ج4 - ف172

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

172- (سمعان الغيور في الناصرة)

 

18 / 10 / 1945

 

في كانون الأوّل (ديسمبر) يَهبط الظلام بسرعة، وتُضاء القناديل باكراً، وتجتمع العائلة في غرفة واحدة. كذلك هو الأمر في بيت الناصرة الصغير، وبينما المرأتان تعملان، الواحدة تَنسج على النول والأخرى في الخياطة، يَجلِس يسوع إلى الطاولة مع يوحنّا الذي مِن عين دور، ويتحدّث معه بهدوء، بينما يُنهي مارغزيام صَقل صندوقَين موضوعَين على الأرض.

 

يَستَخدِم الصبيّ في ذلك كلّ قوّته، حتّى إنّ يسوع، بعد أن نَهَضَ وانحنى على الخشب وتَلمَّسَه، يقول له: «هذا يكفي الآن. لقد أَصبَحَ صَقله جيّداً، ويمكننا أن نُلمّعه غداً. الآن رَتِّب كلّ الأدوات كي نعمل غداً أيضاً.» وبينما يَخرُج مارغزيام ومعه أدوات الصَّقل: مِسواط قاس وقد ثُبِّت عليه جلد سَمَك خشن، يقوم مقام ورق الزجاج في أيّامنا، وأنواع مِن السكاكين ليست بالتأكيد مِن الفولاذ تُستَخدَم في العمل ذاته؛ يَحمِل يسوع بين ذراعيه القويّتين أحد الصندوقين ويأخُذه إلى الـمَشغَل، حيث مارَسوا العمل بالتأكيد، نظراً لوجود نشارة وشظايا خشبيّة قرب إحدى الطاولات الموضوعة في منتصف الغرفة. يُعيد مارغزيام الأدوات إلى أمكنتها على الحَوامِل، وهو الآن يُلملِم الشظايا ليرميها في النار، وأراد أن يَلمّ النّشارة، ولكن يوحنّا الذي مِن عين دور فَضَّل أن يفعل ذلك بنفسه.

 

كلّ شيء كان في مكانه، حينما عاد يسوع بالصندوق الثاني الذي يَضَعه بجانب الأوّل. ويهمّ الثلاثة بالخروج، حين يُسمَع طَرق على باب البيت، يليه مباشرة صوت الغيور الأجشّ يرنّ في تحيّة عميقة موجّهة إلى مريم: «السلام لكِ، يا أُمّ ربّي، ومُبارَكة هي طيبتكِ التي تسمح لي بالإقامة تحت سقفكِ.»

 

«لقد وَصَلَ سمعان. وسنعرف الآن سبب التأخير. هيّا بنا...» يقول يسوع.

 

يَدخُلون الغرفة الصغيرة، حيث الرَّسول مع النساء، فيجِدُونَه يُنـزِل صرّة ضخمة مِن على كتفيه.

 

«السلام لكَ يا سمعان...»

 

«آه! معلّمي المبارَك! لقد تأخّرتُ، أليس كذلك؟ ولكنّني أنجزتُ كلّ شيء بإتقان...»

 

يَتعانَقان. ثمّ يُتابِع سمعان عرضه: «لقد مضيتُ إلى أرملة النجّار. إعاناتكَ مفيدة جدّاً. فالعجوز مريضة جدّاً، وبالتالي فقد زادت المصاريف. النَّجّار الصغير يبذل جهده في العمل بأشياء صغيرة، على قدّه، ويتذكّركَ على الدوام. يبارككَ الجميع. بعد ذلك مضيتُ إلى نارة وسميرة وسيرا. الأخ في ذُروة قَسوته. ولكنّهنّ في سلام، كالقدّيسات، وهنّ بالفعل كذلك، يأكلن خبزهنّ مُبهّراً بالدموع والغفران. يباركنكَ مِن أجل الإعانة الـمُرسَلة، ولكنّهنّ يتوسلن إليكَ أن تُصلّي مِن أجل هداية أخيهنّ القاسي. كذلك راحيل العجوز تبارككَ مِن أجل الصَّدَقَة. أخيراً ذهبتُ إلى طبريّا مِن أجل المشتريات. آمُل أن أكون قد أَحسَنتُ صُنعاً، ويمكن للنساء أن يُلقِين عليها نظرة الآن... في طبريّا كان قد استبقاني بعض الذين كانوا يظنّونني مرسالكَ. وقد احتَجَزوني ثلاثة أيّام... آه! سجن مُذَهّب إذا شئتَ! ولكنّه على كلّ حال سجن... كانوا يريدون معرفة أمور كثيرة... ولقد قُلتُ الحقيقة حينما قُلتُ إنّكَ صَرَفتَنا جميعاً، عائداً، مِن جهتكَ، إلى بيتكَ بسبب الشتاء القاسي... وعندما اقتنعوا أنّها الحقيقة، لأنّهم ذهبوا إلى بيت سمعان بن يونا وفليبّس ولم يجدوكَ، ولم يَعلَموا شيئاً أكثر مما قُلتُه لهم، تركوني أمضي. حتّى التذرّع بالطقس السيئ لم يكن ليُجدي نفعاً مع هذا الطقس الجميل. هذا هو سبب تأخّري.»

