ج6 - ف154

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الثاني

 

154- (في ينابيع عِمّاوس طبريّا الحارّة)

 

26 / 07 / 1946

 

إنّ البحيرة هي تماماً مثل جزع عقيق ضخم محاط بإطار مِن التلال التي ينيرها ضوء النجوم بشكل خفيف، حيث إنّ القمر قد غاب. يسوع وحده في السرادق الأخضر، رأسه يستند إلى ساعديه، الموضوعين على الطاولة قرب المصباح، الذي على وشك أن ينطفئ. لكنّ يسوع ليس نائماً. إنّه يرفع رأسه مِن حين لآخر، يَنظر مجدّداً إلى لفافات الرقّ المفرودة على الطاولة، والمحصورة بالمصباح الموضوع عند طرفها العلوي وبساعديه عند الأسفل، ويحني رأسه.

 

الصمت مطبق. حتّى البحيرة تبدو غافية في سكون الليل المضني. ثمّ ها هي الريح، في الوقت ذاته، تحفّ بين الأوراق، وموجة تضرب الضفّة ضربة منفردة، هناك تغيّر في الطبيعة، كأنّها يَقظة العناصر. وضوء الفجر الخافت جدّاً، يستحيل نوراً فيما يبزغ النهار، رغم أنّ العين لا تلحظ ذلك بعد عند النَّظر إلى الحديقة الخاوية. إنّها مرآة البحيرة التي تشير إلى عودة الظهور الأوّل للنور، لأنّ عقيقها الرصاصيّ القاتم، يتكشّف على مهل بانعكاس السماء حيث يبدأ الفجر، ومِن الرصاصيّ، تنتقل شيئاً فشيئاً إلى الرماديّ الداكن، ثمّ إلى الرماديّ الحديديّ، ثمّ إلى اللون اللبنيّ، وأخيراً تعكس السماء على مياهها في زُرقة فردوسيّة.

 

يسوع ينهض، يجمع الأوراق، يأخذ المصباح الذي انطفأ عند أوّل هبوب للنسيم، ويتوجّه صوب المنزل. يلتقي بخادمة تنحني له، ثمّ ببستانيّ متوجّه إلى أحواض الزهور، ويتبادل معه التحيّة. يدخل القاعة حيث الخُدّام الآخرون يُنجزون أولى مهامّ اليوم.

 

«السلام لكم. أيمكنكم أن تنادوا أتباعي؟»

 

«لقد استيقظوا بالفعل يا ربّ. وعربة النسوة جاهزة. يُوَنّا هي أيضاً قد استيقظت، إنّها في القاعة الداخليّة.»

 

يجتاز يسوع المنزل كي يذهب إلى القاعة التي هي مِن جهة الشارع. كلّهم بالفعل مجتمعون هناك.

 

«هيّا بنا. يا أُمّي، ليكن الربّ معكِ، ومعكِ أيضاً يا مريم. وليرافقكما سلامي. الوداع يا سمعان. احمل سلامي إلى سالومة والأولاد.»

 

يوناثان يفتح البوّابة الثقيلة. العربة المغطّاة في الشارع. إنّ الطريق بين المنازل ما يزال شبه معتم، وهو خالٍ تماماً. تصعد المرأتان مع قريبهما إلى العربة التي تنطلق.

 

«لنغادر في الحال نحن أيضاً. أندراوس، اركض إلى حيث هما القاربان وقل للصِّبيان أن يوافونا إلى تراقية.»

 

«كيف؟ أنذهب سيراً؟ سوف نتأخّر...»

 

«لا يهمّ. امضوا قُدُماً فيما أستأذن يُوَنّا بالانصراف.»

 

يبتعد الرُّسُل…

 

«ألحق بكَ يا ربّ. أو بالأحرى: أسبقكَ لأنّني أذهب بالقارب.»

 

«سوف يكون عليكِ أن تنتظري طويلاً...»

 

«لا يهمّ. دعني آتي.»

 

«ليكن كما تشائين. هل خُوزي غائب؟»

 

«لم يعد إلى المنزل يا ربّ.»

