ج2 - ف58
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
58- (تثقيف التلاميذ مع الكلّيّة القداسة مريم. في حديقة الناصرة)
31 / 01 / 1945
يَخرج يسوع إلى الحديقة التي تبدو قد اغتَسَلَت بفعل عاصفة مساء الأمس. يَرَى أُمّه منحنية أمام نبتات صغيرة. يُلقي عليها التحيّة ويَلحَق بها. ما ألطف قُبلَتهما! يَلفّ يسوع ذراعه اليسرى حول كتفيها ويسحبها إليه وهو يُقَبِّلها على جبهتها، عند بداية شعر رأسها، ثمّ ينحني كي تَطبَع قُبلتها على خدّه. ولكن الذي يُكمل عذوبة هذا الحَدَث هي النَّظرَة التي تُرافِق القُبلة. فقُبلة يسوع مُفعَمة بالحبّ مع شيء مِن العَظَمَة والحماية؛ وتلك التي لمريم مُفعَمة إجلالاً مع كونها مُفعَمة حُبّاً. وفي هذه القُبلة يبدو يسوع وكأنّه الأكبر سنّاً وهي الفتاة الفتيّة التي تتقبَّل مِن أبيها أو مِن أخيها الأكبر منها كثيراً القُبلة الصباحيّة.
يسأل يسوع: «هل عانت زهراتكِ كثيراً مِن بَرد ليلة أمس ورياحها؟»
ويَسبق مريم بالإجابة صوت بطرس الأجشّ: «لا أذى أيّها المعلّم. ولكنّ الأوراق سَقَطَ بعضها.»
يرفع يسوع رأسه ويرى سمعان بطرس مرتدياً جلبابه الوحيد، ويَعمَل على نَصب الأغصان الملتوية في أعلى التينة. «أبدأتَ العمل؟»
«إيه! نحن صيّادي السمك، ننام مثل السمك، في أيّة ساعة وأيّ وقت طالما يَدَعونَنا نستريح. نعتاد على ذلك. وهذا الصباح، منذ الفجر، سَمِعتُ صرير الباب، فقلتُ لنفسي: "لقد نَهَضَت الأُمّ، هيا يا سمعان بسرعة! هيّا وقَدِّم لها المساعدة بيديكَ الضخمتين". كنتُ أفكّر أنّها كانت تحلم بزهراتها، في هذه الليلة كثيرة الرياح. ولم أكن مخطئاً. إيه! أعرف النساء!... فزوجتي أيضاً تتقلَّب في سريرها مثل سمكة تَختَلِج في الشَّبَكَة عندما تهبّ العاصفة، وتُفكّر بنباتاتها... يا للمسكينة الصغيرة! أقول لها أحياناً: "أُراهِن أنّكِ تكونين أقلّ اضطراباً حينما يمخر سمعانكِ عباب البحيرة بصعوبة". ولكنّني ظالِم، فهي زوجة صالحة. فلا تحسب أنّ مِن المفروض أن تكون حماتي أُمّاً لها... حسناً اصمت يا بطرس. ليس المقصود هذا، فَمِن غير الـمُستحسَن أن تتمتم وتُظهِر بتهوّركَ مَحاسِن الصمت. أترى يا معلّم أنّ كلمتكَ دَخَلَت حتّى في رأسي، رأس حمار؟»
يُجيب يسوع وهو يبتسم: «لقد سَأَلتَ وأجبتَ نفسكَ بنفسكَ. لم يعد لي سوى أن أُقرّ وأُبدي إعجابي بثقافتكَ كشخص مِن العامَّة.»
وتقول مريم: «لقد أعاد تعليق كلّ الأغصان التي كانت قد أُفلِتَت. وقد نَسَّقَ شجرة الإجاص المحمّلة كثيراً بالثَّمَر، ومَرَّرَ الحبال تحت الرمّانة التي نمت مِن جهة واحدة فقط.»
