ج8 - ف29

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

29- (التجوال في السامرة قبل الفصح. مِن أفرايم إلى شيلوه)

 

24 / 02 / 1947

 

«اسمح لنا بأن نتبعكَ يا معلّم. لن نسبّب لكَ إزعاجاً.» يتوسّل الكثيرون مِن أهل أفرايم المتجمّعين أمام منزل مريم الّتي ليعقوب، الّتي تذرف كلّ دموعها متّكئةً على إطار الباب المفتوح على مصراعيه.

 

يسوع وسط رُسُله الاثني عشر. في مكان أبعد، ضمن مجموعة حول أُمّه، هناك يُوَنّا، نيقي، سُوسَنّة، إليز، مرثا ومريم، سالومة ومريم الّتي لحلفى. الرجال كما النسوة هم في حُلّة السفر، بثياب ممنطقة ومشدودة قليلاً عند الخصر لترك الأقدام أكثر حرّيّة، ونعال جديدة مربوطة جيّداً، ليس فقط عند الكاحل، بل أيضاً عند أسفل الساق، بسيور جلديّة متشابكة، كما يُفعَل حين يتوجّب سلوك طرق وَعِرة إلى حدّ ما. إنّ الرجال يحملون أكياس التلميذات أيضاً.

 

الناس يتوسّلون لينالوا موافقة يسوع كي يتبعوه، بينما الصغار يهتفون، بوجوه وأذرع مرفوعة: «قُبلة! احملني بين ذراعيكَ! عُد يا يسوع! عُد سريعاً لتقول لنا أمثالاً كثيرة جميلة! سوف أحتفظ لكَ بورود حديقتي! لن آكل ثماراً كي أبقيها لكَ! عُد يا يسوع! إنّ نعجتي على وشك الوضع وأريد أن أهديك الحَمَل، سوف تصنع مِن صوفه ثوباً مثل ثوبي… إن عدتَ سريعاً، سوف أعطيكَ الفطائر الّتي تعملها لي أُمّي ببواكير القمح...» إنّهم يزقزقون كأنّهم عصافير صغيرة كثيرة حول صديقهم الكبير، ويشدّون له ثيابه، يتعلّقون بحزامه محاولين التسلّق إلى ذراعيه، مستبدّين بمحبّة، إلى حدّ منع يسوع مِن الردّ على الراشدين، حيث يوجد دوماً وجه جديد للتقبيل.

 

«إنّما ابتعدوا! كفى! دعوا المعلّم وشأنه! أيّتها النسوة! استعدن أطفالكنّ!» يصيح الرُّسُل الّذين يحثّون على بدء المسير في ساعات النهار الأولى هذه. ويوجّهون أيضاً بعض الصفعات الخفيفة للأطفال الأكثر إزعاجاً.

 

«لا. دعوهم. إنّها لي عذوبة أكثر إنعاشاً مِن انتعاش الفجر. دعوهم يفعلون ودعوني أفعل. دعوني أتعزّى بهذه المحبّة المنزّهة عن الحسابات والقلاقل.» يقول يسوع مدافعاً عن أصدقائه الصغار الّذين، وقد فتح يديه كما يفعل عادةً، يسقط عليهم رداء يسوع الفضفاض، الّذي يتلقّاهم تحت حِمى جناحيه الأزرقين. يحتشد الصغار تحت هذا الدفء، في شبه الظلّ الأزرق هذا، صامتين سعداء مثل صيصان تحت الجناحين الأموميّين.

 

يسوع يتمكّن أخيراً مِن التحدّث إلى الراشدين: «تعالوا، إن كنتم تعتقدون أنّ بإمكانكم القيام بذلك.»

 

«ومَن قد يمنعنا مِن ذلك يا معلّم؟ إنّنا في منطقتنا!»

 

«الحبوب، الكروم والبساتين تتطلّب جهدكم كلّه، والنعاج هي في موسم الجزّ والتزاوج، وتلك الّتي تزاوجت في الموسم الآخر هي على وشك أن تلد، وهو وقت العلف...»

