ج3 - ف17

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

17- (تأهيل النساء التلميذات في الناصرة)

 

07 / 05 / 1945

 

ما يزال يسوع في الناصرة، في بيته، أو بالأحرى في مَشغَله القديم حيث عَمِلَ نجّاراً. ومعه الرُّسُل الإثنا عشر بالإضافة إلى مريم أُمّ يعقوب ويوضاس وسالومة وسُوسَنّة وأخرى جديدة هي مرثا. مرثا حزينة جدّاً، وآثار الدموع جَليّة تحت عينيها. مرثا في الغُربة، وهي مُرَوَّعة لكونها هكذا وحيدة إلى جانب أشخاص آخرين، خاصّة إلى جانب أُمّ الربّ. ومريم تحاول جعلها تحتكّ بالآخرين، لتزيل عنها ذلك الانطباع بالضّيق، الذي تراها تعاني منه. ولكن يبدو أنّ ملاطفاتها تُفعِم قلب المسكينة مرثا. احمرار ودموع سخية تتعاقبان تحت الوِشاح الذي تُسدِله على ألمها وَضِيقها.

 

يَدخُل يسوع مع يعقوب بن حلفى. «ليست هناك يا رب. لقد ذَهَبَت مع زوجها في زيارة لإحدى الصديقات. هذا ما يقوله الخُدّام.» يقول يوحنّا.

 

«سوف يزعجها هذا بالتأكيد. ولكنّها ستتمكّن مِن رؤيتكَ وتَقَبُّل تعاليمكَ.» يقول يعقوب بن حلفى.

 

«حسناً هي ليست مجموعة النساء التلميذات التي كُنتُ أُفكّر بها. ولكنّكم تَرَون: بَدَل يُوَنّا الغائبة، تَحضُر معنا مرثا ابنة ثيوفيلوس، أخت لعازر. يَعرِف التلاميذ مَن تكون مرثا. أُمّي كذلك. وأنتِ كذلك يا مريم، وقد تكونين كذلك يا سالومة، إذ أَصبَحتِ تَعلَمين مِن ابنكِ مَن هي مرثا، هي ليست كامرأة بحسب العالم، بل إنّما هي ككائن في عينيّ الله. وأنتِ يا مرثا، مِن جهتكِ، تَعلَمين مَن يكنّ اللواتي يعتبرنكِ أختاً، أختاً وابنة، ويحببنكِ حبّاً جمّاً. وأنتِ في أَمَسّ الحاجة إلى ذلك، يا مرثا الطيّبة، لتحصلي على العزاء البشريّ للعواطف النبيلة التي لا يُدينها الله، بل هو يمنحها للإنسان كي تكون له عَوناً في صعوبات الحياة.

 

ولقد اقتادكِ الله إلى هنا، تماماً في الوقت الذي اخترتُهُ لإعطاء الأُسس، يمكنني القول: الشَّبَكة التي سوف تُطَرِّزن عليها كمالكنَّ كتلميذات. وكلمة تلميذ تعني اتّباع نظام الـمُعلِّم ونظام مذهبه. لهذا السبب، وبمعنى عام، سَيُسمّى تلاميذ، كلّ أولئك الذين، الآن وفي الدّهور الآتية، سيتَّبعون مذهبي. ولتحاشي تعداد التسميات، كقول: تلاميذ يسوع حسب تعاليم بطرس أو أندراوس أو يعقوب أو يوحنّا أو سمعان أو فليبّس أو يهوذا أو برتلماوس أو توما أو متّى، فستُقال كلمة واحدة تجمعهم تحت إشارة وحيدة: عِبارة مسيحييّن. ولكنّني، مِن بين الكَمّ الكبير مِن الذين سيتَّبعون مذهبي، ها قد اخترتُ الأوائل، ثمّ التالين، وهكذا سيكون الأمر خلال قرون لِذِكري، كما هي الحال في الهيكل، وقبل ذلك أيضاً، مع موسى، وُجِدَ الحَبر والكَهَنَة واللاويّون والـمُكلَّفون بخدمات مختلفة مِن مهمّات ووظائف، والـمُنشِدون، وغيرهم... وبنفس الأسلوب سيكون في هيكلي، الكبير كِبر الأرض كلّها، والـمُعَدّ ليدوم ما دامَت هي، سيكون كبار وصغار، وكلّهم ذوو فائدة، وجميعهم أُحبّهم أنا، وبالإضافة إليهم سوف تكون هناك النساء، الفئة الجديدة التي احتَقَرَها إسرائيل على الدوام، مُقتَصِراً على تكليفهنّ بأناشيد العذارى أو تعليم العذارى وتثقيفهنّ فقط وليس أكثر.

