ج3 - ف1
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث
{السنة الثانية في الحياة العلنية}
الكتاب الأوّل / القسم الأوّل
1- (تثقيف التلاميذ في الطريق إلى الرّامة)
19 / 04 / 1945
«سيّدي، ماذا ترانا نفعل بذاك؟» يَسأَل بطرس يسوع مشيراً إلى الرجل المدعو يوسف الذي يتبعهم مذ غادَروا عِمّاوس، والذي يُنصِت الآن إلى ابنيّ حلفى وسمعان الذَين يَهتمّون به بشكل خاصّ.
«لقد قُلتُها. يأتي معنا إلى الجليل.»
«وبعد ذلك؟...»
« وبعد ذلك يبقى معنا. سوف ترى أنّ الأمر سيكون هكذا.»
«أهو أيضاً تلميذ؟ مع هذا الذي يُلازِمه؟»
«هل أنتَ كذلك فرّيسيّ؟»
«أنا لا! إنّما... يبدو لي أنّ الفرّيسيّين يضعوننا تحت الـمُراقَبة الـمُشَدَّدة...»
«وهم يَرَونه معنا، وسوف يُسبّبون لنا الـمَتاعِب. هذا ما تريد قوله. وبالتالي، وخوفاً مِن الاضطراب، ينبغي لنا ترك ابن لإبراهيم في صراع مع الأسى؟ لا يا سمعان بطرس. إنّها نَفْس، وقد تضيع أو تَخلص، حسب طريقة معالجة جُرحها.»
«ولكن، ألم نصبح نحن تلاميذكَ؟...»
يَنظُر يسوع إلى بطرس ويبتسم برقّة ثمّ يقول: «ذات يوم، منذ بضعة أشهر، قُلتُ لكَ أنا: "سيأتي آخرون كُثُر". فالحقل واسع، واسع جدّاً؛ والفَعَلَة سيكونون قليلين على الدوام... لأنّ كثيرين كذلك سيتصرّفون مثل يونا: سَيَنفُقون ألماً. ولكنّكم ستظلّون دائماً الـمُفَضَّلين لديَّ.»
يَختتم يسوع كلامه وهو يَشدّ إليه بطرس الحزين، إنّما قد اطمَأنَّ لذاك الوعد الأخير.
«إذن، أهو يأتي معنا؟»
«نعم، إلى أن يعود السكون إلى قلبه. ذلك أنّ الحقد الكثير الذي ارتَشَفَه جَعَلَه مسموماً.»
يعقوب ويوحنّا ومعهم أندراوس يَلحَقون كذلك بالمعلّم ويستَمِعون.
«لا يمكنكم تخمين مِقدار الشرّ الذي يمكن للإنسان أن يُلحِقه بالإنسان بسبب تَشَدُّد عدوانيّ. أرجو أن تتذكّروا أنّ معلّمكم قد اهتمَّ على الدوام بالمرضى الروحيّين. أنتم تظنّون أنّ أعظم معجزاتي، بل ومزيّتي الأساسيّة تَظهَر في شفاء الأجساد. لا يا أصدقائي... نعم، هلمّوا يا مَن أنتم أمامي ويا مَن أنتم خلفي، فالطريق واسعة، ويمكننا السير كمجموعة.»
يَتراصّ الجميع أمام يسوع الذي يُتابِع: «أعمالي الرئيسيّة، تلك التي تشهد أكثر لطبيعتي ولرسالتي اللتين يَنظُر إليهما أبي بفرح، هي شفاءات القلوب، سواء كانت شفاءات مِن آفة واحدة أو مِن عدّة آفات رئيسية، أو مِن الإحباطات الهدّامة، والتي تجعل الإنسان على يقين بأنّ الضربات هي مِن الله، وأنّه قد تخلّى عنهم.
النَّفْس التي فَقَدَت ذلك اليقين بِعَون الله، ماذا تكون؟ إنّها شجرة لَبلاب ضعيفة تمتدّ في الغبار، إذ لا يمكنها التثبّت بالفكرة التي كانت قوّتها وفرحها. فالحياة بلا رجاء فظيعة. الحياة جميلة رغم كلّ ما فيها مِن قَسوة، فقط لأنّها تتلقّى دَفق الشمس الإلهيّة. هدف الحياة هو هذه الشمس. هل النهار البشريّ مُظلِم وهو مُبَلَّل بالدموع ومُلَطَّخ بالدم؟ نعم، إنّما بعد ذلك تكون الشمس، ولا تعود آلام ولا انفصال ولا شَدائِد ولا أحقاد ولا شقاء ولا عُزلة تحت غيوم مُنهِكة، بل إنّما نور وإنشاد، بل صفاء وسلام، بل الله. الله: الشمس الأزليّة! انظروا كم تبدو الأرض حزينة عندما يَحلّ الكسوف. فلو تَوجَّبَ على الإنسان القَول: "لقد ماتت الشمس"، أفلا يبدو لـه أنّه يَحيا أبداً في قبر مُظلِم، مَحبوساً، بل مدفوناً، ميتاً قبل أن يموت؟ ولكنّ الإنسان يَعلَم أنّ وراء ذلك الكوكب الذي يَحجب الشمس ويُضفي على العالم مَظهراً جنائزيّاً، هناك دائماً شمس الله البَهيجة. هكذا هي الحال في فِكرة الاتّحاد بالله في هذه الحياة. فالناس يَجرَحون ويَنهَبون ويَفْتَرون! ولكنّ الله يشفي ويُصحّح ويُقوّم، وبغير قياس. الناس يقولون: "الله قد نَبَذَكَ". ولكنّ النَّفْس المطمئنّة تُفكّر، بل ينبغي لها أن تُفكّر: "الله صالح وعادل. يَرى الـمُسبّبات وهو مُتسامِح. وهو هكذا حتّى أكثر مِن أكثر الناس تَسامُحاً. فهو في ذلك بلا حدود. وبالنتيجة، لا، فهو لن ينبذني إذا ما حَنَيتُ رأسي لأبكي على صدره وأقول لـه: ’أيّها الآب، وحدكَ أنتَ مَن بقي لي. ابنكَ مُبتَلى ومَحزون. امنحني سلامكَ...‘"
