ج8 - ف4
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
4- (وفاة لعازر)
21 / 12 / 1946
لقد فُتِحت جميع الأبواب والنوافذ في غرفة لعازر لجعل تنفّسه أقلّ صعوبة. وحوله، وهو غائب، في غيبوبة -غيبوبة عميقة، تشبه الموت، الّتي لا تختلف عنه سوى بحركة التنفّس- الأختان، مكسيمين، مارسيل ونُعْمي، متحفّزون لأقلّ حركة للمحتضر.
وفي كلّ مرّة يتغيّر شكل الفم بانقباض ألم، ويبدو كأنّه يزمع على الكلام، أو عندما تنكشف العينان بحركة مِن الجفنين، تنحني الأختان لالتقاط كلمة، نظرة… إنّما مِن دون جدوى. فهي لا تعدو كونها حركات عديمة التناسق، خارجة عن الإرادة والإدراك، فهي مِن الآن فصاعداً، خاملة، تائهة. إنّها حركات تتأتّى مِن ألم الجسد، كما التعرّق الّذي يجعل وجه المحتضر لامعاً، والارتعاش الّذي يُشنّج مِن حين لآخر مفاصل أصابعه الشديدة النحول، ويعطيها مظهر مخالب منقبضة. كذلك الأختان تناديانه، وكلّ محبّتهما بادية في صوتهما. لكنّ الاسم والمحبّة يصطدمان بحواجز الافتقار للإدراك، وصمت القبور هو الإجابة الوحيدة على ندائهما.
نُعْمي، الباكية، تُواصِل وضع طوب ملفوف بضمادات صوفيّة على القدمين المتجمّدتين بالتأكيد. مارسيل تمسك بين يديها كوباً تغمس فيه قطعة ناعمة مِن البياض تستعملها مرثا لترطيب شفتيّ أخيها الجافّتين. مريم، بقطعة أخرى مِن البياض، تجفّف العَرَق الغزير الذي يسيل مِن الوجه النحيل جدّاً، والّذي يبلّل يديّ المحتضر. مكسيمين، المستند إلى خزانة عالية وداكنة موجودة قرب سرير لعازر، يراقب واقفاً خلف مريم، المنحنية فوق شقيقها.
ما مِن شيء آخر. الصمت مطلق، كما لو أنّهم في منزل خاوٍ، في مكان مُقفِر. إنّ الخادمات اللواتي يجلبن الطوب الحارّ حافيات الأقدام، ويسرن دون أيّة ضجّة على الأرض الرخاميّة. إنّهنّ يبدين كأنّهنّ خيالات.
في لحظة معيّنة تقول مريم: «أظنّ أنّ الحرارة تعود إلى اليدين. انظري يا مرثا، شفتاه أقلّ شحوباً.»
«نعم. حتّى التنفّس هو بأكثر أريحيّة. إنّني أراقبه منذ بعض الوقت.» يبدي مكسيمين ملاحظته.
مرثا تنحني وتناديه بهدوء، إنّما بقوّة: «لعازر! لعازر؟ آه! انظري يا مريم! كما لو أنّه ابتسم ورمش بجفونه. إنّه يتحسّن يا مريم! إنّه يتحسّن! في أيّ وقت نحن؟»
«تخطّينا الغسق بقليل.»
«آه!» وتَستقيم مرثا ضامّة يديها إلى صدرها، رافعة نظرها عالياً في إشارة واضحة لصلاة صامتة إنّما واثقة. ابتسامة تُنير وجهها.
الآخرون ينظرون إليها بدهشة، ومريم تقول لها: «لا أفهم لماذا واقعة تخطّينا للغسق تجعلكِ سعيدة...» وتتفرّس فيها، مرثابة، قلقة.
مرثا لا تجيب، إنّما تستعيد الوضعيّة الّتي كانت عليها قبلاً.
تَدخل خادمة وهي تحمل بعض الطوب الّذي تعطيه لنُعْمي. مريم تأمرها: اجلبي مصباحين. النور يخفّ وأريد أن أراه.» الخادمة تخرج بلا صوت وسرعان ما تعود مع مصباحين مضاءين، حيث تضع أحدهما فوق الخزانة الّتي يستند إليها مكسيمين، والآخر على طاولة ممتلئة بضمادات وقوارير صغيرة، موضوعة على الجانب الآخر مِن السرير.
«آه! مريم! مريم! انظري! إنّه حقّاً أقلّ شحوباً.»
«ويبدو أقلّ إنهاكاً. إنّه ينتعش مجدّداً!» تقول مارسيل.
«أعطوه مجدّداً قطرة مِن هذا النبيذ الـمُنَكّه الّذي حَضَّرَته سارة. لقد نفعه.» يقترح مكسيمين.
مريم تأخذ مِن على الخزانة قارورة صغيرة دقيقة العنق، على هيئة منقار طير، وتقطر باحتراس قطرة نبيذ بين الشفتين نصف المفتوحتين.
