ج7 - ف206

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الثاني

 

206- (الكاهن ناتان العجوز)

 

08 / 10 / 1946

 

لدى دخوله، يقوم بطرس بحركة معبّرة عن الإنهاك، كالّتي قام بها بعد عبور مخاضة بيت عَبرة: يستسلم للتهاوي على أوّل مقعد يجده، ويمسك رأسه بيديه. الآخرون ليسوا منهكين لهذه الدرجة، بل هم متغيّرون، شاحبون، أحسبهم جميعاً تائهين، البعض أكثر مِن البعض الآخر. ابنا حلفى، يعقوب بن زَبْدي وأندراوس لا يردّون على تحيّة يوسف الذي مِن سيفوريس وزوجته القادمة مع خادمة عجوز، وخبز ساخن وأطعمة مختلفة.

 

آثار دموع تحت عينيّ مارغزيام. يهرع إسحاق إلى قرب يسوع ويمسك بيده، يلاطفها وهو يهمس: «دائماً كما في ليلة المذبحة... والإنقاذ مرّة أخرى. آه! يا ربّ، حتّى متى؟ إلى متى ستتمكّن مِن إنقاذ نفسكَ؟»

 

هذه الصرخة جعلت الأفواه تُفتَح، والجميع، في البلبلة، يتكلّمون، يَروون إساءات المعاملة، التهديدات، والمخاوف التي اعترضتهم... طَرْق على الباب مِن جديد.

 

«آه! هل تبعونا؟ كنتُ قد قلتُ بأن يأتوا جماعات صغيرة!...» يقول الإسخريوطيّ.

 

«كان هذا ليكون الأفضل، نعم. فهم على الدوام في أعقابنا. إنّما بعد الآن...» يقول برتلماوس.

 

يوسف، رغم تردّده، يذهب شخصيّاً ليرى عبر كوّة الباب، بينما تقول زوجته: «مِن الشرفة، يمكنكَ النزول إلى الإسطبلات، ومنها إلى الحديقة الخلفيّة. سوف أُريكَ...» ولكن بينما هي تبتعد، يهتف زوجها: «الشيخ يوسف! يا للشرف!» ويفتح الباب ليدع يوسف الذي مِن الرّامة يدخل.

 

«السلام لكَ يا معلّم. كنتُ هناك ورأيتُ... لقد قابلني مَنَاين وأنا خارج مِن الهيكل مع انقباض بالقلب مميت، وعدم قدرة على التدخّل، عدم التمكّن مِن فِعل ذلك لأكون مفيداً أكثر و... آه! أنتَ هنا، أنتَ كذلك يا يهوذا الإسخريوطيّ؟ كان بإمكانكَ التصرّف، أنتَ يا مَن لكَ أصدقاء كُثُر! ألم تشعر بوجوب ذلك، وأنتَ رسوله؟»

 

«إنّكَ تلميذ...»

 

«لا. لو كنتُ كذلك لكنتُ تبعتُه كما هم الآخرون. أنا واحد مِن أصدقائه.»

 

«الأمر ذاته.»

 

«لا. لعازر كذلك صديق له، ولكنّكَ لا تودّ القول بأنّه تلميذ...»

 

«في النَّفْس، نعم.»

 

«كلّ الذين لا ينتمون إلى الشيطان هم تلاميذ كلمته، لأنّهم يحسّونها كلمة حكمة.»

 

الـمُشادّة بين يوسف ويهوذا الإسخريوطيّ تنتهي حيث يوسف الذي مِن سيفوريس، والذي فقط الآن يدرك أنّ هناك سوءاً، يَسأَل الواحد أو الآخر باهتمام وبحركات تنبئ عن ألم. «يجب قول ذلك ليوسف بن حلفى! يجب قول ذلك. وسأهتمّ أنا بالأمر... ماذا تريد منّي يا يوسف؟» يَسأَل ملتفتاً إلى الشيخ الذي يلمسه على كتفه كما ليسأله.

