ج6 - ف78
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
78- (في المواضع التي ضربها العقاب الإلهي. يهوذا وسمعان يمضيان إلى بيت عنيا.)
19 / 02 / 1946
يُفتَرض أنّهم أكملوا طريقهم على ضوء القمر وأقاموا في كهوف لبضعة ساعات وعاودوا المسير عند الفجر. وهم متعبون بشكل واضح مِن صعوبة السير على الحصى، عبر الشجيرات الشائكة والمعرِّشات التي تزحف وتعانق الأقدام. يقود المسير سمعان الغيور الذي يبدو خبيراً بالنواحي ويعتذر مِن صعوبة السير وكأنّ ذلك كان منوطاً به.
«الآن، عندما نصبح مجدّداً على الجبال التي ترونها، سنسير بشكل أفضل، وأعدكم بوفرة العسل البرّيّ والماء النقيّ...»
«الماء؟ سوف أخوض فيه! فلقد نَخَرَ الرمل قدميّ كما لو كنتُ مشيتُ على الملح وجلدي يلتهب. يا لها مِن أمكنة ملعونة! آه! إنّنا نشعر، نعم، نشعر أنّنا في جِوار الأمكنة المعاقبة بنار السماء! فلقد بقيَتْ في الهواء، على الأرض، في الأشواك. في كلّ شيء!» يقول بطرس.
«ومع ذلك كان هذا المكان جميلاً ذات يوم. أليس كذلك، يا معلّم؟»
«جميلاً جدّاً. في العصور الأولى للعالم كان هذا المكان جنّة عدن صغيرة. الأرض خصيبة للغاية، غنيّة بالينابيع متعدّدة الاستخدام، إنّما مهيّأة بشكل لا تعطي معه إلاّ الخير. بعد ذلك... فوضى البشر بدت مهيمنة على كلّ العناصر. وكان الخراب. حُكماء العالم الوثنيّ يشرحون العقاب الرهيب بطرق عديدة. بأسلوب البشر، آنذاك، أحياناً بذُعر خرافيّ. لكن ثِقوا بذلك: كانت فقط مشيئة الله التي غيّرت نظام العناصر. تلك التي للسماء نادت التي للأعماق، تصادمت، ثارت الواحدة على الأخرى في هيجان خبيث، البروق أحرقت القار الذي كانت شرايين الأرض المفتوحة قد نثرته بشكل فوضويّ، ونار أحشاء الأرض والنار على الأرض، ونار السماء لتغذية نار الأرض، ولفتح جراح جديدة بسيوف البروق في الأرض التي كانت ترتعد في الاختلاجات المخيفة، أَحرَقَت، دَمَّرَت، حتَّت مسطّحات ومسطّحات لمكان كان سابقاً فردوساً، بجعله جحيماً ترونه وحيث لا يمكن أن تكون حياة.»
يُنصِت الرُّسُل بانتباه…
يَسأَل برتلماوس: «أتظنّ أنّه لو كنّا نستطيع تجفيف وِشاح المياه الكثيف، كنّا سنجد في قاع البحر العظيم بقايا المدن المعاقَبة؟»
«بالتأكيد. وتكاد تكون سليمة، ذلك أنّ كثافة المياه هي بمثابة الكفن الكلسيّ للمدن المغمورة. ولكنّ الأردن قد نَشَرَ فوقها طبقة كثيفة مِن الرمل. فقد غُمِرَت مرّتين لكي لا تنتصب ثانية، فهي رمز للذين، متعنّتين في خطاياهم، يُغمَرون بغير رحمة بلعنة الله وسيطرة الشيطان الذي استخدموه أثناء حياتهم بكثير مِن اللهفة.»
«أهنا التجأ متاتياس بن يوحنّا بن شمعون، الأسمونيّ البار الذي هو مجد إسرائيل كلّها، مع أبنائه؟»
«هنا، بين الجبال والبوادي، وهنا أعاد تنظيم الشعب والجيش، وكان الله معه.»
«حينئذ، على الأقلّ... كان أسهل بالنسبة إليه، إذ إنّ الأسيديّين كانوا أكثر استقامة ممّا هم عليه الفرّيسيّون معكَ!»