«على مهل يا مريم، كي لا يختنق!» تنصح نُعْمي.
«آه! إنّه يبلع! إنّه يطلبها! انظري يا مرثا! انظري! إنّه يمدّ لسانه باحثاً...»
ينحني الجميع لينظروا، ونُعْمي تناديه: «أيّها الكنز! انظر إلى مرضعتكَ، أيّتها النّفْس القدّيسة!» وتتقدّم لتُقبّله.
«أنظري! أنظري يا نُعْمي، إنّه يشرب دمعتكِ! لقد سقطت قرب شفتيه، لقد أحسّ بها، لقد أرادها وقد ارتشفها.»
«آه يا فرحي! لو كان لا يزال لديَّ حليب الأيّام الماضية، لكنتُ اعتصرتُه قطرة قطرة في فمكَ، يا حَمَلي، حتّى لو توجّب عليَّ أن أُنهِك قلبي وأموت بعدها!» أفهم أن نُعْمي، مُرضِعة مريم، قد كانت مُرضِعة لعازر كذلك.
«يا سيّدتيَّ، لقد عاد نيقوميدس.» يقول خادم وقد ظهر عند العتبة.
«فليأتِ! فليأتِ! سوف يساعدنا على جعله يتحسّن.»
«انظروا! انظروا! إنّه يفتح عينيه، يحرّك شفتيه.» يقول مكسيمين.
«إنّه يضغط على أصابعي بأصابعه!» تهتف مريم. وتنحني قائلةً: «لعازر! أتسمعني؟ مَن أنا؟»
لعازر يفتح عينيه بالفعل وينظر، نظرة مبهمة، ضبابيّة، إنّما هي نظرة. يحرّك شفتيه بصعوبة ويقول: «أُمّي!»
«أنا مريم. مريم! أختكَ!»
«أُمّي!»
«إنّه لا يتعرّف إليكِ. وينادي أُمّه. الـمحتضرون. دائماً هكذا.» تقول نُعْمي، بوجه تغسله الدموع.
«لكنّه يتكلّم، بعد كلّ هذا الوقت الطويل هو يتكلّم. وهذا كثير… سوف يتحسّن لاحقاً. آه! يا ربّي، كافئ خادمتكَ!» تقول مرثا إضافة إلى حركة الصلاة الحارّة والواثقة تلك.
«إنّما ما الّذي حصل معكِ؟ أتكونين قد رأيتِ الـمعلّم؟ هل ظهر لكِ؟ أخبريني بذلك يا مرثا. خلّصيني مِن القلق!» تقول مريم.
دخول نيقوميدس يحول دون الإجابة. كلّهم يتوجّهون إليه، ليخبروه كيف أنّ حالة لِعازر قد ساءت كثيراً بعد رحيله إلى درجة أنّه كان على وشك أن يموت، وأنّهم قد ظنّوا بأنّه قد مات فعلاً، ومِن ثمّ، ببعض الإسعافات، قد استطاعوا أن يجعلوه يتحسّن، إنّما فقط بالنسبة للتنفّس. وكيف أنّه منذ قليل، وبعد أن كانت إحدى نسائهم قد حَضَّرَت نبيذاً مُنَكّهاً، قد استعاد الحرارة وأنّه قد بلع، سعى لأن يشرب، وبأنّه كذلك قد فتح عينيه وتكلّم…
يتكلّمون كلّهم معاً، بآمالهم المضطرمة، المصطدمة بالهدوء المتشكّك بعض الشيء للطبيب الّذي يدعهم يتكلّمون مِن دون أن يتلفّظ بكلمة.
أخيراً انتهوا، ويقول الطبيب: «حسناً. دعوني أرى.» يُبعدهم، مقترباً مِن السرير وآمِراً أن يُقرّبوا المصابيح وأن يغلقوا النافذة، كونه يريد أن يعرّي المريض. إنّه ينحني فوقه، يناديه، يسأله، يمرّر المصباح أمام وجه لعازر، الّذي فتح عينيه الآن وقد بدا مدهوشاً مِن كلّ شيء؛ ثمّ يُعرّيه، يفحص تنفّسه، دقّات قلبه، الحرارة ومدى تصلّب أطرافه… جميعهم قلقون بانتظار ما سيقوله. نيقوميدس يُعاود تغطية المريض، ينظر إليه بعد، يفكّر. ومِن ثمّ يلتفت لينظر إلى الحاضرين ويقول: «لا يمكن إنكار أنّه قد استعاد النشاط. هو الآن أحسن حالاً ممّا عندما رأيتُه. إنّما لا تُوهِموا أنفسكم. الأمر لا يعدو كونه تناقض أعراض مرض. إنّني متأكّد تماماً مِن ذلك، كما كنتُ متأكداً مِن دنوّ أجله، وبأنّني، كما تَرَون، فقد عدتُ، بعد أن تحرّرتُ مِن كلّ انشغال، كي أجعل موته أقلّ إيلاماً، بقدر ما هو مسموح لي به… أو كي أشهد المعجزة إذا… هل قمتم بما يلزم؟»
«نعم، نعم يا نيقوميدس.» تقاطعه مرثا. ولمنعه مِن قول المزيد، تقول: «إنّما ألم تقل أنّه… في غضون ثلاثة أيام… أنا...» وتبكي.
