الدفاتر: 13 / 06 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(13 / 06 / 1943)
يقول يسوع:
«كي يستطيع الروح القدس النزول والعمل بحرّية في أحد القلوب، يجب أن ننمّي في ذاتنا المحبّة، الإيمان، الطهارة، الصلاة والتواضع.
رُسُلي استعدّوا لمجيئه بهذه الفضائل إضافة إلى استغراق بالغ في التأمّل. لتعلّم هذا، كما لتعلّم الفضائل الأخرى، ما كان عليهم سوى النظر إلى مريم، أُمّي. ففيها، روح الاستغراق في التأمّل كان بالغاً للغاية. حتّى أثناء الانشغالات الحياتية كانت تُحسِن الاستغراق في تأمّل الله، وكان فرحها الأعظم في إمكانيّة الانفراد في التأمّل، الصمت والوحدة.
يمكن لله أن يتكلّم في أيّ مكان. ولكنّ كلمته تبلغكم، أنتم القابلين للموت، والذين قدرتكم على التلقّي محدودة، أفضل بكثير عندما تكونون في العزلة أكثر منه عندما يكون الناس حولكم يتكلّمون، يتحرّكون، ويتصرّفون، غالباً بتفاهة بشريّة. ستكون لكم النعمة والاستحقاق مضاعفين إذا ما تمكّنتم مِن سماع الله حتّى وسط الضوضاء، إنّما كذلك التعب سيكون مضاعفاً بل ثلاثة أضعاف.
أمّا أنتِ، يا ماريا، فلا تنتهكي المحبّة المقدّسة والصبر المقدّس لأجل فكرة أن تصغي إليَّ. فحينذاك تشوّهين ثمرة هذه الدروس. فلا شيء، ولا حتّى التفكير بسماع صوتي، عليه أن يجعلكِ أقلّ اندفاعاً في مواصلة التسامح والصبر تجاه قريبكِ. ألديكِ الانطباع بتشتّت تركيزكِ عمّا أقوله لكِ؟ أتأسفين لتنبّهكِ بأنّكِ نسيتِ بعض كلماتي الثمينة؟ آه! ثقي بي! فأنا سأجعلكِ تستعيدينها مجدّداً، وأيضاً أجمل مِن ذي قبل، لأنّها ستكون مرصّعة بذهب المحبّة ومحاطة بجواهر الصبر مجزّأة في عدد مِن الأعمال لا نهاية له، ولكنّها جميعها، جميعها ثمينة.
تذكّري أنّ: ’كلّ ما تفعلونه للقريب، تفعلونه لي أنا، يسوع‘. اعرفي إذن أن تخرجي عن محادثتكِ معي كي تصغي لاحتياجات قريبكِ، حتّى تلك التي تكون في الغالب غير ذات نفع، دائماً مع الابتسامة والإرادة الصالحة. ستنالين استحقاق ممارسة المحبّة وهم لا يكونون معرّضين للعثرة برؤيتهم إيّاكِ في غيظ مِن اضطراركِ لتركك الصلاة.
إنّ مريم فائقة القداسة، كانت تُحسِن، دونما انزعاج، الخروج مِن التأمّل، ومِن الصلاة، والحوارات اللذيذة مع الله –ويمكنك تصوّر السموّ الذي كانت تبلغه- والاهتمام بالآخرين دون أن يغيب الله عن ناظريها ودون جعلهم يلاحظون أنّه قد تمّ إزعاجها. فلتكن مريم مثالكِ.
كذلك في الصلاة لم يكن لرُسُلي سوى النظر إلى مريم ليتعلّموا كيف يجب أن يُصلّوا ليستجيب لهم الله. والأمر ذاته بالنسبة إلى الفضائل الأخرى الضروريّة للاستعداد لنزول الباراقليط. أيضاً اليوم، ينزل المعزّي بقوّة أشدّ بقدر ما يكون الروح مستعدّاً لاستقباله.
مريم، الممتلئة نعمة، لم تكن في حاجة إلى أيّ تهيئة. ولكنّها أعطتكم الـمَثَل. هي أُمّكم، والأُمّهات هنّ المثل الحيّ لأولادهنّ. مريم كانت ممتلئة بالفعل مِن الروح القدس. كانت عروسه، ومِن عروسها كانت تعلم كلّ الأسرار. إنّما في مريم لم يكن ينبغي لأيّ شيء أن يبدو مختلفاً عن الآخرين.
أنا نفسي، الّذي كنتُ الله، قد خضعتُ على هذه الأرض لشرائع الطبيعة: جعتُ، عطشتُ، بردتُ، تعبتُ، نعستُ؛ وأنا نفسي، الّذي كنتُ الله، قد خضعتُ للشرائع المعنويّة: اختبرتُ القلق، الخوف، الحزن، وسررتُ بالصداقة، روّعتني الخيانة، ارتجفتُ حتّى التعرّق دماً لدى التفكير بالألم الذي كان عليَّ أن أتألّمه، صلّيتُ مثل شخص متواضع بحاجة لكلّ شيء.
مريم أيضاً استقبلت الروح القدس بشكل جليّ. كذلك أعظم النفوس عليها اتّباع الطريق الّتي يتّبعه الجميع -أي بالنسبة للتجلّيات الخارجيّة- دون التفرّد، دون اتّخاذ وضعيّات هي ليست سوى غرور مغلّف بتواضع نِفاقي. يجب عليكم أن تكونوا بسطاء على الدوام، لكي يأتي الروح القدس إليكم بكل سرور. ومِن ثمّ معرفة الاحتفاظ به بطهارة مضطرمة للغاية. إنّ الروح لا يتوقّف حيث تكون النجاسة. وأخيراً الوفاء لإلهاماته.
فهو، إذا جاز التعبير، الرسول الأبديّ والإلهيّ الّذي يبشّر النفوس دون كلل بمذهب المسيح، الّذي ينيره ويشرحه لكم. أمّا إذا أُسيء استقباله، إذا ما أُقفلت أبواب القلب في وجهه، إذا ما استُقبل بغضب، فهو يفعل ما قلتُه لرُسُلي: يمضي وسلامه يعود إليه في الوقت الّذي أنتم تلبثون دونه.
الله لا يفرض نفسه إلاّ في حالات خاصّة. إنّه جاهز دائماً للتدخّل لمساعدتكم، ولكنّه يريد أن ترغبوا باستقباله، أن تريدوا سماعه، أن تتحلّوا بالشجاعة لاتّباعه، بالأريحيّة للاعتراف به. حينئذ يحتضنكم، يلج فيكم، يسمو بكم، يضرمكم بنوره الوهّاج، يؤلّهكم، يجعلكم تغيّرون طبيعتكم الحيوانيّة البائسة إلى طبيعة روحانيّة بالكامل، يجعلكم شبيهين به، ومثل النسر في تحليقه، يحملكم إلى العلاء، إلى مساكن النور، في مناطق الطهر، يأخذكم قريباً مِن شمس المحبّة ويدفئكم، إلى أن يفتح لكم أبواب ملكوته إلى أبديّة مِن الغبطة.»