 

«لا يهمّ يا معلّم. بالنسبة للجزّ والتزاوج يكفي كبار السنّ والأطفال، والنسوة بالنسبة للإيلاد، وكذلك بالنسبة للعلف. البساتين والحقول يمكن أن تنتظر. فإذا ما كانت الحبوب تقسو في السنابل، فما يزال هناك وقت للحصاد، ومِن الآن ليس على الكروم، أشجار الزيتون والبساتين، سوى أن تنفخ في الشمس ثمار أعراسها الكثيرة. نحن لا يسعنا فِعل شيء لها إلى أن يحين زمن القطاف، كما لا يسع أُمّ عائلة أن تفعل شيئاً للخبز ما دامت الخميرة لم تُخمّر العجين. إنّ الشمس هي خميرة الثمار. هي مَن يعمل الآن، كما قبلاً عملت الريح على تلقيح الزهور على طول الأغصان. ومِن ثمّ!... إنّ خسارة بعض العناقيد وبعض الثمار، أو إن يكن اللبلاب والزؤان قد خنق بعض السنابل، فذلك يُعتبر دوماً خسارة ضئيلة مقارنةً بخسارة كلمتكَ!» يقول رجل عجوز رأيتُه دائماً موضع تكريم في البلدة.

 

«لقد أحسنتَ القول. هيّا بنا إذن. يا مريم الّتي ليعقوب، أنا أشكركِ وأبارككِ، لأنّكِ كنتِ لي أُمّاً طيّبة. لا تبكِي! يجب ألّا يبكي مَن قام بأعمال صالحة.»

 

«آه! سأفقدكَ ولن أعود أراكَ بعد!»

 

«نحن سوف نلتقي بعد بالتأكيد.»

 

«أتعود إلى هنا يا ربّ؟» تَسأَل المرأة بابتسامة وسط الدموع. «متى؟»

 

«إلى هنا لن أعود، كما الآن...»

 

«فإذن أين سنلتقي إن كنتُ أنا، المرأة العجوز، لا أستطيع المجيء عبر دروب العالم كي أبحث عنكَ؟»

 

«في السماء يا مريم. في منزل أبينا. هناك حيث ثمّة مكان لليهود كما للسامريّين، حيث ثمّة مكان لمن سيحبّونني بالروح والحقّ. إنّكِ تفعلين ذلك منذ الآن، لأنّكِ تؤمنين بأنّني ابن الله الحقّ...»

 

«آه! بلى أؤمن بذلك! ولكن نحن لا رجاء لنا، فأنتَ وحدكَ مَن يحبّنا دون تمييز.»

 

«حين أكون قد رحلتُ، فإنّ هؤلاء (يشير إلى الرُّسُل) سوف يأتون بدلاً عنّي. ولِذِكري، لن يسألوا مَن هو الّذي يطلب الدخول إلى قطيع الراعي الحقّ والأوحد.»

 

«إنّني عجوز يا ربّ. لن أعيش كفاية لأرى ذلك. أنتَ شابّ وقويّ، وستحظى بكَ أُمّك لوقت طويل، وسيحظى بكَ مَن يحبّونكَ والّذين هم مِن شعبكَ… لماذا تبكين أيا أُمّ المبارك؟» تَسأَل مستغربة لرؤيتها دموعاً تنهمر مِن عينيّ الأمّ العذراء.

 

«أنا لا أحظى بشيء سوى ألمي… وداعاً يا مريم. ليبارككِ الله لكلّ ما فعلتِه لابني. وتذكّري، إذا كان ألمكِ عظيماً، فليس هناك ألم، ولن يكون، أعظم مِن ألمي على الأرض. أبداً! تذكّري مريم الناصريّة المتألّمة… وداعاً!» وتنفصل مريم باكيةً، بعدما عانقت المرأة العجوز عند مدخل البيت، وتشرع بالمسير وسط النسوة ويوحنّا إلى جانبها.