«بالطبع، فهي تشبه فرّيسيّاً عجوزاً، تميل إلى حيث يروق لها. وقد قوَّمتُها مثل شراع وقلتُ لها: "ألا تعلمين أن خير الأمور هو الوسط بالضبط؟ هلمّي إلى هنا، يا ذات الرأس المتصلِّب، كي لا تُكسَري تحت وطأة الحِمل الثقيل". الآن أَتحوَّل إلى التينة ولكن بأنانيّة. أُفكّر بشهيّة الجميع: تين طازج وخبز ساخن! آه! أنتيباس ذاته ليس لديه وجبة أشهى! إنّما علينا التّعامل معها بلطف، فللتينة أغصان حَنونة مثل قلب صبيّة تبوح بحبّها للمرّة الأولى، وأنا ثقيل الوزن، وأُفَضِّل ثمار التين تلك التي في الأعلى. ولقد أضحَت جافّة بفعل شعاع الشمس الأوّل هذا. يُفتَرَض أنّها لذيذة. إيه! يا وَلَد، لا تقف وتنظر إليَّ. استيقظ! وناوِلني هذه السلّة.»
يوحنّا الخارج مِن المشغل يَنصاع للأمر، يتسلّق هو الآخر التينة الضخمة. وعندما يَنزِل الصيّادان، يَخرُج مِن الـمَشغَل كذلك سمعان الغيور ويوسف ويهوذا الاسخريوطيّ. لستُ أرى الآخرين.
تجلب مريم خبزاً طازجاً: أرغفة مِن الخبز الأسمر مُدوّرة. يفتحها بطرس بسكين ويَفلق فوقها التين ويُقدّم ليسوع ثم لمريم والآخرين. يأكلون بشهيّة في انتعاش الحديقة المتلألئة تحت شمس صباح صاف، وقد جَمَّلها مطر الأمس الذي نَقَّى الهواء. يقول بطرس: «اليوم الجمعة... وغداً هو السبت، يا معلّم...»
ويُعلّق الاسخريوطيّ: «هذا ليس اكتشافاً.»
«لا. إنّما المعلّم يعرف قصدي...»
«أعلم. سنذهب هذا المساء إلى البحيرة حيث تَرَكتَ مركبكَ، ونُبحِر إلى كفرناحوم. وغداً سوف أتحدّث هناك.»
ويكاد بطرس يطير مِن الفرح.
يَدخُلون جماعة: توما وأندراوس ويعقوب وفليبّس وبرتلماوس ويوضاس تدّاوس الذين ناموا بكلّ تأكيد في مكان آخر. يحيّون بعضهم بعضاً، يقول يسوع: «فلنبقَ هنا مجتمعين. وهكذا سيكون معنا تلميذ جديد. أُمّي، تعالي...»
يَجلسون جميعاً، منهم مَن يجلس على صخرة، ومنهم مَن يجلس على كرسيّ، ويُشكِّلون دائرة حول يسوع الذي يجلس على مقعد حجريّ بحذاء البيت، وإلى جانبه الأُمّ، وعند قدميه يوحنّا الذي فَضَّل البقاء على الأرض، ولكن قريباً منه. يتحدّث يسوع بهدوء وبعَظَمَة كالعادة.
«بأيّ شيء يمكن تشبيه التّكوين الرسوليّ؟ بالطبيعة التي تحيط بنا. انظروا. فالأرض في الشتاء تبدو ميتة، بينما الحبّات تَعمَل في داخلها، والنَّسغ يتغذّى مِن الرطوبة التي تَنفخ الوريقات تحت الأرضيّة - يمكنني تسمية الجذور هكذا- لتحصل منها على مؤونة كبيرة للإزهارات العليا عندما يحين زمن الزَّهر. أنتم كذلك تشبهون هذه الأرض الشتويّة: القاحلة والعارية والخَشِنَة. ولكن الزَّارع مَرَّ بِكُم ورَمَى بِذاره. وقريباً منكم مَرَّ الفَّلاح وحَرَثَ الأرض عميقاً حول جذعكم المغروس في الأرض الصلبة، وهو بِدَوره قاسٍ وذو عُقَد مثل تلك، وذلك كي يَصِل الغذاء إلى جذوركم عبر الغيوم والهواء، كي يُقويّها، مِن أجل الثمار الآتية. لقد تلقّيتم البِذار وتقبّلتم العمل بالمرّ (آلة تشبه الحربة وتستخدم في نقب التربة)، لأنّ لديكم النيّة الطيّبة لحمل الثمر في عمل الله.
