الدفاتر: 10 / 07 / 1943

 

دفاتر 1943

ماريا فالتورتا

 

I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS

MARIA VALTORTA

 

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

(10 / 07 / 1943)

 

يقول يسوع:

 

«اسمعي يا ماريّا، هل تعرفين مَثَل الأب الّذي له ولدان، أحدهما يقول: ’نعم، يا أبي‘، ومِن ثمّ لا يفعل شيئاً؛ والآخر يقول: ’لا يا أبي‘، ومِن ثمّ يفعل ما يطلبه منه الأب؟1

 

لا أريد هنا أن أجعلكِ تتأمّلين في واجبات الأولاد وروعة الطاعة. لا. أريد فقط القول بأنّ ذاك الأب قد لا يكون الأب المثال. والدليل على ذلك هو أنّ ولداه لم يكونا يحبّانه: فالواحد يكذب، والآخر يجيب برفض يتجاوزه فيما بعد بجهد يفوق طاقة البشر.

 

ليس جميع الأولاد كاملين، إنّما كذلك صحيح أنّ ليس كلّ الآباء كاملين. الوصيّة تقول: ’أَكرِم أباك وأُمّك‘ ومِن يخالفهما يرتكب خطيئة وسوف يعاقب مِن قبل العدالة الإلهيّة. إنّما العدالة لا تكون عدالة إن لم تستخدم المقياس نفسه مع مَن لا يُكرّم الأولاد. التكريم في اللغة القديمة يعني: معاملة الشخص بمراعاة الاحترام الفائق. فإذا كان مِن الواجب احترام مَن منحنا الحياة واهتمّ باحتياجاتنا خلال الطفولة، فليس أقلّ منه وجوب احترام الأهل للأبناء الّذين وهبهم إيّاهم الله وعهد بهم إلى الّذين أنجبوهم، لكي يربّوهم بقداسة.

 

غالباً ما لا يفكّر الآباء والأُمّهات بكونهم أصبحوا أُمناء وحرّاساً على معجزة الله الخالق هذه. فإنّ كلّ خليقة جديدة هي معجزة مِن الخالق. غالباً ما لا يفكّر الأبوان أنّ، في داخل هذا الجسد المولود مِن لحم ودم بشريّين، توجد نَفْس خلقها الله، ينبغي أن تنشأ على مذهب مِن الروحانيّة والحقّ لكي تُعاد كما ينبغي إلى الله.

 

كلّ ولد هو وزنة2 عَهَد بها الربّ إلى أحد خدّامه. ولكن الويل للخادم الّذي لا يجعلها تثمر، الّذي يدعها خاملة غير مكترث لأمرها، أو أسوأ بعد، يدمّرها ويُفسِدها. وإن كان الله يطلب بنبرة صارمة تفسيراً ممّن لم يسهر على إغناء الوزنة الحيّة الّتي مِن الله كلّي الصلاح، ويفرض عقاباً طويل الأمد، فإنّ الله، سيّد وديّان كلّ ما هو موجود، سيحكم، حكماً لا رحمة فيه، بالعذاب الأبديّ على مَن بدّد وقتل الجزء الأكثر قيمة في ابنه: نَفْسه.

 

هذا في السياق العام. الآن ننتقل إلى الجانب الخاص.

 

هل تعلمين كيف عليكِ أن تحبّي أُمّكِ لتتمكّني مِن الاستمرار في حبّها؟ حبّاً روحيّاً فقط. الآخر... لا فائدة له. فهي لا تراه، لا تدركه، لا تشعر به. فهي تدوسه، جاعلة إنسانيّتكِ تنزف. لذلك أقول لكِ: أحبّيها روحيّاً فقط. أحبّي إذاً نَفْسها المسكينة ولا تدّخري جهداً مِن أجلها. لا أقول لكِ أكثر، ذلك أنّكِ ابنة ولا أريد أن تنتقصي وأنتِ معي الإكرام الواجب لأُمّ. أنا الله والديّان: يمكنني فعل ذلك، إنّما وأنتِ معي، فلا أريد. فحتّى ولو أساء أحد الأبوين التصرّف، فيجب احترامه لأنّه ’أحد الأبوين‘.

