ج4 - ف138
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
138- (إذا كان لديكم إيمان، آتي وأنجّيكم مِن الخطر)
04 / 03 / 1944
يقول يسوع:
«مرّات كثيرة، لا أنتظر أن يناديني أحد، عندما أرى أحد أبنائي في خطر. ومرّات كثيرة أَهرَع كذلك مِن أجل ابن جاحد تجاهي.
إنّكم نيام، أو إنّ مشـاغل الحياة وهمومها تأخذكم. أمّا أنا، فإنّني أسهَر وأصلّي مِن أجلكم. كالملاك الحارس لكلّ الناس انحني عليكم، وما مِن شـيء أكثر إيلاماً لي مِن عدم تمكُّني مِن التدخّل لأنّكم تَرفضون معونتي، مُفضِّلين التصرّف بمفردكم، أو ما هو أسوأ، طالِبين العون مِن الشرّير. مِثل أب يَسمع ابنه يقول له: "أنا لا أحبّكَ ولا أبغي شيئاً منكَ. اخرج مِن بيتي". فأبقى حزيناً ومُستكيناً كما لم أكن بِسبب الجراح. ولكن إذا كنتم فقط لا تأمرونني: "اذهب عنّا"، ولستم فقط مُنشَـغِلين بأمور الحياة، فأنا السـاهر الأبديّ، الجاهز للمجيء، حتّى قبل أن يناديني أحد. وإذا ما انتظرتُ إلى أن تقولوا لي كلمة، وأحياناً أنتظرها، فذلك كي أَسمَع مِن يُناديني. أيّة ملاطفة هي، وأيّة نعومة أن أَسمَع الناس ينادونني! أن أشعر بأنَّهم يتذكّرون أنّني "المخلّص".
ولا أقول لكِ أيّ فـرح لانهائيّ يَلِج قلبي، ويُثيرني، عندما يحبّني أحدهم ويناديني دون انتظار ساعة الحاجة. يناديني لأنّه يحبّني أكثر مِن أيّ شيء في العالم، ويَشعر بأنّه يمتلئ فرحاً شبيهاً بفرحي لمجرّد مناداته لي: "يسوع، يسوع"، كما الأطفال عندما ينادون: "ماما، ماما" ويبدو لهم أنّ العسل يسيل على شفاههم، لأنّ "ماما" هي الكلمة الوحيدة التي تحمل معها طعم قُبلات الأمومة.
كان الرُّسُل يُجذِّفون، مُطيعين أمري في الذهاب إلى كفرناحوم وانتظاري هناك. وأنا، بعد معجزة تكثير الخبز، كنتُ قد عزلتُ نفسي عن الجموع، ليس احتقاراً لهم، ولا بسبب التعب. لم يكن لديَّ أيّ احتقار للناس، حتّى ولو كانوا أشـراراً معي. إنّما فقط حينما كنتُ أرى الشريعة تُسحَق وبيت الله يُدنَّس، عندها فقط كنتُ أغتاظ. ولكن حينذاك لم أكن أنا طرفاً في ذلك، بل إنّما مصالح الآب. وأنا، كنتُ على الأرض أوّل خُدّام الله لخدمة أب السماوات.
لم أكن لأتعب أبداً في بذل ذاتي مِن أجل الجموع، حتّى حينما كنتُ أراهم مُنغَلِقين، بطيئيّ الفَهم، بشريّين لدرجة يَجعلون معها الأكثر تفانياً في رسالتهم يَفتَرون. وحتّى، بالضبط، لأنّهم كانوا قاصرين، فقد كنتُ أُضاعِف الشَّرح إلى ما لا نهاية، كنتُ أُعاملهم حقّاً مثل تلاميذ مُتخلِّفين، كنتُ أقود أرواحهم في الاكتشافات والتلقّيات الأكثر بدائيّة، مثلما يقود معلّم صبور أيدي التلاميذ الصغيرة المتعثّرة لكي تَخطّ الحروف الأولى، لجعلهم باستمرار أكثر قدرة على الإدراك والفعل. كَم مِن الحبّ مَنَحتُ الجموع! كنتُ أُخرِجهم مِن الجسد لأصل بهم إلى الروح. أنا كذلك كنتُ أبدأ بالجسد، ولكن بينما الشيطان ينطلق منه لِيَصل بهم إلى جهنّم، كنتُ أنطلق أنا لأقودهم إلى السماء.
كنتُ قد مَضيتُ إلى عزلتي لأشـكر الآب على معجزة الخبز. لقد كانوا بضعة آلاف إنسان وأكلوا، وكنتُ قد طلبتُ منهم أن يقولوا: "شكراً" للربّ. ولكن بعد نيل المعونة لا يعرف الإنسان أن يقول "شكراً". كنتُ أقولها مِن أجلهم، نيابة عنهم. وبعد ذلك... وبعد ذلك كنتُ قد ذبتُ في أبي الذي أَكُنُّ له حنين حبّ لا ينتهي. كنتُ على الأرض، إنّما كجثّة بلا حياة. كان روحي قد ارتمى في أحضان أبي الذي كنتُ أُحِسّ به يحنو على كلمته، وكنتُ أقول له: "أحبّكَ أيّها الأب القدّوس!" وكان فرحي في القول له: " أحبّكَ". قولها له كإنسان علاوة على قولها له كإله. إخضاع شعوري كإنسان له، كما كنتُ أُقدِّم له اختلاجي كإله. كان يبدو لي أنّني المغناطيس الذي يجذب إليه كلّ أنواع حبّ الناس، الناس القادرين على حبّ الله بعض الشيء، أجمَعها، وأُقدِّمها في حنـايا قلبي. كان يبدو لي أنّني بمفردي: الإنسان، يعني الجنس البشريّ الذي كان يَعود، كما في أيّام البراءة، للتحدّث إلى الله في برودة المساء.