أُشَبِّه التكوين الرسوليّ أيضاً بهذه العاصفة التي ضَرَبَت وقَلَبَت النباتات، وقد قلنا عنها إنّها سَورَة لا طائل منها... إنّما انظروا إلى الخير الذي فَعَلَته. اليوم الهواء أنقى، لقد أزالَت الغبار وأنعَشَت كلّ شيء. والشمس هي ذاتها شمس الأمس، إنّما لم تعد لها حِدّة الحرارة ذاتها، لأنّ أشعّتها تصلنا عبر طبقات الهواء المنقّاة والـمُنعِشة. الخُضرة والنباتات قد سُرِّيَ عنها مثل الناس، ذلك أنّ النظافة والسَّكينة هما مِن الأمور التي تحمل الفرح. حتّى المتناقِضات يمكنها أن تؤدّي إلى الحصول على معرفة أدقّ ووضوح أكثر جلاء. وإلّا فهي ليست سوى شرّ. وما تكون المتناقِضات إن لم تكن عواصف تُنتِجها الغيوم مِن أنواع مختلفة؟ وهذه الغيوم، ألا تتراكم تدريجيّاً في القلوب، مع أَمزِجة سيّئة لا نفع منها، مع أحاسيس بسيطة بالغيرة، مع مشاعر كبرياء ضبابيّة؟ ثمّ يأتي الهواء مِن النِّعمة ليُطَهِّر الأَمزِجة السيّئة، ويأتي بالسكينة.
التكوين الرسوليّ يُشبِه كذلك العمل الذي كان بطرس يقوم به هذا الصباح إرضاءً لأُمّي: نَصْب وتعليق وربط ودعم أو فكّ حسب الـمَيَلان والاحتياجات، لجعلكم "أقوياء" في خدمة الله، يجب تقويم الأفكار الخاطئة، السيطرة على المتطلّبات الجسديّة، دعم الضّعف وتعديل الميول حسب الحاجة، والتحرّر مِن العبوديّة والوحل. ينبغي لكم أن تكونوا أحراراً وأقوياء، مثل النسور، عندما تهجر القِمّة حيث وُلِدَت، لا تفكّر إلّا بالطيران أعلى وأعلى. فخدمة الله هي الطيران، والعواطف هي القمّة.
أحدكم حزين اليوم، لأنّ أباه يَرَى الموت آتياً إليه، ولأنّه يَدنو منه بقلب منيع على الحقيقة وعلى ابنه الذي يتبعها. إنّه أكثر حتّى مِن مُقفَل: إنّه عدائيّ. وأيضاً، ألم يقل له الظالم الذي كنتُ أتحدّث عنه بالأمس، مُعلِناً ذاته مُتفوّقاً على الله: "اذهب عنّي"؟ إنّما قلبه المنكمش وشفتاه المغلقتان ليستا بعد قادرتين على القول أيضاً: "اتبع الصوت الذي يناديكَ". أنا لم أَطلُب، ولا حتّى ابنه كذلك، رؤية شفتيه تُفتَحان ليقول: "هلمّ، وليأت معكَ المعلّم؛ وليتبارك الله لأنّه اختار مِن بيتي خادماً له، بِخَلق هكذا قُربى أسمى حتّى مِن قُربى الدم مع كلمة الربّ". إنّما على الأقلّ، نحن تمنّينا، أنا مِن أجل خيره، وابنه لدافع أكثر تعقيداً، أن نسمع منه كلمات أقلّ عدائيّة.
