الدفاتر: 01 / 07 / 1943

 

دفاتر 1943

ماريا فالتورتا

 

I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS

MARIA VALTORTA

 

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

(01 / 07 / 1943)

 

يقول يسوع:

 

«يجب عدم الدهشة مِن تعرّض نَفْس للتجارب. لا بل إنّ التجربة تكون أكثر عنفاً بقدر تقدّم المخلوق على طريقي.

 

الشيطان حسود وماكر. إنّه يُطلق العنان لذكاءه حيث يتطلّب الأمر جهداً أكبر لانتزاع نَفْس مِن السماء. إنّ إنساناً مِن العالم، يعيش للجسد، ليس مِن الضروري إخضاعه للتجربة. إنّ الشيطان يعلم أنّ ذلك الإنسان يعمل بذاته على قتل نفسه ويتركه يفعل ذلك. إنّما نَفْس تريد أن تكون لله فهي تجذب كلّ حقده.

 

ولكن يجب ألاّ تضطرب النّفوس، ولا تستسلم للسقوط. التعرّض للتجربة ليس شرّاً، الشرّ هو الاستسلام للتجربة.

 

هناك التجارب العظيمة. أمامها، النّفوس المستقيمة تأخذ مباشرة وضع الدفاع. ولكن هناك التجارب البسيطة الّتي يمكنها أن تجعلكم تسقطون دون أن تنتبهوا. إنّها أسلحة العدوّ الناعمة. إنّه يستخدمها عندما يرى النَّفْس محترسة وعلى أهبة الاستعداد لمواجهة العظيمة منها. حينئذ يضع الوسائل العظيمة جانباً ويلجأ إلى تلك، الناعمة لدرجة أنّها تدخل فيكم مِن أيّة جهة كانت.

 

لماذا أنا أسمح بها؟ أين يكمن الاستحقاق إن لم يكن مِن جهاد؟ أيمكنكم الادّعاء بأنّكم خاصّتي إن لم تكونوا تشربون مِن كأسي؟

 

ماذا تظنّون؟ أنّ كأسي لم يكن سوى كأس ألم؟ لا، أيّتها الخلائق الّذين تحبّونني. المسيح -يقول لكم هذا لتشجيعكم- قد تعرّض للتجربة قبلكم.

 

أتعتقدون أنّه لم تكن مِن تجربة سوى تلك الّتي في البرّية؟ لا. ففي تلك المرّة هُزِم الشيطان بالوسائل العظيمة المواجهة لتجاربه العظيمة. ولكن الحقّ أقول لكم إنّني أنا، المسيح، قد تعرّضت للتجارب في مرّات أخرى. الإنجيل لا يذكرها. إنّما كما كَتَب الحبيب: ’لو كان يجب كتابة كلّ المعجزات الّتي اجترحها يسوع، فما كانت الأرض لتتّسع للكتب المكتوبة.

 

فكّروا، أيا تلاميذي الأحبّاء. كم مِن مرّة جرّب الشيطان ابن الإنسان ليقنعه بالإقلاع عن تبشيره؟ ماذا تعلمون عن إنهاك الجسد، المتعب مِن التجوال المتواصل، مِن التبشير دون توقّف، وأتعاب النَّفْس العارفة بأنّها محاطة بالأعداء وبالأشخاص الّذين يتبعونها بدافع الفضول أو على أمل الاستفادة فائدة بشريّة؟ كم مِن مرّة، في أوقات الانفراد، كان المجرّب يُغرقني بالوهن! وفي ليلة الجتسمانيّة، ألم تفكّروا بأيّ إفراط في الرقّة حاول إحراز نصر في الحرب الأخيرة الدائرة بين مخلّص الجنس البشريّ وجهنّم؟

 

لم يُعطى لعقل بشريّ القدرة على الولوج ومعرفة سرّ هذا الصراع بين الإلهيّ والشيطانيّ. وحدي أنا مَن عاش ذلك أعرف وبالتالي أقول لكم إنّني أكون حيث يتألّم أحد ما من أجل الخير. أنا حيث يكون أحد يواصل عملي. أنا حيث هناك مسيح صغير. أنا حيث تُستَنفذ التضحية.

