ج6 - ف113

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الأول

 

113- (ينبغي لكم القول: "إنّنا عبيد بطّالون")

 

24 / 04 / 1946

 

الشاطئ الرمليّ الذي أَصبَحَ ذا لون أبيض في ليل دون قمر، ولكنّه مضاء بآلاف النجوم، نجوم واسعة، واسعة بشكل لا يُصدَّق في سماء مِن الشرق. هو ليس نوراً كثيفاً كنور القمر، إنّما هو الآن نور فوسفوريّ لطيف يسمح لِمَن هو في الظلام أن يَرَى أين يضع قدميه وما يحيط به. هنا، إلى اليمين مِن المسافرين المتوجّهين صعوداً صوب الشمال بمحاذاة النهر، الإنارة النجميّة اللطيفة تكشف الحدود النباتيّة المتشكّلة بالقصب، الصفصاف والدوحة، وبما أنّ النور خفيف للغاية، فقد بَدَت وكأنّها تُشكّل سوراً متراصّاً، متواصلاً، دون انقطاع، دون إمكانيّة الاختراق، بالكاد ينقطع حيث مجرى جدول أو سيل، الجافّ تماماً، يخطّ خطّاً أبيضاً يتوجّه إلى الشرق ويتلاشى لدى أوّل منعطف رافد صغير جافّ الآن. إلى يسارهم، على العكس، يتبيّن المسافرون انعكاس المياه المنحدرة صوب البحر الميت بخرير وهي تتنهّد، تصخب، هادئة وصافية. وبين خطّ المياه المشعّ بلون النيل، في الليل، وكتلة العشب السوداء الكامدة، الشجيرات والأشجار، الشريط المنير للشاطئ الرمليّ، العريض تارّة، والضيّق تارّة أخرى، المنقطع أحياناً بمستنقع صغير، بقايا فيضان قديم، ما يزال يحتفظ بالقليل مِن الماء تمتصّه الأرض رويداً رويداً، وحيث تبقى باقات مِن العشب ما تزال خضراء بينما هي جافّة في أماكن أخرى على الشاطئ الرمليّ الملتهب بالتأكيد في الأوقات المشمسة.

 

هذه البُرَك أو طاقات الخيزران الجافّ التي بإمكانها جرح الأقدام العارية في الصنادل، تُرغِم الرُّسُل على التباعد بين الفينة والأخرى ليعودوا فيجتمعون حول المعلّم الذي يتقدّم بخطواته الواسعة، مهيباً دائماً، غالباً بصمت، نظره إلى الأعلى صوب النجوم أكثر منه منحنياً صوب الأرض.

 

أمّا الرُّسُل فلا، لا يصمتون. يتحدّثون فيما بينهم، مُجمِلين أحداث النهار، مُستَخلِصين العِبَر أو بالحريّ متوقّعين التطوّرات المستقبليّة. بعض مِن الكلام النادر مِن يسوع، غالباً للردّ على سؤال مباشر أو لتصحيح حجّة ذي خلل أو قليلة التسامح، يحدّ مِن ثرثرة الاثني عشر.

 

ويستمرّ المسير في الليل، وقد جُعِل الصمت الليليّ على إيقاع عنصر جديد على تلك الضفاف الصحراويّة: الأصوات البشريّة وصخب الخطوات. تَصمُت العنادل وسط الأوراق، مندهشة مِن سماع أصوات مختلطة غير منسجمة وغير مستحبّة، وهي تزعجها، في ضوضاء المياه والنسائم المعتادة، المرافقة عادة لصولي (أنغام) موسيقاها البارعة.