 

يوحنّا، المنحني انحناءته الخفيفة المعتادة، ووجهه مرفوع لينظر إلى الّتي يكلّمها، يقول لها: «لا تبكي هكذا يا مريم. إن كان كثيرون يكرهونه، فكثيرون هم الّذين يحبّون يسوعكِ. عزّي روحكِ، أيا أُمّي، بالنظر إلى مَن سيحبّون ابنكِ بكلّ ذواتهم الآن وعلى مرّ العصور.» ويُنهي بلطف، وهو يكاد يهمس لمريم وحدها، الّتي يقودها ويسندها ممسكاً بها قرب المرفق كي لا تتعثّر بحجارة المسلك، هي الّتي أعمتها الدموع: «لا يمكن لكلّ الأُمّهات أن يرين ابنهنّ محبوباً… سيكون بعض منهنّ يصرخن ملتاعات: "لماذا حبلتُ به؟"»

 

يسوع يوافيهما، ذلك أنّ مريم ويوحنّا لقد لبثا وحدهما، قليلاً إلى وراء النساء التلميذات. يعقوب بن حلفى هو مع يسوع، الآخرون هم إلى الوراء في مجموعة، مستغرقون بالتفكير وحزانى، كما النسوة اللواتي هنّ أمام الجميع. وفي الآخر، رجال كُثُر مِن أفرايم، محتشدون، يثرثرون فيما بينهم.

 

«إن الوداع هو دوماً مُحزن يا أُمّي. خاصّة عندما لا يكون معلوماً أنّ نهاية الأمر هو بداية لأمر أكثر كمالاً. إنّها النتيجة المحزنة للخطيئة. وستبقى حتّى إلى ما بعد المغفرة. إنّما البشر سيحتملونها بأكثر شجاعة لأنّ الله سيكون صديقاً لهم.»

 

«معكَ حقّ يا يسوع. إنّما هناك ألم يسمح الله بتذوّقه حتّى وهو الصديق الأكثر أُبوّةً الّذي يمكن أن يُوجد. إنّه هكذا بالنسبة لي. آه! إنّ الله صالح! كثير الطيبة. إنّني لا أودّ أن يَصدم بكائي يعقوب ويوحنّا ولا أيّ أحد آخر. إنّ الله طيّب. لطالما كان طيّباً مع مريم المسكينة. لقد كنتُ أقول ذلك لنفسي كلّ يوم مذ بدأت أُجيد التفكير. والآن… الآن أقول ذلك كلّ ساعة، كلّ لحظة. أقول ذلك أكثر، كلّما أعياني الألم… إنّ الله طيّب. لقد منحني إيّاكَ، ابناً محبوباً وقدّوساً، قادراً، حتّى وأنتَ ما تزال طفلاً، على تعويض كلّ ألم امرأة… لقد منحني إيّاكَ، أنا الفتاة المسكينة الّتي رُفِعت إلى مصاف أُمّ كلمته المتجسّد... وهذه الغبطة لإمكاني أن أدعوكَ "بنيَّ"، أيا ربّي المعبود، هي عظيمة لدرجة أنّ الدموع يجب ألّا تسقط مِن جفنيّ لأيّ استشهاد كان إذا ما كنتُ كاملة كما أنتَ تُعلّم. لكنّني امرأة مسكينة يا بنيّ! وأنتَ ابني... و… وأيّة أُمّ يمكنها ألّا تبكي عندما تعلم أنّ ولدها مكروه، وهي تعلم ذلك؟… يا بنيّ، أَنْجِد خادمتكَ… حتماً كان لا يزال بي كبرياء حينما كنتُ أظنّ بأنّني قويّة… لكن آنذاك… كان الوقت ما يزال بعيداً… الآن هو حاضر… إنّني أحسّ به… أَنجِدني يا يسوع، إلهي! إن كان الله يتركني أتألّم هكذا، فإنّ ذلك حتماً لأجل غاية خَيّرة لي. فلو كان يشاء، لأمكنه أن يتركني أتألّم فقط ممّا يحدث… إنّه هو مَن كَوَّنكَ في أحشائي هكذا!... كما… ما مِن وجه لتشبيه يمكن القول معه كيف كُوِّنتَ... إنّما هو يشاء أن أتألّم… وليكن مباركاً لذلك… على الدوام. إنّما أنتَ يا يسوع فساعدني. ساعدوني كلّكم… كلّكم… لأنّه بحر شديد المرارة ذاك الّذي أشرب منه...»

