ج2 - ف61
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الثاني
61- (يسوع يُلقي مَوعِظة بشأن شفاء غانية كورازين في السبت)
03 / 02 / 1945
يسوع في بيت صيدا. يتكلّم واقفاً في المركب التي جاء بها، والتي تبدو وكأنّها جَنَحَت إلى الشاطئ، وهي مربوطة إلى وتد في رصيف صغير بدائيّ. أناس كثيرون يجلسون على شكل نصف دائرة على الرمل للاستماع إليه. يسوع بدأ حديثه للتوّ.
«... وأرى هنا أناساً يحبّونني كثيراً، أنتم يا مَن أتيتم مِن كفرناحوم، يا مَن تَبِعتموني، تارِكين جانباً التجارة وسَكينة البيت، لسماع الكلمة التي أستخدمها في تثقيفكم. وأَعلَم أيضاً أن تصرّفكم هذا يجلب لكم الهزء والسخرية أكثر مِن الخسائر التي تؤثّر سلباً على دخلكم، وقد يسبّب لكم أذى اجتماعيّاً. ما أَعلَم جيّداً أنّ سمعان وأوريّا وإيليا ويواكيم هُم ضدّي. اليوم ضدّي وغداً أعدائي. أقول لكم هذا، فأنا لا أَخدَع أحداً، ولا أبغي أن أَخدَعكم أنتم، أصدقائي الأوفياء. أقول لكم إنّهم، كي يُسيئوا إليَّ ويجعلوني أعاني وينتصروا عليَّ، هُم، أصحاب النفوذ في كفرناحوم، سوف يستخدمون كافّة الوسائل... الغمز واللمز، كما التهديدات والسخريات والافتراءات. فالعدو المشترك سوف يَستَخدِم كلّ شيء لينتزع النفوس مِن المسيح ويجعل منها فريسة له. أقولها لكم: مَن يُثابِر يَخلص؛ إلّا أنّني أقول أيضاً: مَن أَحَبَّ الحياة والرَّفاه أكثر مِن المجد الأبديّ، فله مُطلَق الحريّة في أن يذهب وأن يتركني ويهتمّ بحياته القصيرة وبرفاه عابر. فأنا لا أَستَبقي أحداً رغماً عنه.
الإنسان كائن حرّ. وأنا، إن أتيتُ، فَلِكَي أحرّره أكثر فأكثر مِن الخطيئة، فيما يخصّ الروح، ومِن سَلاسِل ديانة منحرفة ومتعسّفة تخنقه تحت سيل مِن التفاصيل والكلام والتعليمات والأحكام، بينما كلمة الله صريحة ومختصرة وواضحة وسهلة ومقدّسة وكاملة. مجيئي يُغَربل الضمائر، فأجمع حبوبي على البيدر، وأدرُسها بمذهب التضحية، وأغربلها بغربال إرادتها الخاصّة. والحبّات الصغيرة الغريبة والزؤان والبيقية والدخن (نبات كالذرة) تتطاير خفيفة وغير نافعة، وتتساقط ثقيلة وضارّة وتكون غذاء للطيور. ولن يَدخُل في أهرائي سوى الحبوب الـمُنتقاة والطاهرة والـمُقاوِمة والممتازة. الحبوب: القدّيسون.
تحدٍّ قديم العهد حَصَلَ بين الله الأزليّ والشيطان. فالشيطان، وقد مَلَأَه الكبرياء بانتصاره الأوّل على الإنسان، قال لله: "سوف تكون مخلوقاتكَ لي على الدوام. فلا شيء، لا العقاب ولا حتّى الشريعة التي تريد إعطاءها لهم، يمكنه أن يعيدهم أهلاً لكسب السماء. وهذا المقام، مقامكَ الذي طَرَدتَني منه، الذي طَرَدتَ منه النَّبيه الوحيد بين مخلوقاتكَ، سوف يظلّ لكَ خاوياً، عديم النفع وحزيناً مثل كلّ ما هو عديم النَّفع". وقد أجاب الله ذلك الملعون: سيكون هذا في مقدوركَ طالما سُمّكَ هو وحده الذي يسود الإنسان. أمّا وأنّني سأُرسِل كَلِمَتي، وكلامه سيُبطِل تأثير سُمّكَ ويُطهِّر القلوب ويشفيهم مِن الجنون الذي أثَرتَ غضبهم به، فسوف يرجعون إليَّ، مِثل الخرفان الضالّة التي وَجَدَت راعيها، ويعودون إلى حظيرتي، ويملأون السماء، فلقد صَنَعتُها لأجلهم. أمّا أنتَ، في غيظكَ العاجِز، فَسَتَصرف بأسنانكَ الفظيعة هنا، في مملكتكَ الرهيبة، مسجوناً وملعوناً، وسوف يَردم الملائكة عليكَ حَجَر الله؛ وحينما تُختَم الأبواب، ستكون حصّتكَ الظُّلُمات والبَغضاء وكذلك ستكون حصّة أتباعكَ. أمّا التَّسابيح المغبوطة والحريّة اللامتناهية والأبديّة والسَّنيّة فسوف تكون مِن نصيب الذين يخصّونني". وقد أَقسَمَ الشيطان بابتسامته السَّاخِرة: "أُقسِم بجحيمي أنّني سأعود عندما تأتي الساعة. وسوف أكون حاضراً في كلّ مكان إلى جانب الذين سيُبَشَّرون، وسنرى مَن مِنَّا نحن الإثنين سيكون الـمُنتَصِر".