 

لا تُناقِشوا في صحّة ذلك. ففي ديانة إسرائيل الـمُنغَلِقة، وفي زمن الغَضَب، كان ذلك صحيحاً. وكان العار كلّه يقع على المرأة، أصل الخطيئة. وفي ديانة المسيح العالميّة، وفي زمن الغُفران، فقد تَغيَّرَ هذا كلّه. كلّ النعمة اجتمَعَت في امرأة، وهي قد وَلَدَتها للعالم لافتدائه. فلم تَعُد إذن المرأة مَطبوعة باحتقار الله، بل هي مُساعِدة لله. وبواسطة المرأة، محبوبة الربّ، أَصبَحَ بإمكان النساء أن يصبحن تلميذات للربّ، ليس فقط كالمجموع العام، بل ككاهنات بدرجة أقلّ، مُساعِدات للكَهَنَة الذين يتلقّون منهنّ العَون لذواتهم وللمؤمنين ولغير المؤمنين، ولأولئك الذين يجلبهم إلى الله، ليس هدير الكلمة المقدّسة، بقدر ما تفعله ابتسامة مقدَّسَة مِن إحدى تلميذاتي.

 

لقد طلبتنّ منّي المجيء لتتبعنني، مثل الرجال. إنّما المجيء فقط، الاستماع فقط، وللتنفيذ فقط؛ وهذا قليل جدّاً بالنسبة إليَّ في ما يخصكنّ. قد يكون رضاكنّ في ذلك عظيماً، إنّما ذلك لا يكفيني. إنّني ابن الـمُطلَق. ومِن المفضَّلين لديّ أريد الـمُطلَق. أريد كلّ شيء، لأنّني أَعطَيتُ كلّ شيء.

 

فيما عدا ذلك، فأنا لستُ وحدي، بل هناك العالم كذلك. ذلك الشيء الـمُريع الذي هو العالم. ينبغي أن يكون مُريعاً في القداسة: قداسة لا حدود لها، بالعدد، وبِقُدرة تعدّد أبناء الله. أمّا العالم، على العكس، فهو مُريع بفساده. وفساده التام هو في الحقيقة لا حدود له في كمّية المظاهر والقُدرة على الرذيلة. كلّ الخطايا مُستَوطِنة في العالم الذي لم يعد فيه تعدّد أبناء الله، بل تعدّد أبناء الشيطان. ونشيطة جدّاً هي الخطيئة التي تحمل دلالة أبوّته الأكثر وضوحاً: الحقد. فالعالم يَحقُد. والذي يَحقُد يرى، ويريد أن يجعل الآخرين يَرَونَ الشرّ في الأمور الأكثر قداسة، حتّى الذين لا يَرَونَ ذلك منهم. وإذا ما سألتُم العالم عن سبب مجيئي، فلا يقول لكم: "لأصنع الخير ولأفتدي". ولكنّه يقول لكم: "لأُفسِد وأُسيطِر". وإذا سألتم العالم بماذا يُفكّر فيكم، أنتم يا مَن تتبعونني، فلا يقول لكم: "تتبعونه لتتقدَّسوا وتَشدّوا مِن عزيمة المعلّم بالقداسة والطهارة". ولكنّه يقول لكم: "تتبعون هذا الرجل لأنّه يغويكم".

 

