ج4 - ف103

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الأول

 

103- (في بيت صيدا. مارغزيام يُعلِّم مريم المجدليّة "أبانا".)

 

01 / 08 / 1945

 

عاد الطقس الجميل إلى منطقة بحر الجليل. وحتّى إنّ كلّ شيء أجمل الآن ممّا كان عليه قبل العاصفة، إذ إنّ كلّ شيء قد تَخَلَّصَ مِن الغُبار. فشفافيّة الجوّ كاملة، وعندما تَنظُر العين إلى قبّة السماء، يتوَلَّد لديها انطباع بأنّها سَمَت وأَصبَحَت أكثر خفّة... إنّها وِشاح شبه شفّاف، يمتدّ ويُنشَر بين الأرض وروائع الجنّة. والبحيرة تَعكس هذا الأُفق الكامل، وتضحك ساكنة بمياهها الزرقاء الفيروزيّة.

 

إنّه بزوغ الفجر. يسوع، ومعه مريم ومرتا ومريم المجدليّة، يَصعَد إلى مَركَب بطرس. ومعه، علاوة على بطرس، أندراوس، وكذلك الغيور وفليبّس وبرتلماوس. أمّا متّى وتوما وابنا عمّ يسوع والاسخريوطيّ، فَهُم في مَركَب يعقوب ويوحنّا. يتوجّهون صوب بيت صيدا، في رحلة قصيرة، الرياح فيه مؤاتية، تتحمّل بضعة دقائق.

 

عندما يُوشِكون على الوصول، يقول يسوع لبرتلماوس، ولرفيقه الذي لا يفارقه فليبّس: «سوف تَمضِيان لِتُخطِرا زوجتيكما. سآتي اليوم لزيارتكما.» ويَنظُر إلى الإثنين نَظرة مُعبِّرة.

 

«ما أَمَرتَ به يكون يا معلّم. أفلا تَهِبني وفليبّس أن نحظى بكَ؟»

 

«لن نمكث هنا سوى حتّى الغروب. لا أريد حرمان سمعان بطرس فَرَح أن يكون مع مارغزيام.»

 

يَبلغ الـمَركَب الشاطئ، ويتوقّف. يَنـزلون مِن الـمَركَب. يَنسَحِب فليبّس مع برتلماوس لِيَمضيا إلى البلدة.

 

«أين يمضي هذان الإثنان؟» يَسأَل بطرس المعلّم الذي نَزَل أوّلاً وهو إلى جانبه.

 

«يَمضِيان لإخطار زوجتيهما.»

 

«إذن، هل أمضي أنا كذلك لإخطار بورفيرا؟»

 

«لا داعي لذلك. فإنّ بورفيرا طيّبة لدرجة لا تحتاج معها للتهيئة. فَقَلبها لا يَعرف أن يَمنَح إلّا اللُّطف والعُذوبة.»

 

يُشرِق وجه بطرس عندما يَسمَع مديح زوجته، ولا يضيف شيئاً. وفي هذه الأثناء تَنـزل النساء مِن الـمَركَب بواسطة طاولة استُخدمت كرصيف مرفأ، ويتوجّهون إلى بيت سمعان.

 

أوّل مَن يراهم هو مارغزيام الخارج لِيَرعى النِّعاج على مشارف منحدرات بيت صيدا، وبِهتاف فَرَح، يُبَشِّر بقدومهم، راكضاً ليرمي بنفسه على صدر يسوع الذي ينحني ليعانقه. ثمّ يذهب إلى بطرس. تَهرَع بورفيرا، يُغطّي الطحين يديها، وتنحني للتحيّة.

 

«السلام لكِ يا بورفيرا. لم تكوني تنتظريننا باكراً هكذا، أليس كذلك؟ ولكنّني أردتُ جَلبَ أُمّي إليكِ مع تلميذتين، إضافة إلى بَرَكَتي. وقد كانت أُمّي راغبة برؤية الصبيّ مرّة ثانية... ها هو ذا بين ذراعيها. أَمّا التلميذتان فقد كانتا ترغبان بالتعرّف إليكِ... إنّها زوجة سمعان. تلميذة صالحة وصامتة. فاعِلة مِن خلال طاعتها أكثر مِن آخرين كثيرين. التِّلميذتان هُما مرتا ومريم مِن بيت عنيا، وهُما أُختان. أحبِبن بعضكنّ كثيراً.»

 

«كلّ الذين تأتي بهم إليَّ هُم أغلى عليَّ مِن دمي، يا معلّم. تعال. فالبيت يُصبِح أبهى كلّما وَطَأَته قدماكَ.»

 

تَدنو مريم مبتسمة، وتُعانِق بورفيرا قائلة لها: «أرى فيكِ الأُمّ الـمُفعَمَة حيويّة حقّاً. فمظهر الصبيّ أفضل الآن، وهو سعيد. شكراً.»