 

«لنتلُ الصلاة، نحن الأربعة. نحن الّذين نحبّكِ مِن كلّ قلبنا يا أُمّي. هنا، أنا ابنكِ، ويوحنّا ويعقوب اللذان يحبّانكِ كما لو كنتِ أُمّهما… أبانا الّذي في السماوات...» ويسوع، الّذي يقود الجوقة الصغيرة للأصوات الثلاثة الّتي تتبعه همساً، يتلو الصلاة الربّانية بأكملها، مشدّداً كثيراً على بعض العبارات مثل: «لتكن مشيئتكَ»... «لا تُدخِلنا1 في تجربة.» ثمّ يقول: «هو ذا. إنّ الآب سوف يعيننا على فِعل مشيئته، حتّى وإن كان ضعفنا كبشر يتصوّر عدم القدرة على تحقيقها، ولن يُدخِلنا1 في تجربة التفكير بأنّه أقلّ طيبة، لأنّه، وفيما نشرب الكأس الأكثر مرارة، سوف يمنحنا ملاكه ليمسح شفاهنا المشبعة مرارة بتعزية سماويّة.» يسوع يمسك باليد أُمّه الّتي كافحت بشجاعة الدموع كي تُعيدها إلى أعماق قلبها. والرّسولين اللذين إلى جانبيهما، يوحنّا قرب مريم، يعقوب بن حلفى قرب يسوع، ينظران إليهما متأثّرَين.

 

النساء التلميذات التفتن أحياناً لسماعهنّ بكاء مريم والأربعة الّذين كانوا يصلّون. إنّما امتنعن عن الانضمام إليهم. إلى الوراء، الرُّسُل تساءلوا: «إنّما لماذا تبكي مريم هكذا؟» قد قلتُ الرُّسُل، إنّما قصدتُ جميعهم ما عدا يهوذا الإسخريوطيّ، الّذي يمضي منعزلاً بعض الشيء ومشغول البال، شبه متجهّم، حتّى إنّ توما يلاحظه ويقول للآخرين: «ولكن ما به يهوذا كي يكون هكذا؟ تحسبه شخصاً ماضياً إلى الموت!»

 

«ربّما يخاف مِن العودة إلى اليهوديّة.» يجيبه متّى.

 

«أنا… ماذا قال لكَ المعلّم بشأن المال؟» يَسأَل الغيور.

 

«لا شيء خاص. لقد قال لي: "الآن نعود إلى الوضع الأوّل. يهوذا المؤتمن على المال وأنتم موزّعو الصدقات. بالنسبة للنفقات، التلميذات يردن القيام بها." لم يبدُ لي الأمر حقيقيّاً! فقد تعاملتُ كثيراً مع المال لدرجة أنّني كرهتُه.»

 

«تهتمّ النساء التلميذات بنا جيّداً. هذه النعال متقنة جدّاً… حتّى لا يخال المرء نفسه أنّه يسير في الجبال. مَن يعلم كم ثمنها!» يقول بطرس ناظراً إلى قدميه المحتذيتين تلك النعال الجديدة الّتي تحمي الكعب والأصابع، وتدعم الكاحل بأربطة جلدية ناعمة.

 

«مرثا هي مَن فَكَّر بها. يدها الغنيّة والحريصة بائنة. في المرّات السابقة نحن أيضاً كنّا نربطها هكذا، لكن تلك الأربطة كانت عذاباً. لم نكن نفقد النعل، لكنّنا كنّا نفقد جلد الساق...» يقول أندراوس.

 

«وكنّا نجرح الأصابع والكعبين… لذلك كان ذاك الّذي يتبعنا يلبسهما دائماً هكذا!» يقول بطرس مشيراً إلى يهوذا الاسخريوطيّ.

