ج7 - ف195
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
195- (يسوع ورجل بيترا "قرب حشبون")
22 / 09 / 1946
لا أرى مدينة حشبون. إنّ يسوع وجماعته قد خرجوا منها بالفعل، ومِن وجوه الرُّسُل أُدرك أنّها كانت خيبة أمل. يتبعهم، أو بالأحرى، يلاحقهم على بُعد بضعة أمتار، جَمع يصيح ويهدّد…
«هذه الأمكنة المحيطة بالبحر المالح هي ملعونة كما البحر ذاته» يقول بطرس.
«هذه المنطقة! ما تزال هي ذاتها منذ الزمن الموسويّ، وإنّكَ طيّب جدّاً لعدم معاقبتها كما عوقبت آنذاك. إنّما هي تستحقّ ذلك، وينبغي إخضاعها بقوى السماء أو بقوى الأرض. الجميع. حتّى آخر إنسان وآخر مكان.» يقول نثنائيل غاضباً، مع وميض ازدراء في عينيه الغائرتين. إنّ العِرق العبرانيّ يبرز بقوّة لدى الرّسول النحيل والـمُسِنّ، تحت زَخَم السُّخط، ويجعله يشبه إلى حدّ كبير الكثير مِن الرابّيين والفرّيسيّين الّذين يعارضون يسوع باستمرار.
يسوع يستدير ويرفع يده قائلاً: «سلام! سلام! سوف ينجذبون هم كذلك إلى الحقّ. إنّما يجب السلام. يجب الرحمة. إنّنا لم نأتِ قطّ إلى هنا. هم لا يعرفوننا. إنّ أماكن أخرى كانت هكذا في المرّة الأولى، إنّما بعد ذلك تغيّرت.»
«هذه الأماكن مشابهة لمسعدة: إنّهم مُباعون! فلنعد إلى الأردن» يقول بطرس بإصرار.
لكنّ يسوع يمضي عبر الطريق مُعَلَّمة المسافات، التي يسلكها مجدّداً باتّجاه الجنوب. الأكثر سخطاً تجاهه لا يزالون يتبعونه، مثيرين انتباه المسافرين.
أحدهم -لا بدّ أنّه تاجر غنيّ، أو على الأقلّ شخص يعمل لحساب تاجر- يقود قافلة طويلة متّجهة شمالاً، يراقبهم باندهاش مُوقِفاً جَمَله، ومعه يتوقّف الآخرون جميعهم. ينظر إلى يسوع، ينظر إلى الرُّسُل، العُزَّل وحميدي المظهر، ينظر إلى الواصلين صّائِحِين ويهدّدون، ويسألهم بفضول. لا أسمع كلامه، بل الصيحات الّتي تجيبه: «إنّه الناصريّ الملعون، المجنون، الممسوس. لا نريده داخل أسورانا!»
الرجل لا يَسأَل أكثر. يدير جَمَله، يصيح بشيء ما لواحد مِن جماعته كان يتبعه عن قرب ويهمز الدابّة الّتي تصل إلى الرُّسُل ببضع خطوات. «باسم إلهكم، مَن مِن بينكم هو يسوع الناصريّ؟» يَسأَل الرُّسُل: متّى، فيلبّس، سمعان الغيور، وإسحاق، الّذين هم المجموعة الصغيرة الأخيرة.
«لماذا تَسأَل عنه؟ هل كي تزعجه أنتَ أيضاً؟ ألا يكفيه أبناء جلدته؟ أتنضمّ أنتَ كذلك؟» يقول فيلبّس ساخطاً.
«إنّني أفضل مِن هؤلاء. وأطلب نعمة. لا تصدّوني. أسألكم ذلك باسم إلهكم.»
في صوت الرجل شيء ما يقنع الأربعة، ويقول له سمعان: «الأوّل أمام الجميع، مع الاثنين الأكثر شباباً.»
الرجل يحثّ الحيوان مجدّداً، لأنّ يسوع الّذي كان متقدّماً أساساً، قد تقدّم أكثر أثناء الحِوار القصير الّذي يجهله.
