ج5 - ف21
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الأول
21- (في طريق العودة إلى سيكامينون [حيفا])
18 / 11 / 1945
«الآن وقد أرضَينا الرُّعاة، ماذا سنفعل؟» يَسأَل بطرس المتواجد وحده مع يسوع، بينما الآخرون جماعة على بُعد بضعة أمتار.
«نعود إلى طريق الضفّة ونمضي صوب سيكامينون [حيفا].»
«نعم؟! كنتُ أظنّ أنّنا ماضون إلى كفرناحوم...»
«لا ضرورة لذلك يا سمعان بن يونا. لا ضرورة لذلك. فقد وصلتكَ أخبار عن زوجتكَ والطفل. وبالنسبة إلى يهوذا... سيكون مِن الأبسط المضيّ لملاقاته.»
«حسناً جدّاً يا ربّ. ألن يسلك الطريق الداخليّة للنهر والبحيرة؟ فإنّها الأقصر والأكثر احتماء...»
«ولكنّه لن يسلكها. تذكّر أنّ عليه مراقبة التلاميذ، وهُم متفرّقون مِن جهة الغرب في هذا الفصل، البارد جدّاً مِن جديد.»
«حسناً، حسناً. إذا كان هذا ما تقوله... أمّا أنا، فيكفيني أن أبقى معكَ وأراكَ أقلّ حزناً. و... أنا لستُ متلهّفاً للقاء يهوذا بن سمعان. فقط لو كنّا لا نلتقيه!... لقد كنّا على أحسن ما يرام فيما بيننا!...»
«سمعان! سمعان! أهذه هي محبّتكَ الأَخويّة؟»
«ربّي... إنّها حقيقتي.» يقول بطرس بصراحة. ويقولها بتهوّر وبتعبير يجعل يسوع يبذل جهداً كي يتماسك فلا يضحك. ولكن كيف يمكن تأنيب رجل صريح وأمين كهذا بعنف؟
يُفضّل يسوع الصمت مُبدياً اهتماماً بالسفوح التي إلى يسارهم، بينما السهل يمتدّ أكثر إلى اليمين. خلفهما يتحدّث التسعة الآخرون جماعة، ويبدو يوحنّا راعياً صالحاً مع الحَمَل الذي على كتفيه، وقد يكون هديّة مِن الرّاعي حانان.
وبعد برهة، يَسأَل بطرس: «ألا نذهب إلى الناصرة؟»
«بالتأكيد سوف نذهب. فأُمّي سوف تُسرّ كثيراً بإعلامها عن سفر يوحنّا وسِنْتيخي.»
«وبرؤيتكَ!»
«وبرؤيتي.»
«أتراهم تركوها بسلام، هي على الأقلّ؟»
«سوف نَعلَم ذلك.»
«ولكن لماذا هُم عنيفون إلى هذه الدرجة؟ يوجد كثيرون مثل يوحنّا حتّى في اليهوديّة، ومع ذلك... وبالأكثر، ولكي يَسخروا مِن روما، فهم يحمونهم ويخفونهم...»
«كُن على يقين مِن أنّه ليس مِن أجل يوحنّا يفعلون هذا، بل لأنّ ذلك يُشكّل ضدّي التهمة الرئيسيّة.»
«ولكنّهم لن يجدوهما! لقد أَحسَنتَ التصرّف في كلّ شيء... إرسالنا وحدنا عن طريق البحر... عن طريق البحر... في الـمَركَب لبضعة أميال، وبعد ذلك، بعد اجتياز الحدود، على سفينة... آه! كلّ شيء حسن! آمُل أن يَخيب أملهم حقّاً.»
«سوف يَخيب.»
«إنّني متحرّق لرؤية يهوذا الاسخريوطيّ، لمراقبته قليلاً، كسماء مليئة بالرياح والإشارات، ورؤية ما إذا...»
«ولكن!...»
«أنتَ على حقّ. إنّه مسمار هنا في الداخل» ويَضرب جبهته.
يسوع، لكي يُروِّح عنه، ينادي الآخرين كلّهم، ويجعلهم يَرَون التخريب الغريب الذي أحدَثَه سقوط البَرَد والصقيع عندما كان مِن الممكن اعتبار موسم الصقيع قد مضى لهذا العام... البعض يقولون شيئاً، والآخرون يقولون شيئاً مغايراً، والجميع يريدون أن يروا في ذلك إشارة عقاب إلهيّ لفلسطين المتعجرفة التي لا تستقبل الربّ. والأكثر عِلماً يَرْوون أحداثاً مشابهة، معروفة في الروايات القديمة، بينما الأكثر فتوّة والأقلّ ثقافة يَسمعون بدهشة وانتباه.
يهزّ يسوع رأسه. «إنّه تأثير القمر والرياح البعيدة. لقد قلتُ لكم ذلك سابقاً. في بلاد أقصى الشمال حدثت ظاهرة تأثّرت بنتائجها مناطق بأكملها.»
«إذن فلماذا بعض الحقول ما تزال بهيّة؟»
«ذلك هو فِعل البَرَد.»
«ولكن أليس هذا عقاباً للأسوأ؟»
«ممكن، ولكن هذا ليس كذلك. الويل لو كان كذلك...»
«لكان وطننا كلّه سيبقى مُجدِباً ومُقفِراً، أليس كذلك يا ربّ؟» يقول أندراوس.
«ولكن قد قيل في النبوءات رمزيّاً أن سيحل السوء بالذين لا يستقبلون مَسيّا. وهل يمكن للأنبياء أن يكذبوا؟»
«لا يا برتلماوس. وما قيل سوف يحصل. ولكن العليّ صالح للغاية، لا نهاية لصلاحه، بحيث لو شاء العقاب، لأوقع أكثر بكثير ممّا يحصل الآن. كونوا أنتم كذلك صالحين، فلا تشتهوا القصاص دائماً لِقُساة القلوب وشَرِسيّ الطِّباع. بل تمنّوا لهم الهِداية، لا العقاب. يوحنّا، أعطِ الحَمَل لأحد الرفاق، وتعال انظر إلى بحركَ مِن الأعلى مِن هذه التلّة. وآتي أنا كذلك.»
بالفعل، إنّهم على طريق قريبة جدّاً مِن البحر، تفصلهم عنه سلسلة عريضة مِن الكثبان المتماوجة التي نَمَت عليها أشجار نخيل هزيلة وبطم ونباتات أخرى ممّا يَنبُت في الأراضي الرمليّة.
يَمضي يسوع مع يوحنّا. ولكن مَن ذا الذي يتركه؟ لا أحد. ويُصبِحون في الأعلى بسرعة، حيث الشمس الرائعة التي لا تزعج أحداً، في مواجهة البحر الساكن والضاحك…
مدينة بتولمايس [عَكّا] قريبة جدّاً ببيوتها البيضاء.
«هل نَلِجها؟» يَسأَل يوضاس بن حلفى.
«لا حاجة بنا إلى ذلك. سوف نتوقّف لتناول الطعام عند أوّل المنازل. أريد أن أكون هذا المساء في سيكامينون [حيفا]. قد نجد إسحاق هناك.»
«كَم مَن الخير يَصنَع، أليس كذلك؟ هل سمعتَ هابيل ويوحنّا ويوسف؟»
«نعم. ولكنّ التلاميذ جميعهم نشيطون جدّاً. أُبارِك أبي عليهم ليل نهار. أنتم جميعاً... فَرَحي، وسلامي وأمني...» ويَنظُر إليهم بحبّ عظيم حتّى دَمَعت أعين العشرة…
وعلى نظرة الحُبّ تلك انتهت الرؤيا.