ج4 - ف164
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
164- ("ما مِن شقاء لا يمكن أن يحوّله يسوع إلى غِنى")
21 / 08 / 1944
تقول مريم:
«يا ماريّا، هي الأُمّ التي تتكلّم. حَدَّثَكِ يسوعي عن طفولة الروح، المطلوبة بشكل لازم لاكتساب الملكوت. لقد أَظهَرَ لكِ في الأمس صفحة مِن حياته كمعلّم. رأيتِ أطفالاً، أطفالاً مساكين. ألم يكن هناك ما يُضاف؟ بلى، وأنا مَن تقوله لكِ، أنتِ التي أودُّ أن أجعل يسوع يحبّكِ أكثر. إنّها صبغة في اللوحة التي تحدَّثَت إلى روحكِ مِن أجل روح عدد كبير مِن الناس. ولكنّها مِن الصّبغات التي تُضفي الجمال على اللوحة، إنّها هي التي تُوحي بإبداعات الرسّام وحكمة المراقب.
أريد جعلكِ تلاحظين تواضُع يسوع.
تلك الفتاة الصغيرة المسكينة، في بساطة جهلها، لا تُعامِل الخاطئ ذي القلب المتحجّر بشكل مختلف عن ابني. إنّها لا تَعلَم شيئاً عن الرابّي ولا عن مَسيّا. إنّها أقلّ قليلاً مِن متوحّشة صغيرة، كونها قد عاشت في البراري، في بيت كان يَحتَقِر المعلّم، ذلك أنّ إسماعيل الفرّيسيّ كان يَحتَقِر يسوعي، لم تَسمَع أحداً يتحدّث عنه ولم تره قط.
الأب والأُمّ، وقد حَطَّمَهُما العمل الـمُنهِك الذي كان يتطلّبه منهما السيّد غليظ القلب، لم يكن لديهما الوقت ولا الإمكانيّة لرفع الرأس عن الأرض التي كانا يَستَصلِحانها. قد يكونان سَمِعا، أثناء حَصاد الغِلال، أو أثناء قِطاف الثمار والعناقيد، أو أثناء سحق الزيتون تحت الرحى القاسية، هتاف هوشعنا، وقد يَكونان رَفَعا للحظة رأسيهما المتعَبين. ولكنّ الخوف والتعب كانا يَخفضان رأسيهما مباشرة تحت النّير. وكانا قد ماتا وهما يُفكِّران أنّ العالم ليس سِوى حقد وألم، بينما العالم، على العكس، كان حبّاً وخيراً، منذ اللحظة التي وَطَأه فيها يسوعي بقدميه المقدَّستين. كانا أَجيرَين لسيّد بلا رحمة، ماتا دون أن يُقابِلا نظرة وابتسامة يسوعي ولو لمرّة واحدة، ولا أن يسمعا كلامه الذي كان يمنح النَّفْس غِنى، بفضله كان المعوزون يشعرون أنفسهم أغنياء، والجياع مُشبَعين، والمرضى في صحة جيدة، والمتألّمون مُعَزَّين.
حسناً، إنّ يسوع لا يقول: "أنا السيد أقول لكَ: افعل كذا". إنّه يَكتم لقبه.
والصغيرة، الجاهلة لدرجة عدم الإدراك، حتّى أمام معجزة شجرة التفّاح العارية حتّى مِن أوراقها، والتي امتلأ أحد أغصانها بالثمار لسدّ جوعهما، تستمرّ في مناداته: "يا سيّدي"، كما كانت تنادي سيّدها إسماعيل ويعقوب غليظ القلب. كانت تَشعُر بنفسها مَشدودة إلى السيّد الصالح، لأنّ الصلاح يشدّ دائماً. ليس أكثر. تَبِعَته بثقة. أَحَبَّته على الفور، بشكل عفويّ، الكائن الصغير التائه في العالم وفي الجَّهل الذي أراده العالم، "العالم الكبير، عالم المتسلِّطين والشهوانيّين"، الذين يريدون إبقاء الأدنى منهم في الجهل للتمكّن مِن تعذيبهم على راحتهم، واستغلالهم بشكل بغيض أكثر. وعَلِمَت فيما بعد مَن كان ذاك "السيّد" الذي، لكونه فقيراً مثلها، بلا بيت ولا طعام، بلا أُمّ، لأنّه كان قد تَرَكَ كلّ شيء، حُبّاً بالإنسان، حتّى ذلك الإنسان الضئيل الذي كانَته، المخلوقة المسكينة، وهي الطفلة الصغيرة، ذاك السيّد الذي أعطاها الثمار العجائبيّة، وهو يبغي انتزاع طعم مرارة الشرّ الإنسانيّ مِن شفتيها ومِن قلبها، تلك المرارة التي تخلق حقد البؤساء ضدّ ذوي السُّلطة، وذلك بفاكهة مِن الآب، وليس بقطعة خبز أُعطيت فيما بعد، وهي بالنسبة إليها تحتفظ على الدوام بطعم القسوة والدموع.