 

«لا شيء. كنتُ أريد فقط إسعاد نفسي بإشراق طلعتكَ. ها هو إسرائيليّ لا غشّ فيه، مخلص وبارّ في كلّ شيء. هه! أنا أعرف ذلك. يمكن القول بأنّ الله اختبره وعرفه...»

 

طَرْق آخر على الباب. الاثنان اللذان يحملان اسم يوسف يتوجّهان معاً صوب الباب لفتحه، وأرى يوسف الذي مِن الرّامة ينحني ليهمس شيئاً ما في أُذن الآخر، الّذي بدرت منه حركة دهشة ويلتفت لبرهة كي ينظر إلى الرسل. ثمّ يفتح الباب.

 

يدخل نيقوديموس ومَنَاين، يتبعهما كلّ الرعاة التلاميذ المتواجدين في أورشليم، أي يوناثان وأولئك الّذين كانوا تلاميذ المعمدان. ثمّ معهم، كان الكاهن يوحنّا مع آخر عجوز جدّاً، ونيقولاوس. وفي الخلف، نيقي مع الفتاة الّتي عهد بها إليها يسوع، وأناليا مع أُمّها. يرفعن الحجاب الذي كان يخفي وجوههنّ، وتَظهَر الوجوه المضطربة.

 

«يا معلّم! إنّما ما الّذي يحدث لكَ؟ لقد علمتُ... بداية مِن الناس قبل معرفتي مِن مَنَاين... فالمدينة تعجّ بهذه الإشاعة مثل خليّة نحل تعجّ بالطنين، والّذين يحبّونكَ يجرون للبحث عنكَ حيث يتوقّعون وجودكَ. بالتأكيد، يا يوسف، قد ذهبوا إلى بيتكَ... أنا نفسي كنتُ ماضيةً إلى بيوت لعازر... هذا كثير! كيف أنقذتَ نفسكَ؟»

 

«العناية الإلهيّة سهرت عليّ. فلا يبكين التلميذات، بل ليباركن الأزليّ ويقوّين قلوبهن. ولكم جميعاً النِّعم والبركات. المحبّة والبرّ لم يموتا بشكل نهائيّ في إسرائيل، وهذا يعزّيني.»

 

«نعم. إنّما لا تذهب بعد الآن إلى الهيكل يا معلّم. لا تذهب إلى هناك، لا تذهب إلى هناك، لفترة طويلة!» جميع الأصوات متّفقة على قول ذلك، والـ "لا تذهب إلى هناك" القلقة تترجّع بين الجدران الصلبة للبيت العتيق مثل صوت تنبيه مُتوسِّل.

 

مارسيال الصغير، المختبئ لستُ أعلم أين، يسمع بهذه الإشاعة، وبفضول، يهرع ممرّراً وجهه الصغير عبر فتحة الستار، وإذ يرى مريم، يمضي ملتجئاً بين ذراعيها خوفاً مِن مَلامات يوسف سيفوريس. ولكنّ يوسف، القلق جدّاً والمنشغل بالاستماع إلى هذا وذاك، وإعطاء النصائح والموافقات، وهكذا، لا يتنبّه إليه، ويراه فقط عندما الصبي، الذي تقول له مريم العجوز شيئاً ما، يهرع صوب يسوع ويعانقه، ملقياً ذراعيه حول عنقه. يحيط به يسوع بذراع ليسحبه إليه، فيما يجيب على أسئلة كثيرين يقولون له ما يُفضَّل عمله.

 

«لا. لا أتحرّك مِن هنا. عند لعازر الّذي كان ينتظرني، إذهبوا أنتم لتقولوا له إنّني لا أستطيع. أنا، الجليليّ وصديق العائلة منذ سنوات، سأمكث هنا إلى غروب الغد... بعد ذلك سأرى أين أذهب...»

