ج10 - ف33

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

33- (غَمَالائيل يصبح مسيحيّاً)

 

01 / 11 / 1951

 

لا بدّ أنّ أعواماً قد مضت، لأنّ يوحنا يبدو الآن كامل الرجولة، بأعضاء أكثر صلابة، وجه أكثر نضجاً، شعره ولحيته وشاربه قد غدت كلّها بلون أكثر غمقاً.

 

مريم تغزل، يوحنّا يرتّب مطبخ منزل جَثْسَيْماني الّذي تمّ تَبييض جدرانه حديثاً، وتمّ دَهن الأغراض الخشبيّة: المقاعد، الباب، رفّ يستخدم أيضاً كقاعدة للسراج . لا يبدو على مريم التغيير على الإطلاق. مظهرها نَضِر وهادئ. كلّ أثر تركه الألم على موت ابنها، عودته إلى السماء، الاضطهادات الأولى ضدّ المسيحيّين، اختفى. الزمن لم يحفر آثاره على هذا الوجه الوديع. والعمر لم يتمكّن مِن تغيير الجمال النَّضِر والنقيّ.

 

السراج، المضاء على الرفّ، يُلقي بنوره الراجف على يديّ مريم الصغيرتين والرشيقتين، اللتين تعملان باجتهاد على الخيوط البيضاء الّتي تلتفّ حول فَلْكَة الـمِغزل، وعلى الخيط الرفيع، وعلى البكرة الدوّارة، على الشعر الأشقر المجموع بشكل عُقدة سميكة خلف عنقها.

 

عبر الباب المفتوح هناك شعاع قمريّ نَيّر يلج المطبخ، يمتدّ بما يشبه خطّاً فضّياً مِن العتبة حتّى قوائم المقعد الّذي تجلس عليه مريم. هكذا ينير الشّعاع القَمَريّ قدميها، ونور السراج المحمرّ ينير رأسها ويديها. في الخارج، على أشجار الزيتون الّتي تحيط بمنزل جَثْسَيْماني، بعض طيور العندليب تغرّد أناشيد حبّها.

 

يصمتان فجأة، كما لو أنّهما كانا خائفين، وبعد بضع لحظات يُسمَع وقع خطى، يقترب أكثر فأكثر، ويتوقّف عند عتبة المطبخ، حاجباً في الوقت نفسه الخيط القمري الأبيض الّذي كان قبلاً ينير بلاط الأرضيّة الخشن والداكن بضوئه الفضّيّ.

 

مريم ترفع رأسها وتلتفت نحو الباب. يوحنّا بدوره، ينظر نحو الباب، و"آه!" اندهاش تخرج مِن شفاههما، فيما يهرعان كلاهما بحركة واحدة نحو الباب، حيث ظهر وتوقّف عند عتبته غَمَالائيل. غَمَالائيل طاعن جدّاً بالسنّ الآن، إنّه شبح حقيقيّ مِن فرط ما هو هزيل في ثوبه الأبيض، الّذي يجعله القمر الّذي يغلّف كتفيه فوسفورياً تقريباً. إنّه غَمَالائيل محطّم، مسحوق بالأحداث، بتأنيب الضمير، بأمور كثيرة أكثر منها بالعمر.

 

«أنتَ هنا، أيها الرابّي؟ ادخل! تعال! وليكن السلام معكَ.» يقول له يوحنّا الّذي يقف بمواجهته وقريباً جدّاً، فيما كانت مريم تقف على بعد بضع خطواتٍ إلى الوراء.

 

«ليتكَ تقودني... فأنا أعمى...» يجيب الرابّي العجوز بصوت يرتجف بفعل بأنين مكتوم أكثر منه بفعل التقدّم بالسّنّ.

