ج10 - ف29

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

29- (كفن القبر يُعطى لمريم)

 

05 / 10 / 1951

 

الوقت ليل. البدر يضيء بنوره الفضّي كلّ جَثْسَيْماني ومنزل لمريم ويوحنّا الصغير. كلّ شيء ساكن، حتّى القدرون، الّذي استحال خيط ماء رفيع، لا يُصدِر صخباً. فجأة، يُسمَع صوت وقع نعال في ذلك السكون الشديد، ويغدو الصوت أكثر فأكثر وضوحاً وأكثر قُرباً، ويترافق معه همس أصوات ذكورية عميقة. ثمّ يظهر ثلاثة أشخاص مِن بين تشابك الأشجار، ويتوجّهون نحو المنزل الصغير. يقرعون الباب المقفل. يضاء مصباح، وينفذ نور ضعيف راجف عبر شقّ في الباب. يد تَفتح، رأس يميل إلى الخارج، صوت، هو صوت يوحنّا، يسأل: «مَن أنتم؟»

 

«يوسف الذي مِن الرّامة، ومعي نيقوديموس ولعازر. إنّ الوقت غير مناسب، لكنّ الحذر فرضه علينا. لقد جلبنا شيئاً لمريم، ولعازر يرافقنا.»

 

«ادخلوا. سأذهب لأناديها. هي ليست نائمة. إنّها تصلّي فوق، في غرفتها الصغيرة، على ‏الشرفة. فهي تحبّ ذلك كثيراً!» يقول يوحنّا، ويصعد بسرعة عبر الدرج الصغير الّذي يقود إلى الشرفة والغرفة.

 

الثلاثة، الّذين لبثوا في المطبخ، يتكلّمون مع بعضهم على مهل، على ضوء المصباح الضعيف، مجتمعين حول الطاولة، وهم لا يزالون ملتفّين بأرديتهم، لكنّ الرأس مكشوف.

 

يوحنّا يعاود الدخول مع مريم الّتي تحيّي الثلاثة قائلة: «السلام لجميعكم.»

 

«ولكِ يا مريم.» يجيبها الثلاثة وهم ينحنون.

 

«أهناك خطر ما؟ أحدث شيء ما لخدّام يسوع؟»

 

«لا شيء يا امرأة. إنّنا نحن مَن قرّرنا المجيء كي نمنحكِ شيئاً -إنّنا الآن متيقّنين، إنّما كنا نشعر بذلك بالفعل- كنتِ ترغبين في الحصول عليه. لم نأتِ قبلاً لأنّ هناك تباينات في الآراء كانت فيما بيننا، وأيضاً بيننا وبين مريم أخت لعازر. مرثا لم تُفصِح عن رأيها في تلك المسألة. لقد قالت فقط: "الربّ سيقول لكم ما الّذي ينبغي فِعله، إمّا بشكل مباشر أو بالإيحاء إلى أناس آخرين لكي يتكلّموا." وفي الحقيقة فقد قيل لنا ما الّذي ينبغي فِعله. ولهذا فقد جئنا.» يشرح يوسف.

 

«هل كلّمكم الربّ؟ هل أتى إليكم؟»

 

«لا يا أُمّاه. ما عاد أتى منذ صعوده إلى السماء. قبل ذلك نعم. لقد ظهر لنا، وقد أخبرناكِ بذلك، وقتها ظهر لنا بطريقة فائقة للطبيعة، بعد قيامته، في منزلي. في ذاك اليوم الّذي ظهر فيه لكثيرين في الوقت نفسه، ليقدّم دليلاً على ألوهيّته وقيامته. ثم رأيناه بعدها طوال الفترة الّتي كان فيها وسط البشر، إنّما ليس بشكل فائق للطبيعة، إنّما كما رآه الرُّسُل والتلاميذ.» يجيبها نيقوديموس.

 

«فإذاً؟ كيف بَيَّنَ لكم السبيل الواجب اتّباعه؟»

 

«عبر كلمات أحد مُفَضَّليه وخلفائه.»

