ج4 - ف125
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
125- (مريم الكُلّيّة القَداسة: "رأفتي أقوى مِن كلّ شيء")
24 / 08 / 1945
على سلسـلة مِن الروابي، حيث تمتدّ الطريق الواصلة إلى الناصرة، مُستفيداً مِن بساتين الزيتون والبسـاتين الأخرى التي تغطّي القسم الأكبر مِن تلك المنطقة الخَصيبة والـمُعتنى بها، يتوجّه يسوع صوب الناصرة.
ومع ذلك، حينما يَصِل إلى تقاطع طُرُق، حيث تَقطَعه الطريق إلى بتولمايس [عَكّا] يتوقّف ويقول: «فلنتوقّف قرب ذاك البيت حيث توقَّفتُ ذات مرّة، ولنتناول طعامنا، وبينما تتابع الشمس مسيرتها، فلنَبقَ مُجتَمِعين قبل أن نَفتَرِق مِن جديد. فبينما نحن نتوجّه إلى طبريّا، ستَمضي أُمّي ومريم إلى الناصرة، ويوحنّا وهرمست إلى سيكامينون [حيفا].»
يتوجَّهون عَبْر بستان للزيتون صوب بيت لفلّاحين واسع ومنخفض، مُزيَّن بشجرة تين ومطوَّق بأغصان كرمة تتسلّق السلّم الصغير لتمتدّ أغصانها بعدئذ على الشُّرفة.
«السلام لكم. ها أنذا مِن جديد.»
«تعال يا معلّم، على الرحب والسعة دائماً. وعليكَ سلام الله، أنتَ ومَن معكَ» يُجيب رجل عجوز كان يجتاز الدار ومعه غَمر مِن الأغصان. ثمّ ينادي: «سارة! سارة! إنّه المعلّم مع تلاميذه. زيدي الطحين في عَجين الخبز!»
ومِن إحدى الغُرُف تَخرُج امرأة بيضـاء بفعل الطحين الذي كانت تَنخله، فمـا زال الـمِنخَل في يدها وفي داخله بقايا، وتجثو مبتسمة أمام يسوع.
«السـلام لكِ أيّتها المرأة. لقد جلبتُ معي أُمّي كما كنتُ قد وعدتُكِ. ها هي ذي، وتلك هي سلفتها، أُمّ يعقوب ويوضاس. أين دينا وفليبّس؟»
وتُجيب المرأة بعد تحيّة مريم ومريم: «دينا وَلَدَت أمس ابنتها الثالثة. إنّنا حزينون قليلاً لأنّه لم يُكتَب لنا أن نُرزَق بحفيد، ولكنّنا مع ذلك فَرِحون، أليس كذلك يا متاتياس؟»
«نعم، لأنّها حفيدة جميلة وهي مِن دمنا. سوف نريكَ إيّاها. أمّا فليبّس فقد مَضى كي يُعيد حنّة ونُعْمي إلى أهلهما، ولكنّه سيعود حالاً.»
تعود المرأة إلى خُبزها، بينما الرجل، بعد وضعه الأغصـان في الفـرن، يهتمّ بضيوفه، بإعطائهم مقاعد وحليباً طازجاً لِمَن يريد، وفاكهة وزيتوناً لِمَن يُفضِّلهما.
الطابق الأرضيّ رَطِب وظليل، وواسع، وهو مفتوح أمام البيت وخلفه، ببابين مُظلَّلين، الواحد بشجرة تين ضخمة والآخر بسياج زهور نجميّة، أنواع مِن دَوّار القمر شكلاً ولكنّها أصغر منها حجماً. نور عظيم بلون الزمرّد يَلِج هكذا إلى القاعة الكبيرة، يُخفِّف عن العيون الـمُتعَبة مِن نور الشمس الباهر. في القاعة الكبيرة مقاعد وطاولات، قد تكون المكان الذي تَغزل فيه النساء ويَنسجن، ويُصلح الرجال أدوات الزراعة، أو يَحفظون فيه مؤونة الطحين والفاكهة، ذاك ما يوحي به وجود الرّافدات المنتَفِشـات للخطّافات، والطاولات الصغيرة الموضوعة على ركائز، بالإضافة إلى صناديق خشبيّة طويلة على طول الجدران. مشاقات كتّان أو قنّب نديفة تبدو كالجدائل المحلولة على طول الجدار المبيّض بالكلس، ونسيج أحمر كالنار، ممدود على نول ما زال مكشوفاً، يبدو وكأنّه يُبهِج الجوّ كلّه بلونه الضاحك ذي الأبّهة.
تعود ربّة البيت بعد انتهائهـا مِن الخَبز وتَسـأَل الضيوف إذا ما كانوا يَودّون رؤية المولودة الجديدة.