 

يوحنّا، باندهاش عظيم، يسأل بصوت يفشي تأثّره وإشفاقه: «أعمى؟! منذ متى؟»

 

«آه!... منذ زمن طويل! نظري بدأ يضعف فوراً بعد... بعد... نعم. بعدما لم أُحسِن التعرّف إلى النور الحقيقيّ الّذي أتى لينير البشر، إلى اللحظة الّتي مزّق فيها الزلزال حجاب الهيكل وهزّ أسواره القويّة، كما كان هو قد قال. لقد كان حقّاً حجاباً مزدوجاً يغطّي قدس أقداس الهيكل وقدس الأقداس الحقّ أكثر بعد، كلمة الآب، ابنه الأزليّ الوحيد، الّذي كان محجوباً بجسد إنسان، جسد فائق الطهارة، ووحدها آلامه وقيامته المجيدة كانت قد كشفت حتّى لأكثر الأشخاص شحيحي النظر، وأوّلهم أنا، ما كان عليه حقّاً: المسيح، المسيا، العمّانوئيل. وابتداءً مِن تلك اللحظة بدأت الظلمة تنزل على حدقتيّ، وتصبح كثيفة أكثر فأكثر. إنّه عقاب عادل لي. ومنذ بعض الوقت وأنا أعمى تماماً. وقد جئتُ...»

 

يوحنّا يقاطعه سائلاً إياه: «ربّما لتطلب معجزة؟»

 

«نعم، معجزة عظيمة. أطلبها مِن أُمّ الله الحقّ.»

 

«أنا لا أملك القدرة الّتي كانت لابني يا غَمَالائيل. هو كان يستطيع منح الحياة والرؤية للحدقات المطفأة، النطق للبُكم، الحركة للمشلولين، أمّا أنا فلا.» تجيبه مريم وتتابع قائلة: «إنّما تعال إلى هنا، إلى جانب الطاولة واجلس. أنتَ متعب ومسنّ أيّها الرابّي. لا تُرهِق نفسكَ أكثر.» وتقوده برأفة مع يوحنّا قرب الطاولة وتُجلِسه على أحد المقاعد.

 

غَمَالائيل، يُقبّل يد مريم بإجلال قبل أن يتركها، ثمّ يقول لها: «لا أطلب منكِ، أيا مريم، معجزة أن أرى مجدّداً. لا. لا أطلب هذا الأمر الماديّ. ما أطلبه منكِ، أيّتها المباركة بين كلّ النساء، هو نَظَر نِسر لروحي، كي أرى كلّ الحقيقة. لا أطلب منكِ النور لحدقتيّ المطفأتين، بل النور الفائق، الإلهيّ، النور الحقيقيّ الّذي هو حكمة، حقّ، حياة، لنفسي وقلبي الممزّقين والمنهكين بتأنيب الضمير الّذي لا يترك لي هدنة. ليست لديّ أيّة رغبة في أن أرى بعينيّ هذا العالم العبرانيّ، بلى... نعم، المتمرّد بعناد على الله، الّذي كان ولايزال رحيماً جدّاً تجاهه، رحمة لا نستحقّ حقّاً أن ننالها. إنّني بالأحرى سعيد لعدم اضطّراري أن أرى ذلكَ العالم ثانيةً، وبأنّ العمى قد حرّرني مِن كلّ التزام في الهيكل وتجاه السنهدرين، الّذين كانوا ظالمين جدّاً حيال ابنكِ وحيال أوفيائه. إنّ ما أرغب برؤيته بعقلي وقلبي وروحي، هو، يسوع. أن أراه فيّ، في روحي، أن أراه روحيّاً تماماً كما ترينه بالتأكيد أنتِ، يا أُمّ الله القدّيسة، وكما يراه يوحنّا، الطاهر للغاية، ويعقوب [أعمال الرسل 12: 1-2]، طالما عاش، وكما يراه الآخرون، لأساعدهم في خدمتهم الشاقّة والمشوبة بالعوائق. ترين ذلك. أن أراه لأحبّه مِن كلّ ذاتي، وأن أتمكّن بواسطة هذا الحبّ مِن التكفير عن خطاياي وأن أنال غفرانه، لتكون لي الحياة الأبديّة الّتي لم أعد أستحقّها...» يخفض رأسه فوق ذراعيه الموضوعتين على الطاولة ويبكي.