 

ولكنّ سؤالاً مباشراً، فيما لا يخصّ الماضي، بل المستقبل، يقطع السلام بعنف تمرّد، ناهيكَ عن نبرة الأصوات الحادة التي يثيرها الازدراء أو الغضب، ليس فقط سلام الليل، إنّما ذلك الأكثر حميميّة للقلوب. يسأل فيلبّس إذا ما كانوا سيكونون في بيوتهم وبعد كم مِن الأيّام. حاجة مستترة للراحة، رغبة غير مصرّح عنها، بل مُضمَرة لعواطف عائليّة، تَكمُن في سؤال بسيط مِن الرَّسول الذي أصبح مسنّاً، وهو متزوّج وأب إضافة لكونه رسولاً، وله مصالح عليه الاهتمام بها…

 

يتنبّه يسوع لكلّ ذلك ويعود لينظر إلى فليبّس. يتوقّف في انتظاره، ذلك أنّ فليبّس متأخّر قليلاً مع متّى ونثنائيل. وما أن وَصَلَ إليه، حتّى يلفّ ذراعه حول كتفيه قائلاً له: «قريباً، يا صديقي. حينذاك أَطلُب مِن طيبتكَ تضحية صغيرة على أن لا تريد مسبقاً الانفصال عنّي...»

 

«أنا، أنفصل؟ مطلقاً!»

 

«وإذن... سوف أُبعِدكَ أيضاً بعض الوقت عن بيت صيدا. أريد الذهاب إلى قيصريّة الساحليّة، مروراً بالسامرة. وفي أثناء العودة، سوف نذهب إلى الناصرة وسيبقى معي أولئك الذين لا عائلة لهم في الجليل. ثمّ، بعد بعض الوقت، ألتقي بكم في كفرناحوم... وهناك سأبشّركم لأجعلكم أكثر أهليّة. إنّما، إذا اعتقدتَ أنّ وجودكَ في بيت صيدا ضروريّ... هيّا يا فليبّس. سوف نلقاكَ هنا مجدّداً...»

 

«لا، يا معلّم. بقائي معكَ أكثر أهمّيّة! إنّما، أنتَ تعلم... البيت ممتع... وبناتي... أظنّني لن أحظى بهنّ كثيراً معي... أودُّ لو أستمتع قليلاً بعذوبتهنّ العفيفة. ولكن لو كان عليَّ أن أختار بينهنّ وبينكَ، فأنتَ مَن أختار... ولأسباب كثيرة...» يخلص فليبّس متنهّداً.

 

«وحسناً تفعل، يا صديقي، ذلك أنّني سأُنتَزَع منكَ قبل بناتكَ...»

 

«آه! يا معلّم!...» يقول الرَّسول حزيناً.

 

«هو الأمر كذلك، يا فليبّس» يُنهي يسوع مُقبّلاً الرَّسول مِن صدغيه.

 

يهوذا الإسخريوطيّ، الذي تمتم بين أسنانه منذ أن تكلّم يسوع عن قيصريّة، يرفع صوته كما لو أنّ رؤية القُبلة المعطاة لفليبّس كانت قد جَعَلَته يفقد التحكّم بأفعاله. ويقول: «كم مِن الأمور غير المجدية! أنا، لستُ أرى في الحقيقة أيّة ضرورة للذهاب إلى قيصريّة!» ويقول ذلك بحدّة مفعمة مرارة. يبدو وكأنّه يريد القول بشكل مستتر: "أنتَ يا مَن تذهب إلى هناك، أنتَ غبيّ."

 

«لستَ أنتَ، بل المعلّم هو مَن عليه الحكم بضرورة الأمور التي نقوم بها» يجيبه برتلماوس.

 

«نعم، إيه؟ كأنّي به كان يتنبّه جيّداً إلى الضرورات الطبيعيّة!»

 

«ولكن! هل أنتَ مجنون أم سليم العقل؟ هل تعلم عمّن تتكلّم؟» يسأله بطرس هازّاً إيّاه مِن ذراعه.

 

«أنا لست مجنوناً. أنا الوحيد الذي عقلي سليم، أعرف ما الذي أقوله.»

 

«الأمور الجميلة التي تقولها!» «صلّي إلى الله ألاّ يحسبها لكَ!» «التواضع ليس حصنكَ!» «تحسب أنّكَ خائف مِن إمكانيّة معرفة حقيقتكَ، أثناء الذهاب إلى قيصريّة» يقولها في الوقت ذاته وعلى التوالي يعقوب بن زَبْدي، وسمعان الغيور، توما ويوضاس بن حلفى.