يُجيب يسوع: «بكلّ تأكيد، سوف أُبارِكها.»
مريم، مِن جهتها، تقول: «أودُّ أن أُسلّم على الأُمّ.»
تَخرُج جميع النساء.
«إنّنا هنا على ما يرام.» يقول برتلماوس الذي يبدو بشكل جليّ إنّه تَعِب جدّاً.
«نعم فهنا ظلّ وصَمت. سينتهي بنا الأمر إلى النوم.» يؤكّد بطرس الذي أَصبَحَ شِبه نَعسان.
«ثلاثة أيّام مِن الآن، سَـنُقيم وقتاً طويلاً في بيوتنا. سوف ترتاحون لأنّكم ستنطلقون للتبشير في الضواحي المتاخِمة لكفرناحوم.» يقول يسوع.
«وأنتَ؟»
«أنا سـوف أبقى في كفرناحوم طوال الوقت، مع بعض الإقامـات في بيت صيدا. وسوف أُبشِّـر الذين يَلحقون بي إلى هناك. ثمّ في أوّل قمر تشرين (نوفمبر-ديسمبر). سنُعاوِد رحلاتنا. وفي هذه الأثناء سأتابع تثقيفكم مساءً...»
يَصمت يسوع عندما يَرى أنّ النُّعاس يَجعَل كلامه بغير ذي فائدة. يبتسم هازّاً رأسه وهو يَنظُر إلى مجموعة الناس الذين أنهَكَهم التَّعب، والذين يستسـلمون للنوم مُستَرخين إلى حدّ ما. الصمت مُطبِق في البيت والقرية المشمِسة. تَحسَب المكان خلّاباً. يَجلس يسوع على عَتَبَة الباب، قُرب السّياج الـمُزهِر، ويَنظُر عَبْر الأغصان إلى روابي الجليل التي أَصبَحَت رماديّة بفضل شجر الزيتون غير المتحرّك.
ضجّة خفيفة تُصاحِبها شكوى مُبهَمَة مِن المولودة الجديدة يترجّع صداها فوق رأسه. يَرفَع يسوع رأسـه مبتسماً لأُمّه التي تَنـزل، حاملة بين ذراعيها صرّة بيضاء يتحرّك فيها ثلاثة أشياء حمراء: رأس صغير وقبضتان صغيرتان تهتزّان.
«انظر يا يسوع، يا لها مِن طفلة جميلة! تُشبِهكَ قليلاً عندما كان عمركَ يوماً. كنتَ هكذا أشقر البشرة لدرجة كنت لَتبدو بدون شعر لو لم يكن شعركَ منذ ذلك الحين مربوطاً بعقلة خفيفة، مثل ندفة سحابة، وهكذا كنتَ مثل الوردة. وانظر، انظر، الآن وقد فَتَحَت عينيها الصغيرتين في هذا الظلّ تبحث عن الثدي، لها لون عينيكَ الأزرق القاتم... آه! حبيبتي! ولكن ليس لديَّ حليب، أيّتها الوردة الصغيرة، الصغيرة، يا يمامتي الصغيرة!» والسيّدة العذراء تُهدهِد للصغيرة التي سَكَنَت وبَدَّلَت صراخها بمناغاة كصوت يمامة صغيرة، وتنام.
«أُمّاه، أهكذا كنتِ تفعلين معي؟» يَسأَل يسوع الذي يَنظُر إلى أُمّه تُهدهِد للصغيرة، واضِعة خدّها على الرأس الصغير الأشقر.
«نعم يا بني. إنّما لكَ كنتُ أقول: "يا حَمَلي الصغير". إنّها جميلة، أليس كذلك؟»
«إنّها جميلة وقويّة. يُفتَرَض أن تكون أُمّها سـعيدة بها.» يؤكّد يسوع وقد انحنى هو أيضاً لِيَنظُر إلى نوم البريئة.
«في الواقع هي ليست كذلك... فالزوج غاضِب لأنّ جميع أولاده بنات. صحيح أنّه مِن أجل الحقول، يُفضِّل الذكور، ولكن الغلطة ليسـت غلطة ابنتنا...» تقول ربّة البيت التي وَصَلَت للتوّ وهي تتنهّد.
«إنّهما شابّان، ويُحبّان بعضهما، وسوف يُرزَقان بالصبيان.» يقول الربّ بثقة.
«هو ذا فليبّس... سيتجهَّم الآن...» تقول المرأة مضطربة. وتقول بصوت أعلى: «فليبّس، رابّي الناصرة هنا.»
«سعدتُ جدّاً برؤيتكَ. السلام لكَ يا معلّم.»