 

الطريق تصعد، تصعد صوب قمّة الجبل. بالنظر إلى الوراء تُرى أفرايم بيضاء تماماً في الشمس، وأصبحت تبدو منخفضة جدّاً بالنسبة للّذين يتقدّمون.

 

ثمّ يختلط الرُّسُل بالتلميذات لمساعدتهنّ على اجتياز المسلك شديد الانحدار في هذا الموضع، وحتّى أنّ برتلماوس، وقد بقي إلى الخلف، يقول لأهل أفرايم: «لقد دللتمونا على درب شاقّ أيّها الأصدقاء.»

 

«نعم. إنّما بعد اجتياز هذه الغابة، هناك طريق سهلة تقود بوقت قصير إلى شيلوه. يمكنكم آنذاك أن ترتاحوا هناك لساعات، بدلاً مِن الوصول ليلاً عبر درب آخر.» يجيب أحدهم.

 

«معكَ حقّ. كلّما كانت الدرب شاقّة أكثر، كلّما قادت بشكل أسرع إلى الغاية.»

 

«معلّمكَ يعلم ذلك. كذلك فهو لا يراعي نفسه. آه! نحن لن نستطيع أن ننسى!... خصوصاً أنّه غمرنا بإحساناته في هذه الأيّام الأخيرة، بعدما سمع البعض مِن منطقتنا الّذين أهانوه على نحو ظالم جدّاً. وحده هو صالح ويُغدِق كذلك بإحساناته على مَن يكرهونه.»

 

«أنتم لم تكرهوه.»

 

«نحن لا. إنّما أيضاً هناك كُثُر آخرون لا نكرههم، ومع ذلك فنحن مكروهون بلا مبرّر.»

 

«افعلوا كذلك أنتم كما يفعل هو، مِن دون خوف، وسترون أنّ...»

 

«وأنتم لماذا لا تفعلون ذلك إذن؟ إنّ الأمر سيّان. نحن مِن هنا، أنتم مِن هناك، في الوسط جبل: رفعه خطأ مشترك. وفوق يوجد إلهنا المشترك. فلماذا إذن لا نصعد نحن ولا أنتم المنحدر كي نلتقي فوق، عند قدميّ الله، وقريبين مِن بعضنا البعض؟»

 

برتلماوس يُدرِك اللوم الصائب، لأنّه ورغم فضيلته الّتي لا تقبل الجدل، ففيه ذلك الهاجس المتجذّر كونه إسرائيليّاً، وهو المتصلّب حيال كلّ ما هو غير إسرائيليّ، ويُحوّل الحديث مِن دون أن يجيب بشكل مباشر، يقول: «ما مِن حاجة للصعود. فالله قد نزل بيننا. يكفي أن نتبعه.»

 

«أن نتبعه نعم. نودّ ذلك. إنّما إن دخلنا إلى اليهوديّة معه، أفلا نتسبّب له بالأذى يا ترى؟ أنتَ أيضاً تعلم بماذا يتّهمونه وبماذا يتّهموننا: بأنّنا سامريّون، ممّا يؤدّي إلى القول: شياطين.»

 

برتلماوس يتنهّد ومِن ثمّ يتركهم معلّقين قائلاً: «إنّهم يشيرون إليّ بالذهاب...» ويحثّ الخطى.

 

أهل أفرايم ينظرون إليه وهو يذهب، وأحدهم يهمس: «آه! هو ليس مثله! ما نفقده بفقداننا إيّاه!» ويقوم بحركة إحباط.

