ج10 - ف12

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

12- (يسوع يَظهَر للرُّسُل العشرة في العلّية)

 

06 / 04 / 1945

 

إنّهم مجتمعون في العلّيّة. لا بدّ أنّ الوقت متأخّر مِن المساء، ذلك أنّ ما مِن صوت يصدر مِن الشارع ولا مِن المنـزل. أعتقد بأنّ الّذين كانوا قد حضروا قبلاً قد انسحبوا إمّا إلى منازلهم أو إلى النوم، مُنهَكين مِن فرط الانفعالات.

 

الرُّسُل العشرة مِن جهتهم، وبعد أن تناولوا السمك، الّذي بقي بعض منه في صينية موضوعة فوق خزانة الصحون، يتحدّثون تحت نور شعلة واحدة مِن الشمعدان الأقرب إلى المائدة. إنّهم لا يزالون جالسين حولها وأحاديثهم متقطّعة. تبدو تقريباً كالمناجاة، ذلك أنّه يبدو أنّ كلّ واحد منهم كان يتحدّث إلى نفسه، بدلاً مِن التحدّث إلى رفيقه. والآخرون يتركونه يتحدّث، بينما هم يتحدّثون بدورهم في موضوع آخر تماماً. إنّما هذه الأحاديث المنفصلة، الّتي تعطيني الانطباع بأنّها شعاعات عجلة مفكّكة، تبدو أنّها تتناول موضوعاً واحداً في محورها، رغم تبعثرها هكذا، وهو يسوع.

 

«ما كنتُ أودّ أن يُسيء لعازر الفهم وأن تفهم النسوة أفضل منه...» يقول يوضاس بن حلفى.

 

«في أيّة ساعة قالت السيدة الرومانيّة أنّها رأته؟» يَسأَل متّى.

 

لا أحد يجيبه.

 

«سوف أذهب إلى كفرناحوم غداً.» يقول أندراوس.

 

«يا للروعة! فِعل ذلك بالضبط في وقت خروج مِحَفّة كلوديا!» يقول برتلماوس.

 

«لقد أخطأنا، يا بطرس، بالابتعاد فوراً هذا الصباح... لو كنّا بقينا، لكنّا رأيناه كما رأته المجدليّة.» يتنهّد يوحنّا.

 

«أنا لا أفهم كيف يمكنه أن يكون في عِمّاوس وفي القصر في الوقت نفسه. وكيف كان هنا مع أُمّه، وهناك مع المجدليّة وعند يُوَنّا معاً...» يقول يعقوب بن زَبْدي لنفسه.

 

«لن يأتي. لم أبكِ بما فيه الكفاية كي أستحقّ ذلك... الحقّ معه. أعتقد بأنّه سيبقيني مُنتظِراً لثلاثة أيام بسبب إنكاراتي الثلاثة. إنّما كيف، كيف أمكنني القيام بذلك؟»

 

«كم كان لعازر متجلّياً! أؤكّد لكم: كان يبدو شمساً. أعتقد بأنّه قد حدث له كما حدث لموسى بعد أن رأى الله. وفوراً -أليس ذلك صحيحاً، أنتم الّذين كنتم هناك؟- فوراً بعدما قدّم له حياته.» يقول الغيور.

 

ما مِن أحدٍ يُنصِت إليه.

 

يلتفت يعقوب بن حلفى نحو يوحنّا ويَسأَل: «ماذا قال لجماعة عِمّاوس؟ أعتقد بأنّه عذرنا، أليس كذلك؟ ألم يقل بأنّ كلّ شيء حدث بسبب خطئنا نحن الإسرائيليّين في طريقة فهم مملكته؟»

 

يوحنّا لا يسمعه، ويستدير لينظر إلى فيلبّس، ويقول... مُتحدِّثاً إلى الهواء، لأنّه لا يتحدّث إلى فيلبّس: «بالنسبة إليّ يكفيني أن أعلم أنّه قام. ومِن ثمّ... مِن ثمّ سوف تكون محبّتي أقوى على الدوام. لقد رأيتم، هه! لقد ظهر، إذا ما تبصّرتم بالأمر، ظهر بما يتناسب مع المحبّة الّتي ملكناها: الأُمّ، مريم المجدليّة، الطفلان، أُمّي وأُمّكَ، ومِن ثمّ لعازر ومرثا... متى ظهر لمرثا؟ أنا أقول أنّها حين أنشدت مزمور داود: "الربّ راعيّ، فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضر يربضني. إلى مياه الراحة يوردني. دعا نفسي إليه..." أتذكر كيف جعلتنا نرتعش مع هذا النشيد غير المتوقّع؟ وهذه الكلمات ترتبط بما قالته: "دعا نفسي إليه". بالفعل لقد بدت مرثا وكأنّها وجدت طريقها مجدّداً... قبل ذلك، هي، المرأة الشجاعة، كانت ضائعة! ربّما، عندما ناداها، أفصح لها عن الموضع الّذي يريدها أن تكون فيه. لا بل هذا مُؤكَّد، لأنّه إذا أعطاها موعداً، فيجب أن يعلم أين ستكون. ماذا قصد بقوله: "إتمام العرس؟"»

 

فيلبّس، الّذي نظر إليه لبرهة، ومِن ثمّ تركه يناجي نفسه، يقول وهو يئنّ: «إن أتى، أنا لن أعرف ماذا سأقول له... لقد هربتُ... وأشعر بأنّني سأهرب. سابقاً، هربتُ خوفاً مِن الناس. الآن، خوفاً منه.»