«لقد قلتُ ذلك. إنّني طبيب. أنا أعيش وسط النزاعات والدموع. إنّما اعتيادي على مُشاهدة الآلام لم يزوّدني بعد بقلب مِن حجر. واليوم… لقد حَضَّرتُكما… إلى أقصى حدّ ممكن… ومُبهَم… إنّما عِلمي كان يخبرني بأنّ النهاية أسرع، وقلبي كان يكذب بدافع الشفقة… هيّا! تحلّيا بالشجاعة… اخرجا… لا أحد يعلم إلى أيّ حدّ يسمع الـمحتضرون...» يدفعهما إلى الخارج، باكيتين، مكرّراً: «تحلّيا بالشجاعة! تحلّيا بالشجاعة!»
قرب المحتضر يبقى مكسيمين… الطبيب كذلك ابتعد لإعداد بعض الأدوية الكفيلة بجعل الاحتضار أقلّ اضطراباً، والّذي يقول عنه: «أتوقّعه مؤلماً جدّاً.»
«أَبقِه على قيد الحياة! أَبقِه على قيد الحياة حتّى الغد. يكاد يحلّ الليل، ترى ذلك أيا نيقوميدس. ما هو بالنسبة لعلمكَ الإبقاء على حياة لأقلّ مِن يوم واحد! أَبقِه على قيد الحياة!»
«سيّدتي، إنّني أفعل ما بوسعي. لكن عندما ينتهي الفتيل، ما مِن شيء يمكنه أن يُبقي الشُّعلة!» يجيب الطبيب ويمضي.
الأختان تتعانقان، منتحبتين بمرارة، ومَن تبكي الآن أكثر هي مريم. الأخرى لديها رجاؤها في قلبها…
صوت لعازر يصل مِن الغرفة. قويّاً، آمراً. إنّه يُجفِلهما، لأنّه لم يكن مـتوقّعاً مِن مِثل هذا الواهن. يُناديهما: «مرثا! مريم! أين أنتما؟ أريد أن أنهض. أن ألبس! أريد أن أُخبر المعلّم بأنّني شفيتُ! يجب أن أذهب إلى المعلّم. عربة! فوراً. وحصاناً سريعاً. بالتأكيد هو الّذي شفاني...» إنّه يتكلّم بسرعة، مُفصّلاً الكلمات، جالساً على سريره، تحرقه الحمّى، يحاول القفز مِن السرير، يمنعه مكسيمين مِن فِعل ذلك، وهو يقول للنسوة اللواتي يدخلن راكضات: «إنّه يهذي!»
«لا! دعه يذهب. المعجزة! المعجزة! آه! أنا سعيدة لأنّني السبب في حدوثها! حالما عَلِم يسوع! يا إله الآباء، كن مباركاً ومـمجّداً لأجل قدرتكَ ومسيحكَ...» مرثا الّتي خَرَّت على ركبتيها، تنتشي فرحاً.
في غضون ذلك لعازر يتابع، تستولي عليه الحمّى أكثر فأكثر، مرثا لا تُدركِ أنّ ذلك هو سبب كلّ شيء: «لقد أتى مرّات كثيرة إليَّ في مرضي، إنّه مِن الإنصاف أن أذهب إليه لأقول: "لقد شفيتُ". لقد شفيتُ! لقد انتفى الألم! إنّني قويّ. أريد أن أنهض. أن أذهب. لقد أراد الربّ أن يمتحن مدى إذعاني. سيقال عنّي أيّوب الجديد...» يتّخذ نَبرة طقسيّة فيما يقوم بحركات واسعة: «"لقد تأثّر الربّ بكفّارة أيّوب… ورَدَّ له ضعف ما كان لديه. والربّ بارَكَ سنوات أيّوب الأخيرة، أكثر بعد مِن الأولى… وعاش حتّى...". إنّما لا، لستُ أيّوب! لقد كنتُ في اللّهب وانتشلني منه، لقد كنتُ في جوف الوحش ورجعتُ إلى النور. لذا فأنا يونان، وأنا أولاد دانيال الثلاثة...»
يَصِل الطبيب، وقد استدعاه أحدهم. يراقبه: «إنّه الهذيان. كنتُ أتوقّع ذلك. إنّ فساد الدمّ يلهب الدماغ.» يجهد لإضجاعه ثانيةً وينصح بإمساكه، ويعود للخارج، إلى خلاصاته.
لعازر تارّة يغضب بسبب احتجازه، وتارّة يبكي مثل طفل.
