ج4 - ف146

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

146- (يوسف ونيقوديموس ينقلان خَبَر عِلم الهيكل بوجود يوحنّا الذي مِن عين دور وسِنْتيخي)

 

21 / 09 / 1945

 

يسوع يتوجّه صوب بيت عنيا مع الرُّسُل والتلاميذ، وهو بالتحديد يتحدّث إلى التلاميذ الذين يُصدِر إليهم الأمر بأن يَفتَرِقوا، فيمضي اليهود عَبْر اليهوديّة، والجليليّون يُعاوِدون الصعود إلى ما بعد الأردن ليُبشِّروا بمَسيّا. ونتيجة لهذا الأمر تَظهَر بعض الاعتراضات. يبدو أنّ سُمعة ما وراء الأردن لم تَكُن حَسَنة وسط الإسرائيليّين. يتحدّثون عنها وكأنّها مناطق وثنيّة، ولكن ذلك يُهين التلاميذ الذين مِن مناطق ما وراء الأردن، ومن بينهم صاحب صوت الأكثر سُلطة مِن الجميع، رئيس مجمع "عين الحلوة"، ثمّ شاب أَجهَل اسمه، اللَّذان يُدافِعان بِحِدّة عن مدنهما ومواطنيهما.

 

يقول تيمون: «تعال يا سيّد إلى عِرا وسترى كم يحترمونكَ هناك. لن تَجِد في اليهوديّة إيماناً كالذي هناك. وحتّى أنا لا أريد الذهاب. أَبقِني معكَ ولِيَذهب إلى مدينتي يهوديّ مع جليليّ. سَيَريان كم عَرِفَتْ الإيمان بكَ لمجرّد كلمتي.»

 

ويقول الشاب: «أنا، قد عَرفتُ أن أؤمن حتّى دون أن أراكَ أبداً. وبحثتُ عنكَ بعـد مغفرة أُمّي لي. ولكنّني سعيد بالعودة إلى هناك، رغم أنّ ذلك يَعني سُخرية مواطنيَّ، كَوني كنتُ سيّئاً في الماضي، ومَذمَّات الصالحين بسبب سلوكي القديم. إنّما هذا لا يهمني. سوف أَكرز بكَ بِمَثَلي الصَّالح.»

 

«أَحسَنتَ قولاً. سوف تفعل كما قلتَ. ثمّ آتي أنا، وأنتَ كذلك يا تيمون أَحسَـنتَ قولاً. سيذهب هرمس مع هابيل الذي مِن بيت لحم الجليل لِيَكرِزا بي في عِرا، بينما أنتَ يا تيمون، سوف تبقى معي. ولكن مع ذلك، لا أريد مثل هذه النقاشات. أنتم لم تعودوا يهوداً أو جليليّين: أنتم التلاميذ، وهذا يكفي. الاسم والرسالة يَضَعانكم في نَفس المرتبة بالنسبة للمنطقة والطَّبَقة، وبالنسبة لكلّ شيء. ليس هناك ما يُميّز واحدكم عن الآخر سِوى: القداسة. فهي شخصيّة ونسبيّة حسب ما يعرف كلّ واحد إلام يتوصَّل. أمّا أنا فأريد أن تتوصّلوا جميعكم للدرجة ذاتها: الكمال. هل تَرَون الرُّسُل؟ لقد كانوا مثلكم يُفرِّقهم الأصل أو شيء آخر. والآن بعد سنة أو أكثر مِن الإعداد، فقد أَصبَحوا فقط: الرُّسُل. تصرّفوا أنتم كذلك وبالطريقة ذاتها، وكما أنّ بينكم الكاهن إلى جانب مَن كان خاطئاً، والغنيّ إلى جانب مَن كان يستجدي، الشاب إلى جانب العجوز، فاعمَلوا على إزالة التفرقة بحجة الانتماء إلى هذه أو تلك مِن المناطق. فوطنكم واحد: السماء. لأنّكم ارتضيتم أن تضعوا أنفسكم عن طيب خاطر على طريق السماء. لا تُعطوا أعدائي مُطلقاً الانطباع بأنّكم أعداء فيما بينكم. العدو هو الخطيئة، وليس أمراً آخر.

 

يَسيرون برهة بصمت، ثمّ يَدنو استفانوس مِن المعلّم ويقول: «عليَّ أن أقول لكَ شيئاً. كنتُ آمُل أن تَسأَلني عنه، ولكنّكَ لم تفعل. أمس حَدَّثَني غَمَالائيل...»

 

«لقد رأيتُهُ.»

