ج8 - ف46

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

46- (يوم السبت السابق لدخول أورشليم، II- الحجاج واليهود في بيت عنيا.)

 

27 / 03 / 1947

 

المحبّة والبغض تدفعان عدداً كبيراً مِن الحجّاج المتجمّعين في أورشليم، وحتّى مِن سكّان أورشليم ذاتهم، إلى المجيء إلى بيت عنيا حتّى مِن دون انتظار اكتمال المغيب. بل حتّى إنّ الشمس كانت بالكاد قد شرعت بالمغيب عندما وصل الأوائل منهم إلى منزل لعازر. وللعازر، الذي ناداه خدّامه، والذي يندهش لهذا الانتهاك للسبت، لأنّ الأوائل الذين أتوا هم بالتحديد الأكثر شهرةً مِن بين اليهود الأكثر تشدّداً، يعطون هذه الإجابة الفرّيسيّة بحق: «مِن باب القطيع ما عاد قرص الشمس مرئيّاً، وحينذاك بدأنا المسير معتقدين أننا حتماً لن نتجاوز المسافة المحدّدة قبل أن تهبط الشمس في ما وراء قُبَب الهيكل.»

 

للعازر ابتسامة ساخرة طفيفة على وجهه النحيل. إنّه سليم، جميل المظهر، لكنّه حتماً غير بدين. ويجيبهم بتهذيب إنّما أيضاً بنبرة ساخرة بعض الشيء: «وماذا تريدون أن تروا؟ إنّ المعلّم يحترم السبت. ويرتاح. إنّه لا يكتفي بعدم رؤية قرص الشمس كي يعتبر أنّ الراحة قد انتهت. لكنّه ينتظر إلى أن ينطفئ الشعاع الأخير ليقول: "السبت انتهى".»

 

«إنّنا نعلم أنّه كامل! نعلم ذلك! إنّما إن أخطأنا، فهو سبب إضافي كي نراه. فقط لبرهة، الوقت الكافي كي يحلّنا مِن الذنب.»

 

«آسف. إنّما لا أستطيع. المعلّم متعب ويرتاح. أنا لن أزعجه.»

 

لكن أناس آخرون يأتون، حجّاج مِن كل مكان، حيث يَرجون، يلحّون لرؤية يسوع. ومع العبرانيّين يختلط وثنيّون، ومع هؤلاء متهوّدون. ويراقبون، ويحدّقون بلعازر كما لو كان كائناً خياليّاً. ولعازر يحتمل إزعاج هذه الشهرة التي لا يسعى إليها، مجيباً بصبر مَن يسألونه. إنّما لا يعطي الأمر للخدّام بفتح البوابة.

 

«هل أنتَ هو الإنسان العائد مِن الموت؟» يَسأَل أحدهم، الذي وفقاً لمظهره، هو مختلط الدم، لأنّ ليس له مِن العبرانية سوى الأنف المميّز الضخم والمحدّب إلى حدّ ما، بينما لهجته ومظهر لباسه يُظهِران أنّه غريب.

 

«إنّني هو، كي أعطي مجداً لله الذي انتزعني مِن الموت كي يجعلني خادماً لمسيحه.»

 

«إنّما أكان موتاً حقيقيّاً؟» يَسأَل آخرون.

 

«اسألوا أعيان اليهود هؤلاء عن ذلك. فقد حضروا مأتمي، وكُثُر كانوا حاضرين عند إقامتي مِن الموت.»

 

«لكن ما الّذي اختبرتَه؟ أين كنتَ؟ ماذا تتذكّر؟ عندما عدتَ حيّاً، ما اّلذي حدث لكَ؟ كيف أقامكَ مِن الموت؟… ألا يمكن رؤية القبر حيث كنتَ؟ مِن أيّ أمر متّ؟ هل أنتَ الآن بحال جيّدة؟ ألم تعد تحمل آثار قروحكَ؟»

 