 

«الجميع يقولون إنّه بغاية الوسامة. أيمكن أن يكون أكثر وسامة ممّا كان عليه؟» يتساءل برتلماوس.

 

«أنا سأقول له: "لقد غفرتَ لي حين كنتُ عشّاراً دون أن تقول لي أيّة كلمة. كذلك الآن اغفر لي بصمتكَ، ذلك أنّ جُبني لا يستحقّ كلمتكَ".» يقول متّى.

 

«لونجين قال إنّه تساءل: "أعليّ سؤاله أن أُشفى أو أن أُؤمن؟" لكنّ قلبه قال: "أن أُؤمن"، عندها قال الصوت: "تعال إليّ"، وشعر بإرادة الإيمان والشفاء في الوقت نفسه. هذا بالضبط ما قاله لي.» يؤكّد يوضاس بن حلفى.

 

«أنا قد توقّفت دائماً عند التفكير أنّ لعازر قد كوفئ فوراً بسبب تقدمته... أنا أيضاً، قلتُ: "حياتي لأجل مجدكَ". لكنّه لم يأتِ.» يقول الغيور متنهّداً.

 

«ما قولكَ يا سمعان؟ أنتَ المثقّف، قل لي: ماذا عليّ أن أقول له كي أجعله يدرك أنّني أحبّه، وأطلب منه المغفرة؟ وأنتَ يا يوحنّا؟ لقد تحدّثتَ كثيراً مع الأُمّ، ساعدني. فليس مِن باب الرحمة أن تترك بطرس المسكين وحيداً!»

 

‏يوحنّا يشعر بالتعاطف تجاه رفيقه الـمُحبَط ويقول: «إنّما... إنّما أنا أقول له ببساطة: "أحبّكَ". الحبّ يشمل النّدامة والرغبة في الغفران. مع ذلك... لا أدري. يا سمعان، ما رأيكَ أنتَ؟»

 

والغيور: «أنا أقول ما كانت صرخة طالبي المعجزات: "يا يسوع ارحمني!" أقول: "يا يسوع". وكفى. لأنّه أكثر بكثير مِن ابن داود!»

 

«هذا بالضبط ما أفكّر فيه وما يجعلني أرتعد. آه! سوف أُخفي رأسي... كذلك كنتُ هذا الصباح خائفاً مِن رؤيته و...»

 

«...ومِن ثمّ دخلتَ أوّلاً. إنّما لا تخف هكذا. تبدو وكأنّكَ لا تعرفه!» يشجّعه يوحنّا.

 

الغرفة تتوهّج بشدّة كما بفعل وميض مُبهِر. الرُّسُل يُخفون وجوههم، خائفين مِن أن تكون صاعقة، لكنّهم لا يسمعون صوتاً ويرفعون رؤوسهم.

 

يسوع في وسط الغرفة، قرب الطاولة. يفتح ذراعيه قائلاً: «ليكن السلام معكم.»

 

لا أحد يجيب. البعض يبدون أكثر شحوباً، والبعض أكثر احمراراً، يُحدّقون فيه كلّهم بخوف ورهبة. مُنبَهِرين وفي الوقت نفسه تكاد تتملكهم الرغبة في الهروب.

 

يخطو يسوع خطوة إلى الأمام، مبتسماً زيادة: «إنّما لا تخافوا هكذا! هذا أنا. لماذا أنتم مُضطرِبون هكذا؟ أما كنتم ترغبون بي؟ ألم أُعْلِمكم بأنّني سآتي؟ ألم أقل لكم ذلك منذ مساء الفصح؟»

 

ما مِن أحد يتجرّأ على الكلام. بطرس يبكي ويوحنّا يبتسم، فيما ابنا عمّه، بعيونهما اللامعة وشفاههما الّتي تتحرّك مِن دون التوصّل إلى الكلام، يبدوان كتمثالين يُجسِّدان التّوق.