«ولكَ السلام يا فليبّس. لقد رأيتُ ابنتكَ الصغيرة الجميلة. إنّني ما زلتُ أنظر إليها لأنّها تستأهل قصائد مديح. الله يبارككَ بمنحه لكَ أطفالاً جميلين، أصحّاء وطيّبين. عليكَ الاعتراف بجميله... أفلا تُجيب؟ يبدو أنّكَ غاضِب...»
«كنتُ آمُل الحصول على ابن، أنا!»
«ومع ذلك لا تودّ أن تقول لي بأنّكَ ظالم باتّهامكَ البريئة بأنّها فتاة، وأيضاً بظهوركَ بمظهر القاسي تجاه زوجتكَ؟» يَسأَل يسوع بصرامة.
«أنا، كنتُ أريد صبيّاً! مِن أجل الربّ ومِن أجلي!» يَصرخ فليبّس غاضباً.
«أَوَتعتقد أنَّ الحصول عليه يكون بالظُّلم والثورة؟ هل يمكن أن تكون قد قرأتَ فِكر الله؟ هل أنتَ أقدَر منه لتقول له: "افعل هكذا لأنّ هذا هو الصّح"؟ هذه المرأة التي هي تلميذتي ليس لديها أولاد، وقد توصَّلَت إلى القول لي: "إنّني أُبارِك عقمي الذي يَمنَحني جناحين لأتبعكَ". وهذه أُمّ لأربعة أولاد ذُكور، وتتوق إلى اليوم الذي لا يعودون لها. هل هذا صحيح يا سُوسَنّة ويا مريم؟ هل تَسمَعهُما؟ وأنتَ متزوّج منذ سنوات قليلة مِن امرأة خَصيبة، وقد رُزِقتَ بأزرار ورد ثلاثة تَطلُب حبّكَ، وتغضَب؟ ممّن؟ لماذا؟ ألا تريد القول؟ أنا أقول لكَ: لأنّكَ أنانيّ. دع عنكَ الحقد حالاً، وافتح ذراعيكَ لهذه الطفلة المولودة منكَ وأحبّها. هيّا! احملها!» ويأخُذ يسوع صرّة الكتان ويضعها بين ذراعيَ الأب الشاب. ويتابع يسوع: «امض إلى زوجتكَ التي تبكي، وقُل لها إنّكَ تحبّها. وإلّا فإنّ الله لن يمنحكَ مُطلقاً صبياناً في المستقبل. أؤكّد لكَ. هيّا!...»
يَصعَد الرجل إلى الغرفة حيث زوجته.
«شكراً يا معلّم!» تقول حماته بصوت منخفض. «فإنّه منذ الأمس عنيف جدّاً...»
يعود الرجل لينـزل بعد دقائق ويقول: «لقد فعلتُ، يا سيّد. زوجتي تشكركَ وتَطلُب سؤالكَ عن اسم لهذه الصغيرة... لأنّني في كراهيّتي الظالمة كنتُ قد اخترتُ لها اسماً مُنفِّراً...»
«سَمِّها مريم. فلقد شَرِبَت دموعاً مُرّة مع أوّل نقطة حليب، مُرّة كذلك بسبب قسوتكَ، يمكن تسميتها مريم. ومريم سوف تُحبّها. أليس كذلك يا أُمّي؟»
«نعم، الصغيرة المسكينة. إنّها ظريفة جدّاً، وبالتأكيد ستكون صالحة وتصبح نجمة في السماء صغيرة.»
يَعودون إلى الغرفة التي يَنام فيها الرُّسُل الـمُتعَبون نوماً عميقاً، ما عدا الاسخريوطيّ الذي يبدو وكأنّه يَنام على شَوك.
«هل كنتَ تريد رؤيتي، يا يهوذا؟» يَسأَل يسوع.
«لا يا معلّم، ولكنّني لا أَجِد إلى النوم سبيلاً، أودُّ لو أَخرُج قليلاً.»
«مَن يمنعكَ؟ أنا كذلك سأَخرُج. سوف أَصعَد على هذا التل الصغير. إنّه ظَليل... وسوف آخذ قسطاً مِن الراحة بينما أُصلّي. هل تريد المجيء معي؟»
« لا يا معلّم. إنّني أُشوِّش خلوتكَ، فإنّني لستُ في وضع يَسمَح لي بالصلاة. قد... قد لا أكون على ما يرام، وهذا يُكدّرني...»
«ابق، إذاً. فأنا لا أُرغِم أحداً. وداعاً. وداعاً أيّتها النساء. أُمّاه، عندما يستيقظ يوحنّا الذي مِن عين دور أرسِليه لي بمفرده.»
«نعم يا بُنيّ. السلام لكَ.»