«حقاً إنّه يهذي.» تقول مريم وهي تئنّ.
«لا. لا أحد يفهم شيئاً. إنّكم لا تُحسِنون الإيمان. إنّما نعم! لا تُحسِنون...بدءاً مِن الآن المعلّم يعلم بأنّ لعازر يحتضر. نعم، لقد فعلتُ ذلك يا مريم! لقد فعلتُ ذلك مِن دون أن أقول لكِ شيئاً...»
«آه! أيّتها الشقيّة! لقد أفسدتِ المعجزة!» تصيح مريم.
«إنّما لا! هو، ترينه، قد بدأ يتحسّن في الوقت الّذي وصل فيه يونا إلى المعلّم. إنّه يهذي… بالتأكيد… إنّه ضعيف وعقله ما يزال مُشوّشاً بسبب الموت الّذي كان يستحوذ عليه. لكنّه لا يهذي كما يظنّ الطبيب. أَنصِتي إليه! أهي كلمات هذيان، هذه؟»
بالفعل إنّ لعازر يقول: «لقد حَنيتُ رأسي لحكم الموت واختبرتُ كم هو مرّ، وها هو الله قد قال بأنّه راضٍ عن إذعاني، ويُعيدني إلى الحياة وإلى أختيَّ. لا يزال يمكنني أن أخدم الربّ وأن أتقدّس مع مرثا ومريم... مع مريم! ما هي مريم؟ مريم هي هبة يسوع للعازر المسكين. لقد قال لي ذلك... كم مِن الوقت مذّاك! "مغفرتكما ستفعل أكثر مِن كلّ شيء. سوف تُساعدني." لقد وعدني بذلك: "سوف تكون فرحكَ." وذاك اليوم الّذي كنتُ فيه غاضباً لأنّها جلبت عارها إلى هنا، إلى قرب القدّوس، أيّ كلمات لدعوتها للعودة! الحكمة والمحبّة كانتا قد اتّحدتا معاً كي تلمسا قلبها... واليوم الآخر، عندما وجدني أقدّم نفسي مِن أجلها، لأجل افتدائها؟... أريد أن أعيش كي أنعم بها هي الـمُفتداة! أريد أن أُسبّح الربّ معها! أنهار دموع، إهانات، عار، مرارة... كلّ شيء اخترقني وقتل حياتي بخطئها... ها هي النار، نار السعير! تعود، مع الذكرى... مريم بنت ثيوفيلوس وأوكيريا، شقيقتي، الساقطة. كان بوسعها أن تكون مَلِكَة وجعلت نفسها وحلاً تدوسه حتّى الخنازير. وأُمّي الّتي كانت تموت. وعدم قدرتها على الذهاب بين الناس دون وجوب تحمّل ازدراءاتهم. بسببها! أين أنتِ، أيّتها الشقيّة؟ هل كان ينقصكِ الخبز، كي تبيعي نفسكِ كما فعلتِ؟ ما الّذي رضعتِه مِن ثدي مرضعتكِ؟ ما الّذي عَلَّمَته إيّاكِ أُمّكِ؟ الأولى الفسق؟ والثانية الإثم؟ ارحلي! يا عار منزلنا!»
صوته صراخ. يبدو كالمجنون. مارسيل ونُعْمي تهرعان لإغلاق الأبواب بإحكام، وإسدال الستائر الثقيلة لحصر الصوت، بينما الطبيب، وقد عاد إلى الغرفة، يجهد عبثاً لتسكين الهذيان الّذي يغدو عنيفاً أكثر فأكثر.
