ج6 - ف114
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
114- (إذا تاب سبع مرّات، فاغفر له سبع مرّات)
25 / 04 / 1946
لقد أصبحوا الآن على الضفّة الأخرى. على يمينهم جبل طابور وحرمون الصغير، وعلى يسارهم جبال السامرة، خلفهم نهر الأردن، وفي قبالتهم، فيما بعد السهل، الروابي التي أمامها مجدّو (إذا ما كانت ذاكرتي جيّدة، فهذا الاسم هو الذي سمعتُه في رؤيا بعيدة، تلك حيث يسوع يعود لملاقاة يهوذا الإسخريوطيّ وتوما، بعد الافتراق الذي سَبَّبَته ضرورة إبقاء رحيل سِنْتيخي ويوحنّا الذي مِن عين دور بالخفاء).
يُفتَرض أنّهم استراحوا طوال اليوم في بيت مضيف، ذلك أنّه المساء مجدّداً، ومِن الواضح أنّهم مرتاحون. ما يزال الطقس حارّاً، ولكنّ الندى قد بدأ يتساقط، مُلطّفاً الحرارة. وظلال الغسق الضاربة إلى اللون البنفسجيّ تنزل، بالتعاقب مع الاحمرار الأخير لغياب شمس حارق.
«هنا السّير سهل» يلاحظ متّى المسرور.
«نعم، على هذا النمط مِن السّير، سوف نكون في مجدّو قبل صياح الدّيك» يجيبه الغيور.
«وفي الفجر، فيما بعد الروابي، قُبالة سهل شارون» يضيف يوحنّا.
«وَبَحركَ، أليس كذلك؟» يقول له أخوه ممازحاً إيّاه.
«نعم، بَحري...» يجيب يوحنّا مبتسماً.
«وتمضي بالروح في واحدة مِن تغرّباتكَ الروحيّة» يقول له بطرس معانقاً إيّاه بعاطفة جيّاشة ووديعة. ويُنهي بالقول: «عَلِّمني أنا كذلك كيف العمل لإبراز هكذا أفكار... ملائكيّة، بالنّظر إلى الأشياء. أنا، نظرتُ إلى المياه مرّات كثيرة... أحببتُها... إنّما... لم تفدني أبداً بغير الأكل والصيد، ماذا ترى فيها أنتَ؟...»
«أرى الماء، يا سمعان، مثلكَ ومثل الجميع، بالطريقة ذاتها التي أرى فيها الآن الحقول والبساتين... إنّما بعد ذلك، علاوة على عينيّ الجسد، كأنّ لي عينين أُخريين هنا، في الداخل، فلا أعود أرى العشب والماء، بل كلمات حكمة تخرج مِن تلك الأشياء المادّيّة. لستُ أنا مَن أُفكّر، أنا لستُ مؤهّلاً لذلك، بل هو آخر يفكّر في داخلي.»
«قد تكون نبيّاً؟» يَسأَل الإسخريوطيّ بشيء مِن التهكّم.
«آه! لا! لستُ نبيّاً...»
«وإذن؟ أتظنّ أنّكَ تمتلك الله؟»
«أيضاً أقلّ...»
«إذن أنتَ تهذي.»
«ممكن أن يكون هذا، بقدر ما أنا صغير وضعيف. ولكن، إن يكن الأمر هكذا، فكم هو ممتع الهذيان، فذلك يحملني إلى الله. ويصبح مَرَضي آنذاك عطيّة ونعمة، وأُبارك الربّ عليه.»
«آه! آه! آه!» يضحك يهوذا بصخب ونشاز.
يسوع، الذي سَمِعَ، يقول: «هو ليس مريضاً، وهو ليس نبيّاً. ولكنّ الروح الطاهر يمتلك الحكمة. وهي التي تتكلّم في قلب الإنسان البارّ.»
«إذاً فأنا لن أتوصّل إلى ذلك أبداً، ذلك أنّني لم أكن صالحاً دائماً...» يقول بطرس مُحبَطاً.
«وأنا، إذاً؟» يجيبه متّى.
«أصدقائي، قليلون هم، قليلون جدّاً هم الذين يستطيعون امتلاك الحكمة لكونهم طاهرين على الدوام. إنّما التوبة والإرادة الصالحة تعملان على أنّ الإنسان، المذنب في البدء وغير الكامل، يصبح بارّاً، وحينئذ يتطهّر الضمير في حَمَّام التّواضع، الندامة والحبّ، وإذ يتطهّر هكذا يمكنه مجاراة الطاهرين.»
