ج8 - ف9
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
9- (تأمُّل حول قيامة لعازر)
23 / 03 / 1944
يقول يسوع:
«كان بإمكاني التدخّل في الوقت المناسب للحيلولة دون موت لعازر. لكنّني لم أشأ فِعل ذلك. لقد كنتُ أعلم بأنّ هذه القيامة كان يمكنها أن تكون سلاحاً ذا حدّين، إذ قد هديتُ اليهود ذَوي الفِكر القَويم، وجعلتُ ذَوي الفِكر غير القَويم أكثر بُغضاً. ومِن هؤلاء، وبسبب هذه الضربة الأخيرة مِن سلطاني، فقد أتى قرار موتي. لكنّني كنتُ قد أتيتُ لأجل هذا، وآنذاك كانت الساعة قد أَزِفَت لإتمام ذلك. كان يمكنني أيضاً أن أهرع حالاً. إنّما كنتُ بحاجة إلى أن أُقنِع، بالقيامة مِن تحلّل متقدّم، الـمُشكِّكين الأكثر عناداً. وكذلك رُسُلي، المناط بهم حمل إيماني للعالم، كانوا بحاجة لامتلاك إيمان ترسّخه معجزات مدوّية.
لدى الرُّسُل كان هناك الكثير مِن البشريّة. لقد سبق أن قلتُ ذلك. لم تكن عائقاً لا يمكن التغلّب عليه، في الواقع كانت نتيجة منطقيّة لوضعهم كبشر مدعوّين في سنّ متقدّم كي يكونوا خاصّتي. لا يمكن تغيير عقليّة، صياغة ذهنيّة، بين ليلة وضحاها. ولا أنا، بحكمتي، قد شئتُ اختيار وتثقيف أطفال وتنشئتهم بحسب فِكري، كي أجعل منهم رُسُلاً لي. كان يمكنني فِعل ذلك. إنّما لم أشأ فِعله، لئلّا تلومني النفوس على أنّني احتقرتُ مَن هم ليسوا أبرياء، ويُمنَح لهم التبرير والعذر بأنّني أنا أيضاً قد عنيتُ باختياري أنّ مَن أصبحوا ناضجين لا يمكن أن يتغيّروا.
لا. يمكن تغيير كلّ شيء، إن توفّرت الإرادة. وأنا، بالفِعل، فقد جعلتُ مِن متردّدين، مشاكسين، مرابين، شهوانيّين، مشكّكين، شهداء وقدّيسين، مبشّرين للعالم. وحده مَن لم يكن يريد لم يتغيّر. أنا أحببتُ وأُحبّ الصغارات والضعفات -وأنتِ مثال على ذلك- طالما تتواجد فيها الإرادة كي تحبّني وتتبعني، ومِن هذه "العَدَمات" أصنع مُفَضَّليَّ، أصدقائي، مُمثّليَّ. وإنّني أستخدمهم على الدوام. وهي معجزة مستمرّة أجترحها، كي أقود الآخرين إلى الإيمان بي، كي لا تُقتَل إمكانيّات المعجزة. كم هي شحيحة هذه الفرص الآن! مثل مصباح ينقصه الزيت، إنّه ينازع ويموت، يقتله نقص أو انعدام الإيمان بإله المعجزة. هناك نوعان مِن الإلحاح في طلب المعجزة. لأحدهما الله يخضع بمحبّة. للآخر يدير ظهره بسخط. الأوّل هو الّذي يَطلب، كما عَلَّمتُ أن يُطلَب، دونما تشكُّك وفتور، ولا يفكّر أنّ الله لا يمكن أن يسمع له، لأنّ الله صالح، والصالح يستجيب، لأنّ الله قويّ وقادر على كلّ شيء. هذه محبّة، والله يستجيب لِمَن يحبّ. الآخر هو إلحاح المتمرّدين الّذين يريدون أن يكون الله خادمهم وأن ينصاع لشرورهم ويعطيهم ما لا يعطونه له: المحبّة والطاعة. هذا النوع هو إساءة يعاقب عليها الله بحجب نِعَمه.