نعم، إنّ الشيطان يَنصب لكم فخاخه ليغربلكم، وكذلك أنا أطوّقكم لأغربلكم. يوجد خَصمَان: أنا وهو. وأنتم بين الإثنين. إنّه نِزال الحبّ ضدّ الحقد، نِزال الحِكمة ضدّ الجهل، نِزال الصَّلاح ضدّ الشرّ عليكم وحولكم. ولكي تُصَدّ ضربات الشرّ التي يوجّهها إليكم، سيكون وجودي كافياً. سأضع نفسي بين الأسلحة الشيطانيّة وبينكم، وأرضى بأن أُجرَح بدلاً عنكم لأنّني أحبّكم. ولكنّ الضَّربات التي تصيبكم في الداخل، فأنتم مَن سوف تَصدّونها بإرادتكم، وذلك بإسراعكم إليَّ، وبسلوككم طريقي التي هي الحقّ والحياة. ومَن ليست لديه الرغبة القويّة بامتلاك السماء فلن يمتلكها. ومَن ليس أهلاً لأن يكون تلميذ المسيح فهو بِذار ضارّة تُولَد مِن جديد في مملكة الشيطان.
أَعلَم سبب مجيئكم يا أهالي كفرناحوم. وضميري نقيّ تماماً مِن الخطيئة المنسوبة إليَّ، وباسم هذه الخطيئة التي لا وجود لها يتمّ الهمس مِن الخلف، والتلميح إلى أنّ الاستماع إليَّ واتِّباعي إنّما هو تواطؤ مع الخاطئ. ضميري جدّاً نقيّ بحيث لا أخاف عمل حساب أهالي بيت صيدا. بينكم أناس مِن سكان بيت صيدا، ومنهم كهول، ولأسباب مختلفة، لم ينسوا غانية كورازين، أناس ارتَكَبوا الخطيئة معها، ونساء جَعَلَتهنّ يبكين حين لم أكن قد أتيتُ لأقول: "أحبّوا الذي يسيء إليكم". وبعد ذلك كانت الغبطة، حينما عَلِمن بأنّ النتانة الماضية لأحشائها الفاسدة قد أصابتها في جسدها البديع. وكانت ترمز إلى البرص الأكثر خطراً الذي كان قد نَخَرَ نفسها الزانية والقاتلة والـمُمتَهَنة. فلقد كانت زانية سبعين مرة سبع مرات مع كلّ مَن كان يُسمّى "رجلاً" ويملك النقود؛ وكانت قاتلة سبعين مرة سبع مرّات بولاداتها سفاحاً؛ وكانت مُمتَهِنة البغاء لمجرّد الرذيلة وليس بسبب الحاجة.