«يا سيّد!... أَصغِ إلى بائس...» يقول، حالما يدركه.
يسوع، يوحنّا ومارغزيام، يلتفتون مندهشين.
«ماذا تريد؟»
«أنا مِن بيترا، يا سيّد. أنقل لحساب آخرين بضائع آتية مِن البحر الأحمر حتّى دمشق. أنا لستُ فقيراً. لكنّني كما لو كنتُ كذلك. لي طفلان، يا سيّد، والمرض أصابهما في أعينهما، وهما أعميان، الواحد بشكل كلّي -هو الأوّل الّذي مرض- الآخر تقريباً أعمى وقريباً بشكل كلّي. الأطباء لا يجترحون المعجزات، أما أنتَ فنعم.»
«كيف تعلم ذلك؟»
«أعرف تاجراً غنيّاً يعرفكَ، إنّه يقيم في الوسط الّذي أنا فيه. وأحياناً أكون في خدمته. لقد قال لي، وقد رأى الولدين: "وحده يسوع الناصريّ يمكنه أن يشفيهما. ابحث عنه". لقد بحثتُ عنكَ. إنّما وقتي ضيّق، وعليَّ أن أَسلك الطرق الأكثر ملاءمة.»
«متى رأيتَ اسكندر؟»
«بين عيديكما الربيعييَّن. ومنذ ذلك الحين قمت برحلتين أُخرَيَين، لكنّني لم أصادفكَ أبداً. يا ربّ، أَشفِق!»
«يا رجل، أنا لا يمكنني النزول إلى بيترا، ولا أنتَ تستطيع ترك القافلة...»
«بل أستطيع. أريزا جدير بالثقة. أُرسِله قُدُماً: وسيمضي على مهل. أنا أطير إلى بيترا. لديَّ جَمَل أسرع مِن ريح الصحراء وأكثر رشاقة مِن غزال. أَجلُب الولدين وخادماً آخر أميناً. أوافيكَ. وأنتَ تشفيهما… آه! النور لنجوم عيونهما السوداء، المغطّاة الآن بغيوم سميكة! وأنا أتابع، فيما هما يعودان إلى أُمّهما. أرى أنّكَ تمضي قُدُماً، يا سيّد. إلى أين تتوجّه؟»
«كنتُ ذاهباً إلى ذيبون...»
«لا تذهب إليها. إنّها ملأى بـ… بجماعة مكرونة. أمكنة ملعونة، يا سيّد. لا تمنع ذاتكَ عن البائسين، يا سيّد، كي تقدّمها للملعونين.»
«هذا ما كنتُ أقوله أنا» يهمهم برتلماوس في سرّه، ويؤيّده كثيرون.
هم الآن كلّهم حول يسوع ورجل بيترا، سكّان حشبون، على العكس، وقد رأوا أنّ القافلة متعاطفة مع الـمُضطَهَد، فيعودون على أعقابهم. القافلة، المتوقّفة، تنتظر النتيجة والقرار.
«أيّها الرجل، إن لم أذهب نحو مدن الجنوب، فسوف أتّجه شمالاً. وهذا لا يعني أنّني أستمع إليكَ.»
«أعلم بأنّني وضيع بالنسبة لكم أنتم أبناء إسرائيل. إنّني غير مختون، لا أستحقّ أن يُنصَت لي. إنّما أنتَ مَلِك العالم، وفي العالم نحن أيضاً كائنون...»
«ليس هذا. إنّه… كيف يمكنكَ الإيمان بأنّني أفعل ما لم يستطع الأطباء فِعله؟»
«لأنّكَ مسيح الله وهم بشر. أنتَ ابن الله. ميزاس قد قال لي ذلك، وأنا أؤمن بذلك. أنتَ تستطيع فِعل كلّ شيء، حتّى لمسكين مثلي» الإجابة مليئة بالثقة، والرجل يكملها وينزلق أرضاً، حتّى مِن دون أن يُقعِد الجَّمَل، ويسجد كلّياً على التراب.