 

مريم تضع يدها على رأسه الّذي يهتزّ بفعل النحيب وتجيبه: «لا، أنتَ لم تفقد الحياة الأبديّة! المخلّص يغفر كلّ شيء لمن يتوب عن خطاياه الماضية. قد كان ليغفر حتّى للّذي خانه لو أنّه تاب عن خطيئته المهولة. وخطيئة يهوذا الاسخريوطيّ هائلة بالمقارنة مع خطيئتكَ. تأمّل. يهوذا كان الرسول الّذي قَبِلَه المسيح، عَلَّمَه المسيح، أحبّه المسيح أكثر مِن أيّ واحد آخر، وإذا أخذنا بعين الاعتبار بأنّه وعلى الرغم مِن أنّه لم يكن يجهل أيّ شيء عنه، فإنّ المسيح لم يطرده مِن مجموعة رُسُله، بل على العكس، فقد لجأ حتّى اللحظة الأخيرة إلى كلّ أنواع الذرائع، لكيلاّ يُدرِكوا حقيقته وما الّذي كان يخطّط له. ابني كان الحقّ ذاته، ولم يكذب أبداً، ولا لأيّ سبب على الإطلاق. إنّما عندما كان يرى أنّ الأحد عشر الآخرين كانوا يرتابون بالاسخريوطيّ وكانوا يطرحون عليه الأسئلة عنه، كان ينجح، مِن دون كذب على تحويل شكوكهم وعدم الإجابة على أسئلتهم، فارضاً عليهم عدم طرح الأسئلة، على سبيل الاحتراس والمحبّة معاً حيال أخيهم. إنّ خطيئتكَ أصغر بكثير. وحتّى لا نستطيع تسميتها خطيئة. فخطيئتكَ لم تكن نابعة مِن عدم إيمان، بل على العكس، قد كانت إفراطاً في الإيمان. لقد آمنتَ كثيراً بصبيّ الاثنيّ عشر عاماً الّذي كان قد كلّمكَ في الهيكل، إلى حدّ أنّكَ، بتعنّت، إنّما بنيّة مستقيمة مستندة إلى إيمانكَ المطلق بذلك الصبيّ الّذي سمعتَ مِن شفتيه كلمات حكمة مطلقة، انتظرتَ العلامة لتؤمن به وترى فيه المَسيّا. الله يغفر للّذين يملكون إيماناً بهذه القوّة وهذا الوفاء. وهو يغفر أكثر بعد لذاك الّذي، وعلى الرغم مِن أنّه كان لا يزال في شكّ حيال الطبيعة الحقيقيّة لإنسان اتُّهِم ظلماً، لم يكن يريد المشاركة في إدانته لأنّه يشعر بأنّها ظالمة. إنّ رؤيتكَ الروحيّة للحقّ قد نمت باطّراد منذ اللحظة الّتي غادرتَ بها السنهدرين لعدم موافقتكَ على ذلك الفِعل التدنيسيّ. وقد نمت أكثر بعد حين رأيتَ، وأنتَ في الهيكل، تحقُّق العلامة الّتي طال انتظارها، والّتي حدّدت بداية العهد المسيحيّ. وقد نمت أكثر بعد حين صلّيتَ، بتلك الكلمات القويّة والقلقة، عند أسفل صليب ابني، الّذي كان بارداً وميتاً حينها. وقد أضحت تقترب أكثر فأكثر مِن الكمال في كلّ مرّة كنتَ تدافع فيها عن خدّام ابني، سواء بكلماتكَ وبتنحّيك جانباً، أو برفضكَ المشاركة في إدانة الشهداء الأوائل. ثق يا غَمَالائيل، إنّ كلّ فعل ألم وعدل وحبّ مِن قِبَلِكَ قد جعل رؤيتكَ الروحيّة تنمو.»