ذاك هو العالم. وأقول ذلك لكنّ أيضاً لتحسبن حساب كلّ شيء قبل تقديم أنفسكنّ للعالم كتلميذات مُختارات، متقدّمات على التلميذات الـمُقبِلات، مُعاوِنات خُدَّام الربّ. أَمسِكوا جيّداً قلبكن بأيديكنّ وقلن له، لقلب النساء الـمُرهَف الحسّ الذي هو قلبكنّ: إنكنّ، وهو معكنّ، سيُهزأ بكنّ ويُفتَرى عليكنّ، وسوف يُبصَق على وجوهكنّ، وسوف يدوسكنّ العالم باحتقاره وأكاذيبه وشراسته. اسألنه إذا كان يجد نفسه أهلاً لتقبُّل كلّ الجروح دونما صُراخ مِن شدّة الغَيظ وهو يَلعَن الذين يجرحونه. اسألنه إذا ما كان يستطيع مجابهة الاستشهاد الوجدانيّ للافتراء دون الوصول إلى الحقد على الـمُفتَرين والسبب الذي تمّ لأجله الافتراء. اسألنه إذا ما كان، في حال أَوسَعَه وغَطّاَه حقد العالم، سيعرف دائماً أن يَنفث الحبّ، وإذا ما سمَّمَه بمرارة، سيعرف أن يُقدّم العسل، إذا ما كان، وهو يتألّم كلّ أنواع الآلام بسبب عدم الإدراك والاحتقار والذّمّ، سيعرف الاستمرار في الابتسام، مشيراً بإصبعه إلى السماء، الهدف الذي تردن إيصال الآخرين إليه، إيصالهم بالحنان الأُنثويّ، الأُموميّ حتّى لدى الشابّات، الأُموميّ، حتى ولو كان ذلك يُمارَس مع مُسنّين بعمر أجدادكنّ، ولكنّهم، مِن الوجهة الروحيّة، ما يزالون حَديثي الوِلادة، وهم غير جديرين بأن يُدرِكوا اتّخاذ وجهة طريقهم، في الحياة، في الحقّ، في الحكمة التي أَتَيتُ لأمنحها بمنحي ذاتي: الطريق والحياة والحق والحكمة الإلهيّة. وسوف أحبّكنّ كذلك حتّى ولو قلتنّ لي: "ليست لديَّ القُدرة يا ربّ لأن أتصدّى للعالم كلّه مِن أجلكَ".

 

يوم أمس، طَلَبَت منّي فتاة يافعة أن تكون ذبيحة (قرباناً)، قبل أن تَزفّ ساعة عرسها، لأنّها تَشعُر بأنّها تحبّني كما يُحَبّ الله، أي بكلّيتها، بالكمال المطلق في بذل الذات. وسوف أفعل ذلك. لقد أَخفَيتُ عنها الساعة، كي لا ترتعد نفسها خوفاً، وجسدها أكثر مِن نفسها. إنّ موتها سيكون مشابهاً لنهاية زهرة، تُغلِق تويجها ذات مساء، معتقدة بأنّها ستفتحه مجدّداً في اليوم التالي، لكنّها لا تفتحه ثانية، لأنّ قبلة الليل قد امتصّت حياتها. وسأفعل ذلك، وفقاً لرغبتها، بجعل سكينة رقادها تسبق ساعتي بأيّام قليلة. بحيث لا يتوجّب على عذرائي الأولى هذه الانتظار في اليمبوس، وبحيث ألتقي بها حالاً بعد موتي...

 

لا تبكين! فإنّني أنا الـمُخلِّص... ولكنّ هذه الصبيّة القدّيسة لم تتوقّف عند الأوشعنا حالاً بعد المعجزة، ولكنّها عرفت كيف تستغلّ المعجزة، كالدراهم، في مشروع رابح. لقد تَجاوَزَت المعرفة البشريّة إلى المعرفة فائقة الطبيعة، مِن رغبة أرضيّة إلى رغبة فائقة. لقد أَظهَرَت نضوجاً روحيّاً أرقى مِن نضوج العالم بأسره تقريباً. أقول "تقريباً"، لأنّ بينكنّ، يا مَن تسمعنني، كمالات تساويها، بل هي أكثر سموّاً حتّى. هي لم تطلب منّي أن تتبعني. على العكس، لقد أَظهَرَت رغبة في إكمال ارتقائها كصبيّة لتصبح ملاكاً، في سرّ إقامتها. ومع ذلك قد أحببتُها كثيراً، لدرجة أنّني، في ساعات اشمئزازي مما هو عليه العالم، سوف أَستَحضِر ذكرى تلك المخلوقة الوديعة، مُبارِكاً الآب الذي يمسح دموعي وعَرَقي كمعلّم، في عالم يرفضني، بواسطة زهرات الحبّ والطُّهر تلك.

 

ولكن إذا أردتنّ، إذا كانت لديكنّ الشجاعة لتبقين النساء التلميذات المختارات، فسأعيِّن لكنّ العمل الذي ينبغي لكنّ القيام به لتبرّرن به وجودكنّ واختياركنّ المكوث إلى جانبي وجانب قدّيسي الربّ. يمكنكنّ فعل الكثير أمام مثيلاتكن وتجاه كَهَنَة الربّ.