آه! أفهمكنّ أيّتها النساء اللواتي تمَّت خيانتهنّ! أُدرِك غبطتكنّ عندما قيل لكنّ: "جَسَد الغانية أكثر نتانة وأكثر تعفّناً مِن جيفة راقِدة في حفرة في شارع كبير، فريسة للغربان والديدان". لكنّني أقول لكنّ: تَعَلَّمنَ المسامحة. فالله قد نَفَّذَ انتقامكنّ، ومِن ثمّ فالله قد غَفَرَ وعَفا. اغفرن أنتنّ أيضاً. لقد غَفَرتُ لها باسمكنّ، لأنّني أَعلَم أنّكنّ صالحات، يا نساء بيت صيدا، اللواتي تحيّينني بالهتاف: "مبارك هو حَمَل الله! مبارك هو الآتي باسم الربّ!" فإذا كُنتُ حَمَلاً، وأنتنّ تعرفنني كذلك، وإذا أتيتُ فيما بينكنّ، أنا الحَمَل، فينبغي أن تُصبِحن جميعكنّ نِعاجاً ودّيعة، حتّى اللواتي قد جَعَلَهنّ الألم القديم، ألم نساء حَصَلَت خيانتهنّ، حيوانات مُفتَرِسة تُدافِع عن جحورها، ولن أتمكّن مِن الاستمرار فيما بينكن إذا كنتن نموراً وضباعاً وأنا الحَمَل.
إنَّ مَن أتى باسم الله الكلّيّ القداسة ليَجمَع المستقيمين والخَطَأَة، ليقودهم إلى السماء، قد ذَهَبَ إلى التَّائبة وقال لها: "فلتكوني مُطهَّرة، اذهبي وكَفِّري عن ذنوبكِ". ولقد فَعَلتُ هذا يوم السبت. لذلك يتّهمونني. وبشكل رسميّ. أمّا الاتّهام الثاني فهو أنّني قد دَنَوتُ منها، مع العِلم أنّها لم تَعُد سوى نفس تبكي خطيئتها.
فإذاً! أقول لكم: لقد فَعَلتُها وسأظلّ أفعلها. هلمّوا إليَّ بالكِتاب، أَمعِنوا النَّظر فيه، ادرسوه في كلّ عمقه، وأَوجِدوا لي، إن أمكَن، نَصّاً يَمنَع طبيباً مِن معالجة مريض، أو لاويّاً مِن العناية بالمذبح، أو كاهِناً مِن الاستماع إلى مؤمن، لمجرّد أنّه يوم سبت. وإذا ما وجدتم ذلك وأريتمونيه، فسوف أقول وأنا أَقرَع صدري: "ربّي لقد أخطأتُ أمامكَ وأمام الناس ولستُ أهلاً لغفرانكَ، ولكن إن أردتَ أن تكون رحيماً بخادمتكَ فسوف أظلّ أبارككَ حتّى النَّفَس الأخير مِن حياتي". وحيث إنّ هذه النَّفْس كانت مريضة، والمرضى يحتاجون إلى طبيب، كانت مذبحاً مُدَنَّساً، وهو في حاجة إلى لاويّ يطهّره. كانت نَفْس مؤمن ذَهَبَ يبكي في الهيكل الحقيقيّ للإله الحقيقيّ، وهو في حاجة إلى كاهِن يُدخِله إليه. الحقّ أقول لكم بأنّني أنا هنا الطبيب واللاويّ والكاهن. الحقّ أقول لكم إنّني إن لم أقم بواجبي وتَرَكتُ ولو نَفْساً واحدة مِن اللواتي تحرّضهنّ الرغبة في الخلاص تهلك ولم أُخَلِّصها، فسوف يحاسبني الله الآب ويجازيني لفقدان هذه النَّفْس.
هذه هي خطيئتي بحسب أصحاب النفوذ في كفرناحوم. كان بإمكاني الانتظار حتّى اليوم التالي للسبت لشفائها. نعم. إنّما لماذا الانتظار أربعاً وعشرين ساعة لإعادة سلام الله إلى قلب تائب؟ لقد كان في هذا القلب تَواضُع حقيقيّ وخُلوص نيّة حقيقيّ وألم كامل. لقد قَرَأتُ ذلك في هذا القلب. بينما كان الجسم ما يزال مصاباً بالبرص. وكان القلب قد شُفِيَ ببلسم سنوات مِن الدموع والنَّدم والتكفير. إن هذا القلب لم يكن يحتاج، لكي يتقرّب مِن الله، دون تدنيس جوّ القداسة الذي يحيط بالله في الجّوار، إلّا لتكريسي المتجدِّد. ولقد فَعَلتُها. وخَرَجَت هي مِن البحيرة مُطهَّرَة حتّى بجسدها، إنّما قلبها فكان أكثر طُهراً. كَم، آه! كَم مِن الذين نزلوا في مياه الأردن طاعة لأمر السَّابق لم يَخرُجوا منها مُطَهَّرين بقدر طهارتها.
