ إلى محاولته الأخيرة قائلاً: "حتّى الساعة أرسلتُ له مراسيل وأصدقاء. أمّا الآن فسأرسل له ابني الخاصّ، وهو يملك قلباً مثل قلبي، ويتحدّث بمحبّتي ذاتها، ويُقَدِّم هدايا تشبه تماماً تلك التي أُقدّمها أنا، ويُلاطِف مثلي تماماً بل إنّما بشكل أكثر عذوبة لأنّ ابني هو أنا ولكنّه مُفعَم بِحُبّ أكثر". وأرسَلَ ابنه.
هذا هو الـمَثَل. والآن لكم أن تقولوا: هل يبدو لكم أنّ هذا الـمَلِك قد أحبَّ حيوانه المفضَّل؟»
يُعلِن الجميع بالإجماع: «لقد أَحَبَّه بشكل لا متناهٍ.»
«هل كان بإمكان هذا الحيوان أن يتشكّى مِن مَلِكه بخصوص الأذى الذي عانى منه بعد تركه إيّاه؟»
فيجيب الجميع: «لا، لم يكن ليستطيع ذلك.»
«أجيبوا على هذا السؤال: كيف تتصوّرون هذا الحصان قد استَقبَلَ ابن مَلِكه الذي كان قد جاء ليفتديه ويشفيه ويقوده مِن جديد إلى مكان رائع؟»
«طبعاً بكلّ سرور، وكذلك بعرفان بالجميل وبعاطفة شكر.»
«ولكن لو أن ابن الـمَلِك قال للحصان: "لقد جئتُ لهذا الغرض ولأؤَمِّن لكَ هذه الممّيزات، إنّما عليكَ الآن أن تكون صالحاً، مطيعاً، مليئاً بالإرادة الطيّبة، ووفيّاً لي". فماذا تعتقدون يكون جواب الحصان؟»
«آه! لا داعٍ للسؤال! كان سيُجيب أنّه الآن وقد عَرف كم يكلّف الابتعاد عن الملكوت، فإنّه يريد أن يكون تماماً كما يقول له ابن الـمَلِك.»
«إذاً، حسب رأيكم، ماذا كان واجب هذا الحصان؟»
«أن يكون أفضل ممّا طُلِبَ منه، أكثر عاطفة، أكثر خضوعاً، لكي يحظى بغفران خطاياه الماضية، وعرفاناً لجميل الخير الذي فَعَلَه لأجله.»
«وإذا لم يتصرّف هكذا؟»
«يكون مستحقّاً الموت لأنّه أسوأ مِن حيوان متوحِّش.»
«بالصواب حكمتم يا أصدقائي. فتصرّفوا إذاً أنتم كما أردتم أن يكون تَصرُّف ذاك الحصان.»
أنتم أيّها الناس، الخلائق الـمُفَضَّلة لدى مَلِك السماوات، الله أبي وأبيكم؛ أنتم يا مَن أَرسَلَ لكم بعد الأنبياء ابنه الخاص، كونوا، آه! كونوا -أرجوكم مِن أجل خيركم ولأنّي أحبّكم كما يستطيع الله فقط أن يحبّ، الله الذي فيَّ ليُحَقِّق معجزة الفداء- كونوا على الأقلّ كما تَحكُمون أنّه ينبغي على ذاك الحيوان أن يكون. والويل لِمَن، رغم كونه إنساناً، ينحَدِر إلى مستوى أدنى مِن مستوى الحيوان! إنّما لو كان مِن الممكن وجود أعذار لِمَن ارتَكَبوا الخطايا حتّى الآن، فالآن لم يَعُد لهم عذر. سابقاً، نعم، فلقد مَرَّت أزمنة كثيرة، ساهَمَ العالم فيها بِتراكُم الغبار على الشرائع، منذ الزمن الذي أُعطِيَت فيه. لقد أتيتُ لأطرح مِن جديد كلمة الله. وابن الإنسان هو بين الناس ليعيدهم إلى الله. اتبعوني. فأنا الطريق والحق والحياة.»
لَغْط اعتياديّ بين الجمهور.
يأمر يسوع التلاميذ: «إليَّ بالفقراء أولاً. فلهم العطيّة الثمينة، عطيّة إنسان يوصي بها لهم لينال غفران الله.»
