ج6 - ف141
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الثاني
141- (حادث عَرَضيّ في كفرناحوم. يسوع حامي الأطفال)
25 / 06 / 1946
«خذوا زاداً وملابس تكفي لعدّة أيام، إنّنا ماضون إلى إيبّو ومِن ثمّ إلى جَمَلا وأَفِيقَ، ثمّ نزولاً إلى جرجسا، ثمّ سنعود إلى هنا قبل السبت» يأمر يسوع فيما هو واقف على عتبة المنزل، مداعباً بتلقائيّة بعض أطفال كفرناحوم، الذين كانوا قد أتوا كي يُحيّوا صديقهم العظيم، عندما لم تعد الشمس التي تغرب حارقة، بحيث تسمح للناس بمغادرة منازلهم. ويسوع هو أحد الأوائل الذين يفعلون ذلك في هذه البلدة الصغيرة، التي تستعيد نشاطها بعد الخمول الخانق لساعات النهار الحارّة.
لا يبدو أنّ الرُّسُل متحمّسون جدّاً للأمر الذي تلقّوه. إنّهم ينظرون إلى بعضهم البعض، إنّهم يُلقون نظرة على الشمس، التي ما تزال لا ترحم، إنّهم يتحسّسون جدران المنزل ويَشعرون بأنّها ما تزال حارّة، وبأقدامهم الحافية يتحسّسون الأرض ويقولون: «إنّها حارّة كما آجرّ الفرن...» مؤكّدين مِن خلال تلك الحركات بأنّه على المرء أن يكون مجنوناً كي يتجوّل…
يبتعد يسوع عن إطار الباب الذي كان يستند إليه برفق ويقول: «يمكن لكلّ مَن ليست لديه الرغبة بالمجيء أن يبقى هنا. أنا لا أُرغم أحداً. ولكنّني لن أغادر هذه الأرجاء دون أن أتكلّم.»
«يا معلّم... لا تقل ذلك! إنّنا آتون كلّنا... إنّما فقط... كنّا نظنّ بأنّ الوقت لا يزال مبكّراً على التجوّل...»
«أريد الذهاب باتّجاه الشمال قبل عيد المظالّ، بل وإلى أبعد مِن ذلك، حيث القوارب لا يمكنها الذهاب. وبالتالي فعلينا أن ننهي التجوال في هذه المنطقة الآن، حيث أنّ السفر عبر البحيرة سوف يوفّر علينا الكثير مِن السيّر.»
«معكَ حقّ. سوف أُعِدّ القاربين...» ويَخرُج سمعان بن يونا مع أخيه وابنيّ زَبْدي وبعض التلاميذ، للتحضير مِن أجل المغادرة.
يسوع يبقى مع الغيور، وابنيّ عمّه، ومتّى، والإسخريوطيّ، وتوما، والمتلازمَين فيلبّس وبرتلماوس، الذين يُعدّون أكياسهم ويملؤون المطرات، ويضعون أرغفة الخبز، والفاكهة، وكلّ ما يلزم.
طفل صغير يبكي على ركبتيّ يسوع.
«لماذا تبكي يا حلفى؟» يَسأَل يسوع فيما ينحني كي يُقبّله…
ما مِن إجابة... إنّه يبكي بصوت أعلى.
«لقد رأى الفاكهة ويريدها» يقول الإسخريوطيّ وقد نفذ صبره.
«آه! أيّها الصديق الصغير المسكين! إنّه على حقّ! لا يمكن أن ندع الأطفال يَرَون أشياء معيّنة دون أن نعطيهم بعضاً منها. خُذ هذه يا بنيّ. لا تبكي!» تقول مريم التي لحلفى، مُقتَطِعة حزمة عنب ذهبيّة مِن عنقود عنب موضوع في سلّة مع كلّ أوراقه وتفرّعاته التي لا تزال متّصلة به.
«لا أريد العنب...» ويبكي بصوت أعلى.
«يريد بالتأكيد الماء بالعسل» يقول توما ويقدّم له مطرته قائلاً: «إنّ الأطفال يحبّونه، وهو مفيد لهم. أيضاً أبناء أخي الصغار...»