فمعموديّتهم لم تكن فعلاً إراديّاً، ذا أَثَر، لم تكن خالصة النيّة لروح كان يبغي التهيّؤ لمجيئي، إنّما كانت على سبيل الشكليّات، بهدف الظهور بمظهر الكامِلِين في القداسة في عيون الناس. لقد كانت إذاً رياء وكبرياء، فأُضيفَت خطيئتان إلى كومة أخطاء موجودة آنذاك في قلوبهم. فإنّ معموديّة يوحنّا لم تكن سوى رمز. كان يريد القول: "طَهِّروا ذواتكم مِن الكبرياء، تَواضَعوا بإقراركم بأنّكم خَطَأَة؛ طَهِّروا أنفسكم مِن خطايا الفِسق بأن تَغتَسِلوا مما بقي فيكم". المعمودية الفاعلة هي تلك التي تستجيب لإرادة نفسكم، لتتطهّروا مِن أجل مأدبة الله. وما مِن خطيئة، مهما عَظُمَت لا يمكن غسلها بالنَّدامة أولاً، ثمّ بالنعمة بعدئذ، وأخيراً بالخلاص. ما مِن خاطئ، مهما عَظُم، لا يستطيع أن يرفع رأسه متواضعاً ويبتسم لأمل الفداء. يكفيه أن يُقلِع بشكل كامل عن الخطأ، أن يُقاوِم التجربة ببطولة، وأن يكون خالص النيّة في رغبته بولادة جديدة.
سأُفصِح لكم الآن عن حقيقة تبدو لأعدائي تجديفاً. إنّما أنتم، فإنّكم أصدقائي. أتحدّث بشكل خاصّ لكم، أيّها التلاميذ الذين اخترتُهم، ومِن ثمّ لكم جميعاً، يا مَن تسمعونني. أقول لكم: إنّ الملائكة، وهي الأرواح الكاملة والطاهرة، التي تحيا في أنوار الثالوث الأقدس، حيث هي مُفعَمَة فرحاً، وهي في كمالها تُدرِك ذلك، إنّها أدنى منكم، أنتم البعيدين جدّاً عن السماء. دونيّتها تَكمُن في عدم تمكّنها مِن التضحية والألم للمشاركة في فِداء الإنسان. ما رأيكم بهذا؟ الله لا يقول لملاك: "كُن فادي البشريّة". إنّما يقولها لابنه، وهو يَعلَم جيّداً أنّ هذه التضحية، رغم أنّ لها قيمة لا تُقَدَّر، وقُدرة لانهائيّة، تظلّ ناقصة -وهو، بصلاح أُبوّته، لا يريد جعل فرق بين ابن حبّه وأبناء سلطانه- شيء ما يُنقِص مجموع الاستحقاقات التي ينبغي أن تتصدّى لمجموع الخطايا التي ترتكبها البشريّة بين ساعة وساعة، ولكنّه لا يُكلّف ملائكة آخرين ولا يقول لهم: "تألّموا لِتَقتَدوا بالمسيح"، بينما هو يتوجّه إليكم، أنتم أيّها البشر، ليقول: "تألّموا، ضحّوا بأنفسكم، كونوا شبيهين بحَمَلي. كونوا شركاء الفادي..." آه! إنّني أرى طغمات مِن الملائكة تتوقّف لحظة، في نشوة العبادة، عن الدوران حول الثالوث الذي هو مركزهم، وتجثو مُتطَلِّعة إلى الأرض وهي تقول: "مباركون أنتم يا مَن تستطيعون التألّم مع المسيح وللإله الأزليّ إلهنا وإلهكم!"
كثيرون لا يُدرِكون بعدُ هذه العَظَمَة. إنّها أرفع كثيراً مِن مستوى البشر. ولكن حينما تُقدَّم الذبيحة، حينما تُبْعَث الحَـبّة الأبديّة لكي لا تعود فتموت بعد أن تُحصَد وتُدرَس وتُعَرّى وتُدفَن في الأرض، حينئذ يأتي صاحب النور الفائق الروحانيّة ويضيء الأرواح، حتّى الأكثر تأخُّراً، الباقية آنئذ أمينة ووفيّة للمسيح الفادي، حينئذ تُدرِكون أنّني ما جَدَّفتُ، ولكنّني أَعلَنتُ لكم عن أسمى كرامة للإنسان: أن يكون شريكاً في عمليّة الفِداء، حتّى ولو كان في البدء مجرّد خاطئ. في انتظار ذلك، هَيّئوا أنفسكم لهذا المصير بطهارة قلب وصفاء نيّة. وكلّما أصبحتم أكثر طُهراً كلّما أدرَكتُم بشكل أفضل. فالدَّنَس، مهما يكن، هو دائماً دخان يُظلِم ويُعيق الرؤية والإدراك.