أنتم تشتكون مِن أنّني ما عدتُ أجترح معجزات جماعيّة. كيف يمكنني أن أجترحها؟ أين هي الجماعات الّتي تؤمن بي؟ أين هم المؤمنون الحقيقيّون؟ كم هناك مِن مؤمنين حقيقيّين وسط جماعة؟ مثل زهور ناجية في غابة اشتعل فيها حريق، أرى بين حين وآخر روحاً مؤمناً. الباقي أحرقها الشيطان بمذاهبه. وسوف يحرقها أكثر فأكثر.
أرجوكم، كي تسلكوا على نحو فائق الطبيعة، أن تُبقوا جوابي لتوما حاضراً في أذهانكم. لا يمكن أن تكونوا تلاميذي الحقيقيّين إن كنتم لا تحسنون إعطاء الحياة البشريّة ذاك الوزن الّذي تستحقّه، باعتبارها الوسيلة لكسب الحياة الحقّة، وليست الغاية. إنّ مَن يريد الحفاظ على حياته في هذا العالم سوف يخسر الحياة الأبديّة. لقد قلتُ ذلك وأكرّره. ما هي الاختبارات؟ الغيمة العابرة. السماء تبقى وتنتظركم ما بعد الاختبار.
أنا قد فتحتُ السماء لأجلكم ببطولتي. أنتم يجب أن تقتدوا بي. البطولة ليست حكراً على مَن يجب أن يعرفوا الاستشهاد فقط. إنّ الحياة المسيحيّة هي بطولة دائمة. لأنّها صراع دائم ضدّ العالم، ضدّ الشيطان والجسد. أنا لا أُرغمكم على اتّباعي. إنّني أترككم أحراراً. إنّما لا أريد مرائين. فإمّا معي ومثلي، أو ضدّي. طبعاً لا يمكنكم خداعي. أنا، لا يمكنكم خداعي. وأنا لا أعقد تحالفات مع العدوّ. وإن كنتم تُفضّلونه عليَّ، فلا يمكنكم التفكير بأن تحظوا بي صديقاً في ذات الوقت. إمّا هو أو أنا. اختاروا.
ألم مرثا يختلف عن ألم مريم. لاختلاف الطبيعة الذهنيّة للأختين، وبسبب السلوك المختلف المتّبع مِن قِبلهما. طوبى لِمَن يسلكون بحيث لا ينتابهم الندم لإيلامهم شخصاً قد بات ميتاً الآن، والّذي ما عاد بالإمكان أن يتعزّى مِن الآلالم الّذي سُبِّبَت له. إنّما طوبى أكثر بعد لِمَن لا ينتابه الندم لإيلامه إلهه، أنا، يسوع، ولا يخشى لقائي، بل على العكس يتنفّس الصعداء بعد اللقاء، كأنّه فَرَح حلم كلّ حياته القَلِق وقد تحقّق أخيراً.
أنا لكم الأب، الأخ، الصديق. فلماذا إذن تجرحونني في الغالب؟ أتعلمون كم تبقّى لكم لتعيشوا؟ لتعيشوا كي تُعوِّضوا؟ إنّكم لا تعلمون ذلك. فإذن، ساعة إثر ساعة، يوماً إثر يوم، اسلكوا جيّداً، دوماً بشكل جيّد. سوف تجعلونني سعيداً على الدوام. وحتّى لو أتى الألم إليكم، لأنّ الألم هو التقديس، هو الـمُرّ الّذي يحفظ مِن فساد الجسد، فسيكون لديكم دائماً اليقين بأنّني أحبّكم، وبأنّني أيضاً أحبّكم في هذا الألم، والسلام الآتي مِن محبّتي. أنتِ، يا يوحنّاي الصغير (ماريا فالتورتا)، تعلمين إن كنتُ أُحسِن التعزية حتّى في الألم.