لعازر، بصبر، يحاول أن يجيب الجميع. إنّما، إن كان سهلاً عليه قول أنّه بحال جيّدة جدّاً وآثار القروح قد زالت الآن خلال الأشهر التي انقضت منذ إقامته مِن الموت، فإنّه لا يُحسِن قول ما الّذي اختبره وكيف قام مِن الموت. ويجيب: «لا أعرف. لقد وجدتُ نفسي حيّاً في حديقتي، وسط خدّامي وأختيّ. وإذ تحرّرتُ مِن الكَفَن، فقد رأيتُ الشمس، النور، شعرتُ بالجوع، أكلتُ، تمتّعتُ بالحياة وبمحبّة الرابّي العظيمة تجاهي. الباقي، يعلمه أكثر منّي مَن كانوا حاضرين. ها ثلاثة منهم يتحدّثون. وهناك اثنان يصلان.» (الأخيرَان هما السنهدرينيّان يوحنّا وأليعازر، بينما الثلاثة الّذين يتحدّثون فيما بينهم هم كاتبان وفرّيسيّ قد رأيتُهم في الواقع وقت إقامة لعازر مِن الموت، إنّما الّذين لا أتذكّر أسماءهم.

 

«هم لا يُكلّموننا نحن الوثنيّين! اذهبوا أنتم اليهود لسؤالهم… إنّما أَرِنا أنتَ القبر حيث كنتَ.»

 

يُصرّون بأقصى ما يمكن. لعازر يقرّر. يقول شيئاً ما للخدّام، ومِن ثمّ يتوجّه إلى الناس: «اذهبوا إلى تلك الطريق الّتي بين منزلي هذا ومنزلي الآخر. سآتي لملاقاتكم كي أقودكم إلى القبر، ولو أنّ ما مِن شيء ليُرى سوى فجوة مفتوحة في طبقة صخريّة.»

 

«لا يهمّ! لنذهب! لنذهب!»

 

«لعازر! توقّف! أيمكننا أن نأتي نحن كذلك؟ أو أنّه ممنوع علينا ما هو مسموح للغرباء؟» يقول كاتب.

 

«لا يا أرخلاّوس. تعالَ كذلك، إن لم تجد نفسكَ مُدَنَّساً باقترابكَ مِن قبر.»

 

«لم يعد قبراً، طالما لا يحتوي موتاً.»

 

«لقد احتواه لأربعة أيّام. لأقّل مِن ذلك بكثير يعتبر المرء نَجِساً في إسرائيل! مَن يمسّ ثوبه شخصاً لمس جثّة تقولون عنه نَجِس، وقبري لا يزال يبعث نفحات موت، رغم أنّه مفتوح منذ وقت طويل.»

 

«لا يهمّ. سوف نتطهّر.»

 

لعازر ينظر إلى الفرّيسيّين يوحنّا وأليعازر، ويقول لهما: «أتأتيان أنتما أيضاً؟»

 

«نعم. نأتي.»

 

لعازر يمضي سريعاً صوب الجهة التي تحدّها سياجات عالية وسميكة كأنّها جدران، ويفتح باباً مُدرَجَاً في واحدة منها، ويتقدّم على الطريق الّتي تقود إلى منزل سمعان، ويشير إلى مَن ينتظرون بأن يتقدّموا. يقودهم صوب القبر. شجرة ورد مُزهِرة تحيط بمدخله، إنّما غير كافية لإلغاء الرعب الذي ينبعث مِن قبر مفتوح. على الصخرة المائلة التي تحت القوس الـمُزهِر يُقرأ: "لعازر، هلمّ خارجاً!".

 

الأشرار يرونها على الفور، ويقولون فوراً: «لماذا نقشتَ هنا هذه الكلمات؟ ما كان ينبغي أن تفعل ذلك!»

 

«لماذا؟ في منزلي أستطيع فِعل ما أشاء، ولا أحد يمكنه اتّهامي بخطيئة إذا ما أردتُ أن أُثبّت على الصخر، كي لا تمحى، كلمات الصيحة الإلهيّة التي أعادت لي الحياة. وعندما سأكون هناك في الداخل ولا أعود أستطيع بعد الاحتفال بقدرة الرابّي، أريد أن تقرأها الشمس بعد على الحجر، وأن تُعَلّمها الرياح للأشجار، وأن تداعبها الطيور والأزهار، مُتابِعةً عوضاً عنّي مباركة صيحة المسيح التي انتزعتني مِن الموت.»