كونوا أنقياء أطهاراً. ابدأوا بأجسادكم لتنتقلوا بعدئذ إلى الروح. ابدأوا بالحواسّ الخمس لتنتقلوا إلى الأهواء السبعة. ابدأوا بالعين: فحاسّة البَصَر هي الـمَلِكة، فهي التي تفتح الطريق إلى الجوع الأكثر نَهَماً والأكثر تعقيداً. العين ترى جسد المرأة وتشتهي الجسد. العين ترى رخاء الأغنياء وتشتهي الذهب. العين ترى سلطان الحُكّام وتشتهي السُّلطة. فلتكن عينكم وديعة ونزيهة، معتدلة وطاهرة، وستكون شهواتكم وديعة ونزيهة ومعتدلة وطاهرة. وكلّما كانت عينكم طاهرة كان قلبكم طاهراً. اسهروا بعناية على عينكم المتلهّفة لاكتشاف التفّاحات الغاوية. فلتكن نظراتكم عفيفة إذا أردتم أن يكون جسدكم عفيفاً. وإذا كان جسدكم عفيفاً، كانت لديكم عفّة الثروات والسُّلطة. وستكون لكم كلّ أنواع العفّة، وسوف تكونون أصدقاء الله.
لا تخشوا مِن أن يَسخَروا منكم إذا كنتم عفيفين. بل اخشوا فقط مِن أن تكونوا أعداء الله. سَمِعتُ يوماً مَن يقول: "سوف يهزأ العالم منكَ ويعتبركَ كاذباً أو مَخصيّاً إذا ما أَظهَرتَ عدم ميلكَ إلى المرأة". الحقّ أقول لكم إنّ الله قد أوجَدَ الزواج ليرفعكم إلى مستوى التشبّه به في المشاركة بعمليّة الخلق وفي المساهمة معه في جعل السماء مأهولة. إنّما هناك حالة أكثر سموّاً، ينحني أمامها الملائكة الذين يَرَون فيها السموّ دون تمكّنهم مِن محاكاتها. وهذه الحالة، الكاملة، عندما تستمرّ منذ الولادة وحتّى الممات، هي ليست عصيّة على الذين لم يعودوا في حالة البتوليّة، ولكنّهم يُحوِّلون خصبهم كرجال أو كنساء إلى لا شيء، يلغون فُحولتهم الحيوانيّة ليُصبِحوا خَصيبين وفُحولاً بالروح فقط. إنّها حالة الـمَخصيّ دون وجود عيب طبيعيّ أو بتر إراديّ أو بالقوّة. هذه الحالة لا تمنع مِن الاقتراب مِن المذبح، إنّما في الدهور الـمُقبِلة، فالذين يلتزمون بذلك هم الذين سَيَخدمون المذبح ويُحيطون به. إنّها الحال الأكثر سموّاً، التي تفصل المشيئة عن كلّ ما يخص الله وحده، الحفاظ على عفّة الجسد والنَّفْس له، لامتلاك النَّصاعة المضيئة التي هي عزيزة على قلب الحَمَل، للأبد.
لقد تحدّثتُ مِن أجل الشعب، مِن أجل المختارين مِن الشعب. والآن، قبل الدخول لكسر الخبز وتَقاسُم الملح في بيت فليبّس، أبارككم جميعاً: الصالحين منكم مكافأة لهم، والخَطَأَة لأضع في قلوبهم الشجاعة للإقبال على الذي أتى ليغفر. السلام معكم جميعاً.
يَنـزل يسوع مِن المركب ويجتاز وسط الجمع الذي يتزاحم حوله. وعند زاوية أحد البيوت يمكث متّى الذي استَمَعَ إلى المعلّم مِن هناك، ولم يجرؤ على أكثر مِن ذلك. عندما يَصِل إليه يسوع يتوقّف، وكأنّه يبارك الجميع، يبارك للمرة الثانية، يَنظُر إلى متّى ويَلحَق بمجموعة أتباعه، يَلحَق به الشعب. يختفي في أحد المنازل.
وينتهي كلّ شيء.