 

«لا يزال كلّ ذلك غير كاف بعد! هو ذا، لقد سبق لي أن حظيتُ بنعمة فريدة لأعرف ابنكِ منذ ظهوره العلنيّ الأوّل، حين بلغ سنّ الرشد. كان عليّ أن أرى منذ ذلك الوقت! أن أفهم! كنتُ أعمى وغبيّاً... لم أرَ ولم أفهم. لا في ذلك الحين، ولا في مناسبات أخرى كثيرة أُنعِم عليّ فيها الدنوّ منه، وقد أصبح الإنسان والمعلّم، والاستماع إلى كلامه الأكثر برّاً والأكثر قوّة. لقد كنتُ أنتظر بعناد العلامة البشريّة، الحجارة المهتزّة... ولم أكن أرى أنّ كلّ شيء فيه كان علامة أكيدة! ولم أكن أرى أنّه كان حجر الزاوية الّذي تنبّأ به الأنبياء، الحجر الّذي هزّ العالم، كلّ العالم، العبريّ والوثنيّ، الحجر الّذي هزّ حجارة القلوب بكلمته، وبمعجزاته! لم أرَ عليه علامة أبيه الجليّة في كلّ ما كان يعمله أو يقوله! كيف يمكنه أن يغفر لي كلّ هذا القدر مِن العناد؟»

 

«غَمَالائيل، أيمكنكَ أن تؤمن بأنّني أنا، كرسيّ الحكمة، الممتلئة بالنعمة، بالحكمة الّتي تجسّدت فيَّ، وأيضاً كوني بالنعمة الّتي منحني إيّاها، ممتلئة بالمعرفة الكاملة للأمور الفائقة للطبيعة، أستطيع أن أسدي لكَ نصيحة صالحة؟»

 

«آه! بالتأكيد أنا أؤمن بذلك! بالضبط لأنّني أؤمن بأنكِ كذلك، آتي إليكِ لأنال النور. أنتِ، ابنة الله، أُمّه، عروسه، الّتي بالتأكيد قد ملأكِ بأنوار حكمته منذ الحبل بكِ، وحدكِ أنتِ يمكنكِ أن تحدّدي لي الدرب الّذي عليّ أن أسلكه لأحظى بالسلام، لأجد الحقّ، لأفوز بالحياة الحقيقيّة. إنّني أعي تماماً خطاياي، وأنا مسحوق للغاية ببؤسي الروحيّ، بحيث أنّني بأمسّ الحاجة إلى العون كي أجرؤ على المضيّ إلى الله.»

 

«ما تراه عائقاً هو على العكس جناح يرفعكَ صوب الله. لقد هدمتَ ذاتكَ، لقد تواضعتَ. لقد كنتَ جبلاً جبّاراً، تحوّلتَ وادياً عميقاً. اعلم أنّ التواضع يشبه تسميداً للأرض الأكثر جدباً، لتهيئتها كي تعطي نباتات ومحاصيل رائعة. إنّه درج للصعود، أو بالأحرى، إنّه سلّم للارتقاء نحو الله، الّذي، إذ يرى المتواضع، فإنّه يدعوه إليه للإشادة به، ليُضرِمه بمحبّته وينيره بأنواره كي يرى. لذلك أنا أقول لكَ بأنّكَ بتَّ في النور، وأنّكَ على الدرب الصحيح باتّجاه الحياة الحقيقيّة لأبناء الله.»

 

«إنّما لأنال النعمة عليّ دخول الكنيسة، وعليّ أيضاً أن أنال المعموديّة الّتي تطهّر مِن الخطيئة وتجعلنا مِن جديد أبناء الله بالتبنّي. أنا لستُ ضدّ ذلك. بل على العكس! فأنا قد دمّرتُ ابن الشريعة في ذاتي، لم أعد أستطيع أن أحترم وأن أحبّ الهيكل. لكنّني لا أريد أن أكون لا شيء. عليّ إذاً أن أعيد بناء الإنسان الجديد والإيمان الجديد فوق أنقاض ماضيّ. لكنّني ‏أظنّ أنّ الرُّسُل والتلاميذ مرتابون وحذرون حيالي، حيال الرابّي العظيم الصارم...»