 

«بلّغيه تحيّاتي وقولي له بأنّني أوصيه بأن يكون بارّاً. لاطِفي الأولاد عنّي. و... حيث أنّكِ قد فهمتِ معلّمكِ، فَأَفهِمي خُوزي وكلّ أولئك الذين يريدون أن يجعلوا مِن المسيح مَلِكاً زمنياً، بأنّهم على خطأ.»

 

يسوع أيضاً يخرج إلى الدرب، وسرعان ما ينضمّ إلى الرُّسُل. «هيا بنا عبر طريق عِمّاوس. الكثير مِن البؤساء يذهبون إلى الينابيع، البعض طلباً للشفاء، وآخرون طلباً للعون.»

 

«لكنّنا لا نملك أيّ مال...» يُبدي يعقوب بن زَبْدي ملاحظته.

 

يسوع لا يُجيب.

 

مِن دقيقة لدقيقة يزدحم الطريق بفئتين مختلفتين مِن الناس. هناك مزارعون، باعة، خُدّام، عبيد، أُناس مِن العامّة يُسارعون إلى الأسواق، وبطالبي متعة أغنياء على محفّات، أو على ظهور الخيل، يمضون هم أيضاً إلى الينابيع، التي أَفتَرض بأنّها حَارّة، إذا كانت علاجيّة.

 

إنّ طبريّا هي حقّاً مدينة عالميّة إلى حدّ ما، لأنّ أناساً مِن أمم مختلفة يُشاهَدون بين سكّانها: رومانيّين مُثقَلين بحياة فسق وخمول، يونانيّين مزيّنين وليسوا أقلّ خلاعة مِن الرومان، إنّما بأقنعة فسق تختلف في الملامح عن تلك التي للّاتينيّين، وأناس مِن الساحل الفينيقيّ، عبرانيّين، مسنّين في أغلبهم، أناساً يتكلّمون لغات مختلفة ولهجات مختلفة، ويرتدون ملابس مختلفة، وبعض الوجوه الشاحبة لرجال ونساء مرضى، أو وجوه متعبة لنسوة نبيلات... كذلك وجوه أناس مَرِحين مِن كِلا الجنسين يتقدّمون في مجموعات على ظهور خيل قرب محفّات، أو في المحفّات، مُستَرسِلين في تهكّمات ومواضيع تافهة، وهم يتراهنون…

 

الطريق جميلة. إنّه شارع ظليل، ومِن خلال الفراغات بين الأشجار يمكن رؤية البحيرة مِن جانب، والريف مِن الجانب الآخر. الشمس قد بزغت الآن، وهي تُذكّي ألوان المياه والخُضرة.

 

الكثيرون يلتفتون كي ينظروا إلى يسوع، الذي يلاحقه الهمس: كلمات إعجاب مِن نسوة، مزاح مِن رجال، في بعض الأحيان كلمات احتقار أو تمتمة، بعض أنّات يتلقّاها يسوع، وهي الوحيدة التي يُنصِت إليها ويستجيب لها.

 

وعندما يعيد الحركة الطبيعية للأطراف التي تصلّبت بسبب التهاب المفاصل لرجل مِن صور، فإنّ اللامبالاة التهكّمية للعديد مِن الوثنيّين تهتزّ.

 

«آه!» يصيح رومانيّ مسنّ له وجه عربيد منتفخ. «آه! جميل أن أشفى هكذا. سأناديه.»

 

«لن يفعلها لكَ يا سيلينوس العجوز. ما الذي ستفعله فيما إذا شفيتَ؟»

 

«سوف أعاود إمتاع نفسي مِن جديد!»

 

«في هذه الحالة لا جدوى مِن ذهابكِ إلى الناصريّ الحزين.»

 

«سوف أذهب، وأراهن بكل ما أملك أنّ...»

 

«لا تراهن. سوف تخسر.»

 

«دعه يراهن. إنّه ما يزال سكراناً. سوف نستمتع بماله.»

 

الرجل العجوز ينزل مترنّحاً مِن محفّته ويَصِل إلى يسوع، الذي يُنصِت إلى أُمّ إسرائيليّة تحدّثه عن ابنتها، وهي فتاة شديدة الشحوب تقودها مِن يدها.