 

وأقول لكم، أيّتها النّفوس المكفّرة عن الجميع: لا تخافوا. أنا معكم حتّى النهاية. أنا، المسيح، قد غلبتُ العالم، الموت والشيطان بثمن دمي. أمّا لكم، أنتم النفوس الضحايا، فأمنحكم دمي ضدّ سمّ لوسيفوروس.»

----------

يقول يسوع:

 

«لم يُعطَ لإمكانيّاتكم الذهنية المحدودة جدّاً، لروحانيّتكم الجنينيّة، معرفة سرّ طبيعة الله. ولكنّ بالنسبة للنّفوس الروحيّة، من بين النّفوس الّتي يمكن القول عنها روحيّة، هذا السرّ يصبح معروفاً أكثر. وللّذين يحبّون الابن، للموسومين حقّاً بدمي، السرّ يُكشَف بأكثر وضوحاً، ذلك أنّ دمي هو معرفة وتفضيلي مدرسة هو.

 

اليوم [الأول مِن تموز (يوليو) عيد الدم الثمين] هو يوم عيد عظيم في السماء، ذلك أنّ السماء بأكملها ترتّل اليوم "قدّوس" للحَمَل الّذي أريق دمه مِن أجل فداء البشريّة. إنّكِ واحدة مِن بين الخلائق القلائل، القلائل جدّاً، الّذين يكرّمون دمي كما يستحقّ أن يُكرَّم. ولكنّ الّذين يكرّمونه منذ أن أريق، فهذا الدم يكلّمهم بكلام الحياة الأبديّة والعلم فائق الحسّ. وإذا كان دمي محبوباً ومكرّماً أكثر، وأكثر ابتهالاً له وإيماناً به، لكان يتم تدارك الكثير مِن الشرّ الّذي يقودكم إلى الهاوية.

 

هذا الدم قد تكلّم عندما لم يكن بعد قد تمثّل بالحَمَل الموسوي، تحت ستار الكلام النبويّ في علامة التاو (T) الحافظ، لقد تكلّم، بعد إراقته، بفم الرُّسُل؛ سلطانه يصرخ في سفر الرؤيا؛ يدعو بنداءاته بفم الصوفيّين. ولكنّه غير محبوب. إنّه لا يخطر على البال. لا يتمّ الابتهال له. لا يُكّرَّم. كنيستي تقيم الكثير مِن الأعياد، إنّما تنقص واحداً مهيباً جدّاً لدمي. إنّ الخلاص يكون بدمي!

 

اليوم، عيد دمي، سوف أكشف سرّاً لكِ. قولي: ’المجد للآب والابن والروح القدس‘، ذلك أنّني أريد أن أكلّمكِ عنّا. لثقلكم البشري كان يتوجّب تقديم بعض التصاوير للتفكير بالآب والروح، اللا مادَّيين بجمال لا حدود له، إنّما الّذَين لا يمكنكم إدراكهما بحواسّكم البشريّة. كثيراً لدرجة أنّكم تتوجّهون إليهما بصعوبة، بكلّ ملء الفكر، للابتهال إليهما كما تبتهلون إليّ، أنا الّذي تفكّرون بي كما الإنسان-الله. لذلك فليس لديكم أدنى فكرة عن سرّ ثالوثنا الّذي لا مثيل له.

 

للتفكير بالله يجب عدم إجراء مقارنة مع مخلوقات. الله لا يُقارَن. الله هو الذي هو. في كينونته يكمن كلّ شيء. إنّما الكائن لا جسد له، والكائن الأزليّ لا جسد له.

 

انظري: الله نور. هو ذا الأمر الوحيد الّذي يمكنه أن يمثّل الله دون أن يعارض جوهره الروحيّ. النور كائن، ومع ذلك هو لا مادّيّ. ترينه إنّما لا يمكنك لمسه. هو كائن.

 

ثالوثنا هو نور. نور لا محدود. نبع لذاته، حيّ بذاته، فاعل مِن ذاته. الكون ليس كبيراً بقدر لا محدوديّته. جوهره يملأ السماوات، ينزلق على الخليقة، يسيطر على الأغوار الجهنّميّة. لا يخترقها -لكانت نهاية جهنّم- ولكنّه يسحقها بسطوعه، الطوباويّ في السماء، المعزّي على الأرض، المريع في جهنّم. كلّ شيء هو ثالوثيّ فينا. الظهور، المفاعيل، القدرات.