 

«لماذا تحملون في قلوبكم أفكاراً متعارضة إلى هذا الحدّ بين الشكّ والإيمان، المحبّة والخوف؟ لماذا تريدون بعد أن تكونوا أجساداً لا أرواحاً، فبالروح فقط يمكنكم أن تروا، أن تفهموا، أن تحكموا، وأن تتصرّفوا؟ ألم تحترق كلّياً أناكم العتيقة تحت لهيب الألم، أولم تطفو أناكم الجديدة لحياة جديدة؟ أنا يسوع. يسوعكم، الّذي قام مِن الموت كما سبق أن قال لكم. انظروا. أنتَ الّذي رأيتَ جراحي، وأنتم الّذين تجاهلتم عذاباتي. ذلك أنّ الّذي تعرفونه مُختلِف تماماً عن المعرفة الدقيقة ليوحنّا. تعال، أنتَ أوّلاً. أنتَ أصبحتَ طاهراً تماماً، طاهراً إلى حدّ أنّكَ تستطيع لمسي دونما خوف. فالمحبّة، الطاعة، والوفاء قد طهّرتكَ. إنّ دمي، الّذي فاض عليكَ كلّيّاً حينما أنزلتَني عن الصليب قد أنجز تطهيركَ. انظر. إنّهما يدان حقيقيّتان وجروح حقيقيّة. تفحّص قدميّ. ولاحظ أنّ هذا أثر المسمار؟ نعم، هذا أنا حقّاً ولستُ شبحاً. المسوني. الأشباح لا تملك أجساداً. أنا أملك جسداً حقيقيّاً على هيكل عظميّ حقيقيّ.» يضع يده على رأس يوحنّا الّذي تجرّأ على الاقتراب منه. «أتشعر بها؟ إنّها حارّة وثقيلة.» ينفخ في وجهه: «وهذا هو النَّفَس.»

 

«آه! ربيّ!» يوحنّا يهمس بهدوء، هكذا…

 

«نعم، ربّكم. يوحنّا، لا تبكِ مِن الخوف أو الرغبة. تعال إليّ. فأنا ما زلتُ الّذي يحبّكَ. لنجلس إلى المائدة كما اعتدنا دائماً. أليس لديكم شيء للأكل؟ أعطوني إيّاه إذاً.»

 

أندراوس ومتّى، وبحركات كمن يسير في نومه، يتناولان مِن الخزائن خبزاً وسمكاً، وقرص عسل يكاد يكون غير مأكول إلاّ في زاوية منه.

 

يسوع يقدّم الطعام ويأكل، ويعطي كلّ واحد منهم بعضاً ممّا يأكل. وينظر إليهم. طيّباً جدّاً إنّما جليلاً جدّاً بحيث شُلّوا مِن ذلك.

 

يعقوب، شقيق يوحنّا هو أول مَن يتجرّأ على الكلام: «لماذا تنظر إلينا هكذا؟»

 

«لأنّني أريد أن أعرفكم.»

 

«ألم تعرفنا بعد؟»

 

«كما أنتم لم تعرفوني. لو كنتم عرفتموني، لعلمتم مَن أنا ووجدتم الكلمات لتُفصِحوا لي عن همّكم. إنّكم تصمتون. كما لو أنّكم قبالة غريب جبّار تخافونه. منذ قليل كنتم تتكلّمون... لأربعة أيّام تقريباً وأنتم تكلّمون أنفسكم قائلين: "سوف أقول له هذا..." مُخاطِبين روحي: "عُد يا ربّ، لأتمكن مِن أن أقول لكَ هذا". الآن أتيتُ، وتصمتون؟ أتغيّرتُ لدرجة أنّي لم أعد أبدو أنا بالنسبة إليكم؟ أم إنّكم تغيّرتم كثيراً لدرجة أنّكم ما عدتم تحبّونني؟»

 

يوحنّا الجالس قرب يسوعه، يقوم بتصرّفه الـمعتاد بوضع رأسه على صدر يسوع وهو يهمس: «أنا أحبّكَ يا إلهي.» لكنّه يتصلّب ليمنع نفسه عن هذا الاستسلام احتراماً لابن الله الـمتألّق. ذلك أنّ نوراً يبدو أنّه ينبعث مِن يسوع، ولو أنّ له جسداً شبيهاً بأجسادنا. لكنّ يسوع يضمّه إلى قلبه، عندها يفتح يوحنّا سدود دموعه الـمغتبطة.

 

إنّها الإشارة للجميع كي يفعلوا ذلك.

 

بطرس، على بُعدِ مكانين مِن يوحنّا، ينزلق بين المائدة ومقعده ويبكي صارخاً: المغفرة! المغفرة! انتشلني مِن هذا الجحيم الّذي أنا فيه منذ ساعات كثيرة. قل لي إنّكَ رأيتَ إثمي على حقيقته. ليس مِن الروح، بل مِن الجسد الّذي طغى على قلبي. قُل لي إنّكَ رأيتَ توبتي... إنّها سوف تدوم حتّى مماتي. إنّما أنتَ... إنّما أنتَ قل لي أنّه ليس عليّ أن أخافكَ باعتباركَ يسوع... وأنا، وأنا سوف أسعى إلى أن أُحسِن التصرّف بحيث أنال الغفران حتّى مِن الله... وأموت... وعليّ فقط مطهر عظيم أجتازه.»

 

«تعال إلى هنا يا سمعان بن يونا.»

