ج2 - ف105
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الثاني
105- (تلميذ جديد. الانطلاق إلى الجليل)
16 / 04 / 1945
«ربّي، لَم أَقُم بِغَير واجِبي تجاه الله وتجاه معلّمي، وتجاه ضميري. فلقد رَاقَبتُ تلك المرأة خلال الفترة التي كانت فيها ضَيفة لديَّ، وقد وَجَدتُها نزيهة، شريفة على الدوام. إذا كانت فيما مضى خاطِئة، فهي لم تَعُد كذلك الآن. لماذا إذن يتحتّم عليَّ النَّبش في ماضٍ مَحَتْهُ هي وألغته؟ لي أبناء شباب، وهُم ليسوا جَلِفين. وهي لم تَكشف قطّ عن وجهها الجميل حقّاً، ولا أَسمَعَت أحداً صوتها. أستطيع القول إنّني ما سمعتُ صوتها الرّنان إلّا حينما صَرَخَت بسبب جرحها. بخلاف ذلك، فإنّ الأشياء القليلة التي كانت تطلبها، فدائماً مِنّي أو مِن زوجتي، وكانت تهمس همساً مِن خلف الوِشاح، وبنعومة فائقة، حتّى إنّنا كنا نجد صعوبة في إدراك طَلَبها. انظر كم كانت كذلك حَذِرَة فَطِنَة. فهي حينما خَشِيَت مِن إمكانيّة التسبّب بالضرر لي بوجودها هنا، انصَرَفَت... وكنتُ قد وَعَدتُها بالدفاع عنها ومساعدتها، ولكنّها لم تستغلّ ذلك. لا، فالنساء الضالّات لا يتصرّفن هكذا! سوف أصلّي مِن أجلها كما طَلَبَت، بل حتّى بدون ذلك التذكار. خُذه يا سيّد. اجعل منه صَدَقات لمنفعتها الروحيّة. فالصدقات لو وُزِّعت عن طريقكَ أنتَ، فستكون بكلّ تأكيد سبب سلام لها.»
يتحدّث الوكيل إلى يسوع بكلّ احترام. إنّه رجل وسيم، ذو وجه فاضِل وجسم ضخم. خلفه ستّة شباب يُشبِهون والدهم، ستّة وجوه صافية وذكيّة، وكذلك الزوجة، هي امرأة ناعمة ولطيفة جدّاً، وهي تستمع إلى زوجها وكأنّها تستمع إلى آلهة، غير متوقّفة عن التأكيد بإشارات مِن رأسها.
يَأخذ يسوع السّوار الذهبيّ، ويعطيه لبطرس قائلاً: «لأجل الفقراء.» ثمّ يعود فيلتفت إلى الوكيل: «لا يتمتّع جميع مَن في إسرائيل بالاستقامة. أمّا أنتَ فإنّكَ حكيم لأنّكَ تُميِّز الخير من الشرّ، وتَتَّبِع الخير دونما إقامة وزن للمنفعة البشريّة. فباسم الآب الأزليّ أبارككَ وبَنيكَ وزوجتكَ وبيتكَ. حَافِظوا على الدوام على وضعكم الروحيّ الحاليّ، فيظلّ الربّ معكم وتنالون الحياة الأبديّة. الآن أنا أنصرف. ولكن هذا لا يعني أنّنا لن نلتقي ثانية. سوف أعود، وبإمكانكَ أن تأتي إليَّ على الدوام. وليمنحكَ الله سلامه مِن أجل كلّ الذي فَعَلتَه لأجلي ولأجل تلك المسكينة.»
يَجثو الوكيل والأولاد وكذلك الزوجة، ويُقبِّلون قدميّ يسوع الذي، بعد آخِر حركة بركة، يبتعد مع تلاميذه متوجّهاً صوب البلدة.
«وإذا كان أولئك المتوحّشون ما يزالون هناك؟» يَسأَل فليبّس.
«لا يمكن منع أحد مِن الكلام على الطرقات.» يُجيب يوضاس بن حلفى.
«لا. ولكنّنا بالنسبة لهم "مَحرومون".»
«آه! دعهم يَفعَلون! هل تهتمّ لذلك؟»
«أنا ليس لي ما يهمّني غير الذي يريده المعلّم. تحاشي العنف. وهم الذين يعرفون ذلك يستغلّونه.» يُتمتِم بطرس. وهو يعتقد، بالتأكيد، أنّ يسوع الذي يتحدّث مع سمعان والاسخريوطيّ لا يسمعه.
