ج6 - ف90
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
90- (يسوع مع بطرس وبرتلماوس في بِتّير)
13 / 03 / 1946
يتمشّى يسوع عبر خمائل الورود حيث ينشط عمل القاطفين. وهكذا يجد الوسيلة للتحدّث إلى هذا وذاك، وكذلك مع الأرملة وأولادها، الأرملة التي اتّخذتها يُوَنّا حبّاً به كخادمة في الفصح، بعد وليمة الفقراء. لم يعودوا يبدون وكأنّهم ذاتهم. متورّدون هم، وجوههم منطلقة، يٌتمّمون بفرح عملهم كلّ حسب إمكاناته، والأصغر سنّاً الذين لا يعرفون بعد التمييز بين وردة وأخرى مِن ناحية النضارة واللون، مِن أجل الفرز، يلعبون مع صغار آخرين في أماكن أكثر هدوءاً، وصرخاتهم كعصافير بشريّة تختلط بتلك التي للعصافير التي تزقزق بين أوراق الأشجار لتحيّة الأهل العائدين مع الزقّة (ما يحمله العصفور في منقاره لصغاره).
يتوجّه يسوع إلى هؤلاء العصافير البشريّة وينحني، يهتمّ، يُداعِب، يُهدّئ المشاجرات الصغيرة، يُنهِض الذين سقطوا والذين يتظاهرون بالبكاء، متلطّخين بالطين، وقد خَدَشَت الأرض لهم الجبهة أو اليدين. ويتوقّف البكاء والمشاجرات والغيرة بتأثير الملاطفة وكلمة البريء للأبرياء، ويتبدّل كلّ ذلك إلى تقدمة مُسبّب النـزاع أو السقوط، أي الخنافس المذهّبة، الحصى الملوّنة أو البرّاقة، أو الزهرة المقطوفة... فيدا يسوع وحزامه ممتلئة منها، ودون أن يروه يضع الخنافس المذهّبة أو الدعسوقات على الأوراق ليعيد لها حرّيتها. كم مِن مرّة لاحظتُ لباقة يسوع الكاملة حتّى مع الأطفال الصغار، كي لا يؤالمهم، ولا يخيّب أملهم! إنّه يمتلك فنّ وروعة معرفة كيفية جعلهم أفضل وجعلهم يحبّونه بأشياء لا قيمة لها، في الظاهر، وهذا حقّاً هو كمال محبّة ملائم لصغر الطفل…
ها أنا أرى بطرس يتقدّم بخطى سريعة، لدرجة أنّ ثيابه تهتزّ كشراع تحرّكه الريح، يتبعه برتلماوس الذي يسير بشكل أبطأ.
يَصِل خلف المعلّم المنحني فوق طفل صغير يداعبه، حتماً هو أحد أبناء القاطفات، الجالسين على فراش قشّ في الظلّ تحت الأشجار. «يا معلّم!»
«سمعان، كيف إذن أنتَ هنا؟ وأنتَ، يا برتلماوس؟ كان عليكم المضيّ غداً مساء بعد غسق السبت...»
«يا معلّم، لا تلمنا... أصغِ إلينا أوّلاً.»
«أنا أصغي. ولا ألومكما، إذ أظنّكما خالفتما الأمر لسبب هامّ. أكّدا لي فقط أن أحداً منكم ليس مريضاً أو جريحاً.»
«لا، لا يا ربّ، لم يحصل أيّ مكروه.» يجيب برتلماوس بسرعة. ولكنّ بطرس، الجاد والمندفع دائماً، يقول: «هوم! أنا أقول إنّه لأجدر بنا أن تكون أرجلنا، كلّنا، مكسورة، وحتّى رؤوسنا، على أن...»
«ما الذي حصل إذاً؟»
«يا معلّم، فكّرنا أنّه كان الأجدر بنا أنا نأتي لنضع حدّاً لـ...» وفيما يتكلّم برتلماوس يقاطعه بطرس: «ولكن أَسرِع في القول!» ويُكمل: «مذ رحلتَ أصبح يهوذا شيطاناً. ولم يعد بإمكاننا الحديث أو النقاش. يتشاجر مع الجميع... ولقد أَعثَرَ خُدّام إليز جميعهم وآخرين أيضاً...»
«يُحتَمَل أنّه غار مِن أخذكَ لسمعان معكَ...» يقول برتلماوس ليجد له عذراً لدى رؤيته لوجه يسوع وقد أصبح صارماً للغاية.
«بالتأكيد، هي الغيرة! هل ستنتهي بأن تجد له العذر؟!... أو إنّني سأتشاجر معكَ لأنفّس عن عدم تمكّني مِن مشاجرته... لأنّني، يا معلّم، قد نجحت في أن أصمت! فكّر إذن، في أن أصمت! فقط طاعة وحبّاً لكَ... يا لصعوبة التوصّل لذلك! حسناً! وما أن ابتعد يهوذا صافقاً الأبواب، حتّى تشاورنا... وفكّرنا أنّه كان الأجدر بنا المضيّ إلى بيت صور لوضع حدّ للعثار و... لتحاشي... صفعه... وفي الحال مضيتُ مع برتلماوس. وقد رجوت الآخرين أن يدعوني أذهب دون تأخير قبل عودته... إذ... إذ إنّني كنتُ أشعر بأنّني ما عدتُ أتمالك نفسي... هاك. لقد تكلّمتُ. والآن وجّه لي الملامات إذا ما بدا لكَ أنّني أخطأتُ.»