 

لقد أَشَرتُ بذلك إلى مريم التي لحلفى قبل بضعة أشهر. كَم المرأة ضروريّة في كنيسة المسيح! فالمرأة قادرة على معالجة ويلات العالم اللامنتهية أفضل كثيراً مِن الرجل، وتَحمِلها بعدئذ إلى الرجل مِن أجل الشفاء التامّ. قلوب كثيرة، وبشكل خاص قلوب نسائيّة، سوف تنفتح لَكُنّ أيّتها النساء التلميذات. ينبغي لكنّ استقبالها، كما لو أنّها بَنون ضالّون يعودون إلى البيت الوالديّ، ولا يتمكّنون مِن مواجهة أبيهم. سوف تُعزّين الخاطئ وتُقوّينه وتَستَرضين الديّان. كثيرون سيأتون إليكنّ باحثين عن الله. وستستقبلنهم كحُجّاج مُنهَكين بقولكنّ لهم: "ها هنا منـزل الرّب. سيأتي في الحال". وفي انتظار ذلك، سوف تُحِطنّهم بحبكنّ. وإذا لم آتِ أنا يأتي أحد كَهَنَتي.

 

والمرأة تعرف أن تحبّ. فلقد خُلِقَت لتحبّ. ولقد حَطَّت مِن قَدر الحبّ عندما حَوَّلَته إلى شهوة أحاسيس، إنّما، في عمق جسدها، يبقى سجيناً على الدوام، الحبُّ الحقيقيّ، جوهرة نفسها: الحبّ الخالي مِن حدّة الأحاسيس الـمُوحِلة، المصنوع مِن أجنحة وعطور ملائكيّة، المصنوع مِن شُعلة طُهر وذكريات الله، مِن أصله الإلهيّ، مِن خَلْق الله. المرأة هي رائعة الصَّلاح لدى رائعة الخَلق التي هي الرجل: "والآن فلنمنح آدم رفيقة كي لا يشعر بأنّه وحيد"، وعليها ألّا تُهمِل الآدميين. فلتَأخُذن إذن قُدرة الحبّ هذه، ولتُستَخدم في حبّ المسيح، وبالمسيح في حبّ القريب. كُنّ محبّة كاملة مع المذنبين النادمين. يجبّ أن تقلن لهم ألّا يخافوا مِن الله. وكيف لا تستطعن إنجاز تلك المهمّة يا مَن أنتن أخوات وأُمّهات؟ كَم مِن مرّة مَرض فيها أولادكنّ، واحتاجوا فيها إلى عيادة طبيب! ومع ذلك كانوا خائفين. إنّما أنتنّ، بملاطفات منكنّ وكلمات حبّ، أزلتنّ عنهم ذلك الخوف، ويدهم الصغيرة في يدكنّ، استَسلَموا للعلاج غير مبالين بذعرهم الأوّل. والخَطَأَة هم أخوتكنّ وأولادكنّ المرضى، وهم يَخشون يد الطبيب وحُكمه... لا. ليس هكذا. قُلن أنتنّ ذلك، يا مَن تعرفن كم الله صالح، إنّ الله صالح ويجب ألّا نخاف منه. ولكن، إذا قال صراحة: "لا تفعل ذلك أبداً". فهو لن يَطرُد الذي فَعَلَها وأَصبَحَ مريضاً. بل سوف يعالجه ليشفيه.

 

كُنّ أمّهات وأخوات للقدّيسين. فهم كذلك يحتاجون إلى الحبّ. سوف يَتعَبون ويُنهَكون في التبشير ولن يتوصَّلوا إلى إنجاز ما يجب فِعله. فساعدنهم أنتنّ، برصانة وهِمّة. المرأة تُجيد التصرّف. في البيت أمام الطاولات والأَسِرّة، أمام أنوال النسيج وكلّ ما هو ضروريّ للحياة اليوميّة. وسوف يحمل مستقبل الكنيسة سيلاً مستمرّاً مِن الحُجّاج إلى الأماكن المختارة مِن الله. فكنّ أنتنّ المضيفات، وخذن على عاتقكنّ تفاصيل العمل الأكثر تَواضُعاً، لتفسحن المجال أمام كَهَنَة الله لإتمام عمل المعلّم بحرّية.