في الحقيقة، إنّ تلك التفّاحات كانت تُعيد إلى الأذهان ثِمار الفردوس الأرضيّ. فاكهة وُجِدَت على الغصن مِن أجل الخير ومِن أجل الشرّ، وهي تُشير إلى الفِداء مِن كلّ أنواع الشقاء، بدءاً مِن جَهل الله، بالنسبة إلى اليتيمين، وتُشير إلى العقاب للذي، إذ أَصبَحَ يعرف الكلمة، تَصَرَّفَ وكأنّه لم يكن يعرفه. وسوف تَعرِف فيما بعد، بواسطة المرأة فاعلة الخير التي استقبَلَتها باسم يسوع، مَن كان يسوع. وقد كان بالنسبة لها المخلِّص مِن أمور كثيرة. المخلِّص مِن الجوع، مِن رداءة الجّو، مِن أخطار العالم ومِن الخطيئة الأصليّة.
أمّا هي، فإنّها رأت يسوع على الدوام في نور ذاك اليوم، وقد ظَهَرَ دائماً بمظهر السيّد الصالح، بصلاح القصص الخرافيّة، السيّد الذي يَمنح الملاطفات والهدايا، السيّد الذي أنساها أنّها كانت بلا أب ولا أُمّ، بلا مأوى ولا ثياب، لأنّه كان طيّباً كالأب ولطيفاً كالأُمّ، وكان قد مَنَحَهما عشّاً لتعبهما وغطاء لعريهما بصدره ومعطفه ومعاطف الخيِّرين الآخرين الذين كانوا معه.
نور أبويّ وعَذب، لم يتلاشَ تحت سيل الدموع، حتّى عندما عَلِمَت أنّه مات مُعذّباً على صليب، ولا عندما، كمؤمنة في الكنيسة الأولى، رأت ما كان قد جرى لوجه "سيّدها" تحت تأثير الضربات والشَّوك، وبعد التفكير كيف هو الآن في السماء على يمين الآب. نور ابتسم لها في ساعتها الأخيرة على الأرض، وهو يقودها بلا خوف إلى مُخلّصها، نور ابتَسَمَ لها أيضاً، بعذوبة لا توصف، في أَلَق الفردوس.
كذلك يَنظُر إليكِ يسوع. فانظري إليه مثل شبيهتكِ البعيدة، وكوني سعيدة بالحبّ الذي يكنّه لكِ. كوني بسيطة، متواضعة، ومؤمنة مثل مريم الصغيرة المسكينة التي عَرفتِها. انظري إلى أين وَصَلَت، رغم كونها جاهلة إسرائيل الصغيرة المسكينة: إلى قلب الله. لقد تجلّى الحبّ لها كما تجلّى لكِ، وأَصبَحَت ضَليعة في الحكمة الحقيقيّة.
كوني مؤمنة، ابقي في سلام. فما مِن شقاء لا يمكن لابني أن يحوّله إلى غِنى، وما مِن عزلة لا يمكنه أن يملأها، كما لا يوجد تقصير لا يمكنه محوه. لا وجود للماضي عندما يمحوه الحبّ. حتّى ولا لماضٍ رهيب. هل تريدين أن تخافي أنتِ بينما اللصّ ديسماس (الذي كان على يمين يسوع أثناء الصّلب) لم يَخَف؟ أحِبّي، أحِبّي ولا تَخشي شيئاً.
الأمّ تترككِ مع بَرَكَتها.»