«لا أريد ماءكَ...» ويُصبِح بكاؤه أكثر غزارة وحدّة.
«ماذا تريد إذن؟» يَسأَل يوضاس بن حلفى نصف جدّيّ ونصف مستاء.
«صفعتان، هذا ما يريده!» يقول الإسخريوطيّ.
«لماذا؟ إنّه طفل مسكين!» يَسأَل متّى.
«لأنّه مزعج.»
«آه! إن كان علينا أن نصفع كلّ المزعجين... لكان علينا أن نمضي حياتنا في صفع بعضنا بعضاً» يقول توما بكثير مِن الهدوء.
«ربّما هو ليس على ما يرام. فاكهة وماء، ماء وفاكهة... إنّ ذلك قد يسبّب آلاماً في البطن» تُصرّح مريم سالومة التي هي بين النساء التلميذات.
«إذا ما حصل على الخبز، الماء والفاكهة، فهو محظوظ... إنّهم فقراء جدّاً!» يقول متّى، الذي وبحكم خبرته كعشّار، فهو على عِلم بكلّ الأوضاع المادّيّة في كفرناحوم.
«ما بكَ يا صغيري؟. أيؤلمكَ هنا؟... لكنّكَ لستَ محموماً...» تقول مريم التي لحلفى التي تركع بجانب الطفل الصغير.
«آه! يا أُمّي! إنّه فقط يتذمّر!... ألا تدركين ذلك؟ سوف تفسدينهم كلّهم.»
«إنّني لم أفسدكَ يا عزيزي يوضاس. وإنّما أحبّكَ. وأنتَ لم تُدرِك يا بنيّ، بأنّني بمحبّتي قد حميتُكَ مِن قسوة حلفى...»
«هذا صحيح يا أُمّي... لقد كنتُ مخطئاً بلومكِ.»
«لا بأس يا بنيّ. ولكن إن أردتَ أن تكون رسولاً، فعليكَ أن تَجهَد كي يكون لكَ قلب أُمّ تجاه المؤمنين. إنّهم كالأطفال، أتعلم... ويجب أن نكون صبورين ومُحبّين تجاههم...»
«أحسنتِ القول يا مريم!» يقول يسوع مؤيّداً.
«سينتهي بنا الأمر إلى أن تُعلّمنا النساء» يتذمّر يهوذا الإسخريوطيّ. «وربّما حتّى مِن قِبَل نساء وثنيّات...»
«دونما شكّ. فسوف يتجاوزنكم في الكثير من الأمور إذا ما بقيتم على ما أنتم عليه، وخصوصاً أنتَ يا يهوذا. بالتأكيد سوف يتجاوزكَ الجميع، سوف يتجاوزكَ الأطفال الصغار، المتسوّلون، الجاهلون، النساء، الوثنيّون...»
«يمكنكَ القول بأنّني سأكون جهيض العالم الذي سيسبقني كلّه» يُجيب يهوذا بسخرية.
«إنّ الآخرين يعودون... وسيكون مِن الأفضل أن نغادر، أليس كذلك؟» يقول برتلماوس كي يضع حدّاً للمشاحنة، التي تُزعِج الكثيرين، ولو بطرق مختلفة.
بكاء الطفل يَصِل إلى ذروته.
«فإذن، ما الذي تريده؟ ماذا بكَ؟» يصرخ الإسخريوطيّ هازّاً الطفل بفظاظة كي يُبعِده عن ركبتيّ يسوع اللتين تشبّث بهما الطفل، ويَفعَل ذلك كي يُنفّس عن غضبه في الطفل البريء.
«معكَ! معكَ!... أنتَ تُغادِر... وضربات، ضربات...»
«آه! آه! الصغير المسكين! هذا صحيح! منذ أن تزوَّجَت أُمّه مرّة ثانية، فإنّ أبناء الزوج الأوّل... هُم كالمتسوّلين... كما لو أنّهم لم يُولَدوا منها... إنّها ترسلهم مثل متسوّلين و... آه! ليس لديهم خبز...» تقول زوجة صاحب المنزل التي يبدو أنّها تعرف جيّداً القصّة وشخصيّاتها. وتختم: «سيكون أمراً حسناً فيما لو أنّ أحداً ما يتبنّى هؤلاء الأبناء الثلاثة المتروكين...»