 

يُجيب الإسخريوطيّ هذا الأخير: «ليس لديَّ ما أخشاه، وليس لكم ما تعرفونه. ولكنّي تَعِب مِن رؤيتي المضيّ مِن خطأ إلى خطأ وتدمير الذات. مصادمات مع السنهدريّين، مشاجرات مع الفرّيسيّين، ولم يبقَ إلاّ الرومان...»

 

«كيف؟ منذ أقلّ مِن شهرين كنتَ مجنوناً مِن الفرح، كنتَ مفعماً يقيناً، وكنتَ، وكنتَ، وكنتَ... كنتَ كلّ شيء إذ كانت كلوديا صديقتكَ!» يُلاحِظ بتهكّم برتلماوس الذي، كونه الأكثر... تشدّداً، والوحيد الذي فقط طاعة للمعلّم لم يرفض اتّصالات مع الرومان.

 

يمكث يهوذا برهة صامتاً، ذلك أنّ منطق السؤال التهكّميّ جليّ، وإن لم يَظهَر غير منطقيّ، فلا يمكنه تكذيب ما كان قد قاله سابقاً، إنّما بعد ذلك يتمالك نفسه: «ليس مِن أجل الرومان أقول ذلك. أريد القول مِن أجل الرومان كأعداء. هنّ، إذ في الأساس لم يكنّ سوى أربع سيّدات رومانيّات، خمس أو ستّ على الأكثر، قد وعدن بالعون، وسوف يكنّ وفيّات لوعودهنّ. إنّما ذلك يزيد حقد أعدائه وهو لا يدركه و...»

 

«حقدهم كامل، يا يهوذا. وأنتَ تعرف ذلك مثلي، بل أفضل منّي» يقول يسوع بهدوء مؤكّداً على كلمة «أفضل»

 

«أنا؟ أنا؟ ما الذي تريد قوله؟ مَن يعرف الأمور أفضل منكَ؟»

 

«أنتَ قلتَ للتوّ بأنّكَ أنتَ وحدكَ مَن يعرف الضرورات وطريقة التصرّف فيها...» يجيبه يسوع.

 

«ولكن بشأن الأمور الطبيعيّة، نعم. أقول إنّكَ تعرف الأمور فائقة الطبيعة أفضل مِن الجميع.»

 

«هذا صحيح، ولكنّني كنتُ أقول لكَ بالضبط بأنّكَ تعرف أفضل منّي الأمور، المستهجنة إن أردت، الهابطة إن أردت، الطبيعيّة، على مثال حقد أعدائي، مشاريعهم...»

 

«أنا، لا أعرف شيئاً! لا أعرف شيئاً. أقسم على ذلك بنفسي، بأُمّي، بيهوه...»

 

«كفى! قيل ألاّ تحلف» يأمره يسوع بصرامة تبدو وكأنّها قد صلّبت حتّى تقاسيم الوجه التي تجمّدت كالّتي لتمثال.

 

«حسناً، لن أُقسِم. إنّما سيُسمَح لي بالقول، ذلك أنّني لستُ عبداً، بأنّه ليس ضروريّاً، ليس مفيداً، بل حتّى هو خَطِر الذهاب إلى قيصريّة، والتحدّث إلى الرومانيّات...»

 

«ومن قال لكَ إنّ هذا سيحصل؟» يَسأَل يسوع.

 

«مَن؟ ولكن كلّ شيء! أنتَ في حاجة لأن تتأكّد مِن أمر. أنتَ تتبع آثار واحدة...» يتوقّف، مُدرِكاً أنّ الغضب يجعله يتكلّم كثيراً. ثمّ يتابع: «وأنا، أقول لكَ بأنّ عليكَ أن تفكّر أيضاً بمصالحنا. لقد انتَزَعتَ منّا كلّ شيء: البيت والربح، العواطف والسكينة. نحن مُضطَهَدون بسببكَ، وسنكون كذلك أيضاً في المستقبل. لأنّكَ أنتَ، تقول ذلك بكلّ اللهجات، سوف تمضي أنتَ ذات يوم. إنّما نحن، نبقى، ولكن نبقى محطّمين، ولكن نحن...»