 

«لا يهمّ. لدينا الوقت الكافي لنمكث معاً. أشكركَ على كلّ شيء... يا أُمّي، انظري أنتِ وسِنْتيخي ماذا في الصرّة، وقولي لي إذا ما كان يكفي لما هو مَعلوم لديكِ...» وبينما تفتح المرأتان الصرّة، يَجلس يسوع ليتحدّث إلى سمعان.

 

«وأنتَ ماذا فعلتَ يا معلّم؟»

 

«صنعتُ صندوقين، كي لا أبقى عاطلاً عن العمل، ولأنّهما سيكونان مفيدَين. قمتُ بنـزهة، واستمتعتُ ببيتي...»

 

يُحدِّق فيه سمعان... ولكنّه لا يقول شيئاً.

 

صيحات تَعَجُّب مارغزيام الذي يَرَى ما يَخرُج مِن الصرّة مِن كتّان وصوف وأحذية وأَوشِحة وأَحزِمة، جَعَلَت يسوع ورفيقيه يلتَفِتون.

 

تقول مريم: «كلّ شيء على ما يرام، ممتاز. سنبدأ العمل حالاً، وسننتهي قريباً مِن خياطة كلّ شيء.»

 

يَسأَل الصبيّ: «أتتزوّج، يا يسوع؟»

 

يَضحك الجميع، ويَسأَل يسوع: «مِن أين لكَ بهذه الفكرة؟»

 

«مِن هذا الجهاز الذي هو لرجل وامرأة، ومِن الصندوقين اللذين صنعتَهُما. وهما مِن أجل جهازكَ وجهاز العروس. هل ستُعرّفني عليها؟»

 

«هل تريد حقّاً أن تتعرّف على عروسي؟»

 

«آه! نعم! مَن يدري كم ستكون جميلة وطيّبة! ما اسمها؟...»

 

«هذا سِرّ حاليّاً، إذ لها اسمان، مثلكَ أنتَ، حيث كان اسمكَ أيّوب، ثمّ أَصبَحَ مارغزيام

 

«ألا يمكنني معرفتهما؟»

 

«حاليّاً ، لا. إنّما سوف تعرفهما يوماً.»

 

«هل سَتَدعوني إلى حفل القِران؟»

 

«لن تكون حفلة للأولاد. سوف أدعوكَ إلى حفلة العرس. سوف تكون أحد المدعوّين والشهود. هل يرضيكَ هذا؟»

 

«ولكن بَعدَ كم مِن الوقت؟ أَبَعدَ شَهر؟»

 

«آه! أكثر بكثير!»

 

«وإذن، لماذا عَمِلتَ إلى درجة إحداث دمامل في يديكَ؟»

 

«لقد حَدَثَت الدّمامل لأنّني لم أَعُد أعمل بيديّ. أترى أيّها الصبيّ أنّ البطالة مؤلمة هي على الدوام؟ عندما يعود المرء بعدئذ إلى العمل، يتألّم بشكل مُضاعَف، لأنّه يُصبِح مُرهَفاً جدّاً. فَكِّر! إذا كان هذا يؤذي اليدين بهذا الشكل، فأيّ أذى يُسبِّبه للنَّفس؟ هل ترى؟ أنا، هذا المساء، اضطررتُ للقول لكَ: "ساعِدني"، لأنّني كنتُ أتألّم لدرجة لم أعد معها أستطيع الإمساك بالـمِبرد، في الوقت الذي كنتُ فيه، منذ سنتين فقط، أعمل حتّى أربع عشرة ساعة يوميّاً دون إحساس بألم. الأمر ذاته بالنسبة إلى الذي يَفتر في الصلاة وفي إرادته. إنّه يُصبِح خاملاً ويَضعف. يَتعَب مِن أبسط الأمور. وبأسهل ما يمكن تخترقه سموم الأمراض الروحيّة. وبالمقابل فإنّه، بصعوبة مُضاعَفة، يُنجِز الأعمال الصالحة التي لم يكن يَجِد في إنجازها أيّة صعوبة، لأنّه كان متمرّساً. آه! يجب عدم البقاء عاطلاً عن العمل، قائلاً: "حالما تمرّ هذه المرحلة، أُعاوِد العمل بأكثر نشاطاً"! لا ينجح المرء في ذلك أبداً، أو بالأحرى سيكون في ذلك تَعَب هائل.»

 

«ولكنّكَ لم تتكاسل!»

 

«لا، بل كنتُ أقوم بعمل آخر. إنّما ترى أن تَعَطُّل يديّ عن العمل كان مؤذياً لهما.» ويُريه يسوع كَفَّيه الـمُحمَرّين مع دمامل هنا وهناك.

 

يُقبِّلهما مارغزيام قائلاً: «كانت أُمّي تفعل هذا عندما كنتُ أتألّم، لأنّ الحبّ يشفي.»

 

«نعم، إنّ الحبّ يشفي مِن أشياء كثيرة... حسناً... تعال يا سمعان. سوف تنام في مشغل النجارة. فتعال إذن لأريكَ أين يمكنكَ أن تضع ثيابكَ و...»

 

يَخرُجان، وينتهي كلّ شيء.