«لا تُخبِري سمعان بن يونا يا امرأة. فذلك سوف يجعل حماته تكرهكِ بشدّة، إنّها غاضبة جدّاً عليه وعلينا كلّنا. وهذا الصباح بالذات قد عنَّفَت سمعان ومارغزيام وأنا، حيث أنّني كنتُ معهما...» يقول متّى.
«لن أُخبر سمعان... ولكنّ هذا هو الواقع...»
«ألا تأخذينهم أنتِ؟ فليس لديكِ أولاد...» يقول يسوع محدّقاً بها…
«أنا... آه! أودُّ ذلكَ... لكنّنا فقراء... ومن ثمّ... توما... لديه أولاد إخوة... وأنا أيضاً... و...و...»
«والأكثر مِن ذلك أنّكِ لا تريدين مساعدة القريب... يا امرأة، أمس كنتِ قد انتقدتِ فرّيسيّي كفرناحوم كونهم قساة القلوب، كما انتقدتِ أهل مدينتكِ كونهم صمّوا آذانهم عن كلماتي... ولكن ما هو الشيء المختلف الذي تقومين به، أنتِ التي تعرفيني منذ أكثر مِن عامين؟...»
المرأة تخفض رأسها وهي تُجّعد ثوبها بأصابعها... ولكنّها لا تقول ولا كلمة واحدة بشأن الطفل الصغير الذي لا يزال يبكي.
«إنّنا جاهزون يا معلّم» يصيح بطرس الذي يَصِل.
«آه! أن نكون فقراء!... ومضطهَدين!...» يقول يسوع وهو يتنهّد، رافعاً ذراعيه وهازّاً إيّاهما في تعبير عن الإحباط…
«يا بنيّ!...» تقول مريم كي تعزّيه، التي كانت قد بقيت صامتة حتّى الآن. وكلمتها كانت كافية لتعزيته.
«امضوا قُدُماً مع المؤن. أنا ذاهب مع أُمّي إلى بيت الصبيّ» يأمر يسوع أولئك الذين يَصِلون وأولئك الذي كانوا معه أساساً، وينطلق مع أُمّه، التي تحمل الطفل بين ذراعيها…
إنّها يتّجهان نحو الريف.
«ماذا ستقول لها يا بنيّ؟»
«أُمّي، ماذا تتوقّعينني أن أقول لأُمّ ليس في قلبها محبّة حتّى للأولاد الذين هُم ثمرة بطنها؟»
«معكَ حقّ... فإذن؟»
«فإذن... لنصلِّ يا أُمّي.»
يسيران وهما يصلّيان.
إمرأة عجوز تسألهما: «أتأخذان حلفى إلى ميروبا؟ قولا لها بأنّه قد حان الوقت كي تعتني بهم. فهكذا هُم لن يُصبِحوا سوى لصوص... إنّهم كالجراد أينما ذهبوا... أنا مستاءة منها، لا مِن أولئك الأشقياء البائسين الثلاثة... آه! كم هو ظالم الموت! أما كان مِن الأجدر أن يعيش يعقوب وتموت هي؟ عليكَ أن تميتها، هكذا...»
«يا امرأة، أَوَلم تصبحي بعد حكيمة وقد أصبحتِ عجوزاً هكذا؟ أتقولين هكذا كلام فيما قد تموتين في أيّة لحظة؟ في الحقيقة، إنّكِ ظالمة كما ميروبا. توبي ولا تخطئي مجدّداً.»
«اغفر لي يا معلّم... إنّ تصرّفها الخاطئ هو ما جعلني أتكلّم دونما تفكير...»