يتقدَّم ثلاثة عجائز بثياب بالية، أعمَيَان وأَحدَب، وثمّ أرملة ومعها سبعة أولاد هزيلين.
يُحَدِّق فيهم يسوع، الواحد تلو الآخر، ويبتسم للأرملة وخاصّة للأيتام. حتّى إنّه يوجّه ليوحنّا هذا الأمر: «خُذ هؤلاء إلى الحديقة، أريد التحدّث إليهم.» إلّا أن مظهره بعد ذلك يصبح صارماً وتَقدَح عيناه شَرَراً عندما يتقدّم إليه عجوز صغير القدّ. حينذاك لا يقول شيئاً.
ينادي بطرس ويأخذ منه كيس نقود وَرَدَ إليهم منذ قليل، وآخَر مليء بالقطع النقدية الصغيرة، تبرّعات مُقدَّمَة مِن أُناس طيِّبين. يُفرِغ الكلّ على مقعد صغير قريب مِن بئر، يَعدّها ويقسمها إلى ستّة أجزاء، جزء كبير جدّاً قِطَعُهُ كلّها مِن الفضّة، وخمسة أكوام أصغر، أغلب قِطَعها مِن البرونز مع عدد ضئيل فقط مِن القطع الكبيرة. ينادي بعدئذ المرضى ويسألهم: «أليس لديكم ما تقولونه لي؟»
يَصمُت الأعميان؛ ويقول الأحدب: «ليحفظكَ الذي أتيتَ مِن لدنه.» ليس أكثر.
يضع يسوع له الهبة في اليد السليمة.
يقول الرجل: «ليكافئكَ الله عن هذا. إنّما كنتُ أرغَب في ما هو أكثر مِن ذلك، في أن تشفيني.»
«لم تطلب ذلك.»
«أنا لستُ سوى دودة أرض يدوسها الكبار؛ ولم أكن لأجرؤ على التأمّل في أن تَرأَف بمستعطٍ.»
«أنا الرأفة التي تنحني على كلّ بؤس يناديني. لا أرفض طلب إنسان. لستُ أطلُب سوى الحبّ والإيمان لأُجيب: أنا أسمعكَ.»
«آه! يا سيدي! أعتقد أنّني أحبّكَ! فخلّصني إذاً! اشفِ عبدكَ!»
يضع يسوع يده على الظَّهر المنحني، ويمرّرها كما ليداعبه ويقول: «أريد أن تشفى.»
وينتَصِب الرجل رشيقاً معافى ويُطلِق تبريكات لا نهاية لها.
يُعطي يسوع الهبة للأعمَيَين وينتظر لحظة ليصرفهما... ثمّ يتركهما يمضيان. ينادي العجائز. يتصدّق على الأوّل ويساعده في وضع الدراهم في حزامه. يهتمّ برأفة بمتاعب الثاني الذي يُحَدِّثه عن مرض فتاة: «ليس لي سواها! وهي الآن مُشرِفة على الموت، ماذا سيحلّ بي؟ آه! لو تأتي! إنّها لا تستطيع الوقوف. هي تريد ذلك ولكنّها لا تستطيع. أيّها المعلّم، أيّها الرب يسوع، ارأف بنا!»
«أين تقطن يا والدي؟»
«في كورازين. إسأل عن إسحاق بن يونا المسمّى بالراشد. هل ستأتي حقّاً؟ ألن تنسى بؤسي؟ وهل سوف تشفي لي ابنتي؟»
«هل تؤمن بأنّني أستطيع أنا شفاءها؟»
«آه! بالتأكيد أنا أؤمن بذلك! مِن أجل هذا أنا أكلّمكَ.»
«عُد إلى بيتكَ يا والدي. ستكون ابنتكَ في استقبالكَ عند عتبة الباب.»
«ولكنّها في السرير ولا تستطيع النهوض منذ حوالي الثلاثة... آه! فهمتُ. آه! شكراً أيّها المعلّم الصالح! مبارك أنتَ ومَن أرسلكَ! المجد لله ولمسيحه!»
ويبتعد العجوز وهو يبكي، ويسير بسرعة. ولكنّه حين يهمّ بالخروج مِن الحديقة يقول: «أيّها المعلّم، هل ستأتي مع ذلك إلى بيتي الـمُتواضِع؟ إنّ إسحاق ينتظركَ ليُقَبِّل قدميكَ، ليغسلهما بدموعه ويقدّم لكَ خبز الحبّ. تعال يا يسوع. سأتحدّث عنكَ لأبناء بلدتي.»