يَخرُج يسوع. تنحني مريم وسُوسَنّة لِتَريا قطعة القماش على النول. تَجلس مريم، يديها على ركبتيهـا. قد تكون تصلّي، هي أيضاً. مريم التي لحلفى تتعب سريعاً مِن النَّظر إلى العمل. فتجلس في الزاوية الأكثر ظلّاً وتنام بسرعة. تُفكِّر سُوسَنّة جدّيّاً بالاقتداء بها. وتبقى مريم ويهوذا مستيقِظَين. الأولى مُستَغرِقة في التأمُّل والثاني يَنظُر إليها، بعينين مفتوحتين جيّداً، ولا يشيح نَظَره عنها أبداً.
أخيراً يَنهَض ويدنو منها على مهل، دون أن يُحدِث ضجّة. ولستُ أدري لماذا، إنّما رغم جماله الذي لا يمكن إنكاره، يَجعَلني أُفكِّر بسنّوري أو أفعى تقترب مِن فريستها. قد يكون نُفوري الغريزيّ منه هو الذي يجعلني أراه ماكراً وشَرِساً حتّى في خطواته... ينادي بصوت منخفض: «مريم!»
«ماذا تريد منّي يا يهوذا؟» تَسأَل مريم بلطف، وتَنظُر إليه بِعَين وادِعة جدّاً.
«أريد أن أُحدِّثكِ...»
«تكلّم. أنا أسمعُكَ.»
«ليس هنا... فلا أريد أن يَسمَعني أحد. ألا يمكنكِ الخروج قليلاً؟ ففي الخارج كذلك يوجد ظلّ...»
«هيا بنا إذن. ولكن، ترى... أنّ الجميع نيام... وقد كان بإمكانكَ التحدّث هنا كذلك» تقول العذراء. ومع ذلك تَنهَض وتَخرُج أوّلاً، متّكئة على سياج الزهر العالي.
«ماذا تريد منّي يا يهوذا؟» تَسأَله ثانية بينما تُحدِّق بنظرها الثَّاقب بالرَّسول الذي يَضطَرِب قليلاً، ويبدو أنّه يَجِد صعوبة في إيجاد الكلّمات. «هل تَشعُر بألم؟ أو إنّكَ تسبَّبتَ بألم ولا تَعرِف كيف تُعبِّر؟ أَم إنّكَ على وشك التصرّف خطأ ويَشقّ عليك الاعتراف بأنّكَ في تجربة؟ تكلّم يا بنيّ. وكما عالجتُ جسدكَ سوف أُعالِج نفسكَ. قُل لي ما الذي يُعكِّر صفوكَ، وإذا استطعتُ أعدتُ لكَ الصفاء. وإن لم أستطع وحدي، أقول ليسوع. حتّى ولو كنتَ أخطأتَ كثيراً، هو يَغفر لكَ إذا ما طلبتُ لكَ الصَّفح. حقّاً، إنّ يسوع يَغفر لكَ مباشرة... ولكن قد تَخجَل مِن التوجّه إليه، هو المعلّم. أنا أُمّ... ولا تَخجَل مِن التوجّه إليَّ...»
«نعم. إنّي لا أشعر بالخجل، لأنّكِ أُمّ، وأُمّ صالحة للغاية. إنّكِ بحقّ السلام بيننا. أنا... أنا أشعُر باضطراب شديد. مزاجي معكّر جدّاً، يا مريم. لستُ أدري ماذا في دمي، وماذا في قلبي... مِن وقت لآخر أشعُر بالعَجز عن السيطرة عليهما... وحينئذ أقوم بأغرب الأمور... وأسوَئها.»
«حتّى حينما يكون يسوع إلى جانبكَ، لا يمكنكَ مقاومة الذي يُجرِّبكَ؟»
«حتّى آنذاك. وَثِقِي أنّني أتألّم مِن ذلك. ولكنّه هكذا. إنّني تعيس.»
«سوف أصلّي مِن أجلكَ يا يهوذا.»
«هذا لا يكفي.»
«سأطلب مِن الأبرار وأجعلهم يُصلّون دون أن أقول لهم مِن أجل مَن هي الصلاة.»
«وهذا غير كاف.»
«سوف أجعل الأطفال يُصلّون. فهناك الكثير منهم يأتون إليَّ، في حديقتي، كالعصافير التي تبحث عن حبوب. والحبوب هي الملاطفات والكلّمات التي أمنَحهُم إيّاها. إنّني أتحدّث عن الله... وهم الأبرياء يُفضِّلون ذلك على الألعاب والقصص. وصَلاة الأطفال مقبولة لدى الربّ.»
«ليست أكثر مِن صلاتكِ أبداً، ولكن ذلك ما زال لا يكفي.»
«سأقول ليسوع أن يصلّي إلى الآب مِن أجلكَ.»
«وأيضاً هذا لا يكفي.»
«ولكن لا يوجد أكثر مِن هذا! فصلاة يسوع تتغلّب حتّى على الشياطين...»