 

«لا تخافي يا امرأة. ابنتكِ لن تموت. عودي إلى المنزل. لا تأخذيها إلى الينابيع. فهي لن تستعيد عافية جسدها هناك، وإنّما سوف تخسر طهارة نفسها. فهي أمكنة للفجور المخزي» وهو يقول ذلك بصوت عالٍ جدّاً، بحيث يسمعه الجميع.

 

«إنّني أؤمن يا رابّي. سوف أعود إلى المنزل. بارك خادمتيكَ يا معلّم.»

 

يسوع يباركهما ويهمّ بالانطلاق.

 

الروماني يمسكه مِن كُمّه: «اشفني» يَأمُر.

 

يسوع ينظر إليه ويَسأَل: «أين؟»

 

رومانيّون، مع عدد مِن اليونانيّين والفينيقيّين قد تجمّعوا معاً وهم يتهكّمون ويتراهنون. بعض الإسرائيليّين ابتعدوا متمتمين: «تدنيس! لعنة!» وكلمات أخرى مشابهة، ومع ذلك يتوقّفون، بدافع الفضول…

 

«أين؟» يَسأَل يسوع.

 

«في كلّ مكان. أنا مريض... آه! آه! آه!» لا أعرف فيما إذا كان يضحك أم يبكي، مِن فرط ما هو غريب الصوت الذي ينطلق مِن فمه. يبدو كما لو أنّ الدهون المترهّلة، التي تراكمت خلال سنوات مِن حياة الرذيلة، قد أثّرت حتّى في أوتاره الصوتيّة. الرجل يسرد مشاكله ويُعرب عن خشيته مِن الموت.

 

يَنظُر يسوع إليه بصرامة ويجيب: «عليكَ بالفعل أن تخشى الموت لأنّكَ قتلتَ نفسكَ» ويدير له ظهره. الرومانيّ يحاول ثانية الإمساك به مِن ثوبه، بينما الحاضرون يضحكون باستهزاء. لكنّ يسوع يُحرّر نفسه ويمضي بعيداً.

 

«لقد هُزِمتَ يا أبيّوس فابيوس! لقد هُزِمتَ! إنّ الذي يُدعى مَلِك اليهود لم يُنعِم عليكَ. أَعطِنا كيس نقودكَ. لقد خسرتَ الرهان.» اليونانيّون والرومان يُحدثون ضجيجاً شديداً وقد أحاطوا بالرجل الخائب، الذي يدفعهم ويبدأ بالركض، بقدر استطاعته، هو البدين، رافعاً ثوبه، مترنّحاً بكلّ كتلته الدهنيّة. لكنّه يتعثر ويقع على التراب وسط قهقهات أصدقائه الذين يجرّونه نحو شجرة، يلتصق بجذعها الرجل السكران باكياً بكاء السكارى السخيف.

 

لا بدّ أنّ الينابيع قد أصبحت قريبة جدّاً الآن، ذلك أنّ الجموع تتزايد باستمرار، متوافدين مِن العديد مِن الطرق صوب ذات الوجهة. إنّ رائحة المياه الكبريتية تعبق في الهواء.

 

«أننزل صوب الضفة كي نتجنّب هؤلاء الدّنسين؟» يَسأَل بطرس.

 

«ليسوا جميعهم دنسين يا سمعان. هناك الكثيرون مِن إسرائيل فيما بينهم» يقول يسوع.

 

يَصِلون إلى الحمّامات الحارّة. سلسلة أبنية مِن الرخام الأبيض، تفصلها شوارع، تُواجه البحيرة وتفصلها عنها ساحة كبيرة مزروعة بأشجار، يتمشّى القادمون تحتها بانتظار الحَمَّام، أو للتفاعل بعده. رؤوس برونزية لميدوزا، والتي تبرز مِن جدار أحد المباني، تصبّ مياهاً مُدخّنة في حوض رخاميّ، أبيض مِن الخارج وأحمر مِن الداخل، كما لو أنّه مغطّىً بحديد صدئ. يهود كُثُر يذهبون إلى الينابيع ويشربون المياه المعدنيّة بكؤوس. لا أرى سوى اليهود يفعلون ذلك، وفي هذا القسم. أعتقد بأنّني قد حزرت بأنّ الإسرائيليّين الملتزمين أرادوا أن يكون لهم مكان خاصّ بهم كي يتجنّبوا الاتّصال بالوثنيّين.