«نعم، أنا أغفر لكِ. لكن لا تقولي هذا الكلام ثانية، ولا حتّى لنفسكِ. ليس باللّعن تُصحّح الأخطاء، وإنّما بالمحبّة. إذا ما ماتت ميروبا، فهل سيتغيّر مصير أولئك الأطفال؟ ربّما قد يتزوّج الأرمل ثانيةً، وقد يُنجِب أبناء مِن زواجه الثالث، وقد يُصبِح لأولئك الصِبية زوجة أب... وهكذا قد يكون مصيرهم أسوأ.»
«هذا صحيح. إنّني عجوز وحمقاء. ها هي ميروبا. ها هي تَلعَن منذ الآن... إنّني أترككَ يا معلّم. لا أريدها أن تظنّ بأنّني كنتُ أتكلّم عنها. إنّها أفعى...»
لكنّ فضولها هو أقوى مِن خوفها مِن "الأفعى"، والعجوز صغيرة القدّ، حتّى وإن ابتعدت عن يسوع ومريم، فهي لم تبتعد كثيراً، إنّها تنحني لتقتلع مِن عند حافّة الطريق بعض الأعشاب، التي رَطَّبها نبع قريب، كي تتمكّن مِن الإنصات دون أن تُلاحَظ.
«أنتَ هنا؟ ما الذي فعلتَه؟ اذهب إلى البيت! إنّكَ دائم التجوال كالحيوانات الشاردة، كما الكلاب بلا صاحب، كما...»
«كما الأطفال دون أُمّ. يا امرأة، أتدركين بأنّها شهادة سلبيّة للأُمّ حقيقة أنّ أطفالها الصغار ليسوا دائماً ملتصقين بثوبها؟»
«هذا لأنّهم سيّئون...»
«لا. إنّني آتي إلى هنا منذ الأشهر الثلاثين الأخيرة. قبلاً، عندما كان يعقوب على قيد الحياة، وخلال الأشهر الأولى لترمّلكِ، الأمر لم يكن كذلك. ثمّ تزوجتِ ثانية... وبالإضافة لذكرى زواجكِ السابق، فقد نسيتِ أيضاً ذكرى أطفالكِ. إنّما ما الفرق بينهم وبين هذا الذي ينمو في أحشائكِ؟ ألم تحمليهم هم أيضاً؟ ألم تُرضِعيهم؟ انظري إلى تلك الحَمَامة هناك... كيف ترعى صغيرها بحنان... ومع ذلك تحضن بيوضاً أخرى... انظري إلى تلك النعجة. إنّها ما عادت تُرضِع حَمَلها الذي أَنجَبَته مِن حَمْل سابق لأنّها حامِل ثانيةً. ومع ذلك انظري كيف تلعق خطمه (أنفه) الصغير، وهي تُبقي حَمَلها الصغير الحيويّ قربها؟ ألا تُجيبينني يا امرأة؟ أتصلّين إلى الربّ؟»
«بالتأكيد. أنا لستُ وثنيّة...»
«وكيف يمكنكِ أن تتحدّثي إلى الربّ العادل وأنتِ غير عادلة؟ وكيف تقدرين على الذهاب إلى المعبد والإنصات إلى لفافات الرقّ التي تتحدّث عن محبّة الله لأبنائه، دون أن تشعري بِنَدَم في قلبكِ؟ أليس لديكِ ما تقولينه وقد سلكتِ هذا المسلك الشديد السوء؟»
«هذا لأنّني لم أطلب منكَ أن تتكلّم... وأنا لا أعرف لماذا أتيتَ كي تزعجني... إنّ حالتي تستحقّ الاحترام...»
