ج3 - ف9

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

9- (يسوع يُثقِّف الرُّسُل)

 

28 / 04 / 1945

 

«سـيّدي لمـاذا لا تَخـلد إلى الراحـة أثناء الليل؟ لقد استيقظتُ هذه الليلة ولم أجدكَ، كان مكانكَ خالياً.»

 

«لماذا طَلَبتَني يا سمعان؟»

 

«لأعطيكَ معطفي. كنتُ أخشى عليكَ مِن البرد في هذه الليلة الصافية إنّما الباردة جدّاً.»

 

«وأنتَ، ألم تكن تشعر بالبرد؟»

 

«لقد تَعوَّدتُ، على مدى سـنوات طويـلة مِن البؤس، على سوء التغطية وسوء التغذية وسوء السَّكَن... في وادي الأموات ذاك!... يا للفظاعة! في تلك الآونة، لم يكن الوضع كذلك، ولكنّنا سننـزل مرّة أخرى إلى أورشليم، بكلّ تأكيد سوف نذهب، هيّا بنا، ربّي، إلى أماكن الأموات تلك. سيكون هناك الكثير مِن التعساء... والبؤس المادّيّ ليس هو الأخطر... فالذي يُضني ويُهلِك بالأكثر هو اليأس... ألا تَجِد، يا سيّدي، أنّ الكثير مِن القَسوة تُمارَس بحقّ البرص؟»

 

إنّه الاسخريوطيّ الذي، حتى قَبل يسوع، يُجيب الغيور الذي يُرافِع عن رفاقه القُدامى. يقول الاسخريوطيّ: «أوَتريد أن تُبقيهم وسط الناس؟ بِئس أمرهم إن كانوا برصاً!»

 

«لا ينقص سوى هذا لجعل العبرانيّين شهداء! حتى البَرَص سائراً في الشوارع مع الجماعات والبقيّة!...» يهتف بطرس بتعجُّب.

 

«يبدو لي أنّ نَفيهم هو معيار الحَذَر العادل.» يُعلِّق يعقوب بن حلفى.

 

«نعم، إنما ينبغي أن يَحدُث برأفة. فإنّكَ لا تعرف ماذا يعني أن يكون المرء أبرصاً. لا يمكنكَ التحدّث عن ذلك. فلماذا، إذا كان مِن العدل الاهتمام والعناية بأجسادنا، لا يكون لدينا العدل ذاته تجاه نفوس البرص؟ مَن يكلّمهم عن الله؟ والله وحده يَعلَم كم يحتاجون إلى التفكير بإله وبسلام في تلك العُزلة الـمُريعة التي هي عُزلتهم!»

 

«أنتَ محقّ يا سمعان. سأذهب لرؤيتهم، لأنّ ذلك عدل، ولتعليمكم ممارسة تلك الرحمة. حتّى الآن أَبرَأتُ البرص الذين التقيناهم صدفة. حتّى تلك اللحظة، أي اللحظة التي طُرِدْتُ فيها مِن يهوذا، كنتُ أَلتَفِت إلى عظماء يهوذا باعتبارهم الأكثر ابتعاداً ولكونهم الأكثر احتياجاً للفِداء، لمساعدة الفادي. والآن أترك تلك المحاولة بعد اقتناعي بعدم جدواها. وأتوجّه ليس صوب الكبار، بل إنّما صوب الأصغر، صوب مصائب إسرائيل أمضي. وفي وسطها سيكون برص وادي الأموات. لن أُخيّب آمال الذين آمَنوا بي مِن خلال تبشير الأبرص الـمُعتَرِف بالجميل.»

 

«كيف عَلِمتَ يا سيّدي أنّني فَعَلتُ هذا؟»

 

«كما عَلِمتُ بماذا يُفكّر بي الأصدقاء والأعداء الذين أتفحّص قلوبهم.»

 

«الرحمة! ولكن هل تعرف بدقّة كلّ ما يتعلّق بنا، يا معلّم؟» يهتف بطرس.

 

«نعم، حتّى إنّكَ أنتَ، ولستَ وحدكَ، كنتَ تريد إبعاد فوتينا. ولكن ألا تَعلَم أنّه غير مسموح لكَ إبعاد نَفْس عن الخير؟ ألا تَعلَم أنّه، مِن أجل وُلوج بلدة، يجب امتلاك رحمة مطبوعة باللُّطف، حتّى تجاه أولئك الذين يُدينهم المجتمع غير القدّيس، لأنّه غير متّحد بالله اتّحاداً وثيقاً، ويُعلِن أنّهم غير جديرين بالرحمة؟ إنما لا تَضطَرِب لكَوني أعرف ذلك. تألّم فقط مِن وجود حركات في قلبكَ لا يُقِرّها الله، واعمل بحزم على ألّا تعود فيه. لقد قُلتُ لكم ذلك. ولقد انتهت السنة الأولى. وفي أثناء السنة الجديدة سوف أتقدّم على طريقي وبأساليب جديدة. وأنتم كذلك ينبغي لكم إحراز تَقَدُّم في خلال السنة الثانية هذه. وإلّا فلا جدوى مِن تَعَبي في تبشيركم، أنتم كَهَنَتي الـمُستَقبَليّين.»