«آه! أن يكون المرء أكثر استقامة مِن الفرّيسيّين سهل جدّاً! أكثر سهولة أيضاً مِن الوخز لهذه الشوكة التي عَلِقَت بساقيّ... انظروا هنا!» يقول بطرس الذي، إذ هو يُنصِت، لم ينظر إلى الأرض فوجد نفسه مغلّفاً بدغل شائك أدمى بَطَّتيه.
«على الجبال، يتواجد عدد أقلّ. أترى أنّه قد أصبح أقلّ؟» يقول سمعان الغيور ليواسيه.
«هوم! أنتَ على اطّلاع جيّد...»
«لقد عشتُ هنا منفيّاً ومُضطَهَداً...»
«آه! حينذاكَ...»
بالفعل، لقد أضحت الجبال الصغيرة خضراء، اخضراراً أقلّ تعذيباً، رغم كونه أقلّ ظلاًّ، وإذا كان العشب فيه أقلّ نموّاً، فهو بالمقابل عَطِر جدّاً وقد نُثرت عليه الزهور التي جَعَلَت منه سجّادة موشّاة. أسراب مِن النحل تأخذ مؤونتها ثمّ تنطلق مِن هنا إلى الكهوف المحفورة في سفوح الجبل، وهناك، تحت ستائر مِن اللبلاب وزهر العسل، تضع العسل في الخلايا الطبيعيّة. يذهب سمعان الغيور إلى أحد الكهوف ليَخرُج منه بأقراص مِن العسل الذهبيّ، وإلى آخر، وأيضاً إلى آخر حتّى حصل منه للجميع، ويقدّم للمعلّم والأصدقاء الذين يأكلون بكلّ سرور العسل اللذيذ، والذي يسيل.
«لو كان معنا خبز! كم هو لذيذ!» يقول توما.
«آه! حتّى بدون خبز، هو لذيذ! أفضل مِن السنابل الفظّة. و... كلّ الأمل ألاّ يكون هناك فرّيسيّون يأتون ليقولوا لنا ألاّ نأكل منه!» يقول يعقوب بن زَبْدي.
يمضون وهُم يأكلون، ويَصِلون إلى خزّان ماء تصبّ فيه جداول لتذهب مياهها لستُ أدري إلى أين. الماء الذي يفيض يَخرُج مِن الحوض بارداً، صافياً، كونه محميّاً مِن الشمس والفضلات بقبّة الصخرة التي حُفِر الخزّان فيها. وحين يصبّ، يُشكّل بحيرة صغيرة في الصخر الصوّان الأسود.
بمتعة جليّة يَخلَع الرُّسُل ثيابهم ويَغطسون في الحوض غير المتوقَّع، الواحد تلو الآخر. إنّما قبل ذلك، أرادوا أن ينتفع منه يسوع «لكي تتقدّس به أعضاؤهم» يقول متّى.
يُعاوِدون المسير، مستعيدين نشاطهم رغم جوعهم، والأكثر جوعاً، رغم العسل الذي تناولوه، يَقضمون سوق الشمرة البرّيّة ونباتات أخرى صالحة للأكل أجهل اسمها.
جميل مشهد نُجود تلك الجبال الغريبة التي تبدو وكأنّ قممها قُطِعَت بضربة سيف. قِطَع مِن جبال أخرى خضراء وسهول خصيبة تُرى جهة الجنوب، وكذلك بعض خلفيّات على البحر الميت، الذي في المقابل هو مُشاهَد مِن الشرق، مع الجبال البعيدة للضفّة الأخرى، المظلَّل بضباب مِن الغمام الخفيف المرتفع مِن الجنوب الشرقيّ. في الشمال، عندما تُكتَشَف مِن بين قمم الجبال، تُرى خُضرة سهل الأردن البعيد، في الغرب جبال اليهوديّة الشامخة.
تبدأ الشمس تلتهب ويقول بطرس بأسلوب الحِكَم: «هذه الغيوم على جبل موآب دليل حرارة شديدة.»
«سنهبط الآن إلى وادي قدرون. هو ظليل...» يقول سمعان.
