ج4 - ف126
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
126- ("فِعل الخير صلاة أعظم مِن المزامير")
26 / 08 / 1945
يَدخُل يسوع إلى معبد كفرناحوم الذي يمتلئ بالمؤمنين على مهل، إذ إنّ اليوم سبت. الدهشة عظيمة لرؤيته. يُشير إليه الجميع بالبَنان وهم يتهامسون، وهناك مَن يشدّ ثوب هذا أو ذاك مِن الرُّسُل ليَسأَله متى عادوا، لأنّ أحداً لم يكن على عِلم بعودتهم.
«لقد نَزلنا للتوّ في "بئر التين" قادِمين مِن بيت صيدا، لكيلا نخطو خطوة واحدة أكثر مما هو مسـموح به، يا صديقي.» بطرس يُجيب أوريا الفرّيسيّ، وذاك، مجروحاً مِن سماعه صيّاد سمك يناديه صديقي، يَمضي مستخفّاً لينضمّ إلى رفاقه في الصفّ الأول.
«لا تُثِرهم يا سمعان!» يُنذِره أندراوس.
«أُثيرُهم؟ لقد سَأَلَني فأجبتُه قائلاً إنّنا تحاشينا المشي احتراماً للسبت.»
«سيقولون إنّنا أُجهِدنا في الـمَركَب...»
«سينتهي بهم الأمر إلى القول بأنّنا أُجهِدنا حتّى في التنفّس! يا للغباء! إنّ الـمَركَب هو الذي يتعب، بل هو الهواء والماء، وليس نحن الذين نمضي في الـمَركَب.»
يتحمّل أندراوس التبكيت ويَصمُت.
بَعد الصلوات الافتتاحيّة، يأتي وقت قراءة فصل وشـرحه. يَطلُب رئيس المعبـد مِن يسـوع أن يفعل هو ذلك، ولكنّ يسوع يشير إلى الفرّيسيّين قائلاً: «فليفعلوا ذلك هُم.» ولكن بما أنّهم يَأبون القيام بذلك، فعليه هو أن يتكلّم.
يقرأ يسوع فصلاً مِن سِفر الملوك الأوّل حيث يتحدّث عن داود وقد خانه الزيفيّون وأخبروا شاول أنّه كان في جبع. ويُعيد اللُّفافة ويبدأ بالحديث.
«انتهاك وصيّة المحبّة والضيافة والنـزاهة شرّ على الدوام. ولكنّ الإنسان لا يتردّد في فعل ذلك وهو في غاية اللامبالاة. ولدينا هنا رِواية مُضاعَفة حول ذلك الانتهاك وعقاب الله الذي يَحلّ بسببه.
سلوك الزيفيّين كان مخادعاً. وسلوك شاول لم يكن أقلّ مِن ذلك. الأوّلون، جُبناء وفي نيّتهم استمالة الأقوى بغية الاستفادة منه. الثاني، جبان وفي نيّته التخلّص مِن الممسوح مِن الربّ. فالأنانيّة، بالنتيجة، كانت تجمعهم. ويتجاسر مَلِك إسرائيل المزيّف والخاطئ، لدى الاقتراح الـمُعيب، أن يُعطي جواباً حيث يَذكُر اسم الربّ: "فلتكن مباركاً مِن الربّ".
ازدراء بعدل الله! ازدراء اعتياديّ! والإنسان بشروره، غالباً جدّاً ما يَستَنِد إلى اسم الله وبركته باعتبارهما مكافأة أو ضمانة. قيل: "لا تَذكُر اسم الله بالباطل". وهل يمكن أن يُوجَد ما هو باطل أكثر، ما هو أسوأ مِن ذكر اسمه ومناداته في سياق تنفيذ جريمة ضدّ القريب؟ ومع ذلك هي خطيئة أكثر شيوعاً مِن أيّة خطيئة أُخرى، تُنفَّذ بلا مبالاة حتّى مِن قِبَل الذين هُم في طليعة جماعات الربّ، في الشعائر وفي التعليم. تذكّروا أنّ البحث وتدوين وتهيئة كلّ ما يمكنه التسبّب بالأذى للقريب خطيئة. وخطيئة كذلك جعل الآخرين يَبحَثون ويُدوِّنون ويُهيّئون كلّ ما يمكنه التسبّب بالأذى للقريب. إنّه جَلب الآخرين إلى الخطيئة بإغرائهم بالمكافآت أو تهديدهم بوعيد الاقتصاص.
أُنبِّهكم بأنّ ذلك خطيئة. أُنبِّهكم بأنّ سلوكاً كهذا هو أنانيّة وكراهية. وأنتم تَعلَمون أنّ الكراهية والأنانيّة هُما عَدوّا الحب. أَلفُت انتباهكم إلى ذلك لأنّني مُهتمّ بنفوسكم. لأنّني أحبّكم. لأنّني لا أريدكم خَطَأَة. لأنّني لا أريد أن يُجازيكم الله، كما حَصَل لشاول الذي، بينما كان يُلاحِق داود ليقتله، دَمَّر الفلسطينيّون مدينته. في الحقيقة إنّ ذلك سوف يَحصل على الدوام لِمَن يُلحِق الأذى بالقريب. إنّ انتصاره سيدوم كما العشب في الحقل. سوف يَنبت سريعاً، ولكنّه يجفّ كذلك سريعاً ويُداس بأرجل المارّة اللامبالين. بينما السلوك الحَسَن، حياة النّـزاهة، المعاناة منذ الولادة والثّبات، إنّما ما أن تَثبت تلك الحياة وتصبح اعتياديّة، حتّى تصبح كالشجرة الضخمة كثيرة الأوراق التي لا يمكن للأعاصير نفسها أن تنتزعها، ولا للقيظ أن يحرقها. في الحقيقة، الوفيّ للشريعة، الوفيّ بحقّ، يُصبِح شجرة هائلة لا تَثنيه الأهواء، ولا تحرقه نار الشيطان.