 

«أنا خائف.»

 

«تعال إلى هنا. لا تكن أكثر جبناً.»

 

«لا أستحقّ أن آتي إلى جواركَ.»

 

«تعال إلى هنا. ماذا قالت أُمّي لكَ؟ "إن لم تنظر إليه على هذا الوشاح فلن تمتلك الجرأة لأن تنظر إليه ثانية". أيا أيّها الرجل الساذج! ألم يقل لكَ ذاك الوجه، عَبْر نظرته المتألّمة، أنّني كنتُ قد فهمتُكَ وغفرتُ لكَ؟ وأيضاً قد مَنَحتُ ذلك المنديل، تعزية، مُرشِداً، غفراناً، بَرَكة... إنّما ما الّذي فعله بكم الشيطان ليعميكم إلى هذا الحدّ؟ الآن أقول لكَ: إن لم تنظر إليّ الآن وقد نشرتُ فوق مجدي حجاباً لأضع نفسي في متناول ضعفكم، فلن تستطيع أبداً بعد أن تأتي إلى ربّكَ بلا خوف. وعندها ماذا سيحدث لكَ؟ لقد أخطأتَ بالافتراض. أتريد الآن أن تخطئ مجدّداً بالعناد؟ تعال، أقول لكَ.»

 

بطرس يجرّ نفسه على ركبتيه، بين المائدة والمقاعد، مغطّياً بيديه وجهه الدامع. يسوع يوقفه حين يصبح عند قدميه، واضعاً يده على رأسه. بطرس ببكاء أكثر مرارة، يُمسِك تلك اليد ويقبّلها وسط نحيب حقيقيّ لا نهاية له. لا يُحسِن سوى أن يقول: "المغفرة! المغفرة!"

 

يسوع يحرّر نفسه مِن تشبّث بطرس، رافعاً بيده ذقن الرسول لإرغامه على رفع رأسه، وبعينيه الصافيتين واللامعتين، يحدّق بعينيّ بطرس المحمرّتين، الـمحترقتين، الـمتألّمتين بالنّدامة، يبدو أنّه يريد سبر غور نفسه، ثمّ يقول: «هيّا. انزع عار يهوذا عنّي. قبّلني حيث قبّلني هو. اغسل، بقبلتكَ أثر الخيانة.»

 

بطرس يرفع رأسه بينما ينحني يسوع أكثر، ويلامس خدّه برقّة... ثم يحني رأسه فوق ركبة يسوع، ويلبث هكذا... مثل طفل كبير فَعَل سوءاً أنّما غُفِر له.

 

الآخرون يستعيدون قليلاً مِن الجرأة، وهم يرون الآن طيبة يسوعهم، ويقتربون منه بقدر ما يستطيعون.

 

ابنا عمّه هما أوّل مَن يقترب... يَودّان قول الكثير، لكنّهما لا يتوصّلان لقول أيّ شيء. يسوع يلاطفهما ويشجّعهما بابتسامته.

 

متّى يقترب مع أندراوس. متّى يقول: «كما في كفرناحوم...» وأندوارس: «أنا، أنا… أحبّكَ، أنا.»

 

برتلماوس يأتي نائحاً: «لم أكن حكيماً، بل أحمقاً. هذا حكيم.» ويشير إلى الغيور الّذي يبتسم له يسوع.

 

يعقوب بن زَبْدي يقترب ويهمس ليوحنّا: «قُل له أنتَ...» ويسوع يلتفت ويقول: «لقد قلتَ ذلك منذ أربعة ليالي، وقد أشفقتُ عليكَ منذ وقت طويل.»

 

فيلبّس، الأخير، يأتي منحنياً تماماً، لكنّ يسوع يُرغِمه على رفع رأسه ويقول له: «التبشير بالمسيح يتطلّب شجاعة أكثر.»

 

الآن جميعهم حول يسوع. يستجمعون شجاعتهم على مهل. يستعيدون ثانية ما فقدوه أو ما خافوا أن يكونوا قد فقدوه إلى الأبد. يُلامِسون الثقة والسكينة مجدّداً، وعلى الرغم مِن كون يسوع جليلاً لدرجة جعلت تلاميذه يُكِنّون له نوعاً جديداً مِن الاحترام إلّا أنّهم يَجِدون أخيراً الشجاعة للكلام.

 

هو ابن عمّه يعقوب الّذي يقول متنهّداً: «لماذا فعلتَ بنا ذلك يا ربّ؟ كنتَ تعرف بأنّنا لا شيء وبأنّ كلّ شيء يأتي مِن الله. لماذا لم تمدّنا بالقوّة لنكون بجانبكَ؟»

 

يسوع ينظر إليه ويبتسم.