«سوف آتي. اذهَب بسلام وكن سعيداً.»
بعد ذلك يتقدّم العجوز الثالث الصغير القدّ. يبدو أنّ ثيابه رثة أكثر مِن الباقين. إنّما لم يبق لدى يسوع سوى الكومة الأخيرة الكبيرة مِن الفضّة. ينادي بصوت مرتفع: «تعالي أيّتها المرأة مع أطفالكِ.»
تَحضُر المرأة الشابة والهزيلة، ورأسها منحن. إنها تبدو مثل دجاجة أُمّ مسكينة وسط فراخها المساكين.
«منذ متى وأنتِ أرملة أيّتها المرأة؟»
«منذ ظهور قمر تشرين أتممتُ السنوات الثلاث.»
«كم عمركِ؟»
«سبعة وعشرون عاماً.»
«هؤلاء جميعهم أطفالكِ؟»
«نعم يا معلّم، و... لم أعد أملك شيئاً. لقد صرفتُ كلّ ما لديَّ، وكيف أستطيع العمل إذا لم يكن أحد يرضى بي مع كلّ هؤلاء الصغار؟»
«الله لا يتخلّى حتّى عـن الدودة التي خَلَقَها. ولن يتخلّى عنكِ أيّتها المرأة. أين تسكنين؟»
«على ضفّة البحيرة على بُعد ثلاثة أطوار مِن بيت صيدا. هو الذي قال لي بأن آتي... زوجي توفّيَ في البحيرة؛ كان صياداً للسمك...» "هو" كان أندراوس الذي اعتراه الاحمرار وأراد أن يختفي.
«حسناً فعلتَ، يا أندراوس، بقولكَ للمرأة أن تأتي وتقابلني.»
يستعيد أندراوس ثقته بنفسه ويُهَمهِم: «لقد كان الرجل صديقي. وكان صالحاً. لقد مات الرجل في البحيرة أثناء العاصفة، وكذلك فُقِدَ المركب.»
«خُذي يا امرأة. هذا سيساعدكِ لفترة لا بأس بها، وبعد ذلك ستُشرق شمس أخرى على نهاركِ. كوني صالحة، أنشِئي أولادكِ على حفظ الشريعة وعون الله لن يتجاوزكِ. أبارككِ أنتِ والأولاد.» ويلاطفهم الواحد تلو الآخر برأفة عظيمة.
وتمضي المرأة وهي تشدّ الكنز إلى صدرها.
ويسأل العجوز الأخير الباقي: «ولي؟»
يَنظُر إليه يسوع ويصمت.
«لا شيء لي؟ فأنتَ لستَ عادلاً! أعطيتَها ستّ مرات أكثر مِن الباقين ولم تعطني شيئاً. ولكن طبعاً... فلقد كانت امرأة!»
يَنظُر إليه يسوع ويصمت.
«انظروا جميعكم إذا كان هذا عدلاً! إنّني قادم مِن بعيد لأنّه قيل لي بأنّ دراهم تُوَزَّع هنا. ثمّ هاكم، أرى أنّه يوجد مَن يُعطى كثيراً ولا شيء لي أنا... عجوز مسكين مريض! ويريد أن نؤمن به!...»
«أيّها العجوز، ألا تخجل مِن كذبكَ هذا؟ الموت قريب منكَ جدّاً، وأنتَ تكذب وتحاول سرقة الجياع. لماذا تريد أن تسرق مِن إخوة لكَ الهبة التي أخذتُها لأوزّعها على الصغار بعدل؟»
«ولكن أنا...»
«اصمُت! كان ينبغي أن يجعلكَ صمتي وطريقة تصرّفي تُدرِك أنّني أعرِف مَن الذي يستحقّ، وكان مِن المفروض أن تبقى مثلي صامتاً. لماذا تريدني أن أجعل الخجل يعتريكَ؟»
«أنا فقير.»
«لا، بل أنتَ بخيل وسارق. أنتَ تحيا مِن أجل الفضّة والرِّبا.»
«لم أمارس الرِّبا أبداً، يشهد الله عليَّ.»