 

أحبّي نَفْسها المسكينة. فهي بأمسّ الحاجة إلى محبّتكِ كابنة. بالنسبة للحياة الأبديّة، إنّ الآباء والأُمّهات الّذين يرتكبون الأخطاء تجاه أبنائهم هم بحاجة إلى مساعدتهم ومغفرتهم لكي تُخَفّف عقوبتهم.

 

تمعنّي جيّداً بما أقوله لكِ بحيث لا أحتاج لإضافة شيء آخر. إذا ما توقّفتِ عند النّظر إليها فقط كامرأة فلن تتمكّني مِن إكرامها. أعترف بذلك. ولكن فكّري بأنّها نَفْس ابنة لله، وهي ناقصة النموّ جدّاً، جدّاً، جدّاً. ينبغي أن تضعي محبّتكِ كابنة موضع العمل لتعوّضي قصورها، ينبغي عليكِ إغناءها كي لا تمثل أمام الله الديّان وهي بغاية العَوْز.

 

إنّكِ تتحلّين بالشفقة تجاه المرضى وتحبّين الأطفال. ولكن هل مِن طفولة روحيّة أعظم مِن تلك الّتي لأُمّكِ؟ وهل مِن مرض روحيّ أكثر شدّة مِن ذلك الّذي لأُمّكِ؟ عانقي إذاً روحها الثقيل والمظلم وارفعيه صوب النور.

 

الحبّ الروحيّ صعب. أعلم ذلك. لكنّه حبّ الكمال. إنّه الحبّ الّذي أحببتُه أنا لأناس كثيرين عندما كنتُ في حياتي البشرية. كنتُ أعلم مَن سيخونني. كنتُ أعلم مَن سينكرني. كنتُ أعلم مَن سيهرب في الساعة المريعة. ما مِن شيء كان مظلماً بالنسبة لي. ومع ذلك اجترحتُ معجزات حبّ روحيّ لا قياس لها -مع أنّ جسدي ودمي كانا ينتفضان انفعالاً عندما الاقتراب مِن الجبناء، ناكري الجميل وخاصّة الخائن- في محاولة لخلاص روحهم.

 

لقد خلّصتُ كثيرين هكذا. وحدهم الّذين كانوا مُستَحوَذاً عليهم مِن الشيطان كلّيّاً، أقول كلّيّاً، قاوموا حمّام حبّي الروحيّ الـُمطَهِّر. الآخرون، الـمُستَحوَذ عليهم بنزوة واحدة، قد خلصوا قبل أو بعد موتي. أمّا يهوذا، قيافا، حنّان وبعض الآخرين، فلم يكونوا كذلك، لأنّ أمراء الشياطين السبعة كانوا يكبّلونهم بحبال سبعة، وعِصْبة مِن الشياطين كانوا داخلهم لإتمام العمل على جعلهم جواهر جهنّم.

 

أنتِ أحبّي هكذا. ستكملين واجبكِ وستُظهِرين لي أنّكِ تلميذة حقيقيّة. أمّا بالنسبة لها، فدعي لي مهمّة الديّان. اذهبي بسلام، أيّتها النَّفْس العزيزة، ولا تخطئي.»

 

كنتُ حقّاً بحاجة إلى كلمة وملاطفة!... لأنّه إن كان ينبغي لي النظر إلى الإنسانية، لكان عليّ الهرب إلى قمّة الجبل الأبيض.

 

هذا النصّ الأخير كان قد أُملي عليَّ في الساعة السابعة صباحاً، وفي الساعة الحادية عشرة، تفجّرت سطوة أُمّي الجائرة والقاسية إلى حدّ أنّني كدتُ أذهب إلى خالقي. ألم أقل لحضرتكَ (الأب ميغليوريني) أمس إنّها تمرّ بمرحلة عصيبة جدّاً؟ لم أكن أبالغ. والآن وقد جَعَلَتني أشعر بالسوء -إنّه المساء وما زال قلبي مضطرباً؛ على حدّ قول طبيبي، كنتُ على حافّة الموت، وقد شعرتُ به- فهي مسرورة.

 

آمين. أطيع يسوع وأُقدّم هذا الألم الجسديّ والمعنويّ مِن أجل نَفْسها.

----------

1- إنجيل متّى (21 / 28 - 32).

2- إنجيل متّى (25 / 14 - 30) ، إنجيل لوقا (19 / 11 - 27).