 

«لن تكون مُضطَهَداً عندما لا أكون في وسطكم. أقول لكَ، أنا الذي هو الحقيقة. وأقول لكَ بأنّني أَخَذتُ بما أعطيتني تلقائيّاً، بطريقة ملحّة. فلا يمكنكَ إذن أن تتّهمني بانتزاع أيّة شعرة لكم تسقط أثناء التمشيط. فلماذا تتّهمني؟» يسوع أَصبَحَ أقلّ صرامة، إنّه الآن حزين حزناً يعيد بلطف إلى التعقّل، وأظنّ أنّ الرحمة التي يُظهِرها، المفعمة لدرجة، الإلهيّة لدرجة، تكبح الآخرين الذين، بالتأكيد، لا يرون فيه مذنباً.

 

يهوذا ذاته يتنبّه إلى ذلك وفي واحد مِن التغييرات المفاجئة لنفسه، تثيره قوّتان متناقضتان، يرتمي أرضاً، يضرب رأسه وصدره صارخاً: «لأنّني شيطان، أنا شيطان. خلّصني، يا معلّم، كما تُخلِّص ممسوسين كثيرين، خلّصني! خلّصني!»

 

«شرط ألاّ تكون إرادتكَ بالخلاص خامدة.»

 

«موجودة هي، أنتَ ترى ذلك. أريد أن أخلص.»

 

«بواسطتي. أنتَ تطالب أن أفعل كلّ شيء. ولكنّني الله، وأحترم حرّية اختياركَ. سوف أمنحك القوّة للتوصّل إلى "الإرادة". إنّما إرادة ألاّ تكون عبداً، فهذا يأتي منكَ.»

 

«أريد ذلك! أريده! إنّما لا تذهب إلى قيصريّة! لا تذهب إليها! اسمعني، كما سمعتَ ليوحنّا عندما كنتَ تودّ الذهاب إلى عاقور، فلجميعنا الحقوق ذاتها. ونحن نخدمكَ بالطريقة نفسها. أنتَ مُرغَم على إرضائنا، بسبب ما نفعل... عاملني مثل يوحنّا! أودُّ ذلك! ما الفرق بيني وبينه؟»

 

«هناك الروح! لم يكن أخي ليتكلّم كما تتكلّم أنتَ. أخي لا...»

 

«اصمت يا يعقوب. هو أنا مَن يتكلّم وللجميع. وأنتَ، ارتقِ وتصرّف كرجل، كما أعاملكَ أنا، لا كما عبد يئنّ عند قدميّ سيّده. كن رجلاً، بما أنّكَ تبغي كثيراً لأن تُعامَل مثل يوحنّا الذي، في الحقيقة، هو أكثر مِن إنسان لأنّه عفيف ومُشبع بالمحبّة.

 

هيّا بنا، لقد تأخّر الوقت وأريد أن أعبر النهر في الفجر. ففي مثل هذا الوقت يعود الصيّادون بعد سحب سلال الصيد، ويسهل إيجاد مَركَب. القمر في نهاية أيّامه يرفع هلاله الناعم دائماً أعلى. يمكننا، بفضل نوره المضيء جدّاً، المضيّ بسرعة أكبر.

 

اسمعوا. الحقّ أقول لكم لا ينبغي لأيّ كان أن يتباهى بقيامه بواجبه الخاصّ ويطالب لذلك، الذي هو واجب، بإنعامات خاصّة.

 

يهوذا ذَكَّر بأنّكم أعطيتموني كلّ شيء، وقال لي بأنّ عليَّ بالمقابل أن أرضيكم مِن أجل ما تفعلون.

 

ولكن فَكّروا قليلاً. في وسطكم، صيّادون، مالكو أراضٍ، وأكثر مِن واحد يملك مَشغَلاً، والغيور الذي كان لديه خادم. وبالتالي، فصبيان الـمَركَب، أو الرجال الذين كانوا يساعدونكم كخادمين في بستان الزيتون، في الكروم أو في الحقول، أو متعلّمو الصنعة في الـمَشغَل، أو بكلّ بساطة الخادم الوفيّ الذي كان يهتمّ بالمنزل أو بالمائدة، عندما كانوا ينهون عملهم، هل صدف أن كنتم تخدمونهم؟

 