ولكن لا يبكينّ هذا الابن. وليَعلَم أنّي لا احمل تجاه أبيه حقداً ولا ازدراء. بل إنّما رحمة وشفقة فقط. لقد أتيتُ وانتظرتُ، مع عِلمي بعدم جدوى الانتظار، لكي لا يقول لي ابنه يوماً: "آه! لماذا لم تأتِ؟" وقد أتيتُ لأُثبِت له أنّ لا شيء يُجدي عندما يعتصر القلب حقداً. لقد أتيتُ كذلك لأشدّ مِن عزيمة الإنسانة الصالحة التي تتألّم مِن هذا الانشقاق في العائلة، مثل سكّين تفصل حُزَماً مِن الألياف... إنّما فليتأكّد هذا الابن وكذلك هذه الأُمّ الصالحة بأنّني لا أردُّ على الحقد بالحقد. إنّني أحترم نزاهة مؤمن عجوز، مُخلِص رغم انحراف إيمانه للنقطة التي توقّفَت عندها ديانته حتّى هذه الساعة. هناك كثيرون مثله في إسرائيل... لذلك أقول لكم: سوف أكون مقبولاً لدى الوثنيّين بشكل أفضل كثيراً ممّا لدى أبناء إبراهيم. فالبشريّة قد أَفسَدَت فكرة الـمُخَلِّص، وأَنزَلَت المملكة الفائقة الطبيعة إلى الفكرة التافهة للسيادة البشريّة. عليَّ أن أُفَتِّت القشرة القاسية للعبريّة، وأن أَلِج وأجرح لأصل إلى العمق، وأحمل خصب الشريعة الجديدة إلى حيث النَّفْس العبريّة.
آه! كم هو حقيقيّ أنّ إسرائيل، الذي نما حول النواة الحيويّة لشريعة سيناء، أصبَحَ شبيهاً بثمرة رهيبة، حيث اللبّ ذو الطبقات الليفيّة الأكثر صلابة، والمحميّة مِن الخارج بقشرة مُقاوِمة لكلّ اختراق، وتعيق حتّى خروج البذرة. ومع ذلك فالأزليّ يقرّر أنّ اللحظة التي يَخلق فيها شجرة الإيمان بالإله الواحد والثالوث الجديدة قد حانت. وأنا، كي اجعل إرادة الله تتمّ والعبريّة تصبح المسيحيّة، ينبغي لي أن أَشُجَّ وأَثقُب وأَختَرِق وأَصِل إلى النواة وأبثّ حرارة حبّي فيها لتستفيق وتنتفخ البذرة، وتنمو وتنمو وتنمو، لتصبح الشجرة القادرة للمسيحيّة، الديانة الكاملة والأزليّة والإلهيّة. والحقّ أقول لكم إنّ العبريّة لن تَسمَح بأن تُخرَق إلاّ بنسبة واحد في المائة. لذلك لا أعتبر هذا الإسرائيليّ الذي لا يَقبَلني ولا يريد أن يعطيني ابنه مغضوباً عليه.
كذلك أقول للابن: لا تبكِ مِن أجل اللحم والدم اللذين يعانيان مِن تَنَكُّر لحم ودم أنجَبَاهما. وأقول أيضاً: لا تبكِ ولا حتّى مِن أجل النَّفْس، فألمكَ يَعمَل أكثر مِن أيّ شيء آخر لصالح نفسكَ ونفسه، هذا الأب الذي هو أبوكَ، والذي لا يُدرِك ولا يَرَى. وأُضيف: لا تجعل لنفسكَ وسواساً بانتمائكَ لله أكثر مِن انتمائكَ لأبيكَ. وأقول لكم جميعاً: الله أهمّ مِن الأب والأُمّ والأخوة. لم آتِ لأُوحّد اللحم والدم بالطريقة الأرضيّة، إنّما بالطريقة السماويّة. وكذلك ينبغي لي أن أَفصل ما هو لحم ودم لآخذ معي الأرواح القادرة، منذ وجودها على هذه الأرض، شريطة أن ترتقي إلى مستوى السماء، لأجعل منها خُدّاماً للسماء. إذن فلقد أتيتُ لأدعو "الأقوياء" وأجعلهم أكثر قوّة، إذ بالأقوياء يتشكّل فيلق الذين هُم وُدَعاء. وُدَعاء تجاه الإخوة، أقوياء في مواجهة الأنا لديهم والأنا التي للدم العائلي.