لقد تحدّثتُ. والذي يريد إضافة شيء، فليفعل.»
«إنّنا نَسأَلكَ إذا ما كان حديثكَ موجّهاً إلينا نحن الفرّيسيّين.»
«هل المعبد مليء بالفرّيسيّين؟ أنتم أربعة. والجمع يحوي المئات مِن الناس. والكلام للجميع.»
«ومع ذلك فالتلميح كان جليّاً.»
«في الحقيقة، لَم يُرَ أحد قط، تُشير مقارنةٌ ما فقط إليه، ويتَّهِم نفسَه بنفسه! وهذا ما تَفعلونه. ولماذا تَتَّهِمون أنفسكم إذا لم أتّهمكم أنا؟ قد تكونون عارفين بأنّكم تَسلُكون كما قُلتُ؟ أنا لا أعرف. إنّما لو كان هكذا، فتوبوا. لأنّ الإنسان ضعيف وقد يُخطِئ. ولكنّ الله يَغفر له إذا ما سَمَت به توبة جادّة، والرغبة في عدم العودة إلى الخطيئة. إنّما بالتأكيد الاستمرار في الشرّ خطيئة مضاعَفة لا غفران لها.»
«نحن، ليست لدينا هذه الخطيئة.»
«إذن فلا تتكَدَّروا مِن كلامي.»
اختُتِم الحدث وعَبِقَ المعبد بالتراتيل. ثمّ يبدو أنّ الجمع سـيتفرّق دونما أَحدَاث أُخرى. ولكنّ يواكيم الفرّيسيّ يكتشف رجلاً بين الجمع ويدعوه بالإشارات والنَّظَر إلى الجلوس في الصفّ الأوّل، إنّه في حوالي الخمسين مِن عمره ولديه ذراع ضامرّة، وقد أَصبَحَت حتّى اليد فيها أصغر مِن الأخرى كثيراً، لأنّ الضُّمور قد خَرَّب العضلات.
يَراه يسوع ويرى كلّ ما افتُعل ليجعلوه يراه. ويَظهَر على وجهه تعبير الاشمئزاز والرحمة، تعبير يمرّ كلمح البصر ولكنّه جليّ. لكنّه لا يتحاشى المواجهة، فهو على العكس يُواجِه الموقف بثبات.
«تعال هنا، في الوسط.» يَأمر الرجل.
وعندما يُصبِح أمامه، يَلتَفِت إلى الفرّيسيّين ويقول لهم: «لماذا تُجرِّبونني؟ ألم أنتهِ لتوّي مِن التحدّث ضدّ الفِخاخ والكراهية؟ وأنتم ألم تقولوا حالاً: "ليست لدينا هذه الخطيئة"؟ ألا تُجيبون؟ فقط أجيبوا على هذا: أيجوز فِعل الخير أَم الشرّ يوم السبت؟ أيجوز إنقاذ الحياة أم انتزاعها؟ ألا تُجيبون؟ أُجيبُكم أنا أمام كلّ الشعب الذي يَحكُم أفضل منكم، لأنّه بسيط وليست لديه كراهية ولا كبرياء. لا يَجوز قَضاء عَمَل في السبت. ولكن كما الصلاة مسموح بها، كذلك فِعل الخير مسموح به، لأنّ فِعل الخير أعظم حتّى مِن التّراتيل والمزامير التي رَتَّلناها. بينما فِعل الشرّ غير مسموح به لا في السبت ولا في الأيّام الأخرى. وأنتم فعلتم ذلك بمناورتكم للحصول هنـا على هذا الرجل الذي هـو ليس حتّى مِن كفرناحوم، والذي استَقدَمتموه منذ يومين، لِعِلمكم أنّني كنتُ في بيت صيدا ولتخمينكم بأنّني سوف آتٍ بعدها إلى بلدتي. ولقد فعلتُم ذلك لتجعلوني في مَوضِع اتّهام. وهكذا فإنّكم تَرتَكِبون خطيئة قَتل نفسـكم بـدل خَلاصها. إنّما فيما يخصّني فأنا أسامحكم ولن أخيّب إيمان هذا الرجل الذي أتيتم به إلى هنا قائلين له بأنّني أُشفيه، بينما أنتم تنوون سوى تَنصبوا لي فخّاً. هو لا ذنب له، لأنّه لم يأت وفي نيّته غير الشفاء. وليكن له ذلك. أيّها الرجل مُدّ يدكَ وامض بسلام.»
يطيع الرجل وتعود يده سليمة كالأخرى. ويستخدمها مباشرة لِيُمسك طَرَف معطف يسوع ليقبّله قائلاً له: «أنتَ تَعلَم أنّني لم أكن أَعلَم حقيقة نواياهم. لو كنتُ أَعلَم بها لما أتيتُ، ولكنتُ فضّلتُ موت يدي على استخدامها ضدّكَ. فلا تؤاخذني إذن.»
«امض بسلام أيّها الرجل. أنا أعرف الحقيقة، وليس لي تجاهكَ غير العطف.»
خَرَجَ الجميع وهم يُعلِّقون. ويَخرُج يسوع في النهاية مع الأحد عشر رسولاً.