 

«ولا تسألني ماذا قال لي؟»

 

«أنتظر أن تقول لي أنتَ، إذ إنّ التلميذ الصالح لا يحتفظ بأسرار يخفيها عن معلّمه.»

 

«إنَّ غَمَالائيل... يا معلّم، تعال معي نتقدّم بضعة أمتار...»

 

«نعم هيّا بنا، إنّما كان بإمكانكَ التكلّم أمام الجميع...»

 

يَبتَعِدان بضعة أمتار. يقول استفانوس وهو يَحمرّ: «عليَّ أن أُسـدي لكَ نصيحة، يا معلّم. سامحني...»

 

«إذا كانت النصيحة جيّدة، فسأقبَلها. هيّا تكلّم.»

 

«يا معلّم، عاجلاً أم آجلاً يُعرَف كلّ شيء في المجمع. إنّها مؤسسة بألف عين ومائة فرع. يَختَرِقون كلّ مكان، ويَرَون كلّ شيء، ويَسمَعون كلّ شيء. ولديهم مُخبِرون... أكثر ممّا في جدران الهيكل مِن آجرّ. كثيرون يعيشون هكذا...»

 

«بالتجسّس. أَكمِل إذن، إنّها الحقيقة وأعرف ذلك. وإذن؟ ماذا قيل في المجمع يَقلّ أو يزيد عن الحقيقة؟»

 

«قيل... كلّ شيء. أنا، لا أعرف كيف يستطيعون معرفة بعض الأمور. كذلك لا أعرف إذا ما كانت حقيقيّة... ولكنّني أقول لكَ حرفيّاً ما قاله لي غَمَالائيل: "قُل للمعلّم أن يَختِن هرمست، أو فليُبعِده نهائيّاً. لاشيء آخر يُقال".»

 

«بالفعل، يجب ألّا يقال أيّ شيء آخر، أوّلاً لأنّني بالضبط أنا ماض إلى بيت عنيا لأجل هذا، وسأبقى هناك حتّى يتمكّن هرمست مِن السفر مِن جديد. وثانياً لأنّ أيّ تصحيح لا يمكنه إسقاط التصوّرات الـمُسبَقَة، و… تحفّظات غَمَالائيل المتشكِّك لمجرّد أنّ أحد الذين معي غير مَختون جسديّاً. آه! لو يَنظُر حوله وفيه! كَم يوجد في إسرائيل مِن غير الـمَختونين!»

 

«ولكنّ غَمَالائيل...»

 

«إنّه الممثّل الأمثل لإسرائيل العتيق. فهو ليس سيّئاً، إنّما... انظر إلى هذه الحصاة. يمكنني كسرها، ولكن لا أن أجعلها مطواعة. هكذا هو الأمر بالنسبة إليه. لا بد مِن تحطيمه لإعادة تشكيله، وسوف أفعل ذلك.»

 

«تريد محاربة غَمَالائيل؟ احذَر! إنّه ذو سلطان!»

 

«محاربته؟ كما لو كان عدواً؟ لا. بَدلاً مِن محاربته، سوف أُحِبّه، مُشبِعاً إحدى رغباته، بسبب عقله المحنّط، وسأنشُر عليه بلسماً يُفتِّته لِيُعيد تركيبه بشكل مختلف.»

 

«سوف أصلّي، أنا كذلك، كي يحصل هذا، لأنّني أحبّه كثيراً. هل أُخطئ في ذلك؟»

 

«لا. عليك أن تُحبّه بأن تُصلّي مِن أجله. وسوف تَفعَل ذلك. بكلّ تأكيد سـوف تَفعَلها. بل حتّى ستكون أنتَ مَن يساعدني في تركيب البلسم... في هذه الأثناء سـتقول لغَمَالائيل أن يَستكين، فلقد أَصبَحَ لديَّ عِلم بخصوص هرمست، وإنّني أشكره لنصيحته. ها نحن في بيت عنيا. فلنتوقّف هنا لأبارككم جميعاً، لأنّه الموضع الذي سوف نفترق منه.»

 

وإذ اجتَمَعوا مجموعة كبيرة، الرُّسُل والتلاميذ معاً، يباركهم ويصرفهم جميعاً عدا هرمست ويوحنّا الذي مِن عين دور وتيمون.