«أليس هذا رِبا، بل مِن أفحَشه، أن تسرق مَن هو حقيقة في عَوَز؟ اذهب. واطلب التوبة ليغفر لكَ الله.»
«أُقسِم لكَ...»
«اصمُت! أنا آمركَ! لقد قيل: "لا تُقسِم يميناً كاذباً". لو لم أكن أحتَرِم شعركَ الأبيض لكنتُ فتّشتُ في صدركَ ووجدتُ الكيس المليء ذهباً، قلبكَ الحقيقي. اذهب!»
الآن، وعلى نغمة صوت يسوع، يمضي العجوز دون إصرار. أمّا الجموع فتتوعّده وتهزأ به وتُعامِله كسارق.
«صمتاً! إذا ما خَرَجَ هو عن جادّة الصواب، فلا تفعلوا مثله. كانت تنقصه سلامة النيّة: إنّه غير شريف. وأنتم بإهانته تنقصكم المحبّة. يجب عدم إهانة الأخ الذي يخطئ. لكلّ امرئ خطيئة؛ كان ينبغي أن أُشعِره بالخجل لأنّه غير مسموح أبداً أن يكون المرء سارقاً. أبداً. وخاصة مع الفقراء. إنّما الله وحده يَعلَم أنّني تألّمتُ لذلك. وأنتم أيضاً ينبغي أن تَختَبِروا الألم لرؤيتكم إسرائيليّاً يخالف الشريعة في محاولته الإساءة إلى الفقراء والأرملة. لا تكونوا جَشِعين. ولتكن نفسكم هي كنزكم وليس المال. لا تكونوا حانِثِين اليمين. وليكن كلامكم طاهراً وشريفاً كأفعالكم. الحياة ليست خالدة وساعة الموت تقترب. عيشوا بشكل يجعل أرواحكم ساعة الموت في سلام، في سلام مَن عاش في البرّ. عودوا إلى منازلكم...»
«رحمة يا سيدي، إنّ ابني هذا أصمّ بسبب شيطان يعذبه.»
«وأخي هذا شبيه بحيوان نَجِس. يتمرّغ في الوحل ويأكل الفضلات. روح نَجِس يحمله على ارتكاب هذه الأفعال النَّجِسَة خارج إرادته.»
يتوجّه يسوع صوب الجُّموع التي تتوسَّل إليه. يرفع ذراعيه ويَأمُر: «اخرجوا مِن هؤلاء. دعوا لله خلائقه.»
ووسـط الهتافـات والصراخ يُشـفَى البائِسـان. والنسـاء اللواتي كنّ يَقُدنهما يَسجُدن وهنّ يباركن.
«اذهبوا إلى بيوتكم وكونوا عارفين بجميل الله. السلام لكم جميعاً. اذهبوا.»
يمضي الجميع وهُم يَروُون الأحداث، ويتراصّ التلاميذ الأربعة حول المعلّم.
«يا أصدقائي، الحقّ الحقّ أقول لكم إنّ كل الخطايا موجودة في إسرائيل، والشياطين قد أقامَت فيها مساكنها. ليس فقط المسّ الشيطاني هو ما يجعل الشفاه خرساء ويَدفَع إلى العيش بوحشيّة بأكل القذارات. ولكنّ الأكثر حقيقة والأكثر عدداً هم أولئك الذين يُغلِقون القلوب عن النزاهة ويَجعَلون فيها مَزابل للرذائل النَّجِسَة. آه! يا أبتي!» ويَجلس يسوع مهموماً.
«هل أنتَ تَعِب يا معلّم؟»
«تَعِب، لا يا يوحنّا، ولكنّني حزين لوضع القلوب والإرادة الضعيفة في الإصلاح. لقد جئتُ... ولكنّ الإنسان... الإنسان... آه! يا أبتي!...»
«يا معلّم، أنا أحبّكَ، بل نحن جميعاً نحبّكَ...»
«أعرف ذلك ولكن عددكم قليل جدّاً... ورغبتي في الخلاص كبيرة جدّاً!»
يُحيط يسوع يوحنّا بذراعيه مُسنِدَاً رأسه على رأس ذاك. إنّه حزين. بطرس، أندراوس، ويعقوب حوله وينظرون إليه بحب وحزن.
وهكذا تتوقف الرؤيا.