 

«هل كنتَ قد ذهبتَ لتصلّي، يا معلّم؟ لقد وَعَدتَنا بأن تُعلِّمنا صلواتكَ. هل تفعلها هذا العام؟»

 

«سوف أفعل. ولكنّني أريد أن أُعلّمكم أن تكونوا صالحين. فالصّلاح بحدّ ذاته صلاة. ولكنّني سأفعلها يا يوحنّا.»

 

«وهل ستُعلِّمنا كذلك اجتراح المعجزات هذا العام؟» يَسأَل يهوذا.

 

«المعجزة لا يمكن تعليمها. هي ليست لعبة مهرّجين. المعجزة تأتي مِن عند الله، يَحصَل عليها مَن يَنال حُظوة لدى الله. فإذا تَعلَّمتُم أن تكونوا صالحين، تنالون الحُظوة وتحصلون على المعجزة.»

 

«ولكنّكَ لا تُجيب أبداً على سؤالنا، وقد طَرَحَه عليكَ سمعان وكذلك يوحنّا، ولم تقل لنا أين ذهبتَ أثناء الليل. ذلك أنّ الخروج هكذا وحيداً، في بلدة وثنيّة، قد يكون خَطِراً.»

 

«لقد ذهبتُ لأَهِب السرور لنَفْس مستقيمة. ولأنّه مُزمِع أن يموت، لأتقبّل إرثه.»

 

«نعم؟ هل كان مهمّاً إلى هذه الدرجة؟»

 

«إنّه مهمّ جدّاً يا بطرس، وعظيم القيمة. إنّه ثمرة عمل بارّ حقيقيّ.»

 

«ولكنّني... لم أرَ أيّ شيء إضافيّ في حقيبتكَ. ألعلّها مجوهرات تحملها في صدركَ؟»

 

«نعم، إنّها جواهر عزيزة جدّاً على قلبي.»

 

«أَرِنا إيّاها، يا سيّد.»

 

«سوف أحصل عليها بعد موت الذي ينبغي له أن يموت. في هذه الساعة، هي له، وقد تُرِكَت حيث هي.»

 

«هل وَظَّفَها بالفائدة؟»

 

«ولكن هل تظنّ أنّ كلّ ما له قيمة هو فضّة؟ وهي أكثر الأمور تفاهة وإثارة للاشمئزاز مِن كلّ ما على الأرض. إنّها لا تَخدم إلّا الأمور الماديّة، والخطيئة والجحيم. ونادراً ما يستخدمها الإنسان للخير.»

 

«إذن، إن لم يكن فضّة فما يكون؟»

 

«ثلاثة تلاميذ هَيّأَهم قدّيس.»

 

«كنتَ عند المعمدان. آه! لماذا؟»

 

«لماذا؟... أنا معكم على الدوام. وأنتم جميعكم تُساوون أقلّ مِن ظِفر النبيّ. ألم يكن مِن العدل أن أمضي إلى قدّيس إسرائيل أَحمل له بَرَكَة الله لتشجيعه في استشهاده؟»

 

«ولكن إذا كان قدّيساً... فلا يحتاج إلى تشجيع. إنّه يكتفي بذاته!...»

 

«سيأتي يوم يُقاد فيه قدّيسيَّ أمام الحُكّام وإلى الموت. سيكونون قدّيسين، وسينالون حُظوة لدى الله، وسيُشدِّد الإيمان عزيمتهم وكذلك الرجاء والمحبّة. ومع ذلك ها أنذا أَسمَع صراخهم، صراخ روحهم: "ربّنا هَب لنا معونتكَ في هذه الساعة!" فلن يكون قدّيسيَّ أقوياء في الاضطهاد بدون معونتي.»

 

«ولكنّنا... لن نكون أولئك، أليس كذلك؟ لأنّني أنا، في الحقيقة، لا أقوى على الألم.»

 

«هذا صحيح. لستَ قادراً على العذاب، ولكنّكَ، يا برتلماوس، لستَ مُعمَّداً أيضاً.»

 

«ولكن بلى.»

 

«بالماء. إنّما تَنقَصكَ معموديّة أخرى. حينذاك سوف تعرف أن تتألّم.»