ولكنّ يسوع يَسمَع. ويلتفت نصف عابس ونصف مبتسم. «هل تظنّني أَنتَصِر بالعنف؟ ولكنّه تصرّف بشريّ، ولا يَخدم إلّا لفترة محدّدة، ولأجل تحقيق انتصارات بشريّة. كَم مِن الزمن تستمرّ الهَيبة والشُّهرة؟ الزمن الذي تَنتُج فيه مِن ذاتها، لدى الخاضِعين لها، تفاعُلات، لو اجتَمَعَت لأنتَجَت عنفاً هائلاً يَطرَح الهَيبة والشُّهرة أرضاً. وأنا لا أبغي مملكة زمنيّة. أريد مملكة أبديّة: ملكوت السماء. كم مرّة قُلتُ لكم ذلك؟ وكم مرّة عليَّ أن أقوله لكم؟ هل ستُدرِكون؟ نعم، سوف تأتي لحظة تَفهَمون فيها.»
«متى، ربّي؟ إنّني متعجّل للإدراك لأُصبح أقلّ جهلاً.» يقول بطرس.
«متى؟ عندما تُطحَنون مثل الحبّة بين حَجَريّ الألم والنّدامة. سوف تتمكّنون، بل ينبغي لكم أن تُدرِكوا مُسبَقاً. ولكن مِن أجل ذلك عليكم تحطيم الطبيعة البشريّة فيكم، وإبقاء الروح حرّاً. وأنتم لا تعرفون ممارسة هذا المجهود على ذواتكم. ولكن ستُدرِكون... ستُدرِكون. وعندئذ ستفهمون أنّني لم أكن أستطيع استخدام العنف وسيلة بشريّة لإقامة ملكوت السماوات: ملكوت الروح. إنّما في انتظار ذلك، لا تخافوا، فهؤلاء الناس الذين يُقلِقونكم لا يَفعَلون شيئاً لكم... بل يكفيهم أنّهم طَرَدوني.»
«ولكن، ألم يكن مِن الأيسر إعلام رئيس المَجْمع أن يأتي إلى الوكيل، أو انتظارنا على الطريق العامّة؟»
«آه! يا لكَ اليوم مِن رَجُل حَذِر يا توما! إنّما لم يكن سهلاً، أو بالحريّ كان ذلك أيسر لنا، إنّما ليس عدلاً. فهو قد أَظهَرَ بطولة حِيالي، ولقد شُتِمَ في بيته بسببي. ومِن العدل أن أذهب أنا إلى بيته لأواسيه.»
يَرفَع توما كتفيه، ولا يعود يتكلّم.
هي ذي البلدة، ولكنّها بلدة ريفيّة، بيوتها وسط البساتين العارية حاليّاً، وفيها الكثير مِن حظائر النِّعاج. يُفتَرَض أن تكون مكاناً مناسباً للرّعي، فإنّني أَسمَع مِن كلّ الجهات ثُغاء القُطعان، وهي تَصعَد إلى الهضبة أو تنـزل منها. وكالعادة، تتقاطع الطرقات لتشكّل ساحة القرية ذات الينبوع، وهناك يقع بيت رئيس المَجْمع.
امرأة عجوز، تَفتَح، وآثار الدموع ظاهرة على وجهها. ومع ذلك، فلدى رؤيتها الربّ يتملّكها الفرح وتجثو لتُبارِكه.
«انهضي أيّتها الأُمّ. لقد جئتُ لأودّعكم. أين ابنكِ؟»
«إنّه هناك...» وتُشير إلى غرفة في صَدر البيت. «وهل أتيتَ لتواسيه؟ فأنا غير قادرة على ذلك...»
«هو إذن حزين؟ هل يتألّم لأنّه دَافَعَ عنّي؟»
«لا، يا سيّد. ولكن وسواساً يتملّكه. وسَتَسمَعه. أناديه.»
«لا، أَذهَب أنا إليه. وأنتم انتظروا هنا. هيّا بنا يا امرأة.»
يَجتَاز يسوع بضعة أمتار الرُّدهة، يَدفَع الباب، يَدخُل إلى الغرفة، ويتقدّم ببطء باتّجاه رجل جالس، منحنٍ إلى الأرض، ومُستَغرِق في تأمُّل أليم.
«السلام لكَ يا تيمون.»
«ربّي! أنتَ!»
«أنا... لماذا أنتَ حزين هكذا؟»
«ربّي... أنا... قالوا إنّني أَخطَأتُ. قالوا إنّني محروم. أَفحَص ضميري فلا أَجِدني كذلك. إنّما هُم، فإنّهم قدّيسو إسرائيل، وأنا رئيس المَجْمع المسكين. فبالتأكيد هُم على حقّ. ولم أعُد الآن أجرؤ على رفع عينيّ في وجه الله الغاضب. وأنا في أَمَسّ الحاجة إليه في هذه الساعة! لقد كنتُ أخدمه بحبّ حقيقيّ، وكنتُ أعمل على التعريف به. ولقد حُرِمتُ الآن مِن فِعل الخير هذا لأنّ السنهدرين يلعنني بالتأكيد.»