 

الله نور. نور عظيم، مهيب، ووديع، ممنوح مِن الآب. دائرة لا محدودة تعانق كلّ الخليقة، مِن اللحظة الّتي قيل فيها: ’ليكن نور‘، إلى أبد الأبدين، فالله، الكائن منذ الأزل، يعانق الخليقة مذ وُجِدت، وسيستمرّ في معانقة، في الظهور النهائي، الأبديّ، بعد الدينونة، مَن سيبقى مِن الخليقة. سيعانق الّذين هم أبديّون معه في السماء.

 

في داخل دائرة الآب الأبديّة، هناك دائرة ثانية، مولودة مِن الآب، تعمل بشكل مختلف، إنّما ليس بطريقة معاكسة، ذلك أنّ الجوهر واحد. إنّه الابن. نوره، فائق الحيويّة، لا يمنح الحياة للأجساد فقط، ولكنّه يمنح الحياة للنّفوس، الحياة الّتي فقدتها، مِن خلال تضحيته. إنه فيض أشعّة قادرة وعذبه تغذّي إنسانيّتكم وتُثقّف عقلكم.

 

في داخل الدائرة الثانية، دائرة ثالثة، مولودة مِن عمل الدائرتين الأوّلين، ذات نور شديد الإشراق والحيوية. إنّه الروح القدس. إنّه الحبّ الّذي أنتجته صلات الآب مع الابن، وسيط بين الاثنين، أصل ونتيجة للاثنين، روعة الروائع.

 

الفكر وَلد الكلمة، والفكر والكلمة يتحابّان. الحبّ هو الباراقليط. هو يعمل على روحكم، على نَفْسكم، على جسدكم. إنّه يكرّس كلّ الهيكل، الّذي خلقه الآب وافتداه الابن، هيكل شخصكم المخلوق على صورة ومثال الله الواحد في ثلاثة أقانيم. الروح القدس هو المسحة (الميرون) على شخصكم الذي خلقه الآب؛ إنّه النعمة للاستفادة مِن تضحية الابن، إنّه معرفة ونور لفهم كلمة الله. هو نور أكثر تركيزاً، ليس لأنّه محدود بالنسبة للنورين الآخرين، إنّما لأنّه روح روح الله، وبالتالي، فهو في تكاثفه قادر جدّاً كما هو قادر جدّاً في مفاعيله.

 

لذلك قلتُ: ’عندما يأتي الباراقليط، فإنّه يعلّمكم‘. فحتّى أنا، فِكر الآب الّذي صار الكلمة، لا يمكنني جعلكم تفهمون بقدر ما يمكن للروح القدس أن يفعل بومضة واحدة فقط.

 

إذا كان على كلّ ركبة أن تنحني أمام الابن، فعلى كلّ روح أن ينحني أمام الباراقليط، ذلك أنّ الروح القدس يمنح الحياة للروح. فالحبّ هو الّذي خلق الكون، هو الّذي ثقّف خدّام الله الأوائل، هو الّذي دفع الآب لإعطاء الوصايا، هو الّذي أنار الأنبياء، هو الّذي، مع مريم، حبل بالفادي، هو الّذي وضعني على الصليب، هو الّذي ثبّت الشهداء، هو الّذي قاد الكنيسة، هو الّذي يجترح معجزات النعمة.

 

لهب أبيض غير مُحتَمل للنظر وللطبيعة البشريّة، الذي يركّز في ذاته الآب والابن، والذي هو جوهرة جمالنا الأبديّ غير الـمُدرَكة، الّتي لا يمكن النظر إليها. الثابت في أعماق السماء، يجذب إليه كلّ أرواح كنيستي المنتصرة، ويجتذب كلّ الّذين يعرفون أن يحيوا بالروح في الكنيسة المجاهدة.

 

ثالوثنا، طبيعتنا الثالوثية والواحدة تثبت في تألّق وحيد في تلك النقطة الّتي منها وُلِد كلّ ما هو، في كائن أبديّ.

 

قولي: ’المجد للآب والابن والروح القدس‘.»