 

«الآن تمّ كلّ شيء. ليس عليكَ أن تعاني مِن أيّ شيء بعد. إنّما لا تطلب مني هكذا طاعة بعد. كلّ ساعة جعلتني أتقدّم بالعمر خمسة أعوام، وعذاباتكَ، الّتي زادتها المحبّة والشيطان خمس مرّات ممّا كانت عليه في مخيّلتي، قد استنفذت حقّاً كلّ قواي. لم يبقَ لي منها سوى ما أُواصِل به الطاعة، مثبّتاً، مثل واحد مكسور اليدين يغرق، قوَتي مع إرادتي كأسنانٍ تشدُ على لوح، لئلاّ أهلكَ... آه! لا تسَل أبرصكَ ذلك ثانية!»

 

يسوع ينظر إلى سمعان الغيور ويبتسم.

 

«يا ربّ، أنتَ تعلم ما كان يريده قلبي. إنّما، بعد ذلك، لم يعد لي قلب... كما لو أنّ الأنذال الّذين قبضوا عليكَ انتزعوه منّي... وبقي لي مكانه ثقبٌ كانت تهرب منه كلّ أفكاري السابقة. لماذا سمحتَ بذلك يا ربّ؟» يَسأَل أندراوس.

 

«أنا... أنتَ تقول القلب؟ أنا أقول إنّني كنتُ كمن فقد صوابه، كمن تلقّى ضربة هراوة على قفا عنقه. حين أقبل الليل وجدتُ نفسي في أريحا... آه! يا الله! يا الله!... إنّما أيمكن لإنسان أن يهلك هكذا؟ أعتقد بأنّ هذا هو المسّ بعينه. الآن أُدرِك ما هو ذلك الأمر الرهيب!...» فيلبّس يجحظ عينيه، وهو يستذكر معاناته.

 

«أنتَ على حقّ يا فيلبّس. أنا كنتُ أتطلّع إلى الوراء. إنّني مُسِنّ ولا تنقصني الحكمة، وما عدتُ أُدرِك شيئاً ممّا كنتُ قد عرفته حتّى تلك الساعة. كنتُ أنظر إلى لعازر، كان مُعَذّباً جدّاً إنّما واثقاً جدّاً، وكنتُ أقول لنفسي: "كيف يمكن أنّه لا يزال يستطيع إيجاد مبرِّر وأنا لم أستطع ذلك؟"» يقول برتلماوس.

 

«أنا أيضاً كنتُ أنظر إلى لعازر. وبما أنّني بالكاد أُدرِك ما سبق أن شرحتَهُ لنا، لم أكن أفكّر بالمعرفة، بل كنتُ أقول: "لو على الأقل كان قلبي مثل قلبه!" ولكن على العكس لم أشعر سوى بالألم، ألم، ألم. لعازر كان متألّماً ولكنّه كان يحظى بالسلام... لماذا كان يحظى بهذا القدر مِن السلام؟»

 

يسوع ينظر بالتعاقب، إلى فيلبّس أوّلاً، ثمّ برتلماوس، ثمّ يعقوب بن زَبْدي. يبتسم ويصمت.

 

يوضاس يقول: «أنا كنتُ آمُل بأن أصل إلى رؤية ما كان يراه لعازر بالتأكيد. لذلك كنتُ دائماً بقربه... وجهه!... مرآة. قبل وقت قصير مِن زلزال الجمعة كان كمن يموت مسحوقاً، ومِن ثمّ أصبح فجأة مهيباً في معاناته. أتتذكّرون عندما قال: "الواجب الـمُنجَز يمنح السلام"؟ لقد اعتقدنا كلّنا بأنّ ذلك كان فقط تأنيباً لنا أو رضى عن نفسه. الآن أعتقد بأنّه كان يخصّكَ بذلك القول. كان لعازر كالمنارة في ظلماتنا. كم وهبتَه يا ربّ!»

 

يسوع يبتسم ويظل صامتاً.

 

«نعم. الحياة. وربّما وهبتَهُ معها نَفْساً مختلفة. لماذا، في المحصّلة، هو مختلف عنّا؟ بالفعل، فهو لم يعد إنساناً. لقد أصبح شيئاً ما أكثر مِن الإنسان، وبالأخذ بعين الاعتبار ما كان عليه في السابق، كان يجب أن يكون أقلّ كمالاً روحيّاً منّا. إنّما هو أصلح نفسه، ونحن... يا ربّ، إنّ محبّتي كانت فارغةً مثل بعض السنابل. لم أُعطِ سوى القشور.» يقول أندراوس.

 

ومتّى: «أنا لا أستطيع أن أطلب شيئاً، فقد سبق أن حصلتُ على الكثير باهتدائي. إنّما نعم! أودُّ لو أحصل على ما حصل عليه لعازر. نَفْس ممنوحة منكَ، لأنّني أفكّر أيضاً مثل أندراوس...»

 

«المجدليّة ومرثا كانتا أيضاً كما مَنارَتَين. لا بد أنّها السُّلالة. أنتم لم تروهما. واحدة كانت شفقةً وصمتاً. الأخرى! آه! إذا ما كنّا كلّنا مجتمعين حول الـمُبارَكة، فذلك لأنّ مريم المجدليّة جمعتنا بلهب محبّتها الجريئة. نعم، قلتُ: السُّلالة. إنّما يجدر بي القول: المحبّة. لقد تخطّتانا بالمحبّة. لذلك كانتا على ما هما عليه.» يقول يوحنّا.