«لقد أحسنتَ صنعاً. أحسنتم جميعاً.»
«حتّى يهوذا؟ آه! لا، لا يا رب! لا تقل هذا! لقد عَرَضَ مشهداً مخزياً!»
«لا. هو لم يُحسن التصرّف. لكن أنتَ، لا تدِنْهُ.»
«...لا، يا ربّ...» والـ «لا» خَرَجَت بصعوبة. فترة صمت. ثمّ يَسأَل بطرس: «إنّما على الأقلّ، قل لي لماذا أصبح يهوذا هكذا فجأة؟ كان يبدو أنّه أصبح طيّباً جدّاً! لقد كنّا على أحسن حال! وقد صلّيتُ كثيراً وقدّمتُ تضحيات مِن أجل أن يدوم هذا... ذلك أنّني لا أقدر أن أراكَ حزيناً. وأنتَ تحزن حينما نسيء التصرّف... منذ مدّة وأنا أعلم أنّ التضحية بملعقة عسل لها قيمة... كان على أحد التلاميذ، الأصغر بين التلاميذ، صبيّ مسكين أن يعلّمني هذه الحقيقة، أنا رسولكَ الأبله. ولكنّني لم أهملها، ذلك أنّني رأيتُ ثمارها. لأنّني أدركتُ، أنا كذلك، الغليظ الفهم، بعض الشيء بفضل نور الحكمة الذي انحنى عليَّ بكل صلاح، الذي حلَّ عليَّ أنا، الصيّاد الفظّ، الإنسان الخاطئ. أدركتُ أنّه يجب ألاّ أحبّكَ فقط بالكلام، بل بخلاص النفوس بالتضحية مِن أجلكَ. لمنحكَ بعض الفرح. كي لا أراك كما أنتَ الآن، كما كنتَ في شهر صيبات (يناير-فبراير). بهذا الشحوب وهذا الحزن، يا معلّمي وربّي الذي لا نستأهلكَ، نحن الذين لا نفهمكَ، نحن دود الأرض أمامكَ، يا ابن الله، نحن الحمأة أمامكَ، أيّها النجم، نحن الظلمة أمامكَ، أيّها النور. ولكنّ ذلك لم ينفع في شيء! حقّاً. فتقادمي الضحلة... الضحلة للغاية، المقدّمة بشكل سيّئ... لأيّ شيء كان لها أن تنفع؟ كنتُ متكبّراً عندما فكّرتُ أنّه كان بإمكانها أن تنفع... سامحني. ولكنّني أعطيتُكَ ما كنتُ أملك. قدّمتُ ذاتي لأمنحكَ كلّ ما أملك. وكنتُ أظنّني قد بُرِّرت، لأنّني أحببتُكَ، أيا إلهي، بكلّ ذاتي، مِن كلّ قلبي، مِن كلّ نفسي، وبكلّ قوّتي، كما هو مكتوب (سفر التثنية 6-5). والآن أُدرِك ذلك وأقوله، أنا، كما يقول على الدوام يوحنّا، ملاكنا، وأرجوكَ (ويجثو عند قدميّ يسوع) أن تزيد مِن حجم حبّكَ في سمعانكَ المسكين، ليزيد حبّي لكَ، يا إلهي.» وينحني ليقبّل قدميّ يسوع ويظلّ هكذا. وبرتلماوس الذي سَمِعَه، معجباً به وموافقاً إيّاه، يقتدي به.
«انهضا، يا صديقيّ. فحبّي لا يتوقّف عن النموّ فيكم وسينمو أكثر فأكثر. ولتكونا مباركين مِن أجل القلب الذي تمتلكان. متى يأتي الآخرون؟»
«قبل الغسق.»
«حسناً. يُوَنّا كذلك تأتي قبل الغسق، مع إليز وخُوزي. سنُمضي السبت هنا ومِن ثمّ نمضي.»
«نعم يا ربّ. ولكن لماذا استدعتكَ يُوَنّا بطريقة مستعجلة جدّاً؟ ألم يكن بإمكانها الانتظار؟ فلقد كان مجيئنا هنا مقرَّراً! وبتهوّرها كانت السبب في كلّ هذه القصّة!...»
«لا تلمها، يا سمعان بن يونا. لقد تصرَّفَت بفطنة وحبّ. لقد استدعتني لأنّ نفوساً كان يجب تثبيت إرادتها الصالحة.»
«آه! إذن لن أتكلّم بعد... ولكن، يا رب، لماذا تبدّل يهوذا هكذا إذن؟»
«لا تفكّر في هذا! لا تفكّر فيه! استمتع بِعَدَن هذه الـمُزهِرة والساكنة. تنعّم بحضور ربّك. دع البشريّة وانْسَها بأشكالها السيّئة، في هجماتها التي تشنّها على روح رفيقكَ المسكين. تذكّر فقط أن تصلّي مِن أجله، كثيراً، كثيراً. تعالوا. ولنذهب إلى هؤلاء الصغار الذين ينظرون إلينا بدهشة. كنتُ أحدّثهم عن الله، منذ لحظة، مِن نَفْس إلى نَفْس، بمحبّة، وللأكبر سنّاً عن جمالات الله...» ويُمسك بقامة كلّ مِن الرسولين متوجّهاً إلى مجموعة أطفال ينتظرونه.