«شكراً يا ربّ» يقول متّى وهو ينحني ليقبّل يد المعلّم.
برهة صمت. ثمّ يهتف يهوذا الإسخريوطيّ: «لقد تعبتُ! ولا أعلم ما إذا كنتُ سأتمكّن مِن السّير طوال الليل.»
«بالطبع!» يجيبه يعقوب بن زَبْدي. «لقد أردتَ اليوم أن تدور مثل ذبابة ضخمة، بينما كنّا نياماً!»
«كنتُ أريد رؤية ما إذا كنتُ سأصادف بعض التلاميذ...»
«وبماذا كان يهمّكَ ذلك؟ لم يقله المعلّم. فإذن...»
«حسناً، لقد فعلتُ ذلك. وإذا ما سمح المعلّم لي، فسوف أبقى في مجدّو. أظنّ أن أحداً مِن أصدقائنا سيكون هنا حيث ينزل كلّ عام في مثل هذا الوقت، بعد حصاد القمح. أريد أن أكلّمه عن أُمّي و...»
«افعل إذاً ما تجده صالحاً. وما أن تنتهي مِن عملكَ، سوف تتوجّه إلى الناصرة. سنلتقيكَ هناك. هكذا ستُعلِم أُمّي ومريم التي لحلفى أنّنا سنكون قريباً في المنزل.»
«أنا أيضاً أقول لكَ مثل متّى: "شكراً، يا ربّ".»
لا يجيب يسوع بشيء ويتلقّى القُبلة على اليد كما تلقّى قبلة متّى. ليس ممكناً رؤية تعابير الوجوه، ذلك أنّه المساء وضوء النهار قد تلاشى نهائيّاً، ولا ضوء أيضاً مِن النجوم. والليل حالِك ممّا يعيق تقدّمهم على الطريق، ولتفادي كلّ ما لا يُحمَد عقباه، بطرس وتوما يقرّران أن يقطفا مِن الأسيجة ويشعلا أغصاناً تشتعل مُطقطِقة... إلاّ أنّ غياب النور أوّلاً، ثمّ النور المتراقص والمدخّن، لا يسمح برؤية جيّدة لتعبير الوجوه.
الروابي تقترب في هذا الوقت وظلال أكماتها ترتسم بفضل ظلمة أكثر حلكاً مِن تلك التي للحقول، حيث تَرَكَ الحصاد حشفات تميل إلى البياض في ظلام الليل، وترتسم باطّراد طالما هي تقترب، ونور طلائع النجوم تأتي لإنارتها…
«أترككَ هنا، إذ إنّ صديقي يقطن خارج مجدّو قليلاً. إنّني تَعِب للغاية...»
«هيّا اذهب. وليسهر الربّ على خطاكَ.»
«شكراً يا معلّم. وداعاً، يا أصدقائي.»
«وداعاً، وداعاً» يقول الآخرون دون إعطاء الكثير مِن الأهمّيّة للسلام.
يُكرّر يسوع: «ليسهر الربّ على أفعالكَ.»
يمضي يهوذا بخُطى طليقة.
«هوم! لم يَعُد يبدو متعباً للغاية.» يلاحظ بطرس.
«نعم! هنا كان يجرّ حذاءه. والآن، هو يجري كالغزال...» يقول نثنائيل.
«وداعكَ كان مقدّساً، يا أخي. ولكن إن لم يَفرض الله عليه مشيئته، فحضور الله لا يساعده في القيام بمساعي حميدة وأعمال مستقيمة.»
«يوضاس، ليس أنّكَ أخي يعني أنّكَ مستثنى مِن الملامات! ألومكَ كذلك على كونكَ فظّاً وخالياً مِن الرحمة تجاه رفيقكَ. له أخطاؤه، إنّما أنتَ لديكَ التي لكَ. والخطأ الأوّل، عدم معرفة مساعدتي في تأهيل هذه النَّفْس. فتغيظه بكلامكَ. فليس بالعنف نكتسب القلوب. هل تظنّ أنّ لديكَ الحقّ بمحاسبة كلّ أفعاله؟ هل تشعر بنفسكَ أنّكَ كامل لدرجة تستطيع معها فِعل ذلك؟ أذكّركَ أنّني أنا، معلّمكَ، لا أفعل ذلك، لأنّني أحبّ هذه النَّفْس غير المؤهّلة. فهذه هي التي تجعلني أرحم أكثر مِن غيرها... لأنّها بالضبط غير مؤهّلة. هل تظنّ أنّه راض عن وضعه؟ وكيف ستتمكّن غداً مِن أن تكون معلّماً للأرواح إذا لم تتدرّب تجاه رفيق لكَ على استخدام المحبّة اللامتناهية التي تفتدي الخَطَأَة؟»
يَخفض يوضاس بن حلفى رأسه منذ الكلمات الأولى. ولكن في النهاية، يجثو على الأرض قائلاً: «سامحني. أنا خاطئ ووجِّه لي اللّوم عندما أخطئ، فالتقويم حُبّ، وليس سوى الأحمق مَن لا يُدرِك نعمة أن يُقوّمه الحكيم.»