مريم، المطروحة أرضاً مثل خِرقة، تنتحب تحت وطأة الاتّهام القاسي للمحتضر الّذي يتابع: «واحد، اثنان، عشرة عشّاق. عار إسرائيل كانت تتنقّل مِن حضن إلى آخر... أُمّها كانت تموت، هي كانت ترتعش بغراميّاتها الفاحشة. أيّتها المتوحّشة! يا مصّاصة الدماء! لقد امتصصتِ حياة أُمّكِ. لقد دَمَّرتِ فرحنا. مرثا ضحّت بسببكِ. فلا أحد يتزوج أختاً لزانية. أنا... آه! أنا! لعازر، الفارس، إبن ثيوفيلوس... عليَّ كان يبصق صِبْيَة عوفل!! "هو ذا شريك زانيةٍ ودَنِسة" كان يقول الكَتَبَة والفرّيسيّون وينفضون ملابسهم للدلالة على أنّهم يُبعِدون الخطيئة الـمُلوِّثة لي لاتّصالي بها! "ها هو ذا الآثم! فالذي لا يُحسِن معاقبة المذنب هو مذنب كذلك مثله" بهذه الكلمات كان يصيح الرابّيين عندما كنتُ أصعد إلى الهيكل، وأنا كنتُ أعرق بفعل لهيب الحَدَقات الكهنوتيّة... النار. أنتِ! أنتِ الّتي كنتِ تتقيّئين النار الّتي كانت فيكِ. لأنّكِ شيطان يا مريم. مقزّزة أنتِ. أنتِ الملعونة. إنّ ناركِ قد طالت الجميع، لأنّ ناركِ تتأتّى مِن نيران كثيرة، وكان منها للفاسقين، الّذين كانوا يبدون كأسماك عالقة بالشِّباك حين كنتِ تمرّين... لماذا لم أقتلكِ؟ سوف أحترق في جهنّم لأنّني تركتكِ تعيشين مُدمِّرة عائلات كثيرة، ومُسبِّبة العِثار لألف... مَن يقول: "الويل لِمَن تقع عن يده الشكوك"؟ مَن قال ذلك؟ آه! المعلّم! أريد المعلّم! أريده! كي يغفر لي. أريد أن أقول له بأنّني لم أستطع قتلها لأنّني كنتُ أحبّها... مريم كانت شمس بيتنا... أريد المعلّم! لماذا هو ليس هنا؟ أنا لا أريد أن أعيش! إنّما أن أنال المغفرة عن العِثار الّذي سَبَّبتُه تاركاً الفضيحة تعيش. إنّني في اللهب منذ الآن. إنّها نار مريم. لقد نالت منّي. لقد نالت مِن الجميع. لتعطي لها الفسق، ولنا الكراهية، وتحرق جسدي. أَبعِدوا عنّي هذه الأغطية، أَبعِدوا كلّ شيء! إنّني أحترق. لقد التهمت منّي الجسد والروح. لقد هلكتُ بسببها. يا معلّم! يا معلّم! مغفرتكَ! هو لن يأتي. لا يستطيع المجيء إلى منزل لعازر. فقد صار حاوية زبل بسببها. إذاً... أريد أن أنسى. كلّ شيء. لم أعد لعازر. أعطوني خمراً. سليمان يقول ذلك: "أعطوا خمراً لـمُنكسِري القلوب، كي يشربوا وينسوا بؤسهم، ولا يعودوا ويتذكروا ألمهم." لا أريد أن أتذكّر بعد. الجميع يقولون: "لعازر غنيّ، إنّه الأكثر غنىً في اليهوديّة." هذا غير صحيح! فكلّ شيء هباء، ليس ذهباً. والمنازل؟ إنَّها غيوم. الكروم، الواحات، المزارع، بساتين الزيتون؟ لا شيء. إنّها سراب. أنا أيّوب. لم أعد أملك شيئاً. كنتُ أملك لؤلؤة. جميلة! لا تُقدّر بثمن. كانت مصدر فَخري. كانت تُدعى مريم. لم أعد أملكها. إنّني فقير. أفقر الجميع. المخدوع أكثر مِن الجميع... حتّى يسوع خدعني. لأنّه قال لي بأنّه سوف يعيدها إليَّ، إنّما على العكس مِن ذلك... أين هي؟ ها هي هناك. تحسبها بغيّاً وثنيّة، المرأة الإسرائيليّة، ابنة لقدّيسة! شبه عارية، مخمورة، مخبولة... وحَولها... بعيون مُسَمَّرة على الجسد العاري لأختي، قطيع عُشّاقها... وهي تضحك لكونها محطّ إعجاب واشتهاء كما هي عليه حالها. أريد إصلاح جريمتي. أريد الذّهاب عَبْر إسرائيل لأقول: "لا تذهبوا إلى منزل شقيقتي. فمنزلها هو درب الجحيم وينحدر إلى هاوية الموت". ثمّ أريد أن أذهب إليها وأدوسها، لأنّه قيل: "لتُدَس كلّ امرأة فاجرة كما القاذورة على الدرب". آه! أتملكين الجّرأة لإظهار نفسكِ لي أنا الّذي أموت مُهاناً، مُدمّراً مِن قبلكِ؟ لي أنا الّذي قدّمتُ حياتي لافتداء نفسكِ، ومِن دون نتيجة؟ كيف كنتُ أريدكِ، تقولين؟ أتسألين كيف كنتُ أريدكِ أن تكوني كي لا أموت هكذا؟ هوذا كيف كنتُ أريدكِ: مثل سُوسَنّة، العفيفة. أتقولين بأنّهم أغووكِ؟ أولم يكن لديكِ شقيق كي يحميكِ؟ سُوسَنّة، مِن تلقاء ذاتها، أجابت: "الأفضل لي أن أقع بين أيديكم دون أن أذعن لكم، على أن أخطئ في حضرة الربّ"، والله جعل براءتها تتوهّج. أنا كنتُ لأقول هذا الكلام لأولئك الّذين أغووكِ ولكنتُ دافعتُ عنكِ. إنّما أنتِ! أنتِ رحلتِ. يهوديت كانت أرملة وكانت تعيش وحيدة في غرفة منعزلة، لابسة الـمسْح على جنبيها وصائمة، وكانت محطّ تقدير عظيم مِن قِبَل الجميع لأنّها كانت تخاف الربّ، وعنها يُنشَد: "أنتِ مجد أورشليم، فرح إسرائيل، كرامة شعبنا، لأنّكِ تصرّفتِ ببسالة وقلبكِ كان قويّاً، لأنّكِ أحببتِ العفّة، ولأنّكِ بعد زواجكِ لم تعرفي رجلاً آخر. لذلك جعلكِ الربّ قويّة، وستكونين مباركة إلى الأبد." لو كانت مريم مثل يهوديت، لكان الربّ شفاني. ولكنّه لم يقدر بسببها. لأجل ذلك لم أطلب أن أُشفى. فلا يمكن أن تكون معجزة حيث تكون هي. إنّ العذاب، الموت، هما لا شيء. عشر وعشر مرّات فوقها، موت وموت، كي تخلص. آه! أيّها الربّ العليّ! كل الميتات! كلّ الألم! إنّما مريم مخلّصة! أن أنعم بها لساعة، لساعة واحدة فقط! بها وقد عادت قدّيسة، طاهرة كما في طفولتها! ساعة مِن هذا الفرح! أن أفتخر بها، زهرة منزلي الذهبيّة، الغزالة اللطيفة عذبة العينين، عندليب المساء، الحمامة الـمُحِبّة... أريد المعلّم كي أقول له بأنّ هذا ما أريده: مريم! مريم! تعالي! مريم! كم مِن ألم لدى شقيقكِ، مريم! إنّما إن أتيتِ، إنّما لو خلّصتِ نفسكِ، فسوف يستحيل ألمي عذوبةً. ابحثوا عن مريم! إنّني على شفير النهاية! أحتضر! مريم! أنيروا! هواء... أنا... أختنق... آه! بما أشعر!...»
الطبيب يومىء ويقول: «إنّها النهاية. فبعد الهذيان يأتي الخَدَر ومِن ثمّ الموت. إنّما قد يحظى بيقظة للإدراك. اقتربوا. خصوصاً أنتِ. ذلك سوف يُفرحه.» وبعد أن يعاود إضجاع لعازر، المنهك بعد الكثير مِن الهيجان. يذهب إلى مريم، الّتي كانت تبكي طوال الوقت وهي منطرحة على الأرض تئنّ: «أسكتوه!». يُنهضها ويقودها إلى السرير.
لعازر أغمَضَ عينيه. إنّما لا بدّ أنّه يُعاني على نحو فظيع. هو ليس سوى ارتجاف وتشنّج. الطبيب يحاول إغاثته بجرعات... يمضي بعض الوقت على هذا المنوال.
لعازر يفتح عينيه. يبدو وكأنّه نسي ما كان عليه قبلاً، لكنّه بوعيه. إنّه يبتسم لأختيه ويحاول الإمساك بيديهما، ومبادلتهما قبلاتهما. إنّما يصيبه شحوب شديد. ينوح: «إنّني بردان...» وتصطكّ أسنانه فيما يسعى إلى تغطية نفسه وصولاً إلى فمه. يئنّ: «نقوميدس، لم أعد قادراً على مقاومة الألم. الذئاب تكشط ساقيّ وتلتهم قلبي. يا له مِن ألم! وإذا كان الاحتضار بهذا الشّكل، فما سيكون الموت؟ ماذا أفعل؟ آه! لو كنتُ أحظى بالمعلّم هنا؟ لماذا لم تأتوا به إليَّ؟ لكنتُ متّ سعيداً على صدره...» يبكي.
مرثا تنظر إلى مريم بقسوة، مريم تُدرِك تلك النظرة، وفيما هي ما تزال منهكة بفعل نزاع شقيقها، يستولي عليها عذاب الضّمير. تنحني وهي راكعة على السرير، لتقبّل يد شقيقها، وتنوح: «أنا هي الـمُذنِبة. لقد أرادت مرثا أن تفعل ذلك منذ يومين. أمّا أنا فلم أرد. لأنّه هو كان قد قال لنا بألّا نخطره إلّا بعد وفاتكَ. إغفر لي! كلّ ألم الحياة أنا سبّبتُه لكَ... ومع ذلك فقد أحببتُكَ وأحبّكَ، يا شقيقي. بعد المعلّم، أحبُّكَ أكثر مِن الجميع، والله يرى أنّي لا أكذب. قُل لي أنّكَ تغفر لي عن ماضيَّ. امنحني السلام...»
«سيّدتي!» ينادي الطبيب. «لا يحتاج المريض لانفعالات.»
«صحيح... قُل لي أنّكَ تغفر لي كوني منعتُ يسوع عنكَ...»