 

«أنتَ تقول ذلك على الدوام ومِن ثمّ تتراجع. ولكنّنا لن ندعكَ تذهب. أنا على الأقلّ. لقد ظننتُ حقّاً أنّكَ قد هلكتَ...» يقول بطرس ودمعتان تَعلَقان على طرف عينيه الجاحظتين.

 

«لم يُرَ مثل هذا أبداً. وهذا يكفي. وذلك ما جعلني أتّخذ قراري. إذا لم ترفضني... فأنا قد أصبحت عجوزاً جدّاً مِن أجل المذبح، أمّا مِن أجل الموت كرمى لكَ فأنا صلب للغاية، وسأموت، إذا ما لزم الأمر، ما بين الردهة والمذبح، مثل زكريّا الحكيم، أو بالحريّ مثل أونياس، الـمُدافِع عن الهيكل والكنز، أموت خارج السور المقدّس الّذي كرّستُ له حياتي. إنّما أنتَ سوف تفتح لي مكاناً أكثر قداسة! آه! لا يمكنني رؤية الكراهية! لماذا كان على عينيّ العجوزتين أن تريا كلّ هذا؟ الكراهية الّتي رآها النبيّ أضحت الآن داخل الأسوار، وتتنامى، تتنامى مثل تيّار ماء طوفان يكاد يغمر مدينة! تتنامى، تتنامى. تجتاح الباحات والأروقة، تتجاوز الدرجات، وتتقدّم باطّراد! تتنامى! تتنامى! أضحت تنال مِن القدّيس! الأمواج الموحلة تلعق الحجارة الّتي ترصف المكان المقدّس! الألوان الثمينة تتلاشى! رِجْل الكاهن تلطّخت! الجلباب تبلّل بها! الأفود تشرّبها! لقد غَشَت حجارة الراسيونال (قطعة مربّعة يلبسها عظيم الكهنة على صدره مرصّعة باثني عشر حجراً ثميناً) ولم يعد بالإمكان قراءة العبارات! آه! آه! أمواج الكراهية تصعد إلى وجه عظيم الكهنة وتلطّخه، وقدسيّة الربّ تحت قبّة الوحل، والتاج أصبح مثل بَياض وقع في مستنقع موحل. الوحل! الوحل! هل يصعد مِن الخارج، أم يفيض مِن قمّة موريا على المدينة وعلى إسرائيل كلّها؟ يا أبانا إبراهيم! يا أبانا إبراهيم! ألم تكن تريد أن تضرم هنا نار الذبيحة لكي تتألّق محرقة قلبكَ الوفيّ؟ الآن الوحل يجيش حيث كان يجب أن تكون النار! إسحاق في وسطنا، والشعب يضحّي به. ولكنّ الضحيّة طاهرة جدّاً... الضحيّة طاهرة جدّاً... وملوّثون هم الّذين يقدّمون الذبيحة. اللعنة علينا! على الجبل سيرى الربّ كراهية شعبه!... آه!» والعجوز، الّذي مع الكاهن يوحنّا، يخرّ على الأرض مغطّياً وجهه، مُسمِعاً بكاء عجوز حزين.

 

«كنتُ أريد جلبه لكَ... منذ زمن وهو يريد ذلك... أمّا اليوم، وبعد أن رأى ما رأى، لم يكن مِن أحد يستطيع احتجازه... لناتان العجوز في الغالب روح نبوءة، وإذا كان نظره يُغشّى عليه أكثر فأكثر، فبصر روحه يشعّ أكثر فأكثر. إقبل صديقي يا ربّ.» يقول الكاهن يوحنّا.

 

«أنا لا أُبعِد أحداً. إنهض أيّها الكاهن، وارفع روحكَ. فلا وحل في العلاء. والوحل لا يطال مَن يعرف أن يبقى في العلاء.»

 

ينهض العجوز، وبكلّ احترام، قبل أن يقف، يمسك بطرف ثوب يسوع ويُقبّله.