«نعم، ولكن يسوع لا يصلّي على الدوام، فأعود لأكون ذاتي... فيسوع لا يكفّ عن القول بأنّه سيمضي يوماً. وعليَّ أن أفكّر باللحظة التي أُصبِح فيها بدونه. الآن يريد يسوع إرسالنا إلى التبشير. وإنّني خائف مِن الذهاب مع عدوّي الذي هو أنا ذاتي، لِنَشر كلمة الله. أودُّ لو أكون مُهيّأ لتلك الساعة.»
«ولكن يا بنيّ، إذا كان يسوع بذاته لن يَنجَح، فَمَن ذا الذي تريده أن يَقدر على ذلك؟»
«أنتِ يا أُمّاه! اسمحي لي أن أبقى بعض الوقت معكِ. فالوثنيّون والبغايا أقاموا عندكِ. فيمكنني أنا كذلك أن أبقى. وإذا كنتِ لا تريدين أن أُقيم ليلاً حيث تَسكنين، فإنّني سأذهب للنوم في بيت حلفى ومريم التي لحلفى، وأمّا النهـار فأمضيه معكِ ومع الأولاد. في مرّات أُخرى حاولتُ التصرّف بمفردي، فكان الوضع أسوأ. فإذا ما ذهبتُ إلى أورشليم، فلديَّ هناك الكثير مِن أصدقاء السّوء، وفي الظروف التي أنا فيها، سأُصبِح ألعوبتهم... وإذا ما ذهبتُ إلى مدينة أخرى، فالشيء ذاته. وتجربة الطريق تجعلني أتأجّج مع ما أنا عليه الآن. وإذا ما ذهبتُ إلى إسخريوط، إلى حيث أُمّي، فإنّ الكبرياء سوف يجعلني عبداً. وإذا مضيتُ إلى الخلوة فإنّ الصمت سيمزّقني بأصوات الشيطان. إنّما عندكِ... آه! عندكِ أشعُر بأنّ الأمر سيكون مختلفاً!... اسمحي لي بالمجيء! قولي ليسوع أن يمنحني ذلك! هل تريدين لي الضّياع؟ هل تخافين منّي؟ إنّكِ تنظرين إليَّ نظرة ظَبية مجروحة لم تعد تملك القُدرة على الفرار أمام الذين يطاردونها. ولكنّني لن أسبّب لكِ الأذى . فأنا أيضاً لديَّ أُمّ... وأحبّكِ أكثر مِن أُمّي. ارحمي خاطئاً يا مريم! انظري: إنّني أبكي عند قدميكِ... وإذا ما صَدّيتِني فقد يكون في ذلك موتي روحيّاً...» ويهوذا يبكي حقيقة عند قدميّ مريم التي تَنظُر إليه نظرة إشفاق وقَلَق ممزوجة بالخوف. إنّها شاحبة جدّاً.
ولكنّها مع ذلك تخطو خطوة إلى الأمام لأنّها كانت شِبه غارقة في السياج لتبتعد عن يهوذا الذي كان قد اقتَرَب كثيراً، وتضع يدها في شعر الاسخريوطيّ البنّي. «اصمت! ولا تدع أحداً يسمعكَ. سأتحدّث إلى يسوع، وإذا ما أراد ذلك هو... ستأتي إلى بيتي. لا يهمّني ما يقوله الناس، لأنّه لا يجرح نفسي، وذلك لا يكون إلّا حينما أكون أنا المذنبة تجاه الله بارتكابي الخطأ. فأنا لا أبالي بالنميمة. ولكنّني لن أكون هدفاً للنميمة، لأنّ الناصرة تَعلَم أنّ ابنتها لن تكون سبب شكّ لمدينتها. ثمّ، هَب أنّ ذلك سيحصل، فإنّ ما يهمّني هو أن تَخلص روحكَ. سأبحث عن يسوع. ابق في سلام.» وتلتحف بوشاحها الأبيض كثوبها، وتمضي مسرعة عَبْر الدرب المؤدّي إلى منحدر صغير تغطّيه أشجار الزيتون.
تبحث عن يسوعها وتَجِده غارقاً في تأمّل عميق. «بنيّ، هذا أنا... اسمعني!»
«آه! أُمّي! هل تأتين لتصلّي معي؟ يا له مِن فَرَح، ويا لها مِن تعزية تمنحينني إيّاهما!»
«ماذا يا بنيّ؟ هل أنتَ تَعِب روحيّاً؟ حزين؟ قُل ذلك لأُمّكَ!»
«تَعِب، أنتِ قُلتِها، وحزين. ليس بسبب الجهد والبؤس الذي أراه في القلوب بقدر ما هو بسبب رؤيتي الذين هُم أصدقائي لا يتغيّرون. إنَّما كي لا أظلمهم، واحد فقط يتعبني وهو يهوذا بن سمعان...»