«مريم! مِن أجلكِ أتى يسوع إلى هنا... ويأتي إلى هنا لأجلكِ... لأنّكِ عرفتِ أن تحبّي أكثر مِن الجميع... لقد أحببتِني أكثر مِن الجميع... إنّ حياة... مسرّات لم تكن لِتمنحني... لم تكن لِتمنحني الـ... فرح الّذي جعلتِني أنعم به. أبارككِ... أقول لكِ... لقد أحسنتِ صنعاً... بإطاعتكِ ليسوع... لم أكن أعلم... أعلم... أقول... حسناً... ساعدوني كي أموت!... نُعْمي... كنتِ قادرة على... جعلي أغفو... فيما مضى… مرثا... مُباركة... سلامي... مكسيمين... مع يسوع. كذلك... لأجلي... حصّتي... للفقراء... ليسوع... مِن أجل الفقراء... واغفروا... للجميع... آه! يا للتشنّجات!... هواء!... نور!... كلّ شيء يهتزّ... لديكم كما نور مِن حولكم وهو يبهرني عندما... أنظر إليكم... تكلّموا... أعلى... » لقد وَضَعَ يده اليسرى على رأس مريم وترك اليمنى بين يديّ مرثا. إنّه يلهث…
يرفعونه باحتراس مُضيفين الوسائد، ونيقوميدس يجعله يرتشف مجدّداً بضع قطرات مِن العقاقير. رأسه المثير للشفقة يغوص ويتدلّى بارتخاء مميت. كلّ حياته هي في التنفّس. ومع ذلك يفتح عينيه وينظر إلى مريم الّتي تسند رأسه، ويبتسم لها قائلاً: «أُمّي! قد عادت... أُمّي! تكلّمي! صوتكِ... تعلمين... سِرّ... الله... هل خدمتُ... الربّ؟...»
مريم، بصوت أضحى خافتاً مِن الألم، تهمس: «الربّ يقول لكَ: "تعال معي، أيها الخادم الصّالح والأمين، لأنّكَ سمعتَ كلّ كلامي وأحببتَ الكلمة الّذي أرسلتُه".»
«لا أسمع. أعلى!»
مريم تُعيد بصوت أعلى…
«إنّها حقاً أُمّي!...» يقول لعازر برضى ويرخي رأسه على كتف شقيقته…
لا يعود يتكلّم. فقط أنين وارتعاشات تشنّجيّة، فقط تعرّق وحشرجة. إنّه الآن فاقد للإحساس بالأرض، بالمشاعر، إنَّه يغوص أعمق فأعمق في ظلام الموت الـمُطلَق. الجفنان ينسدلان على العينين وقد أصبحتا زجاجيّتين، حيث تلمع آخر دمعة.
«نيقوميدس! إنّه يثقل! إنّه يبرد!...» تقول مريم.
«سيّدتي، الموت هو راحة له.»
«أَبقِه على قيد الحياة! غداً يكون يسوع هنا بالتأكيد. لا بدّ أنّه انطلق على الفور. ربّما امتطى حصان الخادم أو مطيّة أخرى.» تقول مرثا. وتلتفت إلى شقيقتها: «آه! لو كنتِ تركتِني أستدعيه قبلاً!» ثمّ للطبيب: «أَبقِه على قيد الحياة!» تأمره بتشنّج.
الطبيب يفتح الذراعين. يجرب منشّطات. لكن لعازر ما عاد يبلع.
إنّ الحشرجة تتزايد… تتزايد... إنّها تفطر القلب…
«آه! لَم يعد يُحتمل سماعه!» تنوح نُعْمي.
«نعم. احتضاره طويل...» يقول الطبيب.
إنّما لم يكن قد انتهى مِن قول ذلك عندما، بتشنّج كيانه كلّه الذي يتقوّس ثم يهمد، يلفظ لعازر نَفَسَه الأخير.
الأختان تصرخان... وقد شاهدتا هذا الانقباض، شاهدتا هذا الارتخاء. مريم تنادي شقيقها وهي تُقبّله. مرثا تتشبّث بالطبيب الّذي ينحني فوق الميت ويقول: «لقد قضى. لقد فات الآوان لانتظار المعجزة. لم يعد هناك أيّ انتظار. لقد فات الأوان!... إنّني أنسحب، يا سيّدتيّ. لم يَعُد هناك مبرّر لبقائي. سارعوا بإجراء الجنازة، لأنّ التحلّل قد بدأ بالفعل.» يَسدِل الجفنين على عينيّ الميت ويقول أيضاً، ناظراً إليه: «خسارة! لقد كان رجلاً فاضلاً وذكيّاً. ما كان ينبغي أن يموت!» ينحني صوب الأختين، يحيّي: «سيّدتيّ! سلام!» ويمضي.
البكاء يملأ الغرفة، مريم ما عادت تتحلّى بالقوّة بعد، وتنطرح فوق جسد شقيقها صارخة ندمها، مستجديةً مغفرته. مرثا تبكي بين ذراعيّ نُعْمي.