لكن بالرغم مِن أنّ غبطتي كانت كاملة، لأنّها كانت غِبطة محبّة، فإنّها لم تَكُن تُبعِدني عن احتياجات البشر، وقد لاحظتُ الخطر الذي كان يحيق بأبنائي على البحيرة. وتركتُ الحبّ مِن أجل الحبّ. فعلى المحبّة أن تكون مُسارِعة.
حَسَبوني شبحاً. آه! أيّها الأبناء المساكين، كم مِن مرّة تحسَبونني شبحاً، فَزَّاعة! لو كنتم تفكّرون بي على الدوام، لكنتم تعرّفتم عليَّ مباشرة. ولكنّ قلوبكم مُفعَمَة بأوهام جمّة، وهذا ما يُسبِّب لكم الدُّوار. أمّا أنا فإنّني أُعرِّف عن نفسي. آه! لو كنتم تَعرفون الإنصات إليَّ!
لماذا يَغرَق بطرس بعد سيره بضعة أمتار؟ لقد قُلتُها: لأنّ الطبيعة البشريّة تُسيطر على روحه.
لقد كان بطرس مُغالياً في الطبيعة البشريّة. لو كان يوحنّا، لما كان تمتَّع بِمثل تلك الجسارة، ولما كان غيَّر فِكره بسبب عدم الثبات. النقاء يمنح الفطنة والثبات. ولكنّ بطرس كان "بشراً"، بكلّ ما للكلمة مِن معنى. كان يرغب في أن يتميّز عن الآخرين، أن يُريهم أنّ لا أحد يحبّ المعلّم مثله. كان يريد فَرض نفسه، وفقط لأنّه كان مِن أتباعي، كان يظنّ نفسـه أرفَع مِن أوهان الجسد. على العكس، فسمعان المسكين، في الاختبارات، كان يعطي نتيجة سلبية، لم يكن فيها شيء سامٍ. إنّما ذلك كان لا بد منه لِيَظلّ في المستقبل الذي يدعو إلى دوام رحمة المعلّم في الكنيسة الناشئة.
بطرس لم يستسلم فقط للخوف على حياته التي في خطر، ولكنّه يُصبِح فقط، كما قلتُ، "جسداً يرتعد". لم يَعُد يُفكّر، ولم يَعُد يَنظُر إليَّ.
وأنتم كذلك تتصرّفون بالـمِثل. وكلّما كان الخطر وشيكاً، كلّما شئتم التصرّف بمفردكم.كما لو كنتم تسـتطيعون فِعل شيء! ففي السـاعات التي ينبغي فيها أن يكون رجاؤكم فيَّ، تَبتَعِدون وتَعصرون قلبي وحتّى تلعنونني.
بطرس لا يَلعَن، ولكنّه ينساني، وعليَّ تحرير قوّة الإرادة لأدعو روحه إليَّ: لأرفع له العينين صوب معلّمه ومخلّصه. أَحلّه مسبقاً مِن خطيئة الشكّ، لأنّني أُحبّه، هذا النَّـزِق الذي ما أن يَثبت في النعمة، حتّى يعرف كيف يسير في المقدّمة دون اضطراب أو تعب، حتّى الشهادة، وهو يرمي، بغير تعب، حتّى الموت، شبكته السريّة ليجلب النُّفوس إلى معلّمه. وعندما يناديني، فلا أمشي، بل أطير إلى مساعدته وأضمّه إليَّ لأقوده إلى مكان أمين.
إن لَومي له مُفعَم رِقّة، لأنّني أُدرِك كلّ ما يُخفّف أوهان بطرس. إنّني أَفضَل مُدافِع وأفضل ديّان وُجِدَ وسَيوجد. مِن أجل الجميع. أَفهَمكُم، يا أبنائي المساكين! وحتّى لو وجَّهتُ إليكم كلمة لوم، فإنّ ابتسامتي تُلطِّفها. أُحبّكم. وهذا كلّ شيء.
أريدكم أن تُؤمنوا. فإن كنتم كذلك، فإنّني آتي وأنجّيكم من الخطر. آه! لو كانت الأرض تعرف أن تقول: "يا معلّم، يا ربّ، خلّصني!" تكفي صَـرخة واحدة، ولكن مِن الأرض كلّها، حتّى يَسـقُط في الحال الشـيطان وأعوانه مَقهورين. ولكنّكم لا تعرفون أن تؤمِنوا. إنّي ماض، مُكثِّراً الوسائل الموصِلة إيّاكم إلى الإيمان. ولكنّها تَقَع في أعماقكم كما تَقَع حَصاة في قاع المحيط وتَبقى مدفونة هناك.
لا تُريدون تطهير مياه روحكم، تُحِبّون أن تكونوا حَمأة فاسدة. لا يهمّ. إنّني أقوم بواجبي كمُخلِّص أزليّ. وحتّى لو لم أستطع خلاص العالم لأنّ العالم لا يريد أن يَخلص، فسأُخلِّص من العالم أولئك الذين لا يَعودون يَنتَمون إلى العالم لأنّهم يحبّونني كما ينبغي لي أن أُحَبّ.