 

النساء، وبخاصّة أناليا، ما زلن يبكين مِن التأثّر تحت أوشحتهنّ الطويلة، وكلمات العجوز تُفاقِم دموعهنّ. يناديهنّ يسوع، وبرأس منحنٍ، يُقبلن مِن ركنهنّ إلى جانب المعلّم. وإذا كانت نيقي وأُمّ أناليا يعرفان خنق دموعهما بإخفائها تقريباً، فالتلميذة الشابّة تبكي بحقّ، دون الاهتمام بِـمَن يراقبها بمشاعر مختلفة.

 

«اغفر لها يا معلّم. هي مدينة لكَ بحياتها وتحبّكَ. لا يمكنها التفكير بأنّهم يسيئون إليكَ. وثمّ لقد بقيت كثيراً... وحيدة وكثيراً... حزينة منذ أن...» تقول الأُمّ.

 

«آه! لا! ليس هذا! لا، ليس هذا! يا ربّ! يا معلّم! يا مخلّصي! أنا... أنا...» لا تتمكّن أناليا مِن الكلام، مِن جهة بسبب البكاء، ومِن أخرى بسبب الخجل أو شيء آخر.

 

«لقد خشيت مِن القصاص بسبب كونها تلميذة. بالتأكيد مِن أجل هذا. كثيرون يخشون ذلك...» يقول الإسخريوطيّ.

 

«آه! لا! هذا أقلّ أهمّيّة بعد! أنتَ لا تفقه شيئاً، إنّكَ أيّها الرجل، أو تجيّر أفكارك للآخرين. بينما أنتَ يا ربّ، تعرف ما الذي يبكيني. أخاف مِن أن تموت ولا تتذكّر وعدكَ1...» وتُنهي بأن تشهق، بعد أن قالت كلماتها الأولى بجهد، ثائرة ضدّ تلميحات يهوذا.

 

يجيبها يسوع: «أنا لا أنسى أبداً، لا تخافي. اذهبي إلى منزلكِ. هادئة. لتنتظري ساعة انتصاري وسلامكِ. اذهبي. توشك الشمس على المغيب. ارجعن أيّتها النساء، وليكن السلام معكنّ.»

 

«يا ربّ، لا أريد أن أترككَ...» تقول نيقي.

 

«الطاعة محبّة هي.»

 

«هذا صحيح، يا معلّم. ولكن لماذا لا أكون أنا مثل إليز؟»

 

«لأنّكِ تفيدينني هنا كما هي في نوبة. اذهبي يا نيقي، اذهبي! وليرافق النساء بعض الرجال كي لا يزعجهنّ أحد.»

 

يستعدّ مَنَاين ويوناثان للطاعة، ولكنّ يسوع يُوقِف يوناثان ليسأله: «ستعود إذاً إلى الجليل؟»

 

«نعم يا معلّم. في اليوم التالي للسبت. المعلّم يرسلني إلى هناك.»

 

«هل لديكَ متّسع في العربة؟»

 

«أنا وحدي يا معلّم.»

 

«إذاً خذ معكَ مارغزيام وإسحاق. وأنتَ يا إسحاق، تعرف ما عليكَ فِعله. وأنتَ أيضاً يا مارغزيام...»

 

«نعم يا معلّم.» يجيب الإثنان، إسحاق بابتسامته اللطيفة، ومارغزيام بشفتيه المرتجفتين والبكاء في صوته.

 

يلاطفه يسوع، ومارغزيام، ناسياً كلّ تحفّظ، يستسلم على صدر يسوع قائلاً: «أترككَ... الآن والجميع يضطهدونكَ!... آه! يا معلّمي! لن أراكَ أبداً بعد!... أنتَ كنتَ كلّ الخير بالنسبة إليّ. لقد وجدتُ كلّ شيء فيكَ!... لماذا تصرفني؟ دعني أموت معكَ! ماذا تريد أن تعني لي الحياة بعد، إذا لم أكن أحظى بكَ، أنتَ؟»

 

«أقول لكَ ما قلتُه لنيقي: الطاعة محبّة هي.»