«بُنيّ، كنتُ قد أتيتُ لأحدّثكَ عنه...»
«هل أساء التصرّف؟ هل سبّب لكِ الألم؟»
«لا. ولكنّه جَعَلَني أُحِسّ بالألم الذي أُحِسّ به لرؤيتي أحدهم وقد فَسَد... يا للابن المسكين! كم روحه مريض!»
«وهل أَشفَقتِ عليه؟ ألم تعودي تخافين منه؟ ففي السابق كنتِ تخافين منه...»
«بنيّ، إنّ شـفـقتي أعظم كثيراً مِن خوفي. وأودُّ مسـاعدتكَ، أنتَ وإيّـاه، لخلاص روحه. أنتَ قادر على كلّ شيء، ولستَ في حاجة إليَّ. ولكنّكَ تقول إنّ على الجميع المساهمة مع المسيح في الفِداء... وهذا الابن في أمسّ الحاجة إلى الفِداء!»
«ماذا عليَّ أن أفعل أكثر مما أفعله مِن أجله؟»
«لا يمكنكَ فِعل أكثر، إنّما بإمكانكَ تركي أفعل. لقد رجاني السـماح له بالإقامة في بيتنا، فإنّه يبدو له إنّه سيتمكّن هناك مِن التحرّر مِن وَحشه... هل تهزّ رأسكَ؟ ألا تريد؟ سوف أقول له ذلك...»
«لا يا أُمّي. القضيّة ليست قضيّة أنّني لا أريد. أهُزُّ رأسي لأنّني أعرف أنّ ذلك بلا جدوى. فيهوذا كَمَن يَغرَق، ورغم إحساسه بأنّه يَغرَق، يرفض بكبرياء الحَبل الذي يُرمَى إليه لجلبه إلى الشاطئ. وأحياناً إذ يأخذه الهَلَع مِن الغَرَق، يبحث ويستنجد، ويتمسّـك... ثمّ يُعاوِده الكبرياء فيترك الحبل ويرفضـه، ويريد أن يتخلّص مِن الورطة بمفرده... ويزيد غرقه باستمرار في المياه الـمُوحِلة التي تغمره. ولكن لكي لا يُقال بأنّ هناك دواء لم أُجرّبه، فلنقم كذلك بهذه المحاولة، يا أُمّي المسكينة... نعم يا أُمّي المسكينة التي تَخضَعين، حُبّاً بِنَفْس، إلى ألم كَون الذي يخيفكِ... إلى جانبكِ.»
«لا يا يسوع. لا تقل هذا. فأنا امرأة مسكينة لأنّني قد أكون ما زلتُ عُرضة للنّفور. لُمْني على ذلك، فأنا أستحقّ اللوم. عليَّ ألّا أنفُر مِن أحد، حُبّاً بكَ. ولكنّني لستُ مسكينة لأيّ أمر آخر. آه! لو كان بمقدوري إعادته لكَ يهوذا المعافى روحيّاً! فمنحكَ نَفْساً يعني منحكَ كنـزاً، ومَن يُعطي كنوزاً ليس بِمسكين. بنيّ!... هل تسمح بأن أقول ليهوذا إنّكَ موافق؟ لقد قلتَها: "سيأتي وقت تقولين فيه: ‘ما أصعب أن تكون المرأة أُمّ الفادي’". وقد قُلتُها مرّة... مِن أجل أغليّا... ولكن ما تكون المرّة الواحدة؟ البشريّة كثيرة جدّاً! وأنتَ فادي الجميع. بنيّ!... بنيّ!... كما حملتُ الطفلة على ذراعيَّ لأجلبها إليكَ كي تُبارِكها، دعني أُمسِك يهوذا بيدي لأقوده إلى بركتكَ...»
«أُمّي... أُمّي... إنّه لا يستحقّكِ...»
«يا يسوعي، عندما كنتَ متردّداً في إعطاء مارغزيام لبطرس قلتُ لكَ إنّ ذلك يَجعله مُنشَرِحاً. ولا يمكنكَ القول إنّ بطرس لم يُصبِح رجلاً آخر منذ ذلك الحين... دعني أفعل مع يهوذا.»
«ليكن كما تشائين! ومُبارَكَة أنتِ لأجل ما في نيَّتكِ مِن حُبّ تجاهي وتجاه يهوذا! الآن فلنُصلِّ معاً يا أُمّي. ما أعذب الصلاة معكِ!...»
...كان الفجر يوشك على البدء حينما شاهَدتُ الرحيل مِن البيت الذي استَقبَلَهم.