 

«أنتَ وثنيّ! أنتَ مُدنِّس! إنّكَ تجدّف على إلهنا. إنّكَ تحتفل بشعوذة ابن بعلزبول. حاذر يا لعازر!»

 

«أُذكّركم أنّني في منزلي وبأنّكم في منزلي، وأنّكم قد أتيتم دونما دعوة وبنوايا دنيئة. إنّكم أسوأ مِن هؤلاء، الّذين هم وثنيّون، إنّما الّذين يعترفون بإله مِن خلال القائم مِن الموت.»

 

«ملعون! كما هو المعلّم، هو التلميذ. يا للهول! هيّا بنا! بعيداً عن هذه البؤرة النَّجِسة. يا مفسد إسرائيل، السنهدرين سوف يتذكّر كلامكَ.»

 

«وروما دسائسكم. أُخرجوا!»

 

لعازر، الوديع دوماً، يتذكّر أنّه ابن ثيوفيلوس، ويطردهم كما زمرة كلاب. يبقى الحجّاج الّذين مِن كلّ المناطق، ويَسأَلون، يَنظرون، ويتوسّلون أن يروا المسيح.

 

«سوف ترونه في المدينة. الآن لا. لا أستطيع.»

 

«آه! إنّما هل يأتي إلى المدينة؟ حقّاً؟ ألا تكذب؟ أيأتي حتّى وإن كانوا يكرهونه إلى هذا الحدّ؟»

 

«سيأتي. ارحلوا الآن مطمئنّين. أترون كيف أنّ المنزل في راحة؟ لا يُرى شخص ولا تُسمع كلمة. لقد رأيتُم ما أردتم: القائم مِن الموت ومكان قبره. الآن ارحلوا. إنّما لا تجعلوا فضولكم عقيماً. ولتتمكّن رؤيتكم لي أنا، البرهان الحيّ على قدرة يسوع المسيح، حَمَل الله والمسيح كلّيّ القداسة، مِن أن تقودكم جميعاً إلى دروبه. لأجل هذا الرجاء أنا مسرور مِن قيامتي، ذلك أنّني أرجو أنّ تهزّ المعجزة المشكِّكين وتهدي الوثنيّين، بإقناعهم جميعاً بأنّه واحد فقط هو الله الحقّ، وواحد فقط هو المسيح الحقّ: يسوع الناصريّ، المعلّم القدّوس.»

 

الجمع يتفرّق على مضض، وإذا ما واحد رحل فإنّ عشرة يصلون، لأنّ أناساً جدداً يواصلون المجيء. لكنّ لعازر، بمساعدة بعض الخدّام، ينجح بدفع الجميع إلى الخارج وإقفال البوابات.

 

يشرع بالابتعاد آمراً: «احترسوا لئلّا يخلعوا السور أو أن يقفزوا فوقه. سرعان ما سيحلّ المساء وسيرحلون إلى ملاذاتهم.» عندما يرى أليعازر ويوحنّا يخرجان مِن وراء أجمة ريحان. «ماذا؟ إنّني لم أرَكما وكنتُ أظنّ…»

 

«لا تطردنا. لقد دخلنا إلى أجمة كي لا نُرى. يجب أن نكلّم المعلّم. قد أتينا نحن لأنّنا أقلّ شبهة مِن يوسف ونيقوديموس. لكنّنا نودّ ألّا يرانا أحد ما عداكَ أنتَ والمعلّم… هل خدّامكَ موثوق فيهم؟»

 

«إنّ العادة في منزل لعازر هي ألّا يُرى ولا يُسمع إلّا ما يروق للمعلّم، وألّا يُعرَف شيء فيما يخصّ الغرباء. إنّما تعالا عبر هذا المسلك، بين جداريّ الـخُضرة هذين الأكثر سُمكاً مِن حائط.» يقودهما في ممرّ قائم بين حاجز بقس وغار مزدوج وغير قابل للاختراق.