 

«سأمضي! باركني يا يسوع!»

 

يمضي يوناثان مع مَنَاين، نيقي والنساء الثلاث. والتلاميذ الآخرون يمضون جماعات صغيرة.

 

فقط عندما تكاد الغرفة التي كانت ممتلئة تفرغ، يمكن ملاحظة عدم وجود يهوذا الإسخريوطيّ. يُدهَش كثيرون، لأنه كان هنا منذ قليل، ولم يتلقَّ أيّ أمر.

 

«قد يكون مضى لشراء بعض الحاجيات لنا.» يقول يسوع ليحول دون أيّ تعليق، ويتابع الحديث مع يوسف الذي مِن الرّامة ونيقوديموس، الوحيدان الباقيان إضافة إلى الرُّسُل الأحد عشر ومارغزيام، الماكث إلى جانب يسوع برغبة أن يستمتع بذلك خلال هذه الساعات الأخيرة. وهكذا يكون يسوع بين الشاب مارغزيام والصبيّ مارسيال، الأسمرين، النحيلين، المتشابهين في الطفولة التعيسة، والمتشابهين في استقبالهما باسم يسوع مِن قبل إسرائيليَّين صالحَين.

 

يوسف سيفوريس وزوجته احتجبا بكلّ حذر كي يتركا للمعلّم حرّيّته.

 

يَسأَل نيقوديموس: «ولكن مَن يكون هذا الصبيّ؟»

 

«إنّه مارسيال. صبيّ تبنّاه يوسف.»

 

«لم أكن أعرف ذلك.»

 

«لا أحد، أو بالحريّ لا يكاد أحد يعرف ذلك.»

 

«مُتواضع جدّاً هذا الرجل. رجل آخر كان سيسلّط الأضواء على عمله هذا.» يلاحظ يوسف.

 

«أتظنّ ذلك؟... إذهب يا مارسيال، إجعل مارغزيام يتعرّف على البيت...» يقول يسوع. وعندما يذهب الإثنان، يعاود الحديث: «أنتَ مخطئ، يا يوسف. كم هو صعب الحكم بالعدل!»

 

«ولكن يا ربّ! تقبّل يتيم، ذلك أنّه بالتأكيد يتيم، وعدم التفاخر، هو بالتأكيد مِن قبيل التواضع.»

 

«إنّ الصبيّ، كما يشير اسمه، ليس إسرائيليّاً...»

 

«آه! الآن فهمتُ! يُحسِن عملاً إذاً بإبقائه محجوباً.»

 

«ولكنّه قد خُتِنَ...»

 

«لا يهمّ. أنتَ تعلم... يوحنّا الذي مِن عين دور كان كذلك... ولكنّه كان لكَ مصدر شجب. إنّ يوسف، بالإضافة لكون جليليّاً، كان سيتعرّض... للمتاعب، رغم الختان. هناك أيتام كثيرون كذلك في إسرائيل... بالتأكيد مع هذا الاسم... وهذا المظهر...»

 