«قدرون؟! آه! كيف تمكّنا مِن الوصول بهذه السرعة إلى قدرون؟»
«نعم، يا سمعان بن يونا. كان الدرب وَعِراً، ولكن كم اختصر المسافة! باتّباع واديه، يكون الوصول إلى أورشليم سريعاً.» يشرح الغيور.
«وإلى بيت عنيا... عليَّ إرسال بعض منكم إلى بيت عنيا للقول للأخوات بأخذ إيغلا إلى بيت نيقي. لقد رجتني ذلك كثيراً، وهذا طلب حقّ. الأرملة التي بلا أولاد ستحظى هي كذلك بحبّ مقدّس، والابنة التي بلا أهل بأُمّ إسرائيليّة بحقّ، تُنشِئها على إيماننا القديم وفي الإيمان بي. أودُّ أن آتي أنا أيضاً... استراحة سلام لروحي الحزين... ففي بيت لعازر لا يجد قلب المسيح سوى الحبّ... ولكنّ الرحلة التي أريد إتمامها قبل العنصرة طويلة.
«أَرسِلني أنا، يا ربّ، ومعي سائر جيّد. فنذهب إلى بيت عنيا وبعد ذلك سأصعد إلى اسخريوط وهناك نلتقي.» يقول الاسخريوطيّ متحمّساً. الآخرون، على العكس، في انتظار اختيارهم لهذه الرحلة التي تُفرّقهم عن المعلّم، هم ليسوا متحمّسين على الإطلاق. يُفكّر يسوع. وبينما هو يُفكّر، يَنظُر إلى يهوذا. يَزِن فيما إذا كان سيوافق. يُصرّ يهوذا. «نعم، يا معلّم! قل نعم! تكرّم عليَّ!...»
«أنتَ أقلّ الجميع مناسَبَة للذهاب إلى أورشليم، يا يهوذا!»
«لماذا يا ربّ؟ أنا أعرفها أكثر مِن أيّ واحد آخر!»
«بالضبط مِن أجل هذا!... فهي ليست فقط معروفة بالنسبة إليكَ، ولكنّها تَلِج إلى داخلكَ أكثر مِن أيّ واحد آخر.»
«يا معلّم، كلمة شرف منّي أنّي لن أتوقّف في أورشليم ولن أرى أيّ إنسان مِن إسرائيل، بإرادة منّي... إنّما دعني أذهب. وسأسبقكَ إلى اسخريوط...»
«ولن تُمارِس ضغطاً لكي تجعل لي كرامات بشريّة؟»
«لا، يا معلّم، أَعِد بذلك.»
يُفكّر يسوع مرّة أخرى.
«لماذا كلّ هذا التردّد يا معلّم؟ أترتاب منّي إلى هذه الدرجة؟»
«أنتَ ضعيف، يا يهوذا. وبابتعادكَ عن القوّة، تَهوي! أنتَ طيّب للغاية منذ بعض الوقت! لماذا تريد الاضطراب لنفسكَ والتسبّب بالغمّ لي؟»
«ولكن لا، يا معلّم، لستُ أريد هذه الأشياء! لا بدّ لي مِن يوم أكون فيه بدونكَ! وحينذاك؟ كيف سأعمل إن لم أكن مهيَّأً؟»
«يهوذا على حقّ.» يقول البعض.
«حسناً!... إذهب. إذهب مع يعقوب أخي.»
يتنفّس الآخرون بانشراح. يعقوب، متألّماً، يتنهّد، ولكنّه يقول بإذعان: «نعم، يا ربّي! باركنا وسنمضي.»
يُشفِق سمعان الغيور على ألمه ويقول: «يا معلّم، يأخذ الآباء عن طيب خاطر مكان أبنائهم ليمنحوهم قَدْراً مِن الفرح. وهو قد اتّخذتُه ابناً لي وكذلك يوضاس. ولقد مرّ زمن، ولكنّ فكرتي ما تزال ذاتها. تَقبَّل رجائي... أرسلني مع يهوذا بن سمعان. أنا رجل مسنّ، ولكنّي أتحمّل كشابّ، ولن يكون ليهوذا ما يتشكّى به منّي.»