يوحنّا الذي مِن عين دور وهرمست يُودِّعان يسوع حال وصوله إلى الطريق. مريم مِن جهتها تتابع طريقها مع النساء وابنها عَبْر زيتون الرّوابي. يتحدّثون، بشكل طبيعيّ، عن أحداث اليوم. يقول بطرس: «يا له مِن مجنون ظريف، فليبّس هذا! كان على وشك إنكار زوجته وابنته لو لم تُسمِعه رأيكَ.»
«ومع ذلك فلنأمل أن يُحافِظ على توبته الحاليّة وألّا يُسيطِر عليه مِن جديد هَوَس انتقاص قَدْر النساء. أساساً... الفضل في نموّ العالم يعود للنساء.» يقول توما ويضحك الكثيرون لهذه الخاتمة.
«بالطبع هذا صحيح. ولكنهنّ أكثر نجاسة منّا و...» يُجيب برتلماوس.
«ماذا دهانا! مِن جهة النّجاسة!... فنحن لسنا ملائكة. هاكم، أودُّ لو أعرف إن كان الأمر سيستمرّ على ما هو عليه بعد الفِداء، بالنسبة للنساء. إنّنا نتعلّم إجلال الأُمّ، وأن نكنَّ أعظم الاحترام للأخوات والبنات والخالات والعمّات وللكنّات ولأخوات الأزواج، وثمّ... حُرم مِن هنا، وحُرم مِن هناك! في الهيكل هذا غير وارد. مخالطتهنّ غالباً، لا... أهي حوّاء التي أخطَأَت؟ لا بأس. إنّما آدم كذلك. وقد أَنزَلَ الله بحوّاء قصاصاً لها، ألا يكفي هذا؟»
«ولكن يا توما! حتّى موسى نَظَرَ إلى المرأة وكأنّها نَجِسَة.»
«وهو، لولا النساء، لكان سيموت غَرَقاً... ومع ذلك اسمع يا برتلماوس، أُذكِّركَ، رغم أنّ ثقافتي لا ترقى إلى مستوى ثقافتكَ، إنّما فقط خبرة، بأنّ موسى يتحدّث عن نجاسة المرأة الجسديّة، لكي نَحتَرِمها، لا لِنَرمي عليها الحُرم.»
ويحتَدِم النقاش. ويسوع، الذي كان يتقدّمهم مباشرة مع النساء ويوحنّا ويهوذا الاسخريوطيّ، يتوقّف، يلتفت ويتدخّل: «الشعب الذي كان أمام الله كان غير مؤهّل خلقيّاً وروحيّاً، وقد أفسدته احتكاكاته بالوثنيّين. وقد كان يريد أن يجعل منه شعباً قويّاً، جسديّاً وروحيّاً. ويعطيهم الوصايا كمبادىء نافعة للصلابة الجسـديّة، ونافعـة كذلك للنـزاهة الأخلاقيّة. فلم يكن بالإمكان غير ذلك لكبح الميول الذكرية، لكيلا تتكرّر الخطايا التي بسببها طافت الأرض واحترقت صادوم وعامورة. إنّما في المستقبل، لن تكون المرأة المفتداة مضطهَدة كما هي الآن. سيبقى التحريم الخاصّ بالاحتراز الجسديّ، ولكنّ العوائق التي تمنع القدوم إلى الربّ ستزول. وأنا أرتقي بهنّ الآن لتهيئة كاهنات المستقبل الأوائل.»
«آه! هل سيكون هناك كاهنات؟!» يَسأَل فليبّس مندهشاً.
«لا يَختَلِط عليكم الأمر. لن يكون لهنّ كهنوت الرجال، فلا يُقدِّسن ولا يَمنَحن مواهب الله، هذه المواهب التي لا يمكنكم الآن معرفتها. ولكنّهنّ مع ذلك سوف ينتمين إلى السلك الكهنوتيّ بالمساهمة مع الكاهن لخير النُّفوس، بأساليب متعدّدة.»
«هل سيَكرزن؟» يَسأَل برتلماوس متشكّكاً.
«كما تَكرز أُمّي الآن.»
«هل سيقمن برحلات رسوليّة؟» يَسأَل متّى.
«نعم، حاملات الإيمان إلى البعيد، وينبغي لي أن أقول ذلك، وبأكثر بطولة مِن الرجال.»
«هل سيجترحن المعجزات؟» يَسأَل الاسخريوطيّ ضاحكاً.
«بعضهنّ يجترحن كذلك المعجزات. ولكن لا تعتمدوا على المعجزة كأمر أساسيّ. وهُنَّ، النساء القدّيسات، سوف يصنعن الكثير مِن معجزات الهِداية بالصلاة.»
«هوم! النساء، الصلاة إلى حدّ اجتراح المعجزات!» يُتمتِم نثنائيل.
«لا تَكُن محدوداً كالكَتَبَة، يا برتلماوس. ما هي الصلاة حسب رأيكَ؟»
«التوجّه إلى الله بِصِيَغ نحن نعرفها.»