 

يقاطعه يوحنّا ليقول له: «إنّكَ تخطئ أيا غَمَالائيل. أنا بادئ ذي بدء أحبّكَ، ويوم تُدعى حَمَلاً مِن قطيع المسيح سوف أوثّقه كيوم نعمة عظيمة جدّاً. فأنا لا أكون تلميذاً للمسيح إن لم أضع تعاليمه موضع التطبيق. وهو أمرنا بأن نتحلّى بمحبّة وتفهّم الجميع، وخصوصاً الأكثر ضعفاً، المرضى، الـمُضَلَّلين. لقد أمرنا بأن نقتدي بأمثلته. وكنّا نراه دوماً مفعماً بالمحبّة تجاه الخاطئين التائبين، أو تجاه الأبناء الضالّين الّذين كانوا يعودون إلى الآب، أو تجاه النعاج التائهة. مِن مريم المجدليّة إلى المرأة السامريّة، مِن أغليّا إلى السارق، كم مرّة افتدى بالرحمة! كان ليغفر حتّى ليهوذا جريمته العظيمة، لو أنّه تاب. لقد غفر له مرّات كثيرة! أنا وحدي أعلم كم أَحَبَّه، على الرغم مِن أنّه كان عارفاً بكلّ تصرّفاته. تعال معي. سوف أجعل منكَ ابناً لله وأخاً للمسيح المخلّص.»

 

«أنتَ لستَ الحَبْر. الحَبْر هو بطرس. هل سيكون بطرس طيّباً مثلكَ؟ أنا أعرف أنّه مختلف جدّاً عنكَ.»

 

«كان كذلك. إنّما منذ أن أدركَ كم كان ضعيفاً، إلى درجة أن يكون جباناً ليُنكر معلّمه، فهو لم يعد كما كان، وهو شفوق حيال الجميع ومع الجميع.»

 

«إذاً، قدني إليه فوراً. إنّني مسنّ، وقد تأخّرتُ كثيراً بالفعل. كنتُ أشعر بأنّني غير مستحقّ للغاية، وكنتُ خائفاً مِن أن يَحكم عليّ كلّ خدّام المسيح بالطريقة نفسها. أمّا الآن وقد أنعَشَتني كلمات مريم وكلماتكَ، فإنّني أريد أن أدخل حالاً إلى حظيرة المعلّم، قبل أن يتوقّف قلبي العجوز الّذي حطّمته أمور كثيرة. قدني أنتَ، لأنّني صرفتُ الخادم الّذي قادني إلى هنا لكيلاّ يسمع شيئاً. وهو سوف يعود في الساعة الأولى. إنّما آنذاك سوف أكون بعيداً، ومِن ناحيتين. عن هذا المنزل وعن الهيكل. على الدوام. سأذهب أولاً، أنا، الابن العاصي، إلى منزل الآب، أنا، الخروف الضال، إلى الحظيرة الحقيقيّة للراعي الأبديّ. ثمّ سأعود إلى منزلي البعيد، لأموت هناك في السلام وفي نعمة الله.»

 

مريم تحتضنه بحركة عفوية قائلة: «ليمنحكَ الله السلام. السلام والمجد الأبديّ، لأنّكَ استحققتهما بإظهار أفكاركَ الحقيقيّة لزعماء إسرائيل النافِذين، مِن دون أن تخاف ردود أفعالهم. ليكن الله معكَ دائماً. وليمنحكَ الله بركته.»

 

غَمَالائيل يفتّش عن يديّ مريم مجدّداً. يمسكهما بيديه ويُقبّلهما، ويركع متوسّلاً إليها أن تضع يديها المباركتين على رأسه العجوز المتعب.

 

‏مريم تستجيب له. بل حتّى هي تفعل أكثر بعد. إنّها ترسم إشارة صليب على رأسه المنحني. ثمّ تساعده مع يوحنّا على الوقوف، وترافقه إلى الباب وتراقبه وهو يبتعد، يقوده يوحنّا نحو الحياة الحقيقيّة، إنساناً منتهياً بشريّاً، إنّما مخلوقاً مجدّداً بشكل فائق للطبيعة.