«ولكن ما مصدر ألمكَ؟ هل هو كونكَ لم تَعُد رئيس المَجْمع؟ أم لأنّكَ أَصبَحتَ في موقع يستحيل عليكَ فيه التحدّث عن الله؟»
«الأمر الأخير هذا هو الذي يُسبّب لي الألم! أظنُّكَ تريد القول لي ما إذا كان يزعجني ألّا أعود رئيس المَجْمع، بسبب الفائدة التي تُجنى، والاعتبار الناجم عن الوظيفة. فإنّ هذا لا يشغل بالي أبداً إذ ليس لي سوى أُمّي، وهي في الأصل مِن ايريا Aerea ولها هناك بيت صغير. فهي تمتلك سقفاً ووسائل للعيش. أمّا أنا... فإنّني شاب، وسوف أجد عملاً. ولكنّني لن أجرؤ أبداً على التحدّث عن الله، أنا الذي اقتَرَفتُ الخطيئة.»
«بأيّ فِعل اقتَرَفتَ الخطيئة؟»
«يقولون إنّني شريك في... يا ربّ! لا تجعلني أقولها!...»
«لا. سوف أقول لكَ أنا. وأنا كذلك لن أقولها. فأنا وأنتَ، نعرف اتّهاماتهم، ونَعلَم أنّها ليست صحيحة. وبالنتيجة، فأنتَ لم تَقتَرف خطيئة. وأنا مَن أقول لكَ ذلك.»
«إذن، ما زلتُ أستطيع رفع عينيّ صوب الكلّيّ القُدرة؟ أستطيع أن...»
«ماذا يا بنيّ؟» يسوع كلّيّ اللُّطف، بينما هو ينحني صوب الرجل الذي توقّف فجأة وكأنّه خائف. «ماذا؟ أبي يبحث عن نظرتكَ، ويريدها. وأنا أريد قلبكَ وفِكركَ. نعم، سوف يُقرِّعكَ السنهدرين. وأنا أفتح لكَ ذراعيّ وأقول: "تعال". هل تريد أن تكون لي تلميذاً؟ فأنا أرى فيكَ كلّ ما يَلزَم لتكون أحد فَعَلَة المعلّم الأزليّ. تعال إلى كَرْمي...»
«ولكن هل أنتَ جادّ في قول ذلك يا معلّم؟ أُمّاه... هل تسمعين؟ إنّني سعيد يا أُمّي! أنا... أُبارك هذا الألم لأنّه مَنَحَني هذا الفرح. آه! فلنُقِم احتفالاً عظيماً يا أُمّي. وبعدئذ سأذهب مع المعلّم، وتعودين أنتِ إلى بيتكِ. آتي حالاً يا ربّ، أنتَ يا مَن أَزَلتَ عنّي كلّ خشية، وكذلك الألم والخوف مِن الله.»
«لا، بل ستَنتَظِر قرار السنهدرين، بِسَكينة نَفْس ودون حقد. فابقَ كما أنتَ في مركزكَ، طالما هُم يتركونكَ. ثمّ تُوافِيني إلى الناصرة أو كفرناحوم. وداعاً. السلام معكَ ومع أُمّكَ.»
«أفلا تتّخذ لنفسكَ محطّة في بيتي؟»
«لا، سوف آتي إلى بيت أُمّكَ.»
«الإيمان في البلدة قليل.»
«سأُعلِّمهم الإيمان. الوداع أيّتها الأُمّ. هل أنتِ سعيدة الآن؟» يُلاطِفها يسوع كما يفعل على الدوام مع الطّاعنات في السنّ اللواتي، كما أُلاحِظ، يناديهنّ تقريباً دائماً بـ «أيّتها الأُمّ».
«سعيدة يا رب. كنتُ قد رَبَّيتُ ابناً مِن أجل الربّ. والربّ يَقبَله خادماً لمسيحه. فليتبارك الربّ لذلك. ولتكن مباركاً أنتَ، مسيحه. ولتكن مباركة الساعة التي قَدِمْتَ فيها. ومبارك هو ابني المدعوّ لخدمتكَ.»
«ولتكن مُبارَكَة الأُمّ القدّيسة مثل حنّة التي لألقانة. وليكن السلام معكِ.»
يَخرُج يسوع، يتبعه الاثنان. يُوافي تلاميذه، ثمّ يبدأ رحلة عودته إلى الجليل.