 

يسوع يبتسم ويستمرّ بالصمت.

 

‏«إلاّ أنّهما كوفئتا على ذلك بسخاء...»

 

«لقد ظهرتَ لهما.»

 

«للثلاثة.»

 

«لمريم فوراً بعد أُمّكَ...»

 

واضح أنّ هناك أسف لدى الرُّسُل لهذه الأفضليّة في تلك الظهورات.

 

«مريم علمت بقيامتكَ قبلنا بساعات كثيرة. ونحن لم نستطع رؤيتكَ إلاّ الآن.»

 

«لم يعد ينتابهم أيّ شكّ. أمّا نحن، فعلى العكس، هو ذا... الآن فقط نشعر بأنّ ما مِن شيء انتهى. لماذا لهم، يا ربّ، إن كنتَ لا تزال تحبّنا، وإن كنتَ لا تنبذنا؟» يَسأَل يوضاس بن حلفى.

 

«نعم. لماذا للنسوة، وخصوصاً لمريم؟ حتّى إنّكَ لمستَ جبهتها، وهي تقول إنّها تشعر وكأنّها تضع تاجاً أزليّاً. ولنا، رُسُلكَ، لا شيء...»

 

يسوع لم يعد يبتسم. لا يبدو على وجهه الاستياء، لكنّه لم يعد يبتسم. ينظر بجدّية إلى بطرس الّذي كان آخر مَن تكلّم، وقد استعاد رباطة جأشه شيئاً فشيئاً بتلاشي خوفه. ويقول: «كان لديّ اثنا عشر رسولاً. وكنتُ أحبّهم مِن كلّ قلبي. لقد اخترتُهم، وكأُمّ جهدتُ في أن أجعلهم ينمون في حياتي. لم أُخفِ عنهم أيّة أسرار. كنتُ أخبرهم بكلّ شيء، كنتُ أشرح لهم كلّ شيء، أغفر لهم كلّ شيء. أفكارهم البشريّة، تهوّرهم، عنادهم... كلّ شيء. وكان عندي تلاميذ. تلاميذ أغنياء وتلاميذ فقراء. كان عندي نسوة لهنّ ماضٍ قاتم أو تكوين ضعيف. لكن الرُّسُل كانوا المفضَّلين.

 

وعندما دنت ساعتي. واحد خانني وأسلمني إلى الجلاّدين. ثلاثة ناموا فيما كنتُ أتعرّق دماً. كلّهم، باستثناء اثنين، هربوا جُبناً. واحد أنكرني خوفاً، على الرغم مِن أنّه كان يحظى كقدوة له الآخر، الفتيّ والوفيّ. وكما لو أنّ ذلك لم يكن كافياً، فمن الاثنيّ عشر خاصّتي واحد انتحر يائساً، وواحد شكّ كثيراً بمغفرتي إلى حدّ أنّه لم يؤمن برحمة الله إلاّ بمشقّة، وبفضل الكلمة الأموميّة. بحيث أنّني لو نظرتُ إلى جماعتي، لو نظرتُ إليها بعين بشريّة، لكان عليّ أن أقول: "باستثناء يوحنّا، الوفيّ بمحبّته، وسمعان [الغيور]، الوفيّ للطاعة، ما عاد لديّ رُسُل". ذلك ما ‏كان عليّ أن أقوله فيما كنتُ أتألّم في حَرَم الهيكل، في مقرّ القضاء، في الشوارع وعلى الصّليب.

 

كان لديّ نسوة... إحداهنّ، الأكثر إثماً في الماضي، قد كانت، كما قال يوحنّا، الشعلة الّتي أعادت لحمة ألياف القلوب المحطَّمة معاً. هذه المرأة هي مريم المجدليّة. أنتَ أنكرتَني وهربتَ. هي تحدّت الموت لتبقى إلى جانبي. عندما أهانوها، كشفت عن وجهها، مستعدّة لتلقّي البصقات والصفعات، مفكّرةً أنّها بقيامها بذلك فستكون أشبه أكثر بمَلِكها المصلوب. كانت عرضة لاستهزاء الناس بها مِن أعماق القلوب بسبب إيمانها الثابِت بقيامتي، وأحسنت المثابرة بالإيمان. كانت ممزّقة، وتصرّفت. كانت يائسة، هذا الصباح قالت: "سأجرّد نفسي مِن كلّ ما أملك، إنّما أعطوني معلّمي". أيمكنكم أن تجرؤوا بعد على السؤال: "لماذا لها؟"

 

كان لديّ تلاميذ فقراء: رُعاة. كنتُ قليل القرب منهم، ومع ذلك كم قدروا على الاعتراف بي بوفائهم!