«وألا تستحقّ حال نَفْسكِ أيّاً مِن ذلك؟ لماذا لا تحترمين حقوق نفسكِ؟ أعلم ما الذي تريدين قوله لي: إنّ نوبة غضب يمكن أن تُشكّل خطراً على حياة مَن هو على وشك الولادة... إنّما ألا تكترثين لحياة نَفْسكِ؟ إنّها أثمن مِن حياة الجنين... أنتِ تعلمين ذلك... حالتكِ يمكن أن تنتهي بالموت. وهل تريدين أن تواجهي تلك الساعة بنفس مضطربة ومريضة وظالمة؟»
«زوجي يقول بأنّكَ شخص يجب عدم الإصغاء إليه. وأنا لن أُصغي إليكَ. حلفى، تعال...» إنّها على وشك المغادرة وسط صرخات الطفل الصغير الذي يَعلَم بأنّه سيُضرب بشدّة، وهو لا يريد أن يترك ذراعيّ مريم. ومريم تسعى -متنهّدة- لحثّ المرأة، وتقول لها: «أنا أيضاً أُمّ وأستطيع تَفهُّم الكثير مِن الأمور. وأنا امرأة... وبالتالي أستطيع الإشفاق على النساء. إنّكِ تمرّين بمرحلة صعبة، أليس كذلك؟ إنّكِ تتألّمين ولكنّكِ لا تُحسِنين التعامل مع الألم... ولذلك فقط أصبحتِ مضطربة... اسمعي يا أُختي. إذا أعطيتُكِ الصغير حلفى الآن فسوف تظلمينه وتظلمين نفسكِ. اتركيه معي لبضعة أيّام، آه! فقط لبضعة أيّام. سوف ترين أنّه حين يكون بعيداً عنكِ، فسوف تحنّين إليه... لأنّ الابن عزيز، بحيث أنّه حين يكون بعيداً عنّا، نشعر بالضعف، بالبرد، بغياب النور...»
«خذيه! خذيه! وأتمنّى أن تأخذي الاثنين الآخَرَين أيضاً! ولكنّني لا أعرف أين هما...»
«نعم، سوف آخذه. الوداع يا امرأة. تعال يا يسوع.» وتستدير مريم بسرعة وتمضي منتحبة…
«لا تبكي يا أُمّي.»
«لا تدِنْها يا بنيّ...»
الجُملتان المفعمتان رحمة تُنطَقان في الوقت ذاته، ومن ثمّ، وبذات الفكرة، تقول الشفاه نفس الكلام: «إذا كانوا لا يفهمون المحبّة الطبيعيّة، فهل سيفهمون المحبّة التي تحملها لهم البشرى الحسنة؟» والابن والأُمّ يتبادلان النّظرات، مِن فوق الرأس الصغير للطفل البريء، الذي يسترخي الآن بثقة وسعادة بين ذراعيّ مريم…
«سوف نحظى بتلميذ زائد عن المتوقّع يا أُمّي.»
«وهو سيتمتّع بأيّام سلام...»
«أرأيتما، إيه! إنّها صمّاء كما إطار الباب. لقد حذّرتُكُما! والآن؟ وبعد ذلك؟» تقول العجوز صغيرة القدّ.
«الآن، إنّه السلام. أمّا بعد ذلك، فليساعدنا الله بأن يُشفِق قلب ما... لماذا لا يكون قلبكِ يا امرأة؟ إنّ كأس ماء ممنوح بمحبّة هو مُحتَسَب في السماء. أمّا لأولئك الذين يحبّون طفلاً بريئاً مِن أجلي... آه! أيّة غبطة لأولئك الذين يحبّون الصغار وينقذونهم مِن الشرّ!...»
المرأة العجوز صغيرة القد تستغرق بالتفكير... ويسوع يسلك طريقاً مختصرة تَصِل إلى البحيرة. وعندما يَصِل إلى هناك، يأخذ الطفل الصغير مِن ذراعيّ مريم كي يتسنّى لها أن تصعد إلى القارب بسهولة أكثر، ويرفع الطفل عالياً بأقصى ما يستطيع كي يجعله مرئيّاً، ويبتسم ابتسامة مُنيرة قائلاً لأولئك الذين في القاربين: «انظروا، هذه المرّة سوف يكون تبشيرنا مثمراً بالتأكيد، لأنّ معنا بريء» ويمشي بخطىً ثابتة على لوح العبور الذي يتمايل، ثمّ يَدخُل إلى القارب ويجلس بجانب أُمّه، فيما يبتعد القارب عن الشاطئ، متوجّهاً في الحال نحو الجنوب الشرقيّ، باتّجاه إيبّو.