 

«بطرس؟ لا أظنّ ذلك. فهو لا يزال خائفاً مِن ماضيه ومِن رسالته الجديدة معاً.»

 

«لا يا مريم، ليس بطرس. إنّما الذي يغدو حقّاً واثقاً بنفسه أكثر فأكثر، والآن، إذ يعلم لأيّ غرض خصّص لعازر منزل العلّية، فقد قرّر بدء ولائم المحبّة المنتظمة والاحتفال المنتظم بالأسرار في اليوم التالي لكلّ سبت. لأنّه يقول إنّ ذاك اليوم هو الآن يوم الربّ، على اعتبار أنّه اليوم الّذي قام فيه مِن الموت وظهر لكثيرين، ليثبّت إيمانهم بطبيعته الأزليّة كما الله. لم يعد هناك سبت، كما هو للعبرانيّين، الذي هو كذلك ربّما منذ الصباؤوت. لم يعد هناك السبت، لأنّه بالنسبة للمسيحيّين لم يعد هناك وجود للمعبد، بل الكنيسة، كما تنبّأ بذلك الأنبياء. إنّما ما يزال، وسيبقى يوم الربّ على الدوام، لذكرى الإنسان-الله، المعلّم، المؤسّس، الحَبْر الأبديّ، بعدما كان الفادي، للكنيسة المسيحيّة. إذاً مِن اليوم الّذي يلي السبت المقبل، ستكون هناك ولائم المحبّة بين المسيحيّين، وسيكونون كُثُراً، في منزل العلّية. لم يكن ممكناً القيام به قبلاً، بسبب حقد الفرّيسيّين، الكَهَنَة، الصدّوقيّين والكَتَبَة، وكذلك التشتّت المؤقّت للكثيرين مِن الأوفياء ليسوع، الّذين تزعزعوا في إيمانهم به وخافوا مِن كراهية اليهود. إنّما الآن فالّذين يكرهون، خوفاً مِن روما، التي عابت تصرّف الوالي والجمع، وأيضاً بسبب اعتقادهم أنّ "حماسة المتعصّبين" قد انتهت، كما يصفون إيمان المسيحيّين بالمسيح، بفعل التشتّت المؤقت للمؤمنين، الّذي بحقّ لم يدم إلاّ القليل، والآن قد انتهى، لأنّ كلّ النعاج قد عادت إلى حظيرة الراعي الحقيقيّ، هم الآن أقلّ تنبّهاً، أو أقول إنّهم لم يعودوا يهتمّون بالأمر كما لو أنّه قد مات، انتهى. وهذا يسمح لنا بأن نجتمع لولائم المحبّة. إنّنا نريد أن تتمكّني، إضافة للسابقة، مِن امتلاك هذه الذكرى منه لإظهارها للأوفياء مِن أجل تثبيتهم في الإيمان، ومِن دون أنّ يؤلمك ذلك كثيراً.» ويقدّم لها يوسف لفّة ضخمة مغلّفة بقماش أحمر غامق، كان قد أبقاها حتّى اللحظة مخبّأة تحت ردائه.

 

«ما هذا؟» تسأل مريم وهي تشحب.» ربِّما هي ثيابه؟ تلك الّتي عملتُها له مِن أجل... آه!» وتبكي.

 

«لم نستطع أبداً العثور على تلك الثياب. مَن يدري كيف انتهت وأين!» يجيب لعازر، ويضيف: «إنّما هذا أيضاً ثوب له، ثوبه الأخير. إنّه الكفن الطاهر الّذي لُفَّ به الكلّيّ الطهارة بعد التعذيب والتطهير السريع والتحنيط المختصر لأعضائه الّتي لطّخها أعداؤه. فبعد أن قام يسوع مِن الموت، جلب يوسف الكفنين مِن القبر وحملهما إلينا، في بيت عنيا، لتجنّب تعرّضهما لأيّة انتهاكات تدنيسيّة. فأعداء يسوع لن يجرؤوا على المخاطرة بنفسهم في منزل لعازر، وبأكثر مِن أيّ وقت مضى بعد سماعهم كيف وبّخت روما تصرّف بيلاطس البنطيّ. ثمّ، وبعد أن انقضت الفترة الأولى، الأكثر خطورة، أعطيناكِ الكفن الأوّل، ونيقوديموس أخذ الآخر وحمله إلى منزله الريفيّ.»