«لا، ليس عدلاً أن تضحّي بالابتعاد عن المعلّم بدلاً عنّي. بالتأكيد هذا مؤلم لكَ أن لا تذهب معه...» يقول يعقوب بن حلفى.
«ألمي يَخفّ بفرح إبقائكَ مع المعلّم. ستروي لي فيما بعد ما فعلتموه... فضلاً عن ذلك... أذهب عن طيب خاطر إلى بيت عنيا...» يُنهي الغيور كما ليقلّل مِن قيمة ما وَهَب.
«ستمضيان أنتما الاثنان. وفي هذه الأثناء فلنكمل إلى هذه القرية الصغيرة. مَن يصعد إليها لجلب الخبز باسم الله؟»
«أنا! أنا!» الجميع يريدون الذهاب، ولكنّ يسوع يُبقي يهوذا الاسخريوطيّ.
عندما ابتعد الجميع، يُمسِك يسوع له يديه ويكلّمه حقّاً وجهاً لوجه. يبدو وكأنّه يريد أن يمرّر فِكره إليه، الإيعاز إليه لدرجة لا يستطيع معها يهوذا أن تكون لديه أفكار غير التي يريدها يسوع. «يهوذا... لا تُسئ إلى نفسكَ! لا تُسئ إلى نفسكَ يا يهوذا! ألا تشعر بسكينة أكثر وسعادة أكبر منذ بعض الوقت، متحرّراً مِن أخطبوطات الأنا الأكثر سوءاً الذي فيكَ، ذلك الأنا البشريّ الذي هو لعبة سهلة جدّاً للشيطان والعالم؟ نعم أنتَ تشعر بذلك! حافظ إذن على سلامكَ، على راحتكَ. لا تؤذِ نفسكَ، يا يهوذا! أقرأ ما في داخلكَ. أنتَ في أوان جيّد جدّاً! آه! لو كنتُ أستطيع، لو كنتُ أستطيع المحافظة عليكَ هكذا ولو كان الثمن دمي كلّه، تدمير حتّى آخر الأسوار التي يُعشّش فيها عدوّ لكَ كبير، وجعلكَ روحاً صرفاً، ذكاء الروح، حبّ الروح، روحاً، روحاً!»
يهوذا، الصدر على الصدر، الوجه على وجه يسوع، اليدان في اليدين، ويكاد يكون مذهولاً. يُتمتم: «أؤذي نفسي؟ آخر الأسوار؟ أيّها؟...»
«أيّها؟ أنتَ تعرف. تعرف بأيّ شيء تؤذي نفسكَ! باستثمار أفكاركَ عن العَظَمَة البشريّة والصداقات التي تَفتَرِض أنّها مفيدة لمنحكَ هذه العَظَمَة. إسرائيل لا تحبّكَ، ثق بذلك. تكرهكَ كما تكرهني وكما تكره أيّاً كان باستطاعته أن يكون له مَظهَر الـمُنتَصِر الـمُحتَمَل. وأنتَ، بالضبط لأنّكَ لا تُخفي فكرة إرادتكَ أن تكون هكذا، أنتَ مكروه. لا تثق بأقوالهم الكاذبة، بأسئلتهم المزيَّفة التي يطرحونها بحجّة الاهتمام بأفكاركَ لمساعدتكَ. يُراوغونكَ لإلحاق الأذى، للمعرفة وإلحاق الأذى. ولا أطلب منكَ مِن أجلي، بل مِن أجلكَ، ومِن أجلكَ فقط. وأنا، إذا كنتُ عُرضة للظلم، فإنّني الربّ على الدوام. يمكنهم تعذيب الجسد، قتله. ليس أكثر. أمّا أنتَ، أمّا أنتَ! فنفسكَ التي يقتلون... اهرب مِن التجربة، يا صديقي! قُل لي إنّكَ ستهرب منها! امنح معلّمكَ المسكين الـمُضطَهَد، الـمُعَذَّب، كلمة السلام هذه!»
يضمّه بين ذراعيه الآن، ويكلّمه والخدّ على الخدّ، قرب الأذن، وشعر يسوع الذهبي الداكن يختلط بتقصيبات يهوذا البنّية الثقيلة.