 

ثمّ، مع أولئك الذين مَكَثوا معه، يَقَطع بسرعة الخطوات القليلة التي تَفصِله عن بوابـة لعازر، وهي الآن مفتوحة على مِصراعيها لاستقباله، ويَدخُل الحديقة رافعاً يده ليبارك البيت الـمُضيف، في الحديقة الواسعة حيث يوجد هنا وهناك أرباب البيت والنساء الوَرِعات، الذين يضحكون لجري مارغزيام عَبْر الدروب المزيّنة بالورود الأخيرة. ومع أرباب البيت والنساء اللواتي يَصحن، ومع صيحاتهنّ، يَنفَذ مِن أَحَد الـمَسالِك يوسف الذي مِن الرّامة ونيقوديموس، وهُما كذلك ضَيفا لِعازر، ليتمكّنا مِن المكوث بسلام مع المعلّم. ويَهرَع الجميع أمام يسوع، مريم بابتسامتها اللطيفة، ومريم المجدليّة مع صيحة حبّها: «معلّمي!»، ولعازر الذي يَعرُج، وعضوا المجمع الوَقوران، وفي النهاية نساء أورشليم والجليل الورعات، بالوجوه المجعّدة، ووجوه الصبايا الملساء، ووجه أناليا العُذريّ، الوديع كوجه الملاك الذي يَحمرّ وهو يحيّي المعلّم.

 

«أليست هنا، سِنْتيخي؟» يَسأَل يسوع بعد التحيّات الأوّليّة.

 

«إنّها مع سارة ومارسيل ونُعْمي يُحضِّرن المائدة. إنّما ها هُنَّ آتيات.»

 

وبالفِعل، يَصِلنَ مع العجوز استير بنت يُوَنّا: وَجهَين تَرَكَت السنون الماضية والآلام آثاراً عليهما، وسط وَجهَين آخَرين صافيين، والوجه الصارم إنَّما المشرق بالسلام، المختلف بالعِرق، الأمر "الذي" الذي بكلّ تأكيد يميّزه.

 

غير أنّي لا يمكنني اعتباره جمالاً حقيقيّاً وأصيلاً. ولكن مع ذلك، فإنّ عينيها بسوادهما الخفيف مع مسحات مِن النيليّ الغامق، تحت جبهة عالية مُفعَمَة نُبلاً، تُثيران الانتباه أكثر مِن جسمها الذي هو بالتأكيد أجمل مِن وجهها. جِسم نحيف دون نُحول، متناسِق، مُتناغِم في مشيته وحركاته. إلّا أنّ النَّظرَة هي التي تثير الانتباه: تلك النَّظرة الذكيّة والمتفّتحة والعميقة، التي تبدو وكأنّها تمتصّ العالم لِتَفرزه، فتُبقي منه الصالح والنافع والمقدّس، وتَنبُذ ما هو سيّئ، ذلك النَّظر النَّـزيه الذي يَسمَح بأن يُنبَش حتّى أعماقه، والروح يتجلّى ليتفحّص ما يحيط به. وإذا كان صحيحاً أنّ النَّظَر يسمح بمعرفة شخص ما، فإنّني أقول إنّ سِنْتيخي امرأة ذات إدراك واثِق، وأفكار ثابتة ونزيهة. تجثو هي كذلك مع الأخريات وتَنتَظِر أمر المعلّم حتّى تَنهَض.

 

يتقدّم يسوع، عَبْر الحديقة الخضراء، حتّى الرّواق الذي يَسبِق البيت، ويدخل بعدئذ إلى غرفة، فيها خُدّام جاهزون لتقديم المرطّبات ومساعدة القادمين للقيام بالتَّطهير السابق لتناول الطعام. وبينما تنسحب كلّ النساء، يبقى يسوع مع الرُّسُل في الغرفة، في حين يمضي يوحنّا الذي مِن عين دور وهرمست إلى بيت سمعان الغيور ليَضعوا الحقائب التي كانا يحملانها.

 

«هذا الشاب الذي ذَهَبَ مع يوحنّا الأعور، هل هو الفلسطينيّ الذي قَبِلتَه؟» يَسأَل يوسف.

 

«نعم يا يوسف. كيف عرفتَ ذلك؟»

 