 

«لقد أَصبَحتُ مُسنّاً.»

 

«وإذا أردتَ فإنّكَ ستُصبح أقوى مِن شابّ.»

 

«ولكنّكَ مع ذلك ستساعدنا، أليس كذلك؟»

 

«سوف أكون معكم على الدوام.»

 

«سأحاول الاعتياد على الألم.» يقول برتلماوس.

 

«وأنا سأصلّي منذ الآن دون انقطاع، لأنال منكَ هذه النعمة.» يقول يعقوب بن حلفى.

 

«إنّني طاعن في السنّ، ولستُ أطلب سوى أن أَسبقكَ وأَدخُل معكَ إلى السلام.» يقول سمعان الغيور.

 

«أنا لستُ أعرف ما أريد: الموت قبلكَ أم الموت معكَ في ذات الوقت.» يقول يوضاس بن حلفى.

 

«أنا سوف أعاني الكثير، لو عشتُ بعدكَ، ولكنّ عزائي سيكون في التبشير بكَ بين الشعوب.» يَعتَرِف الاسخريوطيّ.

 

«أنا أُفكّر مثل ابن عمّكَ.» يقول توما.

 

«أنا على العكس، مثل سمعان الغيور.» يقول يعقوب بن زَبْدي.

 

«وأنتَ يا فليبّس؟»

 

«ولكن... أقول إنّني لا أَودُّ التفكير في ذلك. فالأزليّ سوف يمنحني ما هو الأفضل.»

 

«آه! ولكن اصمتوا! يبدو وكأنّه ينبغي على المعلّم أن يموت قريباً! لا تجعلوني أُفكّر بموته!» يهتف أندراوس.

 

«أَحسَنتَ القول يا أخي. فإنّكَ في رَيعان الشباب وفي صحّة جيّدة، يا يسوع. المفروض أنّكَ ستدفننا جميعاً، نحن الأكبر منكَ سنّاً.»

 

«وإذا ما قَتَلوني؟»

 

«آمل ألّا يحصل هذا مطلقاً. وإلّا فسأنتقم لكَ أنا.»

 

«كيف؟ انتقاماً دمويّاً؟»

 

«إيه... حتى هكذا لو تَسمَح أنتَ بذلك. إنّما غير ذلك فَبِأن أرفع عنكَ الاتّهامات التي يدينونكَ بها بحكم رسالتي الإيمانيّة وسط الأمم. وسوف يحبّكَ العالم لأنّني سوف أكرز بكَ دون مَلَل أو كَلَل.»

 

«صحيح. سوف يكون هذا. وأنتَ يا يوحنّا، وأنتَ يا متّى؟»

 

«أنا ينبغي لي أن أتألّم وأنتظر غَسل روحي بالآلام الكثيرة.» يقول متّى.

 

«وأنا، أنا... لا أعلم. أودُّ لو أموت حالاً لكي لا أراكَ تتألّم. وأودُّ لو أكون إلى جانبكَ ساعة احتضاركَ، فأُخفّف عنكَ. أودُّ لو أعيش طويلاً لأخدمكَ طويلاً. وأودّ لو أموت معكَ لأدخل السماء معكَ. أريد كلّ شيء لأنّني أحبّكَ. وأُفكّر أنّني الأصغر بين أخوتي، وسوف أتمكّن مِن كلّ ذلك إذا ما عرفتُ أن أحبّكَ حبّاً كاملاً. فاجعل حبّكَ ينمو، يا يسوع.» يقول يوحنّا.

 

«تريد القول: "اجعل حبّي ينمو". يَشرَح الاسخريوطيّ. لأنّه يتوجّب علينا نحن أن نحبّ باطّراد على الدوام.»

 

«لا، بل أقول: "اجعل حبّكَ ينمو". لأنّنا سوف نحبّه أكثر إن هو أَحرَقَنا بحبّه.»

 

يَشدّ يسوع إليه يوحنّا الطّاهِر والـمُنفَعِل. يُقبِّله مِن جَبهته قائلاً بعدئذ: «لقد كَشَفتَ أحد أسرار الله في تقدّيس القلوب. فالله يُخيّم على الأبرار. وكلّما استَسلَموا لحبّه كلّما زاده هو وعظمت القداسة. إنّه عمل الله والأرواح السرّيّ والفائق الوصف. ويتمّ في الصمت السرّيّ وقُدرته. وما لا يمكن للكلمات البشريّة أن تَصِفه، يَخلق روائع قداسة لا تُوصَف. ليس هذا خطأ، بل عِبارة حكمة الطَّلَب مِن الله أن يزيد حبّه في أحد القلوب.»