 

«أتعلم يا إيليا بأنّه مساء أمس قد حمل مبلغاً كبيراً إلى رئيس المعبد كي يعطيه لمريم الّتي ليعقوب كي لا تعود تعاني الجوع؟»

 

«أنا لا. ولماذا لم يعطه لها؟»

 

«لئلّا تشكره المرأة العجوز. هي لا تعلم بذلك بعد. أنا أعلم، لأنّ رئيس المعبد قال ذلك لي كي يستشيرني إن كان حسناً أن تُشترى لها مُلكيّة يوحنّا الّتي يريد أخوه بيعها، أو أن يُعطى لها المال شيئاً فشيئاً. وأنا نصحتُ بشراء الملكيّة، فهي تعطيها حبوباً، زيتاً ونبيذاً بما يكفي للعيش دونما جوع. بينما المال… ذاك...»

 

«إنّما هو إذن مبلغ كبير حقّاً؟!» يقول ثالث.

 

«نعم. إنّ رئيس معبدنا قد حظي بالكثير، كذلك لفقراء المدينة والأرياف الآخرين. كي "يستطيعوا هم أيضاً الاحتفال بفصح الفطير، ليُحيّوا الزمن [العهد] الجديد". كما قال المعلّم.»

 

«لا بدّ أنّه قال العام الجديد.»

 

«لا. قد قال: "الزمن [العهد] الجديد". بحيث أنّ رئيس المعبد لن يستخدم هذا المال قبل عيد الفطير.»

 

«آه! وما الّذي يقصده؟» يَسأَل كُثُر.

 

«ما الّذي يقصده؟ لا أعلم. لا أحد يعلم. ولا حتّى يوحنّا، المحبَّب إليه، ولا سمعان بن يونى، الّذي هو رئيس التلاميذ. لقد سألتُهما عن ذلك، والأوّل قد شحب، والثاني لبث مستغرقاً بالتفكير كمن يحاول أن يخمّن.»

 

«ويهوذا الاسخريوطيّ؟ إنّه شخص مهمّ بينهم. ربّما أكثر مِن الاثنين الآخرَين. هو يقول بأنّه يعلم كلّ شيء، وسيعلم ذلك أيضاً. هيّا بنا نسأله. إنّه يحبّ الإفصاح عمّا يعلم.»

 

يهمّون في اللحاق بيهوذا، الّذي لا يزال منعزلاً كما في البدء، وقد بات وحده على الدرب، لأنّ الآخرين قد سلكوا منعطفاً، ويبدو كما لو أنّ الخضرة الكثيفة للمنحدر قد ابتلعتهم.

 

«يهوذا، اسمعنا. المعلّم يقول بأنّه يريد احتفالاً عظيماً لفصح الفطير، لتحيّة الزمن [العهد] الجديد. ما الّذي يقصده؟»

 

«أنا لا أعلم. هل يمكن أن أكون في فِكر المعلّم؟ اسألوه عن ذلك هو الّذي يحبّكم كثيراً.» ويحثّ الخطى تاركاً إيّاهم خائبي الأمل.

 

«كذلك هو ليس المعلّم. ما مِن أحد يتحلّى برأفته...» يقولون هازّين رؤوسهم.

 

«حسناً، هل هم مَن نتبع؟ إنّه هو مَن نتبع! ونُحسِن صنعاً بفعلنا لذلك. هيا بنا. مَن يدري إذا ما كان مِن الممكن معرفة ما الّذي يقصده مِن شفتيه قبل أن يذهب إلى اليهوديّة.»

 

ويحثّون الخطى كي يلحقوا بالآخرين، الّذين جلسوا كي يرتاحوا تحت مجموعة أشجار سنديان معمّرة، وأمام ناظريهم واحد مِن أجمل مشاهد فلسطين.

----------

1- الجمعية العامة للمؤتمر الأسقفي الإيطالي في الدورة 72 بتاريخ (15 نوفمبر 2018) في بيانها الختامي: (رابط البيان)، وافقت على تعديل المقطع الأخير من صلاة الأبانا ليصبح: "لا تتركنا نتعرّض للتّجربة" (Non abbandonarci alla tentazione). بدلاً مِن: "لا تُدْخِلنا في تجربة" (Non ci indurre in tentazione). وقد صادق قداسة البابا فرنسيس على هذا التعديل ضمناً في المقابلة العامّة يوم (الأربعاء 1 مايو 2019‏). (رابط المقابلة).