 

«بحقّ، أيا لِعازر، هما يعودان ليوسف.» تُعلّق مريم.

 

«هذا صحيح يا امرأة. لكنّ منزل نيقوديموس خارج المدينة. وبالتالي أقلّ جذباً للانتباه، وهو أكثر أمناً لأسباب كثيرة.» يُجيبها يوسف.

 

«نعم، خصوصاً مذ أن غَمَالائيل وابنه أصبحا يزورانه بشكل متكرّر.» يضيف ‏نيقوديموس.

 

«غَمَالائيل!؟» تقول مريم باندهاش شديد.

 

لعازر لا يستطيع كتم ابتسامة تهكّمية وهو يُجيبها: «نعم. إنّ العلامة، العلامة الشهيرة الّتي كان ينتظرها كي يؤمن بأنّ يسوع كان المسيا، قد هزّته. لا يمكن إنكار أنَّ العلامة كانت قادرة كذلك على تحطيم أكثر العقول والقلوب صلابة وحملها على الاستسلام. وغَمَالائيل، بفعل تلك العلامة الفائقة القدرة، فقد اهتزّ، انتفض، تداعى أكثر مِن المنازل الّتي انهارت عشيّة السبت، فيما كان يتبدّى أنّ العالم يتلاشى مع الضحيّة العظيمة. الندم مزّقه أكثر ممّا تمزّق حجاب الهيكل، الندم بسبب عدم فهمه لحقيقة يسوع. إنّ القبر الـمُقفَل لنفسه وهو العبرانيّ العتيق، المتعنّت، قد انفتح، مثل القبور الّتي أظهرت أجساد الأبرار، وهو الآن يبحث بلهفة عن الحقيقة، عن النور، عن الغفران، عن الحياة. عن الحياة الجديدة: الّتي لا يمكن الحصول عليها إلاّ بيسوع وفي يسوع. آه! سيتحتّم عليه العمل كثيراً ليحرّر تماماً أناه العتيقة مِن بين ركام طريقة تفكيره القديمة! إنّما سوف يتوصّل لذلك. إنّه يبحث عن السلام، الغفران والمعرفة. السلام لتأنيب ضميره، والغفران لتعنّته. والمعرفة الكاملة للّذي لم يشأ أن يعرفه تماماً، حين كان بإمكانه ذلك. وهو يقصد نيقوديموس لبلوغ الهدف الّذي عزم على الوصول إليه.»

 

«هل أنتَ متأكّد مِن أنّه لن يخونكَ يا نيقوديموس؟» تسأل مريم.

 