«يا معلّم... منذ أيّام، نيقوديموس وأنا نتساءل كيف يمكننا معرفة ذلك، وكيف يمكن، بكلّ أَسَف أن يَعرِفه الآخرون في الهيكل. إنّما ما هو أكيد هو أنّنا نَعرِفه. فَقَبل عيد المظالّ، أثناء الجلسة التي تَسبق العيد عادة، عدد مِن الفرّيسيّين قالوا إنّهم يَعرفون بالتأكيد أنّ بين التلاميذ، عدا... -عفواً لعازر- الخاطئات، المعروفات منهنّ والمجهولات، والعشّارين، -عفواً يا متّى بن حلفى- والمحكومين السابقين بالأشغال الشاقّة، يوجد فلسطينيّ غير مَختون ووثنيّة. بالنسبة للوثنيّة التي هي بالتأكيد سِنْتيخي، يُفهَم أنّه ممكن معرفة ذلك أو على الأقل تَخمينه. فقد أَحدَثَ الرومانيّ ضجّة بسببها، وقد جُعِل مَحطّ سخرية بين مواطنيه ووسط اليهود، لأنّه مضى شاكياً، وفي الوقت ذاته مُهدِّداً، يبحث في كلّ مكان عن الهاربة منه، حتّى أنّه وَصَلَ إلى حدّ مضايقـة هيرودس، لأنّه كان يقول عنها بأنّها مختبئة في بيت يُوَنّا، وأنّ على حاكم الربّع إرغام القهرمان بإعادتها إلى سيّدها. ولكن مِن بين الرجال الكثيرين الذين يتبعونكَ، أن يمكن معرفة أن أحدهم هو فلسطينيّ غير مختون، وأنَّ آخر كان يوماً محكوماً عليه بالأشغال الشاقّة‍!... ألا يبدو لكَ ذلك غريباً، غريباً جدّاً؟»

 

«نعم ولا. سوف أتدبّر أمر سِنْتيخي والمحكوم سابقاً بالأشغال الشاقّة.»

 

«نعم. تُحسِن عملاً، خاصّة بإبعاد يوحنّا. فلا خير يُرجى منه ضمن جماعتكَ.»

 

«يا يوسف، هل يُحتَمَل أن تكون قد أَصبَحتَ فرّيسيّاً؟» يَسأَل يسوع بِصَرامة.

 

«لا... ولكن...»

 

«وأنا، هل عليَّ أن أَحتَقِر نفساً تجدَّدَت، مِن أجل تَحرُّج سخيف لفرّيسيّة هي الأكثر غُلُوّاً؟ لا، لن أفعل ذلك! بل سوف أحرُص على سكينتها، سكينتها هي لا أنا. سوف أسهر على إعدادها كما أسهر على نَفْس مارغزيام البريء. ففي الحقيقة، لا فرق بينهما في الجَّهل الروحيّ! الواحد يتفوّه بكلام الحكمة لأوّل مرّة لأنّ الله قد غَفَر له، لأنّه وُلِد ثانية في الله، لأنّ الله جَذَبَ إليه الخـاطئ. والآخر يتفوّه بها لأنّه بعبوره مِن طفولة مُهمَلة، إلى مراهَقَة يَسهر عليها حبّ الإنسان، إضافة إلى حبّ الله، يَفتح نفسه مثل تُويَج زهرة للشمس، والشمس تُنيرها بذاتها. شمسـه: الله. والأوّل يوشِك أن يقول كلامه الأخير... أليس لكم عيون لِتَروا أنّه يتلاشى في التوبة والحبّ؟ آه! في الحقيقة، إنّني أودُّ لو أحصل على كثيرين أمثال يوحنّا الذي مِن عين دور في إسرائيل ووسط خُدّامي. أودُّ لو يكون لكما، أنتَ يا يوسف وأنتَ يا نيقوديموس، قلباً مثل قلبه، خاصّةً ذاك الذي وَشَى به، الأفعى الوضيعة المختبئة تحت مَظهَر صديق وهو جاسوس، قبل أن يكون مجرماً سفّاحاً. الأفعى التي تَحسد العصفور على جناحيه، وتَنصُب له الفِخاخ لتنتزعهما منه وترميه في السجن. آه! لا! سوف يتحوّل العصفور إلى ملاك. وحتّى لو كانت الأفعى تستطيع الاستحواذ على جناحيه، ولكنّها لن تستطيع، إذ إنّهما بتوافقهما مع جسدها الدَّبِق سوف يتحوّلان إلى جناحيّ شيطان. فكلّ واشٍ هو شيطان.»

 

«ولكن أين هو هذا الشخص؟ قُل لي لأذهب حالاً وأنتزع لسانه.» يهتف بطرس.

 

«تَفعَل أفضل لو تَنتَزِع أسنانه السامّة.» يقول يوضاس بن حلفى.

 

«ولكن لا!» يقول الاسخريوطيّ بلهجة حادّة. «الأفضل ذَبحه! وهكذا لا يعود يتسبّب بالشرّ، ولا بأيّة طريقة. إنّهم أناس يستطيعون الأذيّة على الدوام...»