«أنتَ ترى أنّني أفعل ذلك مِن أجل خيركَ. إنّما إلى اللّوم يُضاف الغفران، لأنّني أعرف إدراك أسباب تشدّدكَ، ولأنّ تواضع الذي يُقوَّم ينزع سلاح الذي يقوِّم. انهض، يا يوضاس، ولا تعد تخطئ» ويحتفظ به إلى جانبه مع يوحنّا.
يُعلّق الرُّسُل الآخرون فيما بينهم، في البدء بصوت منخفض، وفيما بعد بصوت أقوى بسبب عادتهم بالكلام بصوت عال، وهكذا أسمعهم يورِدون المقارنة بين يهوذا ويوضاس.
«لو كان يهوذا الإسخريوطيّ الذي يسمع هذه الملامات! مَن يدري أيّة ثورة! طيّب هو أخوكَ» يقول توما ليعقوب.
«ومع ذلك... هاك... لا يمكن القول بأنّه كان يتكلّم بشكل سيّئ. لقد تكلّم بالحقّ عن يهوذا الإسخريوطيّ. هل تثق أنتَ بأنّ هناك صديقاً يذهب إلى اليهوديّة؟ أنا، لا» يقول متّى بصراحة.
«قد يعني الأمر... أعمال كُروم، كما في سوق أريحا» يقول بطرس، وهو يتذكّر الحدث الذي لا يمكنه نسيانه. يضحك الجميع.
«مِن المؤكّد أنّ المعلّم فقط يشفق عليه كثيراً...» يلاحظ فليبّس.
«كثيراً؟ بل عليكَ القول على الدوام» يردّ عليه يعقوب بن زَبْدي.
«لو كنتُ أنا، لما كنتُ صبوراً إلى هذا الحدّ» يقول نثنائيل.
«ولا حتّى أنا» يؤكّد متّى. «فحدث الأمس كان مثيراً للاشمئزاز.»
«على الإنسان ألاّ يكون مُدركاً تماماً» يقول الغيور ناصحاً.
«ومع ذلك» يقول بطرس «أعماله، يُجيد فعلها على الدوام، حتّى بشكل جيّد جدّاً. أراهن بمركبي، بِشِباكي، وحتّى ببيتي، متأكّداً أنّني لن أخسر، أنّه ذاهب إلى أحد الفرّيسيّين طلباً للحماية...»
«صحيح! إسماعيل! إسماعيل في مجدّو! كيف لم نفكّر في ذلك؟ ولكن يجب أن يقال هذا للمعلّم!» يهتف توما وهو يضرب جبهته بقوّة.
«لا فائدة. مرّة أخرى يعذره المعلّم ويلومنا» يقول الغيور.
«حسناً... فلنحاول. هيّا أنتَ يا يعقوب. إنّه يحبّكَ، فأنتَ واحد مِن أهله...»
«بالنسبة إليه، نحن جميعنا متساوون. فهنا، هو لا يرى فينا أهلاً أو أصدقاء، هو لا يرى سِوى رُسُل، وهو غير منحاز. ولكنّني سأذهب إرضاء لكم» يقول يعقوب بن حلفى ويُسرِع في الابتعاد عن الرّفاق والالتحاق بيسوع.
«تفكّر أنّه ذهب إلى بيت أحد الفرّيسيّين. هو أو أحد آخر، لا يهمّ... ولكنّي أظنّه فَعَلَ ذلك لكي لا يذهب إلى قيصريّة. فهو لا يأتي إليها عن طيب خاطر...» يقول أندراوس.
«يبدو أنّه قد نَفَرَ مِن الرومانيّات منذ بعض الوقت» يُلاحظ توما.
«ومع ذلك... بينما كنتم ذاهبين إلى عين جدي، وأنا كنتُ ذاهباً معه عند لعازر، كان في غاية السرور في التكلّم مع كلوديا...» يلاحظ الغيور.