 

كان لديّ تلميذات خجولات، كما كلّ نسوة هذا البلد. ومع ذلك فقد غادرن منازلهنّ، وأتين وسط طوفان شعب كان يجدّف عليّ، كي يمددنني بالمساعدة الّتي منعها عنّي رُسُلي.

 

كان لديّ وثنيّات كنّ يقدّرن الـ "فيلسوف". قد كنتُ كذلك بالنسبة لهنّ. إنّما عرفن أن يتنازلن للعادات العبرانيّة، أولئك الرومانيّات القادرات، ليقلن لي، في ساعة هجران عالم جاحد، "نحن صديقات لكَ."

 

كان وجهي مُغطى بالبُصاق والدماء. دموع وعَرَق كانت تسيل فوق جروحي. القذارة والغبار كانت تكسو بشرتي. أيّة يدٍ نظّفتني؟ يدكَ؟ أم يدكَ؟ أم يدكَ؟ ولا واحدة مِن أيديكم. هذا كان قُرب الأُمّ. ذاك كان يُعيد جمع الخراف المشتَّتة. أنتم. وإذا كانت نعاجي أصلاً مشتّتة، فكيف كان سيمكنها تقديم العون لي؟ أنتَ كنتَ تغطي وجهكَ خوفاً مِن ازدراء العالم، بينما كان معلّمكَ محاطاً بازدراء كلّ العالم. هو الّذي كان بريئاً.

 

كنتُ عطشاناً. نعم. فلتعلم هذا أيضاً. كنتُ أموت عطشاً. ما عاد بي سوى حُمّى وألم. دمي كان سبق أن أُهرِق في جَثْسَيْماني، مسحوباً بألم تعرّضي للخيانة، هجري، إنكاري، ضربي، إغراقي ‏بالأخطاء اللامتناهية، وبصرامة الله. وكان دمي قد سال في مقرّ القضاء... مَن أراد إعطائي نقطة ماء لحلقي الجاف؟ يدٌ مِن إسرائيل؟ لا. كانت شفقة وثنيّ. اليد نفسها الّتي، بقرارٍ ‏أبديّ، فتحت صدري لتُظهِر أنّ قلبي كان فيه جرح قاتل، الّذي سبّبه غياب المحبّة، الجُبن، الخيانة. وثنيّ. أُذكّركم بذلك: "كنتُ عطشاناً فسقيتَني". لم يكن في كلّ إسرائيل ولا حتّى شخص واحد ليعزّيني. إمّا لتعذّر القيام بذلك، كما في حالة أُمّي والنسوة المخلصات، وإمّا بسوء إرادة. وثنّي تحلّى تجاه مجهول بالنسبة له بالشفقة الّتي كان قد منعها شعبي عنّي. وسوف يجد في السماء الرَّشفة الّتي أعطاني إيّاها.

 

الحقّ أقول لكم: لقد رفضتُ كلّ تعزية، لأنّه حين يكون المرء ضحيّة، فلا ينبغي لأيّ أحد تلطيف مصيره، إلّا أنّني لم أشأ صدّ الوثنيّ، الذي في تقدمته ذقت فيها حلاوة عسل كلّ المحبّة الّتي ستأتيني مِن الأمميّين كتعويض عن المرارة الّتي سبّبتها لي إسرائيل. إنّها لم تُطفِئ ظمئي. أمّا القنوط فبلى. لذلك قَبِلتُ تلك الرشفة المجهولة، لأجذب إليّ مَن كان يميل نحو الخير. ليكن مباركاً مِن الآب لشفقته!

 

أما عدتم تتكلّمون؟ لماذا لا تسألونني بعد لماذا تصرّفتُ هكذا؟ ألا تجرؤون على السؤال؟ أنا سوف أقول لكم. سوف أجيبكم عن كلّ التساؤلات حول تلك الساعة.

 

مَن أنتم؟ استمراريّتي. نعم. أنتم كذلك على الرغم مِن ضياعكم. ماذا عليكم أن تفعلوا؟ عليكم أن تَهدوا العالم إلى المسيح. الهداية! هي الأمر الأصعب والأدقّ يا أصدقائي. إنّ الازدراء، الاشمئزاز، الكبرياء، الحماس الـمُفرِط، كلّها مضرّة للغاية بالنجاح. إنّما وبما أنَ ما مِن شيء ولا أحد كان ليقودكم إلى الصلاح، إلى التسامح، إلى المحبّة تجاه مَن هم في الظلمات، فقد كان ضروريّاً -أتفهمون؟- كان مِن الضروريّ أن تُحطِّموا، نهائيّاً، كبرياء عبرانيّتكم، ذكوريّتكم، رسوليّتكم، لتُفسِحوا المجال فقط للحكمة الحقيقيّة لرسالتكم، للوداعة، للرحمة، للمحبّة الخالية مِن العجرفة والاشمئزاز.

