ج6 - ف107
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
107- (زكّا عشّار وخاطئ إنّما ليس عن سوء إرادة)
18 / 07 / 1944
يقول يسوع:
«هناك خميرة وخميرة. هناك خميرة الخير وتلك التي للشرّ. خميرة الشرّ، سمّ شيطانيّ، تخمّر بأسهل مِن التي للخير، إذ توجد مادّة أكثر ملاءمة لفعلها في قلب الإنسان، في فكر الإنسان، في جسد الإنسان، الـمُفسِدة كلّ مِن الثلاثة بإرادة أنانيّة، معاكسة بالنتيجة لإرادة كلّيّة هي تلك التي لله.
إرادة الله شاملة، إذ لا تتوقّف مطلقاً عند فكرة شخصيّة، ولكنّها تُعنَى بخير الكون بأكمله. لا يمكن لشيء أن يزيد مِن كمال الله ولا بأيّة طريقة، ذلك أنّه امتَلَكَ على الدوام كلّ الأشياء بشكل كامل. بالنتيجة لا يمكن أن تكون فيه فكرة منفعة شخصيّة لتكون موضع العمل بها مهما يكن عمله. عندما يقال: "يُتَمّم هذا مِن أجل مجد أعظم لله، لمصلحة الله" هذا لا يعني أنّ المجد الإلهيّ هو بذاته قابلاً للتعاظم، إنّما لأنّ كلّ شيء موجود في الخليقة يحمل بصمة مِن خير، وأنّ كلّ شخص يتمّم الخير، وبالتالي يستحقّ امتلاكها، يتزيّن بعلامة المجد الإلهيّ، فيُعطي بذلك مجداً للمجد ذاته الذي خَلَقَ كلّ الأشياء بمجد. هذه شهادة، بالإجمال، بأنّ الأشخاص والأشياء تعطي الله بإعطائها بأعمالها شهادة عن الأصل الكامل مِن حيث تتأتّى.
هكذا إذن الله، عندما يأمركم أو ينصحكم أو يوحي إليكم بعمل ما، لا يفعل ذلك لمنفعة أنانيّة، بل بفكرة إيثاريّة، مُِحبّة، لهنائكم. ذلك هو السبب الذي لأجله لا تكون مشيئة الله أنانيّة على الإطلاق، ولكنّها مشيئة تميل تماماً إلى الإيثار، نحو الشموليّة. قوّة العالم بأكمله الوحيدة والحقيقيّة التي تأخذ بعين الاعتبار الخير الشموليّ.
خميرة الخير، بذرة روحيّة تأتي مِن الله، تُواجِه في نموّها على العكس عوائق وصعوبات كثيرة، فهناك الكثير مِن الشرّ يتنامى، إذ لها في مواجهتها التفاعلات الملائمة للخميرة الأخرى: الجسد، القلب وفكر الإنسان، تجتاحها الأنانيّة التي هي نقيض الخير، الذي هو بالأصل لا يمكنه أن يكون إلاّ حبّاً. لدى أكثر الناس، إرادة الخير تتناقص، ولهذا السبب يصبح الخير عقيماً ويموت، أو يعيش مع كثير مِن الشرّ الذي لا يُزيله: يبقى موجوداً. ما مِن خطيئة جسيمة، إنّما كذلك ما مِن مجهود مِن أجل صنع الخير الأعظم. بذلك الروح يصبح خامداً، ليس ميتاً، إنّما عقيماً.
انتبهوا إلى أنّ عدم فعل الشرّ لا يفيد في غير تحاشي جهنّم. للتمتّع مباشرة بالجنّة الجميلة، يجب فعل الخير. حتماً، ضمن المجال الذي يمكن التوصّل إلى فِعله. في الصراع مع الذات ومع الآخرين. لأجل ذلك قلتُ إنّني إنّما أتيتُ لِأُلقي حرباً وليس سلاماً بين الأب وأبنائه، بين الإخوة والأخوات، عندما يكون على هذه الحرب الدفاع عن مشيئة الله وشريعته في مقابل الإرادات البشريّة التي استدارت في اتّجاهات معاكسة لما يريده الله.
في زكّا حفنة خميرة الخير أَنشَأَت كمّاً هائلاً مِن التخمّر. ولم يكن قد وقع في قلبه سوى نتف في الأصل: كان هناك مَن نَقَلَ إليه عظتي على الجبل. ناقصة حتّى، بالتأكيد أجزاء كثيرة منها مشوّهة، كما يحصل عندما تُنقَل الأحاديث.
كان زكّا عشّاراً وخاطئاً، إنّما ليس عن سوء إرادة. كان كمن يغشى عينيه حجاب مِن الساد فيرى الأشياء بشكل سيّئ. إلاّ أنّه يَعلَم أنّ العين، إذا ما تحرّرت مِن هذا الحجاب، تعود إلى حالة الرؤية الجيّدة، وهذا المريض يريد أن نزيل عنه هذا الحجاب. هكذا زكّا، لم يكن مقتنعاً ولا سعيداً. لم يكن مقتنعاً مِن الممارسات الفرّيسيّة التي كانت قد حلّت محلّ الشريعة الحقيقيّة، ولم يكن سعيداً بأسلوب حياته.