 

مرضى كُثُر على نقّالات بانتظار العلاج، والعديد منهم، وقد رأوا يسوع، يصيحون: «يا يسوع، يا ابن داود، ارحمني.»

 

يسوع يتوجّه نحوهم: مشلولين، مصابين بالتهاب وتيبّس المفاصل، ذوي عظام مكسورة لا تلتحم، مصابين بفقر الدم، بأمراض غدد، نساء ذابلات قبل الأوان، أطفال قد شاخوا باكراً. ثمّ تحت الأشجار هناك متسوّلون يستجدون طالبين صدقة.

 

يسوع يقف قرب المرضى. ينتشر خبر أنّ الرابّي سوف يتحدّث ويُشفي. الناس، حتّى أولئك الذين ينتمون إلى أعراق أخرى، يقتربون كي يروا.

 

يسوع ينظر حوله. يبتسم وقد رأى اليونانيّ الذي أرسَلَته سِنْتيخي يَخرج مِن الحمّام وشعره ما يزال مبتلاً بعد الاستحمام. يرفع صوته في الحال كي يكون مسموعاً: «الرحمة تفتح الأبواب للنعمة. كونوا رحماء كي تنالوا الرحمة. كلّ الناس يفتقرون إلى شيء ما: البعض يفتقرون إلى المال، البعض للعواطف، للحرّية، للصحّة. وكلّ البشر بحاجة لمعونة الله، الذي خَلَقَ الكون، والذي، وكونه الأب الأوحد، فبمقدوره تقديم العون لأبنائه.»

 

يتوقّف، كما لو أنّه يريد إعطاء الناس الوقت كي يقرروا فيما إذا كانوا يريدون المجيء للاستماع إليه، أو المضيّ إلى الحمّامات. ولكنّ أغلبهم ينسون أمر الحمّامات. إسرائيليّون ووثنيّون يتجمّعون كي يستمعوا، وبعض الرومان المتشكّكين يُخفون فضولهم تحت شكل مزاح فيقولون: «اليوم لدينا خطيب كي يجعل هذا المكان مشابهاً للحمّامات الرومانيّة الحارّة.»

 

زينون، اليونانيّ، يشق طريقه عبر الجمع صائحاً: «بحقّ زيوس! لقد كنتُ على وشك الذهاب إلى تراقية، وأجدكَ هنا!»

 