 

«آه! أيّتها المرأة المبارَكَة أكثر مِن الجميع! أَعلَم أنّني، بفضلكِ، نَعِمتُ بفرح سماع مَن يناديني: ماما. واعلَمي أنّني لن أجعلكِ تتألّمين بكوني غير ذلك، باذِلة أقصى ما لديَّ. ادخُلي، ادخُلي مع الأُختين...»

 

يَنظُر مارغزيام إلى مريم المجدليّة بفضول. ويَعمَل في رأسه التفكير. أخيراً يقول: «ومع ذلك... لَم تكوني في بيت عنيا...»

 

«لم أكن، أمّا الآن فسأكون على الدوام.» تقول مريم المجدليّة وهي تَحمَرّ وتهشّ بابتسامة. وتُداعِب الصبيّ قائلة له: «حتّى ولو لم نعرف بعضنا إلّا الآن، فهل ستُحِبّني كثيراً؟»

 

«نعم، لأنّكِ طيّبة. لقد بكيتِ، أليس كذلك؟ ولأجل ذلك أنتِ طيّبة. واسمكِ مريم، أليس كذلك؟ وأُمّي أيضاً كان هذا اسمها، وقد كانت طيّبة وصالحة. كلّ النساء اللواتي يحملن اسم مريم طيّبات وصالحات. بيد أنّ...» ويَختم الحديث حتّى لا يَجرَح بورفيرا ومرتا «بيد أنّ هناك نساء صالحات بين اللواتي يَحمِلن اسماً آخر. ماذا كان اسم أُمّكِ؟»

 

«أوكيريا... ولقد كانت طيّبة وصالحة للغاية.» وتَنهَمِر دمعتان كبيرتان مِن عينيّ مريم المجدليّة.

 

«أتبكين لأنّها ماتت؟» يَسأَل الصبيّ وهو يُداعِب يديها الجميلتين جدّاً، المضمومتين على ثوبها الداكن الذي هو، بالتأكيد، أحد أثواب مرتا الموضوعة تحت تصرّفها، ذلك أنّ كَفَّة الثوب قد أُفلِتَت. ويُضيف: «إنّما عليكِ ألّا تبكي. نحن لسنا وحدنا، هل تَعلَمين؟ أُمّهاتنا قريبات مِنّا على الدوام. فإنّ يسوع هو الذي قال ذلك. إنّهنّ كالملاك الحارس. وهذا كذلك قاله يسوع. وإذا كُنّا صالحين يأتين إلينا حينما نموت ونَصعَد إلى حضرة الله بين ذراعي الأُمّ. ولكنّ هذا صحيح، أَتَعلَمين؟ هو الذي قال ذلك.»

 

تُعانِق مريم المجدليّة الـمُؤاسي الصغير بِشدَّة وتُقبِّله قائلة: «صَلِّ إذن لِأُصبح أنا طيّبة وصالحة هكذا.»

 

«ولكن ألستِ كذلك؟ فلا يَمضي مع يسوع غير الصالحين... وإذا لم نكن كذلك بشكل كامل، فإنّنا نُصبِح كذلك لنكون تلاميذ يسوع، إذ لا يمكننا أن نُعلِّم ما لا نَعرِف. فلا يمكننا قول "اغفِر" إذا لَم نَغفِر نحن أوّلاً. ولا يمكننا القول "أحبِب قريبكَ" إذا لَم نحبّه نحن أوّلاً. هل تعرفين صلاة يسوع؟»

 

«لا.»

 

«آه! صحيح! إنّكِ حديثة العهد معه. إنّها صلاة جميلة للغاية، هل تَعلَمين؟ وهي تروي كلّ هذه الأشياء. اسمعي كَم هي جميلة.» ويَتلو مارغزيام «أبانا الذي في السماوات» بإحساس وإيمان.

 

«كم تُجيدَها!» تقول مريم المجدليّة، وقد أَخَذَتها الدهشة.

 

«أُمّي هي التي عَلَّمَتني إيّاها في الليل، وأُمّ يسوع في النهار. ولكن، إذا أردتِ فسأُعلِّمكِ إيّاها. هل تودّين المجيء معي؟ النِّعاج تَثغو، إنّها جائعة. أريد أخذَها إلى المرعى. تعالي معي. سوف أُعلِّمكِ أن تصلّي وتُصبِحي صالحة على أكمل وجه.» ويَأخُذها مِن يدها.

 

«ولكن لستُ أَعلَم إذا ما كان المعلّم يريد...»

 

«اذهبي يا مريم، اذهبي. فإنّ لكِ صديقاً بريئاً، وحِملاناً... هيّا. بكلّ صفاء...»

 

تَخرُج مريم المجدليّة مع الصبيّ، ونَراها تَبتَعِد، تَسبقها النِّعاج الثلاث. يَنظُر يسوع... والآخرون يَنظُرون كذلك.

 

«يا لأختي المسكينة!» تقول مرتا.

 

«لا تتحسّري عليها. إنّها زَهرَة تَنتَصِب بعد الإعصار. هل تسمعين؟... إنّها تضحكَ... فالبراءة تُشدِّد العزم على الدوام.