----------

يقول يسوع أيضاً:

 

«عندما تحدّثتُ عن الأبرار العشرة (نص 11 / 06)، لم أرد أن أقول إن المكان حيث يوجد الأبرار العشرة سيخلص. إنّما يمكن إدراك دون خطأ أنّ نفوساً عشر بارّة وكريمة إذ تجتمع بالصلاة، لغاية مقدّسة، لتطلب الرحمة مِن أجل مكان، فأنا لن أرفض صلاتها. ألم أقل إنّني أسمع صلاة يتلوها عدّة أشخاص باسمي؟ أنا لا أتراجع في كلامي ووعودي.

 

ولكنّ الأشخاص المجتمعين الآن للصلاة لأجل ذلك، هل هم ثابتون في الإيمان، في التضحية، في طهارة الروح وصفاء النيّة؟ إذا كان هناك منهم، وإذا كانوا كما ينبغي أن يكونوا -كهنة حقيقيّين (الّذين يصلّون ويبذلون ذواتهم مِن أجل إخوتهم وأخواتهم)- سأباركهم وأستجيب لكلّ ما يُطلب باسمي.»

----------

 

أكتب هذا الصباح وأنا في انتظاركَ (الأب ميغليوريني) لأنّني في الأمس كنتُ منهكة جدّاً لكتابة إضافات.

 

إنّه لمن المستحيل وصف الأمر الّذي رأيتُه. لا يسعفني الكلام. عندما كان يسوع يتكلّم كنتُ أنظر، إنّما لا يمكنني إعادة رواية ما رآه روحي، بحيث يتمكن آخر مِن رؤية ما رآه عقلي. يمكنني أن أرسم صورة لذلك، حتّى ولو كنتُ عديمة الكفاءة في الرسم. يكفي رسم ثلاث دوائر، الواحدة داخل الأخرى، مع نقطة في الوسط. ولكنّ هذا لا يفصح عن شيء. يَنقص النور، ويَنقص كذلك الإحساس بالعلاقة بين الدوائر الثلاث والنقطة مركزهم. لذلك سيكون رسماً دونما حياة، فيما هو حيّ للغاية، فاعل، مغبوط.

 

ِمِن المؤكَّد أنّني، حتّى ولو عشتُ لألف عام، لن أنسى مطلقاً بهاء هذه الرؤيا الذهنيّة. ستكون عوناً لي، عزاءً، قوّة، حصناً، ستكون لي كلّ شيء، في كلّ الظروف. إنّها مغناطيس فائق القدرة يجذبني إليه ويمنحني رغبة لا توصف للانضمام إليه. لديّ انطباع بأنّني أحيا تحت الشمس. الشمس، ولكن ما الّذي أقوله؟ الشمس كوكب مطفأ وبارد إذا ما قورن بالنار الإلهيّة الكائنة في أعماق الفردوس العلويّ، البعيد للغاية والقريب للغاية…

 

نعم. أنا أشعر بِبُعدها الهائل، الذي عبره ينزلق كلّ الكون الّذي يستحمّ ويحيا في نورها، وفي الوقت نفسه أشعر أنّ كلّ كينونة -كينونتي أنا بشكل خاصّ، بفضل مِن الله الّذي سمح بأن يكون لي هذا الفرح الّذي لا يُقارن- قريبة مِن نقطة الحياة هذه الّتي هي الله، وهي في شعاعه الّذي يحافظ عليها متماسكة، محميّة، حيوية، مثل غطاء زجاجي يحمي نبتة شديدة الرهافة (وبهذا التشبيه المبتذل أخرّب كلّ شيء، ولكنّني لا أجد ما هو أفضل).

 

بالمحصلة، أشعر أنّني تحت نظر الله. وهو إحساس بالمسرّة، بالحرارة، بالقوّة، بسلام لا حدود له، لا يوصف، مفرح. إنّها لمن الغبطة العيش هكذا في الجوهرة غير الـمُدرَكَة (كما وصفها صواباً معلّمي!) للبهاء الإلهيّ، جوهرة تجمع في تألّق واحد لا يُحتَمَل الأقانيم الثلاثة الإلهيّين لتجعل منها وحدة نور إلهيّ، إنّها غبطة عظيمة بحيث تنعدم كلّ الآلام المعاشة والّتي عليّ أن أعانيها…

 

الآن أدرك حقّاً ما الّذي تعنيه ’الجنّة‘. هذا يعني الحياة بمشاهدة دائمة لهذه الشمس، الواحدة والثالوث.