الآن أنا مُرسَل الله، أَجمَع الذين أفسَدَهم الإنسان ورَوَّعَهم الشيطان، وأُخلِّصهم. إنّه عملي، بل مهمّتي الحقيقيّة. فالمعجزة على الجسد هي القُدرة الإلهيّة، وفِداء النُّفُوس هو عمل يسوع المسيح، الـمُخلِّص والفادي. أُفكِّر، ولستُ أخطئ، أنّ أولئك الذين وَجَدوا فيَّ ردّ اعتبار لهم في عينيّ الله وفي عينيهم، سوف يكونون تلاميذي الـمُخلِصين، أولئك الذين سوف يتمكّنون، وبِقُدرة أكبر، مِن جلب الجموع إلى الله قائلين: "هل أنتم خَطَأَة؟ فأنا كذلك. هل أنتم مـمّن لا شأن لهم؟ أنا كذلك. هل أنتم يائسون؟ أنا كذلك. ومع ذلك فأنتم تَرَون أنّ المسيح قد تَرأَّفَ ببؤسي الروحيّ وشاء أن أكون كاهِناً له. فهو الرحمة، ويودّ لو يقتنع العالم بذلك، وما مِن أحد أكثر أهليّة للاقتناع مِن الذي اختَبَرَها." الآن، أنا أضمّهم إلى أصدقائي، إلى أولئك الذين عَبَدوني منذ ولادتي، وبالتالي إليكم وإلى الرُّعاة. أضمّهم إلى الرُّعاة، إلى الذين شَفيتُهم، إلى أولئك الذين، دون اختيار مميَّز كالذي حظيتُم به أنتم الاثنا عشر، سَلَكوا طريقي وسيتّبعونها حتى الممات. إسحاق موجود بالقرب مِن الرّامة. وقد سأَلَني صديقنا يوسف عن ذلك. سوف أَصطَحِب إسحاق معي لينضمّ إلى تيمون عندما سيلحق بنا. وإذا كنتَ تؤمن أن فيَّ يوجد السـلام وهـدف حياة بأكملها، فيمكنكَ الانضمام إليهم. وسيكونون لكَ إخوة صالحين.»
«سَلواي! بالضبط كما تقول. جراحاتي الأشدّ بلاغة، كرجل وكمؤمن، تُشفى مِن ساعة إلى ساعة. إنّني معكَ منذ ثلاثة أيام، ويبدو لي أنّ ما كان يمزّقني منذ ثلاثة أيّام فقط، هو الآن حلم يتلاشى. لقد عشتُ ذاك الحلم، ولكن مع مرور الوقت يتبدّد الحلم بتفاصيله الفظيعة بوجود حقيقتكَ. ففي الليالي الأخيرة فَكَّرتُ كثيراً. لي قريب صالح في يافا. وهو الذي كان... السبب الخارج عن الإرادة في شقائي، فَعَن طريقه تعرَّفتُ على تلك المرأة، وهذا يُبيّن لكَ لو كنّا نستطيع معرفة ابنة مَن كانت... لقد كانت مِن زوجة أبي الأولى، نعم، ولكن ليس مِن أبي. وقد كانت تحمل اسماً مختلفاً، وكانت آتية مِن البعيد. ولقد تَعَرَّفَت على قريبي أثناء مُبادَلة بضائع. وأنا هكذا تَعَرَّفتُ عليها. إنّ قريبي يرغب كثيراً بتجارتي، وسوف أمنحها لـه. فلو تَرَكتُها دونما صاحب لحلّ بها الخراب. وهو سوف يَتَقبَّلها دون أيّ شكّ لِكَيلا يَختَبِر عذاب الضمير، كونه سبب شقائي. وهكذا سوف أتمكّن مِن أن أتبعكَ باطمئنان. أطلب منكَ فقط أن تَهِبني إسحاق هذا الذي أتيتَ على ذِكره. فإنّني أخشى البقاء وحيداً مع أفكاري التي ما تزال قاتمة جدّاً... »
«سأدع لكَ إسحاق، فإنّ له نَفْسـاً صـالحة، وقد جَعَـلَه الألم أحسـن حالاً. لقد حَمَـلَ صـليبه ثلاثين عاماً. وهو يعرف معنى الألم... وفي تلك الأثناء نُكمِل نحن طريقنا. وسوف تَلحَق بنا إلى الناصرة.»
«ألن نتوقّف عند يوسف في بيته؟»
«ذلك هو الـمُرَجَّح. فإنّ يوسف في أورشليم... هناك عمل كثير في المجمع. ولكنّنا سنعرف ذلك مِن إسحاق. إذا كان في بيته فسنحمل لـه سلامنا. وإلّا فسنتوقّف لليلة واحدة فقط لنأخذ قِسطاً مِن الراحة. فأنا أتعجّل الوصول إلى الجليل، ذلك أنّ أُمّاً تتألّم هناك، لأنّها، تَذَكّروا ذلك، هناك مَن جَعَلَ شُغله الشّاغل أن يُسبّب لها الألم والحزن. وأريد طَمأَنَتها.»