«لا، لن يخونني. إنّه في أعماقه إنسان بارّ. تذكّري بأنّه تجرّأ على فرض نفسه على السنهدرين، خلال المحاكمة الشائنة، وأظهر علناً سخطه وازدراءه للقُضاة الظالمين عندما رحل وأمر ابنه بأن يرحل، لئلاّ يكون شريكاً في تلك الجريمة ‏العظمى، حتّى ولو بتواجد سلبي. هذا بالنسبة إلى غَمَالائيل. بالنسبة للكفنين، وحيث أنّني لم أعد يهوديّاً، وبالتالي لم أعد خاضعاً للتحريم الوارد في تثنية الاشتراع على المنحوتات والمسكوبات، فقد فكّرت بأن أصنع تمثالاً ليسوع المصلوب، باذلاً في سبيل ذلك قصارى جهدي -مستخدماً إحدى أرزاتي اللبنانيّة العملاقة- وأقوم بعدها بإخفاء أحد الكفنين بداخله: الأوّل، في حال أردتِ أنتِ يا أُمّي أن تعيديه إلينا. لأنّ رؤيتكِ له تُسبّب لكِ الكثير مِن الألم على الدوام، لأنّ القذارات، الّتي قذف بها إسرائيل لتدنيس ابن إلهه، ظاهرة عليه. وعلاوة على ذلك، وبالتأكيد، إنّه بسبب الاهتزازات الّتي تعرّض لها عند إنزاله مِن الجلجلة، اهتزازات تسبّبت بحركة مستمرة للرأس الـمُعَذَّب، فإنّ الصورة مشوّهة إلى حدّ أنّه أصبح مِن الصعب تمييزها. لكن بالنسبة لي فقطعة القماش تلك، وعلى الرغم مِن أنّها مشوّهة في مظهرها وملطّخة، إلاّ أنّها ستبقى دوماً عزيزة ومقدّسة بالنسبة لي، لأنّ بعضاً مِن دمه وعرقه لا يزال عليها. وبإخفائه في تلك المنحوتة فسوف يكون بأمان، لأنّه ما مِن إسرائيليّ مِن الطبقات العليا سوف يجرؤ أبداً على لمس منحوتة. أمّا الآخر، أي الكفن الثاني الّذي وُضِعَ عليه منذ عشيّة السبت وحتّى فجر القيامة، فيجب أن يُعاد إليكِ. -وألفت انتباهكِ لئلاّ تكوني بغاية التأثّر عندما ترينه- واعلمي بأنّه كلّما مرّت الأيام، كلّما ظهرت صورته بشكل أوضح، بالشكل الّذي كان عليه بعد غسله. عندما أخرجناه مِن القبر، كان يبدو أنّه فقط يحتفظ بأثر أعضائه المكسوّة بالزيوت، والّتي امتزجت معها آثار الدماء والأمصال الّتي تدفّقت مِن الجروح الكثيرة. لكن، إمّا بشكل طبيعيّ، أو، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، بمشيئة فائقة للطبيعة، بمعجزة منه في سبيل منحكِ البهجة، فإنّه كلّما كان الوقت يمرّ، كلّما كان الأثر يصبح أكثر دقّة ووضوحاً. هو هنا، على قطعة القماش تلك، وسيماً، جليلاً، ولو أنّه جريح، هادئ، مرتاح، حتّى بعد الكثير مِن التعذيب. ألديكِ الشجاعة لرؤيته؟»

 

«آه! نيقوديموس! إنّما هذه كانت أعظم رغبة لي! تقول إنّه يبدو ساكناً... آه! إمكانيّة رؤيته هكذا، وليس بذلك التعبير الـمُعَذَّب الّذي على منديل نيقي.» تجيب مريم وهي تضمّ يديها فوق قلبها.

 

حينئذ يزيح الأربعة الطاولة كي يحظوا بمساحة أكبر، ثمّ، لعازر ويوحنّا مِن جهة، ونيقوديموس ويوسف مِن الأخرى، يقومون ببسط القماش الطويل على مهل. يَظهر أولاً الجزء الظهري، بدءاً مِن القدمين، ثمّ، وبعد شبه الاقتران بين الجهة الخلفية للرأس وجهته الأماميّة، يظهر الجزء الأماميّ للجسد. الخطوط بغاية الوضوح، وواضحة هي الآثار، كلّ الآثار، آثار الجَلْد، إكليل بالشوك، احتكاك الصليب، كدمات الضربات الّتي تلقّاها والسقطات الّتي تعرّض لها، وجروح المسامير والحربة.

 

مريم تسقط على ركبتيها، تُقبّل القماش، تُلاطِف تلك الآثار، تُقبّل الجروح. إنّها متضايقة، إنّما أيضاً يظهَر عليها السرور لتَمَكُّنها مِن امتلاك هذه الصورة الفائقة الطبيعة والعجائبيّة له.

 

بعد تبجيله، تستدير باتّجاه يوحنّا، الّذي لا يستطيع أن يكون بجانبها، كونه منشغلاً كما هو للإمساك بإحدى زوايا القماش، وتقول له: «أنتَ مَن قال لهم يا يوحنّا. أنتَ الوحيد الّذي أمكنه قول ذلك، لأنّكَ أنتَ الوحيد الّذي كنتَ تعلم رغبتي هذه.»