يسوع يتابع: «أمس قيل لي: "مِن الصعب اتّباع ما تفعله." لا، ذلك ليس صعباً. إنّ عقيدتي ترتكز على المحبّة، وليس صعباً أبداً تطبيق المحبّة. بماذا تبشّر عقيدتي؟ بعبادة الله الحقّ، والمحبّة للقريب. إنّ الإنسان، الطفل الأزليّ، يخاف الظلام ويتبع الأوهام لأنّه لا يعرف المحبّة. المحبّة هي حكمة ونور. إنّها حكمة لأنّها تتنازل كي تُعلّم. وهي نور لأنّها تأتي لتُنير. وحيث يكون النور تختفي الظلمات، وحيث تكون الحكمة تزول الأوهام. هناك وثنيّون وسط الذين يستمعون إليَّ. إنّهم يقولون: "أين هو الله؟" يقولون: "مَن يؤكّد لنا بأنّ إلهكَ هو الإله الحقّ؟" أو: "كيف يسعكَ أن تؤكّد لنا بأنّكَ على حقّ بكلّ ما تقول؟" والوثنيّون ليسوا وحدهم مَن يقولون ذلك. فآخرون يسألونني: "بأيّ سلطان تفعل هذه الأمور؟" بالسلطان الذي يأتيني مِن الآب، مِن الآب الذي وَضَعَ كلّ شيء في خدمة الإنسان، مخلوقه المفضّل، والذي أَرسَلَني كي أُثقّف البشر، إخوتي. وهل يمكن للآب، الذي مَنَحَ باطن الأرض القدرة على جعل مياه الينابيع علاجيّة، أن يحدّ قدرة مسيحه؟ وأيّ إله، غير الإله الحقّ، بمقدوره أن يمنح ابن الإنسان اجتراح المعجزات، التي تعيد خلق الأعضاء التالفة؟ في أيّ معبد وثنيّ قد حصل أن رأيتم عمياناً يستعيدون البصر والمشلولين الحركة، وفي أيّ معبد، يحصل كما عندما يأمر ابن الإنسان قائلاً: "أشاء" فينتصب المحتضرون بأكثر صحّة مِن الأصحّاء؟ وعليه، فأنا، وكي أمجّد الله الحقّ وأجعله معروفاً وممجّداً مِن قِبلكم، فأنا أقول لكلّ هؤلاء المجتمعين هنا، مهما يكن دينهم أو عِرقهم، بأن يستعيدوا الصحّة التي يترجّونها مِن المياه، وأن ينالوها منّي، أنا الماء الحيّ، الذي أمنح حياة الجسد وحياة الروح لِمَن يؤمن بي، ومَن يقوم بأفعال رحمة بقلب بارّ. لستُ أطلب أموراً صعبة. أطلب أفعال إيمان وأفعال محبّة. افتحوا قلوبكم للإيمان. افتحوا قلوبكم للمحبّة. أعطوا كي تُعطوا. أعطوا الفقراء النقود كي تنالوا عون الله. ابدأوا بمحبة إخوتكم. تعلّموا أن تكونوا رحماء. الثلثان منكم مرضى لأنّهم أنانيّون وشهوانيّون. اهدموا الأنانيّة، اكبحوا شهواتكم. وسوف تكسبون الصحّة الجسديّة والحكمة. حطّموا كبرياءكم. وسوف تنالون إنعامات الله الحقّ. أسألكم الصدقات للفقراء وأنا سأهبكم العافية.

 

ويرفع يسوع طرف ردائه ويمدّه كي يتلقّى النقود: إنّها قطع كثيرة تلك التي يُسارِع الوثنيّون والإسرائيليّون إلى إلقائها فيه. وليست فقط النقود، بل أيضاً خواتم وحليّ أخرى تُلقيها بلا تردّد سيّدات رومانيّات، ينظرن إلى يسوع عندما يقتربن منه، ومنهنّ مَن تهمس بكلمة، ويسوع يومئ بالموافقة أو يُجيب باختصار.

 

التقادم انتهت. يسوع ينادي الرُّسُل ويطلب منهم أن يأتوه بالمتسوّلين، وكلّ ما تمّ جمعه يختفي بذات السرعة التي جُمِع فيها حتّى آخر قطعة. تبقى بعض الحليّ يعيدها يسوع إلى مالكاتها لأنّ ما مِن أحد يبادلها بالنقود. ولتعزية السيّدات اللواتي قدّمنها يقول لهنّ: «الرغبة تعادل الفعل. إنّ تقدماتكنّ قَيّمة كما لو أنّها وُزِّعت، لأنّ الله ينظر إلى نيّة الإنسان.»

 

ثمّ ينتصب ويصيح: «ممّن تأتي القدرة؟ مِن الله الحقّ. أبتاه، ليتألق بهاء قدرتكَ بابنكَ. باسمكَ أُعطي هذا الأمر للأمراض: اختفي!»

 

الآن هو المشهد الذي يُرى غالباً: المرضى ينهضون، الـمُقعَدون يستقيمون، المشلولون يتحرّكون، وجوه تتلوّن، عيون تبرق، صيحات هوشعنا، تبادُل التهاني بين الرّومان، بينهم امرأتان ورجل نالوا الشفاء، والذين، إذ يريدون الاقتداء بالإسرائيليّين الذين بَرِئوا، إنّما غير القادرين بعد على أن يتواضعوا مثلهم بتقبيل قدميّ يسوع، فينحنون، ويمسكون طرف رداء يسوع ويقبّلونه.

 

ثمّ ينطلق يسوع كي يُفلت مِن الجمع. ولكنّه لا يتمكّن، لأنّهم، وباستثناء بعض الوثنيّين المشكّكين، وبعض اليهود الأكثر مغالاة بالتعنّت، فإنّهم كلّهم يتبعونه على الطريق التي تمضي إلى تراقية.