«نعم... لكن... أظنّه بالتحديد في ذلك الوقت قد ارتكب خطأ ما، وأظنُّ أنّ يُوَنّا قد عَلِمَت بذلك، ولذلك استدعَت يسوع و... و... أَعتَصِر مِن أمور كثيرة هنا في الداخل منذ أن احتدّ يهوذا هكذا في بيت صور...» يُتمتم بطرس بين أسنانه.
«أتقول أنّ؟...» يَسأَل متّى بفضول.
«ولكن... لستُ أدري... أفكار... سوف نرى...»
«آه! لا نفكرنّ في الشرّ! المعلّم لا يريد. ولا أدلّة لدينا بأنّه فَعَلَ شرّاً» يتوسّل أندراوس.
«لا أظنّكَ تريد القول لي إنّه حسناً يفعل في أن يتسبّب بالحزن للمعلّم، أن يقلّل مِن احترامه، أن يتسبّب بالكدر، و...»
«حسناً! يا سمعان! أؤكّد لكَ أنّه مجنون قليلاً...» يقول الغيور.
«حسناً! ممكن. ولكنّه يرتكب خطيئة ضدّ طيبة ربّنا. أنا، حتّى لو بَصَقَ في وجهي، لو صَفَعَني، كنتُ لأحتمل ذلك مُقدّماً إيّاه لله مِن أجل فدائه. لقد عزمتُ على تقديم كلّ أنواع التضحيات على نيّته، وأعضّ على لساني، وأغرز أظافري في كفيّ عندما يَظهَر بمظهر المجنون، كي أسيطر على نفسي. إنّما ما لا يمكنني مسامحته عليه، هو أن يسيء لمعلّمنا. الخطيئة التي يرتكبها بحقّه، كأنّه كان يرتكبها بحقّي أنا، ولا أسامحه. ثمّ... حتّى ولو كان ذلك نادراً! ولكنّه يتكرّر دائماً! فلا أتوصّل إلى تمرير هذا السُّخط الذي يغلي في داخلي مِن جرّاء مَشهَد قام به، وها هو يقوم بآخر! مرّة، مرّتين، ثلاث مرّات... هناك حدود!» يتحدّث بطرس وهو يكاد يصرخ ويشوّر بحدّته كلّها.
يسوع، الذي يتقدّم مسافة عشرة أمتار، يلتفت، كظلّ أبيض في الليل، ويقول: «لا حدود للحبّ والمسامحة. لا حدود لها. لا لدى الله، ولا لدى أبناء الله الحقيقيّين. طالما هي الحياة، فلا حدود. العائق الوحيد في هبوط مستوى المسامحة والحبّ، هو المقاومة غير التوّابة للخاطئ. إنّما لو تاب، فإنّه يحظى دوماً بالمغفرة. ولو خطئ ليس مرّة، مرّتين، ثلاث مرّات في اليوم، بل أكثر.
أنتم أيضاً، ترتكبون الخطايا وتريدون أن يَغفر لكم الله وتمضون إليه قائلين: "لقد أخطأتُ! اغفر لي"، ويلذّ لكم الغفران، كما يلذّ لله أن يَغفر. أنتم لستم آلهة، وبالتالي فإنّ الإهانة التي يوجّهها إليكم أحد المشابهين لكم هي أقلّ جسامة بالمقارنة مع الإهانة التي يوجّهها لِمَن لا يشبه أحداً آخر. ألا يبدو لكم ذلك؟ ومع ذلك الله يَغفر. أنتم كذلك، افعلوا بالمثل. انتبهوا لأنفسكم! انتبهوا لئلاّ يتبدّل التشدّد بضرر لكم، مثيراً تشدّداً مِن قبل الله تجاهكم.