 

«ابقيا هنا، سوف آتيكما بيسوع.»

 

«حاذر لئلّا يلاحظ أحد ذلك!...»

 

«لا تخافا.»

 

الانتظار لا يدوم طويلاً. على المسلك شبه المعتم بفعل تشابك الأغصان، سرعان ما يظهر يسوع، أبيض بكلّيته في ثوبه الكتّاني، ولعازر يلبث عند حافة المسلك كما للحراسة أو بدافع احتراس. لكنّ أليعازر يقول له، أو بالأحرى يومئ: «تعال إلى هنا.»

 

لعازر يقترب فيما يحيّي يسوع الاثنين، اللذين يجلاّنه بعمق.

 

«يا معلّم، وأنتَ يا لعازر، أصغيا. ما أن ذاع خبر أنّكَ أتيتَ وأنّكَ موجود هنا، حتّى اجتمع السنهدرين في منزل قيافا. وكلّ ما يجري يتجاوز الأصول… وقد قَرَّرَ… لا تتوهّم يا معلّم! كن حَذِراً يا لعازر! لايضلّكما سلام ما هو إلاّ زيف، الخمول المصطنع للسنهدرين. إنّها خدعة يا معلّم. خدعة لجذبكَ والإمساك بكَ دون أن يثور الجمع ويتهيّأ للدفاع عنكَ. لقد تحدّد مصيركَ، والقرار لن يتغيّر. فإن يكن غداً أو بعد عام، سوف يتمّ. إنّ السنهدرين لا ينسى أبداً انتقاماته. إنّه ينتظر، هو يُحسِن انتظار الفرصة المناسبة، إنّما بعدها!... وأنتَ أيضاً يا لعازر. إنّهم يريدون إزاحتكَ، القبض عليكَ، القضاء عليكَ، لأنّ بسببكَ كُثُر يهجرونهم كي يتبعون المعلّم. فأنتَ، وقد قلتَ ذلك بكلمة صحيحة، أنتَ الشهادة على سلطانه. وهم يريدون تدميره. إنّ الجمع سرعان ما ينسى، هم يعرفون ذلك. وباختفائكَ أنتَ والرابّي، فإنّ حماسات كثيرة سوف تخبو.»

 

«لا يا أليعازر! سوف تتأجّج!» يقول يسوع.

 

«آه! يا معلّم! إنّما ما الذي سيحلّ إن متّ؟ ما الذي سيجعل الإيمان بكَ يتأجّج، بافتراض أنّه موجود، إن أنتَ انطفأتَ؟ كنتُ أرجو أن أتمكّن مِن أن أقول لكَ فقط أمراً مفرحاً، وأقدّم لكَ دعوة: "إنّ زوجتي ستلد قريباً الابن الذي جعله برّكَ يُزهِر، معيداً السلام بين قلبين مضطربين. سوف يولد في عيد العنصرة. وأنا أودّ أن أقول لكَ أن تأتي لتباركه. فإن دخلتَ أنتَ تحت سقفي، ستكون كلّ مصيبة بعيدة عنه على الدوام.» يقول الفرّيسي يوحنّا.

 

«أمنحكَ بركتي منذ الآن…»

 

«آه! ألا تريد أن تأتي إلى منزلي! ألا تعتقد بأنّني مُخلِص! إنّني كذلك يا معلّم! الله يراني!»

 

«أعلم ذلك. إنّ الأمر هو… أنّني لن أكون بعد بينكم في عيد العنصرة.»

 

«لكنّ الطفل سيولد في المنزل الريفيّ…»

 

«أعلم ذلك، لكنّني لن أكون موجوداً. ومع ذلك أنتَ، زوجتكَ، الابن الذي سيولد والأبناء الّذين لديكَ، لكم بركتي. شكراً على مجيئكما. الآن امضيا. قُدهما عبر المسلك الذي إلى ما بعد منزل سمعان. حاذر ألّا يُريا. أنا أعود إلى المنزل. السلام لكما.»