وألم يكن الأمر كذلك في كلّ البيوت والأشغال؟ أيّ إنسان، ما أن يكون لديه خادم يفلح الأرض أو يرعى، أو عامل في المشغل، يقول له عندما ينهي عمله: "اذهب مباشرة إلى المائدة"؟ لا أحد. إنّما كلّ ربّ عمل، إن يكن عندما يعود من الحقول، أو عندما يرتّب العُدد، يقول: "جهّز لي الطعام، رتّب نفسكَ، وبثياب نظيفة، اخدمني بينما آكل وأشرب. بعد ذلك تأكل أنتَ وتشرب." ولا يمكن القول عن ذلك بأنّه قسوة قلب. بالفعل على الخادم أن يَخدُم معلّمه دون أن يترتّب على السيّد أيّ واجب، لأنّ الخادم قد فَعَلَ ما أمره به سيّده منذ الصباح. بالفعل، إذا كان مِن واجب السيّد أن يكون إنسانيّاً مع خادمه الخاصّ، فعلى الخادم كذلك ألاّ يكون كسولاً ولا مبذّراً، بل معاوناً في ممتلكات مَن يُلبسه ويطعمه. هل تتحمّلون أن يقول لكم صبيانكم، عمّالكم في الزراعة أو في أمور أخرى، أو خادمكم: "اخدمني بما أنّني عملتُ"؟ لا أظنّ.

 

كذلك أنتم، بالنظر إلى ما فعلتم وما تفعلونه مِن أجلي -وفي المستقبل، إلى ما ستفعلونه لمتابعة عملي والاستمرار في خدمة معلّمكم- عليكم دوماً القول، لأنّكم سترون أيضاً أنّكم عملتم دائماً أقلّ كثيراً ممّا كان مِن العدل أن تفعلوه لتكونوا معادلين لكلّ ما نلتموه مِن الله: "نحن عبيد بطّالون ذلك أنّنا لم نقم سوى بواجبنا." إذا ما فكّرتم هكذا، فلن تشعروا بالغرور ولا بكدر ينمو فيكم، وسوف تتصرّفون باستقامة.»

 

يصمت يسوع. يفكّر الجميع. ينكز بطرس بمرفقه يوحنّا الذي يفكّر مثبّتاً عينيه الزرقاوين الفاتحين على المياه، التي يتحوّل لونها مِن النيلي إلى الفضّي السماويّ تحت أشعّة القمر، ويقول له: «اسأله متى يقوم أحد ما بأكثر مِن واجبه. فأنا، أريد أن أتوصّل إلى القيام بأكثر مِن واجبي...»

 

«أنا أيضاً، يا سمعان. كنتُ أفكّر في ذلك» يجيبه يوحنّا بابتسامته الجميلة على الشفاه، ويَسأَل بصوت عالٍ: «يا معلّم، قل لي: الإنسان، خادمكَ، ألا يمكنه أبداً فِعل ما يتجاوز واجبه ليقول لكَ مِن خلال هذا التجاوز بأنّه يحبّكَ بشكل كامل؟»

 

«أيّها الوَلَد، إنّ الله قد مَنَحَكَ الكثير، بحيث وبكلّ عدل، ستكون بطولتكَ قليلة على الدوام. ولكنّ الربّ صالح لدرجة أنّه لا يقيس ما تقدّمونه له بمقياسه اللانهائيّ، ولكنّه يقيسه بالمقياس المحدود للإمكانيّة البشريّة. وعندما يرى أنّكم أعطيتم دون شحّ، بمقياس مملوء، طافح، سخيّ، حينئذ يقول: "هذا الخادم أعطاني أكثر ممّا كان يفرضه عليه واجبه. فكذلك أنا سأمنحه مِن فيض مكافآتي".»

 

«آه! كم أنا فَرِح! فأنا، إذن، سوف أعطيكَ بمقياس طافح لأحصل على هذا الفيض!» يُجيب بطرس.

 

«نعم، سوف تعطيني إيّاه، سوف تعطونني إيّاه. كلّ إنسان بحبّه للحقّ والنور سوف يعطينيه. وسيكونون معي بسعادة فائقة الطبيعة.»