«إنّ إيمانكَ أعظم مِن إيمان كثيرين. اذهب. أتعلم أين هو جبل نيبو؟»
«نعم، يا سيّد. ذاك الجبل هو نيبو. نحن أيضاً نعرف موسى. إنّه عظيم! عظيم جدّاً بحيث يجعلنا نعرفه. إنّما أنتَ أعظم. بين موسى وبينكَ كما بين صخرة وجبل.»
«اذهب إلى بيترا، أنا سأنتظركَ على جبل نيبو...»
«هناك بلدة في الأسفل لِمَن يزورون الجبل. ويوجد فنادق… سأكون هناك بعد عشرة أيّام على الأكثر. سوف أحثّ البهيمة، وإذا ما كان مَن أرسلكَ يحميني فلن أصادف العواصف.»
«اذهب. وعد بأسرع ما يمكنكَ. ينبغي لي أن أذهب إلى مكان آخر...»
«يا سيّد! أنا… لستُ مختوناً. وبركتي خزي لكَ. لكنّ بركة أب ليست خزياً أبداً. أبارككَ وأمضي.»
يتناول صفّارة فضّية ويصفر ثلاث مرّات. الرجل الّذي في مقدّمة القافلة يأتي عَدْواً. يتحدّثان، يتبادلان التحيّة. ثمّ يعود الرجل إلى القافلة الّتي تتحرّك. الآخر يعاود ركوب جَمَله وينطلق صوب الجنوب عدواً. يسوع وجماعته يستأنفون السير.
«أنذهب حقّاً إلى جبل نيبو؟»
«نعم، سنغادر المدن إلى منحدرات جبال عباريم. سيكون هناك رعاة كُثُر. سنعرف منهم الطريق إلى جبل نيبو، وهم سيعرفون منّا الطريق إلى جبل الله. ثمّ سنتوقّف لبضعة أيّام كما فعلنا على جبال أربيلا وقرب كاريت.»
«آه! كم سيكون ذلك جميلاً! وسنغدو أفضل. لطالما نزلنا، مِن تلك الأمكنة، أقوى وأفضل» يقول يوحنّا.
«وسوف تحدّثنا عن كلّ ما يُذكّر به جبل نيبو. يا أخي: أتذكر، حينما كنّا أطفالاً، ذات يوم حيث كنتَ تلعب دور موسى الذي كان يبارك إسرائيل قبل أن يموت؟» يقول يوضاس بن حلفى.
«نعم. وأُمّكَ صرخت وقد رأتكَ ممدّداً كالميت، والآن نذهب حقّاً إلى جبل نيبو» يقول يعقوب بن حلفى.
«وستبارك إسرائيل. إنّكَ القائد الحقّ لشعب الله!» يصيح نثنائيل.
«إنّما لا تموت هناك. إنّكَ لا تموت أبداً، أليس كذلك، يا معلّم؟» يَسأَل الاسخريوطيّ مع ضحكة غريبة.
«سأموت وأقوم كما قيل. كُثُر سيموتون مِن دون أن يموتوا في ذلك اليوم، فيما الأبرار سيقومون، وإن كانوا قد ماتوا منذ أعوام، أمّا الأحياء بأجسادهم، إنّما الأموات كلّياً بأرواحهم في ذاك اليوم، فلن يقوموا. حذار لئلّا تكون أنتَ أحد هؤلاء.»
«وأنتَ احذر لئلّا تجعلهم يسمعونكَ تردّد بأنّكَ ستقوم. فيقولون عن ذلك بأنّه تجديف» يردّ يهوذا الاسخريوطيّ.
«إنّها الحقيقة. وأنا أقولها»
«يا لإيمان ذاك الرجل! وميزاس ذاك!» يقول الغيور لتغيير مجرى الحديث.
«مَن هو ميزاس؟» يَسأَل مَن لم يكونوا العام المنصرم في رحلة ما وراء الأردن. ويبتعدون وهم يتحدّثون في هذه الأمور، فيما يستأنف يسوع مع مارغزيام ويوحنا الحديث الّذي كان قد قُطِع قبلاً.