ثمّ تصرخ مريم: «لم يكن لديكِ إيمان! ولا طاعة! أنا قتلتُه قبلاً، وأنتِ الآن، أنا، بخطيئتي، وأنتِ، بعدم طاعتكِ.» تبدو مثل مجنونة. مرثا تُنهِضها، تُعانِقها، وتعتذر. مكسيمين، نُعْمي، مارسيل يحاولون ردّ الاثنتين إلى صوابهما وإلى الرضوخ. وينجحون بذلك مذكّرين بيسوع... الألم يغدو أكثر تنظيماً، وبينما تمتلئ الغرفة بالخُدّام الباكين، ويدخل المكلّفون بتحضير الجثمان، تُقاد الشّقيقتان إلى مكان آخر كي تبكيا ألمهما.
مكسيمين، الّذي يقودهما، يقول: «لقد قضى عند نهاية الهزيع الثاني مِن الليل.»
ونُعْمي: «ينبغي دفنه نهار الغد، قبل المغيب، لأنّ السبت يحلّ. لقد قلتما أنّ المعلّم يريد تكريماً عظيماً...»
«نعم يا مكسيمين، يعود إليكَ الاهتمام بالأمر. أنا حمقاء.» تقول مرثا.
«سوف أذهب لأُرسِل خدّاماً للقاصي والداني، وإعطاء الأوامر.» يقول مكسيمين الّذي ينسحب.
الأختان تبكيان متعانقتين. لا تعودان تلومان بعضهما البعض. تبكيان. تحاولان تشديد عزمهما…
الساعات تمضي. لقد تمّ تجهيز الميت في غرفته. شكل طويل ملفوف بضمادات تحت الكفن.
«لمَ هو مغطّىً هكذا منذ الآن.» تصيح مرثا الّتي تلوم على ذلك.
«سيّدتي… رائحة كريهة كانت تنبعث مِن أنفه، ولدى تحريكه لفظ دماً فاسداً.» يقول خادم عجوز معتذراً.
الأختان تبكيان بحدّة. لعازر قد بات أكثر بُعداً تحت تلك الضمادات… خطوة أخرى في ابتعاد الموت. تسهران عليه باكيتين حتّى الفجر، حتّى عودة الخادم ممّا وراء الأردن. الخادم الّذي يلبث منذهلاً، إنّما الّذي يتحدّث عن رحلته الّتي أجراها في سبيل جلب الإجابة بأنّ يسوع آتٍ.
«أقال بأنّه آتٍ؟ ألم يوجّه لوماً؟» تَسأَل مرثا.
«لا، يا معلّمتي. لقد قال: "سآتي. قل لهما بأنّني سآتي، وبأن تتحلّيا بالإيمان". وقبل ذلك قال: "قل لهما بأن تبقيا هادئتين. فهذا ليس مرضاً للموت. إنّما هو مجد لله، كي تتمجّد قدرته في ابنه".»
«أهذا حقّاً ما قاله؟ أأنتَ متأكّد مِن ذلك؟» تَسأَل مريم.
«معلّمتي، لقد رَدَّدتُ الكلام طوال الطريق!»
«اذهب، اذهب. أنتَ متعب. لقد أحسنتَ عملاً. إنّما الآن قد فات الأوان!...» تتنهّد مرثا. وما أن تبقى مع أختها حتّى تنفجر نحيباً بصخب.
«مرثا! لماذا؟...»
«آه! إضافة للموت، هي الخيبة! مريم! مريم! ألا تظنّين بأنّ المعلّم قد أخطأ هذه المرّة؟ انظري إلى لعازر. هو مائت حقّاً! لقد رجونا إلى ما وراء المعقول ولم يفد ذلك. حينما أرسلتُ في طلبه، أخطأتُ بالتأكيد، فهو كان ميّتاً أكثر منه حيّاً. وإيماننا لم يلق نتيجة ومكافأة. والمعلّم يُرسِل قائلاً بأنّه ليس مرضاً للموت! فالمعلّم إذن ما عاد الحقّ؟ لم يعد كذلك… آه! كلّ شيء! كلّ شيء! كلّ شيء قد انتهى!»
مريم تفتل يديها. لا تعرف ما تقول. الواقع هو الواقع… لكنّها لا تتكلّم. لا تقول أيّة كلمة ضدّ يسوعها. تبكي. منهارة بحقّ.
إنّ لمرثا فكرة ثابتة في القلب: فكرة أنّها تأخّرت كثيراً: «إنّه خطأكِ.» تلوم. «هو قد أراد اختبار إيماننا بهذه الطريقة. بالطاعة، نعم. إنّما كذلك بالعصيان بدافع مِن إيمان، وكي نُظهِر له بأنّنا نؤمن بأنّه الوحيد القادر والّذي يجب أن يجترح المعجزة. أيا أخي المسكين! لقد تاق إليه كثيراً! أقلّه هذا: أن يراه! أيا لعازرنا المسكين! المسكين! المسكين!» البكاء يستحيل عويلاً، يحاكيه في الجانب الآخر مِن الباب عويل الخادمات والخدّام، وفق عادات الشرق...