لا تبكِ يا ابن العم. فإنّني أؤكّد لكَ أنّ معاناتكَ تعمل لدى الله، لصالح أبيكَ وإخوتكَ أكثر مِن أيّ كلام، ليس فقط منكَ، بل حتّى مِنّي. ثِق أنّ الكلمة لا تَلِج حيث الحُكم الـمُسبَق يشكّل عائقاً، إنّما النعمة فَتَلِج. والتضحية هي المغناطيس الذي يسحب النعمة.
الحقّ أقول لكم، عندما أدعو أحداً إلى الله، فما مِن طاعة أسمى مِن تلبية هذا النداء. ويجب الاستجابة حتّى دون التوقّف لمراجعة الحساب لأيّة درجة وبأيّة طريقة سوف تكون ردّة فعل الآخرين تجاه وفائنا لهذا النداء. وينبغي عدم التوقّف حتّى لدفن الأب. وسوف تُكافَؤون على هذه البطولة. ولن تكون المكافأة لكم وحدكم، بل أيضاً للذين انفَصَلتُم عنهم مع صرخة مِن القلب، للذين يضربكم كلامهم بأقسى مِن السوط، لاتّهامهم إيّاكم بأنّكم أبناء عاقّون، ويلعنونكم، في أنانيّتهم، كما لو كنتم عُصاة. لا، لستم عُصاة... بل قدّيسون أنتم. إنّ أوّل أعداء المدعوّين هُم أهل بيتهم. إنّما ينبغي التمييز بين حُبّ وحُبّ، وعلى المرء أن يحبّ بشكل فائق للطبيعة. يعني أنّه ينبغي محبّة معلّم الفائق الطبيعة أكثر مِن ُخُدّام هذا المعلّم. ينبغي محبّة الأهل في الله وليس أكثر مِن الله.»
يصمت يسوع، وينهَض متوجّهاً إلى ابن عمّه الذي يطأطئ رأسه ويلاقي صعوبة في إيقاف الدموع. يُلاطِفه: «يوضاس... أنا قد تركتُ أُمّي لأتّبع رسالتي. فليَنزع هذا منكَ كلّ تردّد مِن جهة نزاهة سلوككَ. إن لم يكن هذا العمل صالحاً فهل كان بإمكاني القيام به تجاه أُمّي التي لم يعد لها أحد غيري؟»
يُمرّر يوضاس يد يسوع على وجهه ويُوافِق بحركة مِن رأسه. إنّما لا يتمكّن مِن التعبير بأكثر مِن ذلك.
«فلنذهب نحن الاثنان، وحدنا، كما عندما كنّا أطفالاً، عندما كان حلفى ينظر إليَّ كأكثر أولاد الناصرة رُشداً وتَعقُّلاً. هيّا بنا نأخذ للعجوز عناقيد العنب الجميلة الذهبيّة هذه. فلا يعتقد أنّني تخلّيت عنه، وأنّني أنصُب له العداء. وكذلك لأُمّكَ وليعقوب، فهذا سيسعدهم. سأقول له بأنّني سأكون غداً في كفرناحوم، وأنّ ابنه له بكليّته. أنتَ تَعلَم أنّ العجائز يصبحون كالأطفال. يغارون. يتصوّرون دائماً أنّهم مُهمَلون. ينبغي لنا أن نتفهّمهم...»
يَغيب يسوع تاركاً في الحديقة الرُّسُل، وقد أَخرَسَهم انكشاف أمر معاناة وسوء تفاهم بين ابن وأبيه بسبب يسوع. مريم تُرافِق يسوع حتّى الباب، وتعود الآن مع تنهيدة أليمة.
وينتهي كلّ شيء.