«أنا أعلم أن عليَّ أن أتألّم وأموت. أعلم أنّ إكليلي لن يكون سوى الذي للشهيد. أعلم أنّ أرجواني لن يكون سوى الذي لدمي. لأجل هذا أنا أتيتُ. إذ بهذا الاستشهاد أفتدي البشريّة، والحبّ يدفعني منذ وقت غير محدود لإتمام هذا العمل. ولكنّي أودُّ ألاّ يَهلَك أحد مِن أتباعي.آه! كلّ البشر أعزّاء على قلبي، ذلك أنّ فيهم صورة وشَبَهاً بي، والنَّفْس الخالدة التي خَلَقَها هو. أمّا أنتم، أنتم المحبوبون والمفضَّلون، أنتم دم مِن دمي، حدقة عيني، لا، لا، هالكون لا! آه! لن يكون عذاب شبيهاً بهذا، حتّى ولو كان الشيطان يغرس فيَّ أسلحته الـمُحرِقة بالكبريت الجهنّمي وينهشني، يُغلّفني، هو، الخطيئة، الهلع، الاشمئزاز، لن يكون عذاب لي يشبه هلاك أحد مختاريّ... يهوذا! يهوذا! حبيبي يهوذا! هل تريدني أن أطلب مِن أبي أن يجعلني أتألّم آلامي الرهيبة ثلاث مرّات، مرّتين منها لأجل خلاصكَ أنتَ فقط؟ قل لي ذلك، يا صديقي، وسأفعله. سأقول بمضاعفة آلامي إلى ما لا نهاية مِن أجل ذلك. أُحبّكَ، يا يهوذا، أُحبّكَ كثيراً. وأودُّ، أودُّ أن أمنحكَ ذاتي، أن أجعلكَ ذاتي، لأخلّصكَ مِن ذاتكَ...»
«لا تبكِ، لا تتكلّم هكذا، يا معلّم.أنا كذلك، أُحبّكَ. أنا كذلك، أُقدّم ذاتي لرؤيتكَ قويّاً، محتَرَماً، مهيباً، منتصراً. قد لا أكون أُحبّكَ بشكل كامل. قد لا أفكّر بشكل كامل. ولكن كلّ ما أكونه، أَستَخدِمه، وقد أُفرِط في ذلك، هو بدافع لهفة شديدة لرؤيتكَ محبوباً. ولكنّني أُقسِم لكَ، أُقسِم لكَ بيهوه، أنّني لن أتقرّب مِن الكَتَبَة، ولا مِن الفرّيسيّين، ولا الصدّوقيّين، ولا اليهود، ولا الكَهَنَة. سيقولون إنّني مجنون. ولكنّ هذا لا يهمّني. يكفيني ألاّ تغتمّ بسببي. هل أنتَ مسرور، قُبلة، يا معلّم، قُبلة مِن أجل بركتكَ وحمايتكَ.»
يتعانقان ويفترقان بينما يعود الآخرون، نازلين مِن الهضبة جَرياً، مُلوِّحين بفطائر كبيرة وجبن طازج.
يَجلسون على العشب الأخضر ويوزّعون الطعام وهم يَروُون حسن استقبالهم، لأنّ أناساً، في بعض البيوت، يعرفون الرُّعاة التلاميذ المؤيّدين لمَسيّا.
«لم نقل إنّكَ كنتَ هنا، وإلاّ...» يُنهي توما.
«سنحاول المرور مِن هنا يوماً. يجب عدم إهمال أيّ شخص.» يُجيب يسوع.
ينتهي تناول الطعام. ينهض يسوع ويبارك الاثنين الذاهبيَن إلى بيت عنيا، واللذَين لا ينتظران المساء لمعاودة المسير، لأنّ الوادي ظليل وفيه الكثير مِن الينابيع.
يسوع، والعشرة الباقون، مِن جهتهم، يتمدّدون على العشب ويأخذون قسطاً مِن الراحة بانتظار الغسق، للعودة إلى طريق عين جدي ومَسَادة، كما أسمع ما يُقال للذين مكثوا.