 

ترون أنّ كلّ الّذين كنتم تنظرون إليهم باستخفاف أو بتعاطف متكبّر قد تجاوزوكم في الإيمان والفِعل. الجميع. والخاطئة السابقة. ولعازر، المشبع بثقافة دنيويّة، أوّل مَن غفر وقاد باسمي. والنسوة الوثنيّات. وزوجة خُوزي الضعيفة. ضعيفة؟ في الحقيقة هي قد تجاوزتكم جميعاً! أوّل شهيدة لإيماني. وجنديّا روما. والرُّعاة. والهيروديّ مَنَاين. وحتّى غَمَالائيل، الرابّي. لا تشهق يا يوحنّا. أتظنّ بأنّ روحي كان في الظلمات؟ الجميع. وكلّ ذلك لكي، بتذكّركم لأخطائكم في المستقبل، لا تُغلِقوا قلوبكم أمام أولئك الّذين سيُقبِلون إلى الصّليب.

 

‏أقول لكم ذلك. وأعلم، أنّه على الرغم مِن أنّني أقوله لكم، فإنّكم لن تقوموا به إلاّ حين تُخضِعكم قوّة الربّ مثل أغصانٍ غَضّة لمشيئتي، الّتي هي الحصول على مسيحيّين مِن كلّ الأرض. لقد انتصرتُ على الموت. لكنّه لم يكن بقسوة العبرانيّة القديمة. لكنّني سوف أُخضِعكم.

 

أنتَ، يا بطرس، بدلاً مِن الاستمرار في البكاء والشعور بالإحباط، أنتَ الّذي ينبغي لكَ أن تكون صخرة كنيستي، أُحفر هذه الحقائق الـمُرّة في قلبكَ. يُستَخدم الـمُرّ في الحفظ مِن الفساد. تَشَرّب إذاً الـمُرّ. وحين تودّ إغلاق قلبكَ والكنيسة في وجه أحدٍ ما مِن إيمانٍ آخر، تذكّر أنّه ليس إسرائيل، ليس إسرائيل، ليس إسرائيل، بل روما هي الّتي دافعت عنّي وأرادت أن تشفق عليّ. تذكّر أنّه ليس أنتَ، بل خاطئة قد أحسنت البقاء عند أقدام الصّليب واستحقّت أن تكون أوّل مَن يراني. وفي سبيل ألاّ تكون محطّ لوم، تَشَبّه بإلهكَ. افتح قلبكَ والكنيسة قائلاً: "أنا، بطرس المسكين، لا أستطيع أن أحتقر أحداً، لأنّني إذا ما احتقرتُ أحداً فسأكون مُحتقَراً مِن الله، ويعود خطأي حيّاً ثانية في عينيه". الويل لو لم أكسركَ هكذا! فما كنتَ لتصبح راعياً، بل ذئباً.»

 

يسوع ينهض، شديد المهابة.

 

«يا أبنائي. سوف أُكلّمكم بعد في الوقت الّذي سأبقى فيه بينكم. وللآن أحلّكم وأغفر لكم. ليحلّ فيكم سلام المغفرة بعد التجربة الّتي، وإن كانت مُهينة وقاسية، فقد كانت أيضاً شافية وضروريّة. ومع هذا السلام في قلوبكم، عودوا ثانية أصدقائي الأوفياء والشجعان. الآب أرسلني إلى العالم. أنا أرسلكم إلى العالم لتتابعوا بشارتي. بؤس مِن كلّ نوع سيُقبِل إليكم طلباً للعزاء. كونوا طيّبين، مُفكِّرين ببؤسكم حين لبثتم مِن دون يسوعكم. كونوا نَيّرين. فلا مجال للرؤية في الظلمة. كونوا طاهرين لتَمنحوا الطهارة. كونوا محبّة كي تحبّوا. ثمّ سيأتي مَن هو النور، مَن هو التطهير والمحبّة. إنّما، في انتظار ذلك، وفي سبيل تحضيركم لهذه الرسالة، أبثّكم الروح القُدُس. لمن تغفرون خطاياهم، تُغفَر لهم. لمن تربطون خطاياهم، تُربَط لهم. لتجعلكم تجربتكم عادلين في أحكامكم. ليجعلكم الروح القدس قدّيسين لتُقدِّسوا. لتجعلكم الإرادة الصادقة في التغلّب على نقصكم بطوليّين للحياة الّتي تنتظركم. ما لديّ بعد لأقوله سوف أقوله لكم حين يحضر الغائب. صلّوا مِن أجله. ابقوا في سلامي، ودون أن تكونوا مضطربين بالشكوك حيال محبّتي!»

 

ويختفي يسوع كما كان قد دخل، تاركاً مكاناً فارغاً بين يوحنّا وبطرس. يختفي في وميض يُجبِر على إغماض العيون مِن شدّته.

 

وحين تُفتَح العيون المنبهرة مجدّداً، يجدون سلام يسوع فقط هو الّذي بقي، شعلة تحرق وتعالج وتَمحَق مرارات الماضي في رغبة وحيدة: الخدمة.