«كَم أنتم جميعكم "إسرائيل" حتّى الأفضل منكم! كم إنّكم كذلك، عند فعلكم للخير، لا تدركون ولا تعرفون أن تكونوا كاملين! ألا تدركون بعد أنّ أب السموات واحد هو، وكلّ خليقة هي ابنته؟ ألا تدركون بعد أنّ الإنسان لا يمكنه الحصول سوى على ثواب واحد أو عقاب واحد، ويكون بالحقيقة ثواباً أو عقاباً؟ لماذا تجعلون مِن أنفسكم عبيد خوف الناس؟ إنّما ذلك هو ثمرة تحريف الشريعة الإلهيّة، المعمول عليها كثيراً، المحمّلة كثيراً بالأنظمة البشريّة، لدرجة جعل مغلقاً ومظلماً، كذلك فكر البارّ الـمُمارِس لها. وهل في الشريعة الموسويّة، وبالتالي الإلهيّة، في تلك ما قبل الموسويّة، والوجدانيّة فقط، أو الآتية بإلهام سماويّ، هل قيل يا ترى أنّ مَن لا ينتمي إلى إسرائيل لم يكن بإمكانه الدخول فيها ليصبح جزءاً منها؟ ألا يُقرأ في سفر التكوين: "خلال ثمانية أيّام كلّ طفل ذكر يُختَن، سواء وَليد البيت، والمبتاع بفضّة مِن كلّ ابن غريب ليس مِن نسلك؟" (تك 17/10-12) هذا كان قد كُتِب. كلّ ما أُضيف جاء منكم. قلتُ ذلك ليوسف، وأقوله لكم. قريباً لا يعود للختان القديم كبير أهمّيّة. إنّ آخر جديد، وهو الأصحّ، وعلى جزء أكثر نُبلاً سيحل محلّه. ولكن طالما الأوّل يدوم، وأنتم، وفاءً منكم للربّ، تمارسونه على ذَكَر مولود منكم، أو تبنّيتموه، فلا تخجلوا مِن القيام بذلك على جسد مِن نسل آخر. الجسد للقبر هو، أمّا النَّفْس فهي لله. يُختَن الجسد لعدم إمكانية ختان ما هو روحيّ. ولكن على الروح تتألّق العلامة المقدّسة. والروح ينتمي لأب كلّ البشر. تأمّلوا في ذلك.»

 

صَمْت، بعد ذلك ينهض يوسف الذي مِن الرّامة ويقول: «أنا ذاهب معلّم. تعال غداً إلى منزلي.»

 

«لا. مِن الأفضل ألاّ آتي.»

 

«إذاً إلى منزلي، الكائن على طريق بستان الزيتون إلى بيت عنيا. هناك سلام، و...»

 

«ولا هذا. سأذهب على بستان الزيتون، لأصلّي... روحي يبحث عن الخلوة. إعذراني مِن فضلكما.»

 

«كما تشاء يا معلّم. و... لا تذهب إلى الهيكل. السلام لكَ.»

 

«السلام لكما.»

 

ويمضي الاثنان…

 

«أنا أودّ معرفة أين ذهب يهوذا!» يهتف يعقوب بن زَبْدي.

 

«أقول إلى الفقراء، ولكنّ كيس المال هنا!»

 

«لا تشغل بالكَ بذلك... سوف يأتي...»

 

مريم الّتي ليوسف تعود حاملة مصباحين، لأنّ النور لم يعد يخترق صفيحة الميكا السميكة الّتي هي بمثابة الـمَنوَر في الغرفة، ويعود الصبيّان.

 

«أنا مسرور بتركي إيّاكَ مع مَن تقريباً يحمل اسمي. وهكذا عندما ستناديه، سوف تفكّر بي.» يقول مارغزيام.

 

يسحبه يسوع إليه.

 

ويعود بدوره يهوذا الّذي تفتح له الخادمة. وقحاً، مبتسماً، ثابت العزم!

 

«يا معلّم، أردتُ أن أرى... لقد سكنت العاصفة. ورافقتُ النساء... كم هي خوّافة تلك الفتاة الشابّة! لم أقل لكَ شيئاً لأنّكَ كنتَ ستمنعني، وأنا، كنتُ أريد أن أرى إذا ما كان مِن خطر عليكَ. ولكن لم يعد أحد يفكّر بذلك. السبت يخلي الطرقات.»

 

«حسناً. الآن نمكث بسلام هنا، وفي الغد...»

 

«أنتَ لا تريد الذهاب إلى الهيكل!» يصيح الرُّسُل.

 

«لا. إلى معبدنا، كجليليّين أوفياء.»

---------- 

1- راجع (ج3 - ف16) [...فأودُّ لو تَنـَزِع منّي الحياة التي وهبتنيها قبل أن تنتهي سنة نذري].