 

«نعم يا أُمّي، أنا. ولم أكد أُفصِح لهم عن رغبتكِ هذه حتّى وافقوا عليها فوراً. إنّما كان عليهم انتظار الوقت المناسب للقيام بذلك...»

 

«أي ليلة صافية جدّاً كي نتمكّن مِن المجيء بلا مشاعل وبلا فوانيس، وفترة لا يكون هناك فيها احتفالات تجمع الناس والوجهاء، هنا في أورشليم وفي جوارها. وذلك كان توخّياً للحذر...» يشرح نيقوديموس.

 

«وأنا أتيتُ معهما لمزيد مِن الأمان. فباعتباري مالكاً لجَثْسَيْماني، كان مسموحاً لي المجيء لرؤية الموضع مِن دون لفت انتباه أحد ما... قد يكون مكلّفاً بمراقبة كلّ شيء وكلّ شخص.» يختم لعازر.

 

«ليبارككم الله كلّكم. ومع ذلك أنتم مَن أنفقتم المال لقاء الكفن... وهذا ليس عدلاً...»

 

«هذا عدل يا أُمّي. أنا نلتُ مِن المسيح، ابنكِ، هديّة لا يمكن لأيّ مال أن يقتنيها: الحياة الّتي أعادها لي بعد أربعة أيام في القبر، وقبل ذلك، اهتداء أختي مريم. يوسف ونيقوديموس نالا مِن يسوع النور، الحقّ، الحياة الّتي لا تموت. وأنتِ... أنتِ، بألمكِ الأموميّ، ومحبّتكِ الأموميّة فائقة القداسة لكلّ البشر، اقتنيتِ لله، ليس قماشاً، بل كلّ العالم المسيحيّ الّذي سينمو باطّراد. ما مِن مال يمكنه أن يعوّضكِ مقابل ما أعطيتِ. فخذي هذا على الأقلّ. إنّه لكِ. إنّه مِن العدل أن يكون الأمر كذلك. أيضاً مريم، أختي، لها هذا الرأي. لقد فكّرت بذلك، منذ اللحظة الّتي قام فيها مِن الموت، وأكثر بعد مذ أن فارقكِ ليصعد إلى الآب.» يجيبها لعازر.

 

«فليكن الأمر كذلك إذاً. سوف أذهب لجلب الآخر. رؤيته بالفعل تؤلمني جدّاً... هذا مختلف. إنّه يمنح السلام! لأنّه هنا مرتاح، في سلام. إنّه يبدو أنّه يشعر بالفعل، في نومه الموتيّ، بالحياة الّتي تعود، والمجد الّذي لن يستطيع أحد أن يبلغه ويحطّمه. الآن لم تعد لي رغبة بأيّ شيء، باستثناء عودتي للاتّحاد معه. إنّما ذلك سوف يحدث في الوقت والطريقة اللتين حَدَّدهما الله. إنّني ماضية. وليمنحكم الله مئة ضعف مِن الفرح الّذي منحتموني إيّاه.»

 

تحمل الكفن بإجلال، الّذي قام الأربعة بإعادة طيّه، تخرج مِن المطبخ، وبسرعة تصعد الدرج... وسرعان ما تعاود النزول ثانيةً وتدخل مع الكفن الأوّل وتعطيه لنيقوديموس الّذي يقول لها: «لينعم عليكِ الله يا امرأة. سنمضي الآن، فالفجر وشيك، ويُفضَّل أن نكون في المنزل قبل بزوغ النور وخروج الناس مِن منازلهم.»

 

الثلاثة يجلّونها قبل الرحيل، ومِن ثمّ، بخطى سريعة، سالكين الطريق الّتي أتوا منها، يتوجّهون نحو إحدى بوّابات جَثْسَيْماني، تلك الأقرب إلى الطريق الّتي تصل إلى بيت عنيا.

 

مريم ويوحنا يلبثان عند باب المنزل الصغير حتّى يريا الثلاثة يختفون، ثمّ يعودان إلى المطبخ ويُغلِقان الباب وهما يتكلّمان مع بعضهما بصوت خافت.