في صلاتي للآب قد تكرّر ما قلتُه في البدء: كان ضرورياً إزاحة العتمة عن اليهود والعالم عموماً بمعجزة مدوّية. وقيامة شخص مدفون منذ أربعة أيّام، وقد كان أُنزِل إلى القبر بعد مرض طويل، مزمن، منفّر، ومعروف جيّداً، لم يكن أمراً ليترك أحداً غير مبالٍ ولا متردّداً. فلو شفيتُه عندما كان على قيد الحياة، أو نفختُ فيه الروح لحظة لفظ النَّفَس الأخير، لكانت ضغينة الأعداء قد خلقت شكوكاً حول مصداقيّة المعجزة. لكنّ نتانة الجثمان، فساد اللفائف، البقاء لفترة طويلة في القبر، لم تكن تترك شكوكاً. ومعجزة ضمن المعجزة، أردتُ أن يتمّ تحرير لعازر وتطهيره في حضور الجميع، كي يروا أنّ لا الحياة فقط، بل كمال الأعضاء قد عاد حيث كان الجسد المتقرّح قبلاً قد نشر جراثيم الموت في الدم. حين أمنح نعمة ما، فإنّني أعطي دوماً أكثر ممّا تطلبون.
لقد بكيتُ أمام قبر لعازر. وقد أُعطيَت هذه الدموع أسماء كثيرة. ومع ذلك اعلَموا أنّ النِّعم تُكتَسَب بالألم الممزوج بإيمان راسخ بالأزليّ. لم أبكِ لخسارة صديق ولألم أختيه، بقدر ما لأنّ ثلاث أفكار، كقاع غشى، كما قاروص [سمك ذي أشواك قاسية عند الزعنفة الظهرية] يتخبّط، وبأكثر وطأة مِن أيّ وقت، قد برزت في تلك الساعة، وغرزت رأسها في قلبي على الدوام مثل مسامير ثلاثة:
*معاينة الخراب الّذي جلبه الشيطان للبشر باقتيادهم إلى الشرّ. خراب كان حكمه مِن الناحية البشريّة الألم والموت. الموت المادّي. رمز واستعارة حيّة للموت الروحيّ، الّذي تُسبّبه الخطيئة للنَّفْس بإغراقها في الظلمات الجهنّميّة، وهي الـمَلِكة الّتي كان مقدّراً لها أن تحيا في ملكوت النور.
*التسليم بأنّ حتّى هذه المعجزة، المتأتّية تقريباً كنتيجة طبيعيّة سامية لثلاث سنوات مِن التبشير، ما كانت لتقنع العالم اليهوديّ بالحقّ الّذي كنتُ أحمله له. وبأنّ ما مِن معجزة كانت لتجعل مِن العالم الـمُقبِل مهتدياً للمسيح. آه! مؤلم أنّني على وشك الموت لأجل هكذا عدد ضئيل!
*التصوّر الذهنيّ لموتي الوشيك. كنتُ الله. لكنّني أيضاً كنتُ إنساناً. وكي أكون الفادي كان عليَّ الإحساس بثقل التكفير. وبالتالي كذلك بفظاعة الموت، كهذا الموت. لقد كنتُ إنساناً حيّاً، إنساناً بصحّة جيّدة كان يقول لنفسه: "قريباً سأموت، سأكون في قبر كما لعازر. قريباً سوف يرافقني النزاع الأشدّ فظاعة. يجب أن أموت." إنّ صلاح الله يعفيكم مِن معرفة المستقبل، إنّما لم أُعفَ أنا منه.
آه! صدّقوا ذلك، أنتم الّذين تشتكون مِن مصيركم. ما مِن مصير كان أكثر إيلاماً مِن مصيري، أنا الذي عندي المعرفة المسبقة الدائمة بكلّ ما كان ينبغي أن يحدث لي، بالإضافة إلى الفقر، الحرمانات، المرارات الّتي رافقتني منذ الولادة وحتّى الموت. فلا تشتكوا إذن. وارجوا فيَّ. أعطيكم سلامي»