كان يبحث بشكل عفويّ عن النور، النور الحقيقيّ. وقد رأى ومضة منه في ذلك المقطع مِن العظة واحتَفَظَ به في قلبه مثل كنز. لأنّه كان يحبّه، لاحظي ذلك يا ماريا: لأنّه كان يحبّه، الومضة أضحت أكثر اضطراماً، واسعة وجامحة، وقادته إلى رؤية الخير والشرّ بوضوح وإلى الاختيار بحكمة، قاطعاً ببسالة المجسّات التي كانت سابقاً: مِن الأشياء إلى القلب، ومِن القلب إلى الأشياء، قد غلّفته بشبكة جَعَلَت منه عبداً بغدر.
"لأنّه كان يحبّه" هو ذا سرّ النجاح أو عدمه. لا ينجح المرء إلاّ قليلاً عندما يحبّ بتقتير. ولا ينجح أبداً عندما لا يحبّ. في أيّ أمر. فبالأحرى في الأمور التي تخصّ الله، حيث رغم كون الله غير مرئيّ بالنسبة للحواسّ الجسديّة، يجب أن يكون لدى المرء حُبّ، أجرؤ على القول، كامل، في الحدّ الذي يمكن لمخلوق بلوغ الكمال، للنجاح في مسعى ما، في القداسة، في هذه الحال.
زكّا، المشمئزّ مِن العالم والجسد، كما كان مستاء مِن السّمة الحقيرة للممارسات الفرّيسيّة التافهة للغاية، المتشدّدة بالنسبة للآخرين، المتساهلة جدّاً لهم، أَحَبَّ هذا الكنز الصغير الذي هو واحدة مِن كلامي، وَصَلَت إليه بمحض الصدفة، كما يقال بشريّاً. أَحبَّها كأحلى شيء مَلَكَه في حياته ذات الأربعين سنة، ومنذ ذلك الحين صوَّبَ قلبه وفكره على هذه النقطة. ليس فقط مِن أجل السوء الذي يسكن قلب الإنسان حيث كنزه. إنّما كذلك مِن أجل الخير. ألم يكن قلب القدّيسين، أثناء حياتهم، حيث كان الله، كنزهم؟ بلى. ولأجل ذلك عند النَّظَر إلى الله فقط، عرفوا أن يمرّوا على الأرض دون إفساد نفسهم في وحل الأرض.
ذاك الصباح، لو لم أكن قد ظهرتُ، كنتُ بالمقابل سأقوم بالهداية، إذ إنّ الحِوار مع الأبرص كان قد أنهى تحوّل زكّا. فعلى طاولة الجباية، لم يعد بعد الرجل الغشّاش والفاسد، بل إنّما الرجل الذي كان يتوب عن ماضيه، والذي كان مصمّماً على تغيير حياته. لو لم أكن أنا قد ظهرتُ في أريحا، كان سيُقفِل مكتبه، ويأخذ دراهمه، وكان سيأتي للبحث عنّي، إذ إنّه لم يكن قادراً على البقاء دون ماء الحقيقة، دون خبز الحبّ، ودون قبلة الغفران.
فمُراقبو النظام الاعتياديّون الذين كانوا يراقبونني ليلفّقوا لي التهم، لم يكونوا ليروا ذلك ويدركوه بشكل أقلّ. وهكذا كانوا يُدهَشون لتناولي الطعام مع خاطئ. آه! لو لم تكونوا تُدينون أبداً، تاركين المهمّة لله، أيّها العميان المساكين العاجزين عن إدانة أنفسكم!
لم أمضِ أبداً مع الخطأة للموافقة على خطيئتهم. كنتُ أمضي لأنتشلهم مِن الخطيئة، غالباً لأنّهم في تلك اللحظة، لم يكن لهم سوى ظاهر الخطيئة: النَّفْس التائبة كانت قد تغيَّرَت إلى نَفْس حيّة، جديدة، مصمّمة على التكفير. وحينذاك، هل كنتُ مع خاطئ؟ لا. بل مع مُفتَدى كان في حاجة فقط إلى أن يُقاد للتوجّه في ضعفه كقائم مِن الموت.
كَم مِن الأمور يمكن لحادثة زكّا أن تُعلّمكم! قدرة النيّة المستقيمة على إنهاض الرغبة، الرغبة الحقيقيّة الدافعة على البحث عن معرفة أعظم مِن الخير والبحث عن الله بشكل مستمرّ حتّى إيجاده، توبة حقيقيّة تمنح الشجاعة على الزهد. كانت لدى زكّا النيّة الصادقة لسماع كلام المذهب الحقيقيّ. بامتلاكه بعضاً منه، تدفعه استقامة رغبته إلى رغبة أعظم، وبالتالي إلى البحث المستمرّ عن هذا المذهب. البحث عن الله، المستتر في المذهب الحقيقيّ، ينتزعه مِن آلهة المال والشهوة الدنيئة، وبالفعل هو أحد أبطال الزُّهد.
"إذا أردتَ أن تكون كاملاً، اذهب، بع كلّ ما هو لكَ وتعال اتبعني" هذا ما قلتُهُ للرجل الغنيّ، وهو لم يعرف أن يفعلها. إنّما زكّا، رغم كونه أقسى في البخل والشهوة، عرف أن يفعل ذلك. إذ مِن خلال القليل مِن الكلام الذي وَصَلَه، كما المستجدي الأعمى والأبرص اللذين شفيتُهُما، كان قد رأى الله.
هل لروح رأى الله أن يستطيع إيجاد ما يشدّه في أمور الأرض الصغيرة؟ هل يمكنه ذلك أبداً، يا عروستي الصغيرة؟»