لقد قلتُ، ولكنّني أكرّر أيضاً: كونوا رحماء لتحصلوا على الرحمة. ما مِن أحد معصوم عن الخطأ كي يتمكّن مِن أن يكون خالياً مِن الرحمة تجاه الخاطئ. انظروا إلى الأثقال التي تُرهِق قلبكم قبل التي تُرهِق قلب الآخر. أزيلوا أوّلاً أثقال روحكم، ومن ثمّ التفتوا إلى التي للآخرين لتُظهِروا للآخرين ليس الشدّة التي تدين، إنّما الحب الذي يثقّف ويساعد على التحرّر مِن الشرّ. للتمكّن مِن القول، مِن غير أن يَفرض عليكم الخاطئ الصمت، للتمكّن مِن القول: "لقد أخطأتَ إلى الله وإلى القريب" فيجب عدم ارتكاب الخطيئة، أو على الأقلّ التعويض عن الخطأ. للتمكّن مِن القول لمن يَقهَر نفسه لارتكابه الخطيئة: "آمن بأنّ الله يَغفر لِمَن يتوب"، كخدّام لهذا الله الذي يَغفر لِمَن يتوب، ينبغي لكم إظهار الكثير مِن الرحمة في المغفرة. حينئذ يمكنكم القول: "هل ترى، أيّها الخاطئ التائب؟ أنا أغفر لكَ أخطاءكَ سبع وسبع مرّات، لأنّني خادم لِمَن يغفر عدداً لا نهائيّاً مِن المرّات لِمَن يتوب بعدد مرّات ارتكابه الخطايا. فَكّر إذاً كم يغفر لكَ الكامل إذا كنتُ أنا، لأنّني فقط خادمه، أعرف أن أسامح. آمن!"
هكذا ينبغي لكم التمكن مِن القول، بل القول مِن خلال الفِعل، وليس عبر الكلام. قَول ذلك أثناء المسامحة. وبالتالي إذا أخطأ أخوكَ، لُمْهُ بحب، وإذا نَدِم، اغفر له. وإذا ما أخطأ مع بداية اليوم سبع مرّات وقال لكَ سبع مرّات: "أنا نادم"، فاغفر له بعدد المرّات. هل فهمتم؟ هل تَعِدونني بالقيام بذلك؟ بينما يكون هو بعيداً، هل تعدونني بأن تكون لديكم الرحمة تجاهه؟ أن تساعدوني على شفائه بتضحية تمالككم لأنفسكم عندما يخطئ هو؟ ألا تريدون مساعدتي على إنقاذه؟ إنّه أخ بالروح، أخوكم مِن أب وحيد، أخ مِن أصل شعب واحد، أخ في الرسالة عليكم بالتالي محبّته. إذا ما كان لكم في العائلة أخ يسبّب الألم لأبيكم، ويَجلب الكلام عليه، ألا تحاولون إصلاحه كي لا يعود أبوكم يتألّم ولا يعود الناس يتكلّمون على عائلتكم؟ فإذاً؟ أليست عائلتكم أعظم وأقدس عائلة، حيث الأب هو الله وأنا البِكر؟ لماذا إذاً لا تريدون العزاء للأب وأنا بالذات، ومساعدتنا في جعل أخ مسكين صالحاً، والذي هو، ثقوا بذلك، ليس سعيداً لكونه هكذا...»
يستعطف يسوع بقلق مِن أجل الرَّسول المفعم بالأخطاء... ويُنهي بالقول: «أنا المستعطي الكبير، وأطلب منكم الصّدقة الأثمن: هي النُّفوس التي أطلبها منكم. أنا أمضي في طلبها، أمّا أنتم، فعليكم مساعدتي... أَشبِعوا جوع قلبي الذي يبحث عن الحبّ ولا يجده إلاّ في القليل مِن الأشخاص. ذلك أنّ الذين لا يسعون إلى الكمال هم بالنسبة إليَّ الخبز الـمُنتَزَع مِن جوعي الروحيّ. امنحوا النُّفوس لمعلّمكم الحزين لكونه غير محبوب وغير مفهوم...»
يتأثّر الرُّسُل... أرادوا أن يقولوا له الكثير، إنّما كانت كلّ كلمة تبدو لهم حقيرة... يتزاحمون حول المعلّم، الجميع يبغون ملاطفته ليُشعروه بأنّهم يحبّونه.
في النهاية هو أندراوس الوديع الذي يقول: «نعم، يا معلّم. بالصبر، بالصمت والتضحية، الدموع هي التي تهدي، سوف نمنحكَ النُّفوس. هذا أيضاً... إذا ما أعاننا الله...»
«نعم، يا ربّ. وأنتَ، كُن عوناً لنا بصلاتكَ.»
«نعم، يا أصدقائي. وفي هذه الأثناء، فلنصلِّ معاً مِن أجل الرفيق الذي ذهب: "أبانا الذي في السماوات..."»
صوت يسوع الصافي يقول كلمات الأبانا مُقطِّعاً إيّاها ببطء. يرافقه الآخرون بصوت خافت. وبينما هم يُصلّون، يبتعدون تحت جنح الليل.