ج1 - ف21

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الأول

 

21- (وَضْع يوسف مِثل "خاتم على خاتم" مِثل رئيس الملائكة على عتبة الفردوس)

 

05 / 09 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«ماذا جاء في سفر الحكمة عندما أنشَدَ مدائحها؟ "في الحكمة يوجد بالفعل روح الذكاء، مقدّساً، وحيداً، متعدِّداً، وثاقباً". ويستمرّ في تعداد صفاتها، ويختَتم بهذه العبارات: "...تستطيع كلّ شيء وتتوقّع كلّ شيء وتستوعب كلّ النفوس، ذكيّة، طاهرة، وثاقبة الفكر. الحكمة تَلِج كلّ شيء بطهرها، إنّها فيض (نفحة) مِن روح الله... إذ ليس فيها ما هو غير طاهر... إنّها صورة عن الصلاح الإلهيّ. مع كونها وحيدة، فإن وحدتها تستطيع كلّ شيء؛ ومع كونها غير قابلة للتبدّل، فهي تُجدّد كلّ الأشياء. إنّها تتّحد بأرواح القدّيسين وتُشكّل أصدقاء الله والأنبياء."

 

رأيتِ كيف أنّ يوسف، ليس بثقافته البشريّة، بل إنّما بمعرفته فائقة الطبيعة، عرف القراءة في الكتاب المختوم للعذراء المنزّهة عن كلّ عيب، وكيف يلامس برؤيته الحقائق النبويّة برؤية سرّ فائق البشر، حيث لا يَرَى الآخرون سوى فضيلة كبرى. مُشرَّباً بهذه الحكمة التي تنبعث مِن فضيلة الله، والتي هي انبثاق مِن القُدرة الكلّية، يتوجّه بروح مطمئنّ وواثق في بحر سرّ النعمة هذا الذي هو مريم، يلتقي بها في مبادلة روحيّة، حيث لم تتكلّم الشفاه، بل كانا نفسين يتبادلان الحديث في صمت الأرواح المقدّس، حيث لا يَسمَعان سوى صوت الله الذي لا يستقبله سوى المرضيّين لدى الله، لأنّهم يخدمونه بإخلاص وهم ممتلئون منه.

 

حكمة البارّ التي تنمو بالاتّحاد وبحضور كلّية النعمة، تهيئه للولوج في أسرار الله الأكثر سموّاً ليستطيع حمايتها والدفاع عنها ضدّ الشِّراك البشريّة أو الشيطانيّة. وقد كان كلّ هذا فرصة له للتجدّد. لقد جَعَلَت مِن البارّ قدّيساً، ومِن القدّيس حارساً لعروسة الله وابنه.

 

دون رفع خاتم الله، وهو العفيف الذي يحمل الآن عفّته إلى البطولة الملائكيّة، استطاع قـراءة الكلمة الناريّة المكتوبة على الماسة البتوليّة بإصبع الله، وقرأ عليها ما لم يُفصَح عنه لفطنته، إلاّ أنّه أعظم كثيراً مما قرأه موسى على الألواح الحجريّة. ولكي لا تَبتَذِل عين دنيويّة السرّ، وَضَعَ نفسه خاتماً على الخاتم، رئيس ملائكة على عتبة الفردوس الذي يجد فيه الأزليّ متعته "متمشّياً مع نسمة المساء"، ومتّحدثاً إلى التي هي حُبّه، غابة الزنبق الـمُزهِر، النسمة المعطّرة بالأريج، النسمة الصباحيّة النديّة، النجمة البهيّة، متعة الله. حوّاء الجديدة موجودة هنا أمامه، هي ليست عظماً مِن عظامه، ولا لحماً مِن لحمه، ولكنّها شريكة حياته، تابوت عهد الله الحيّ الذي تولّى الوصاية عليه، والذي يتوجّب عليه إعادته إلى الله فيما بعد طاهراً كما استَلَمَه.

 

"عروسة الله". هكذا كان مكتوباً في هذا الكتاب السرّيّ في الصفحات غير المدنَّسَة... وعندما عَصَفَ له الشكّ بالاختبار بآلامه المبرّحة، كرجل، وكخادم لله، تألّم كإنسان في العالم، لانتهاك القدسيّات بالشكّ. إنّما هذا كان اختبار المستقبل. أمّا في الوقت الحاضر، في زمن النعمة، فإنّه يَرى ويضع نفسه في الخدمة الحقيقيّة لله. إنّما بعدئذ ستأتي عاصفة الاختبار، كما لكلّ القدّيسين، ليجتازوا الامتحان ويُصبِحوا معاوني الله.

 

ماذا جاء في سفر الأحبار؟ "مُرْ هارون أخاكَ بأن لا يَدخُل القُدس في كلّ وقت، إلى داخل الحجاب، إلى أمام الغشاء الذي يغطّي تابوت العهد، لكيلا يموت، لأنّي متجلٍّ في الغمام فوق الغشاء، قُل له ألّا يدخل قبل أن يقوم بهذه الأفعال: يُقدِّم عجلاً مِن البقر كذبيحة عن الخطايا، وكبشاً للمحرقة، ويعود ليلبس قميصاً مِن الكتّان، وبالسراويل الكتّانية سيستر عريه."

 

بالحقيقة، يَدخُل يوسف، عندما يريد الله، وبالقدر الذي يريده، إلى قدس أقداس الله، وراء الحجاب الذي يغطّي تابوت العهد الذي يرفرف فوقه روح الله، ويُقدّم نفسه، وسيُقدّم الحمل محرقة عن خطيئة العالم وكفّارة عن هذه الخطيئة. ويقوم بهذا وهو يرتدي الكتّان على جسده الذي أماته بنذره ليُبطِل الغرائز التي انتصرت يوماً في بداية الزمان، مُخلّة بأوامر الله للإنسان، وستُداس الآن في الابن وفي الأُمّ وفي الأب الوهميّ، ليعيد الناس إلى النعمة، وليعود لله حقّه على الإنسان. لقد فَعَلَ ذلك بعفّته الدائمة.

 

ألم يكن يوسف في الجلجلة؟ أيبدو لكم أنّه لم يكن بين المشاركين في عمليّة الفداء؟ الحقّ أقول لكم إنّه كان أوّل الموجودين، لذلك فهو عظيم في عينيّ الله. عظيم بالتضحية والصبر والثبات والإيمان. وأيّ إيمان أعظم مِن إيمان الذي آمَنَ دون أن يرى معجزات مَسيّا؟

 

كلّ التقريظ (الثناء) لأبي الوهميّ، الـمَثَل الأعلى لكم لما ينقصكم على الأغلب: الطهارة والإخلاص، والحبّ الكامل. للذي قَرَأَ بشكل رائع الكتاب المختوم، مُتثقِّفاً بالحكمة ليعرف كيفيّة إدراك أسرار النعمة. ذاك الذي اختاره الله ليحمي خلاص العالم ضدّ مكائد كلّ الأعداء.»