 

يُحدِّق فيه يسوع ويُكمِل: «...والكذب. ولكن ينبغي ألّا يفعل أيّ إنسان أيّ شيء ضدّه. يجب ألّا نَدَع العصفور يَهلك ونحن نهتمّ بالأفعى. وفيما يخصّ هرمست، فأنا سوف أبقى هنا، بالتحديد في بيت لعازر، من أجل ختان هرمست ذاك الذي يعتنق ديانة شعبنا المقدّسة، حبّاً بي ولتحاشي اضطهادات صغار النفوس مِن اليهود. إنّ ذلك ليس سوى عبور مِن الظُّلُمات إلى النور. وهو ليس ضرورياً ليلج النور إلى قلب أيّ كان.. ولكنّني أوافق عليه للتخفيف مِن حساسيّة إسرائيل، ولإظهار إرادة الفلسطينيّ الحقيقيّة في الوصول إلى الله. ولكنّني أقولها لكم، هذا ليس ضروريّاً في زمن المسيح للانتماء إلى الله. يكفي المرء الإرادة والحبّ، تكفيه استقامة الضمير. وأين نَختِن اليونانيّة؟ في أيّة نقطة مِن روحها إذا ما كانت قد عَرِفَت بذاتها أن تُحِسّ بالله أفضل مِن الكثيرين مِن أبناء إسرائيل؟ في الحقيقة، وسط الموجودين هنا، كثيرون هم ظُلُمات، بالمقارنة مع أولئك الذين تحقّرونهم وكأنّهم هُم الظُّلُمات. على أيّة حال، فالواشي وأنتم يا أعضاء المجمع، يمكنكم إعلام أصحاب الشأن أنّ الشكّ قد أُزيلَ ابتداء مِن هذا اليوم بالذات.»

 

«بالنسبة لِمَن؟ بالنسبة للثلاثة؟»

 

«لا يا يهوذا بن سمعان. بالنسبة لهرمست. بالنسبة للآخرين سوف أتدبّر الأمر. هل لديكَ ما تَسأَل عنه غير هذا؟»

 

«أنا، لا، يا معلّم.»

 

«ولا أنا، لَم يَعُد لديَّ ما أقوله لكَ. في هذه الأثناء أَسأَلكَ أن تقول لي، إذا كنتَ عالماً بذلك، ماذا حَلَّ بمعلّم سِنْتيخي.»

 

«إنّ بيلاطس قد أَرسَلَه إلى إيطاليا على أوّل سفينة مُقلِعَة، لتحاشي المشاكل مع هيرودس ومع اليهود بشكل عـامّ. فإنّ بيلاطس يمرّ بظـروف صعبة... وهذا يكفيه...» يقول نيقوديموس.

 

«هل الخَبَر أكيد؟»

 

«بإمكاني التحقّق منه، يا معلّم، إذا رأيتَ ذلك حسناً.» يقول لعازر.

 

«نعم، افعَل وقُل لي الحقيقة بعدئذ.»

 

«ولكنّ سِنْتيخي في أمان تامّ في بيتي.»

 

«أعرف ذلك. كذلك إسرائيل تَحمي العَبد اللاجئ مِن معلّم أجنبيّ غليظ القلب. ولكنّني أريد معرفة ذلك.»

 

«وأنا أريد معرفة الواشي، الـمُخبِر، جاسوس الفرّيسيّين الظريف... وهذا بالإمكان معرفته، وأريد أن أعرفه، مَن هم الفرّيسيّون الـمُشتَكون. معرفة أسماء الفرّيسيّين ومدنهم. أتحدّث عن الفرّيسيّين الذين قاموا بعمل الإعلام الجميل، بفضل خيانة أحدنا الـمُسبَقَة، لأنّنا الوحيدون الذين نعرف بعض الأمور، نحن التلاميذ، القدامى منّا والجُّدد، العمل الجميل بإعلام المجمع عن أعمال المعلّم. تلك الأعمال صحيحة وما مَن يقول أو يفكّر عكس ذلك إلّا شيطان و...»

 

«يكفي هذا يا سمعان بن يونا. آمركَ بذلك.»

 

«وأنا أطيع، رغم أنّ المجهود الذي أقوم به يَجعَل أورِدَة قلبي تنفَجِر. وها قد أُفسِدت متعة النهار...»

 

«لا. لماذا؟ أهناك ما تغيّر بالنسبة لنا؟ وإذن؟ يا سمعاني! ولكن تعال هنا إلى جانبي، ولنتحدّث عمّا هو صالح...»

 

«جاء مَن يُخبِرنا أنّ الطعام جاهز يا معلّم.» يقول لعازر.

 

«هيّا بنا إذن...»