«هذا وأكثر منه أيضاً. فالصلاة، هي حِوار القلب مع الله، وهي ما ينبغي أن تكون عليه الحالة الاعتياديّة للإنسان. أمّا المرأة، فبسبب حياتها الأكثر عزلة منّا، وبقدراتها التي تفوق قدراتنا، فهي مهيّأة أكثر منّا لهذا الحِوار مع الله. فيها تجد العزاء لآلامها، والعلاج لأتعابها التي هي ليست فقط التدبير المنـزليّ والوِلادات، إنّها تجد ما يمسح الدموع ويعيد البسمة إلى القلب. فإنّها تجيد التحدّث إلى الله، وستجيد ذلك أكثر في المسـتقبل. سيكون الرجال عمالقة التعليم، وستكون النساء على الدوام اللواتي يدعمن بصلواتهنّ العمالقة، وحتّى العالم، ويلات كثيرة وعقوبات جَمّة سوف تُدرأ بفضل صلواتهنّ. سوف يجترحن المعجزات إذاً، وهي غالباً غير ظاهرة، ولكنّ الله وحده عالم بها، إنّما ليست وهميّة.»
«أنتَ كذلك اجترحتَ اليوم معجزة غير ظاهرة، ومع ذلك هي حقيقيّة، أليس كذلك يا معلّم؟» يَسأَل تدّاوس.
«نعم يا أخي.»
«كان مِن الأفضل أن تكون ظاهِرة.» يُبدي فليبّس ملاحظته.
«هل كنتَ تريدني أن أُحوِّل الطفلة إلى صبيّ؟ فالمعجزة، في الحقيقة، هي تَبَدُّل الأشياء الثابتة، وبالنتيجة هي اختلال للنظام فيه مصلحة، يمنحه الله استجابة لصلاة الإنسان، ليُظهِر له أنّه يحبّه أو لِيُقنعه بأنّه الكائن. ولكن بما أنّ الله نظام هو، فإنّه لا يَنتَهِك حُرمة النظام بشكل مُبالَغ فيه. الطفلة وُلِدَت أنثى وتبقى أنثى.»
«لقد كنتُ حزينة للغاية هذا الصباح!» تتنهّد العذراء.
«لماذا؟ فالطفلة غير المعتبرة لم تكن طفلتكِ.» تقول سُوسَنّة وتضيف: «أنا، عندما أرى مصيبة لدى طفل أقول: "لحسن حظّي أنّ ليس لديَّ مثلها!"»
«لا تقولي هذا يا سُوسَنّة! فهذا ليس فيه محبّة. فأنا كذلك يمكنني أن أقول هذا لأنّ أمومتي الوحيدة كانت قد تجاوزت قوانين الطبيعة. ولكنّني لا أقوله، لأنّني أُفكّر دائماً: "لو لم يردني الله عذراء لكان ممكناً أن يقع هذا الزرع فيَّ، وأكون أنا أُمّ هذا الشقيّ" وهكذا أُشفِق على الجميع... لأنّني أقول: "كان بالإمكان أن يكون ابني"، وكأُمّ، أريدهم جميعـاً أصحّـاء، سليمين، محبوبين وظرفاء، فتلك هي رغبة الأُمّهات لأبنائهنّ.» تٌجيب مريم بلطف. ويبدو يسوع وكأنّه يعود ليكسوها نوراً لشدّة ما كان يَشعّ فرحاً وهو يَنظُر إليها.
«ألأجل هذا تُشفِقين عليَّ...» يقول يهوذا بصوت منخفض.
«على الجميع. حتّى ولو كان الأمر يخصّ قاتل ابني، إذ إنّني أُفكّر بأنّه سيكون الأكثر حاجة إلى الغفران... والحبّ. فإنّه مِن المؤكّد أنّ الجميع سيبغضونه.»
«يا امرأة، عليكِ تحمّل الكثير في الدفاع عنه كي تمنحيه الوقت للهداية... أمّا أنا فإنّني أبدأ بالتخلّص منه حالاً...» يقول بطرس.
«ها إنّنا في الـمَوضِع الذي نفترق فيه، يا أُمّي. ليكن الله معكِ. ومعكِ يا مريم. وكذلك معكَ يا يهوذا.»
يتعانقون ويُضيف يسوع أيضاً: « تذكَّر أنّني منحتكَ شيئاً عظيماً، يا يهوذا. فافعل به خيراً وليس شرّاً. وداعاً.»
ويسوع مع الأحد عشر تلميذاً الآخرين ومع سُوسَنّة يَمضون مُسرِعين صوب الشرق، بينما مريم، وسلفتها والاسخريوطيّ يَمضُون إلى الأمام.