 

بعد ذلك، ستأتي الأزمنة الصعبة والدامية والرهيبة. وستكون لدى المسيحيّين، حتّى القدّيسين منهم، ساعات رُعب وساعات ضُعف. والرجل لا يكون قويّاً للغاية في ساعات الألم. أمّا المرأة، على العكس، فهي تتفوّق على الرجل بمعرفة الألم. عَلِّمنها للرجل بدعمكنّ إيّاه في ساعات الخوف واليأس والدموع والتعب والدم. وفي تاريخنا أمثلة عن النساء الرائعات اللواتي عرفن إتمام مهمّات جريئة ومُحرِّرة. ومنهنّ يهوديت وياعيل. إنّما ثِقوا بأنّه لا يوجد حتى الآن أعظم مِن الأُمّ الشهيدة ثماني مرات: سبع مرّات بأبنائها ومَرّة بنفسها، في زمن المكابيّين. وسوف تكون هناك أخرى... ولكن بعد أن تكون قد أَصبَحَت كذلك، سيكون قد تَضاعَفَ عدد النساء البَطَلات مِن الألم وفي الألم. النساء عزاء الشهداء، وشهيدات هنّ كذلك، النساء ملائكة المضطهدين، النساء: الكاهنات الصامتات اللواتي يكرزن بالله بطريقة حياتهنّ، واللواتي بدون نذر آخر غير الذي منحهنّ إيّاه الله-المحبّة، سيصبحن، آه! سيصبحن مُكَرَّسات ومؤهّلات لذلك.

 

هي ذي وظائفكنّ الأساسيّة، وقد بُسِطَت أمامكنّ. ولن يكون لديَّ الوقت الكثير لتكريسكنّ، أنتنّ بالتحديد. ولكنكنّ سوف تتثقَّفنَ بإنصاتكنّ إليَّ. وتتثقّفنَ أكثر تحت قيادة أُمّي التامّة.

 

أَمْس، هذه اليد الأُموميّة (ويَأخُذ يسوع بين يديه يد مريم) جَلَبَت لي الشابة التي حَدَّثتُكنّ عنها، وتلك قالت لي إنّ لا شيء سوى الاستماع إليها والمكوث إلى جانبها لبضع ساعات، حتى يكون ذلك كافياً لنضوج النعمة التي كانت قد نالَتها، بإيصالها إلى الكمال. وهذه ليست المرّة الأولى التي تعمل فيها أُمّي لصالح المسيح ابنها. أنتَ وأنتَ تلميذاي، إنّما أنتما كذلك ابنا عمّي، وتَعلَمان مَن تكون مريم لتُهيّئ النفوس لله. يمكنكما قول ذلك للذين واللواتي سيتولد لديهم الخوف مِن عدم تهيئتهم مِن قِبَلي للرسالة، أو لكون ذلك غير كاف بعد عندما لا أعود فيما بينكم. هي، أُمّي، سوف تكون معكم الآن وفي الأوقات التي لن أكون فيها فيما بينكم، وثمّ حينما لا أعود في وسطكم. سوف تبقى لكم ومعكم، ومعها تبقى الحكمة بكلّ فضائلها. فَمِن الآن وصاعداً اتَّبِعوا كلّ نصائحها.

 

أَمْس مساء، عندما أَصبَحنا وحدنا، وبينما أنا جالس إلى جانبها، كما كنتُ أفعل عندما كنتُ صغيراً، ورأسي على كتفها، وبكلّ العذوبة وكلّ الشجاعة، قالت لي أُمّي -وكنّا قد تحدَّثنا عن الشابّة في ساعات المساء الأولى، مع شمس أكثر إشراقاً مِن تلك التي في قُبّة السماء، مُحتَواة في قلبها البتوليّ: سِرّها المقدس- قالت لي أُمّي: "كَم هو ممتع أن أكون أُمّ الفادي!" نعم، كَم هو ممتع! عندما يكون الإنسان الـمُقبِل إلى الفادي قد أَصبَحَ إنسان الله الذي ليس فيه سوى الوصمة الأصليّة التي لا يغسلها أحد غيري. أمّا الوصمات الأخرى الصغيرة الناجمة عن الضُّعف البشريّ، فيمحوها الحبّ.

 

ولكن، يا أُمّي العذبة والفائقة الطُّهر، قودي النُّفوس إلى ابنكِ، أيّتها النجمة المقدّسة التي توجِّهها، معلّمة القدّيسين الوديعة، المربّية الحنونة للأكثر صُغراً، العلاج الشافي للمرضى، إنّما لن يكون الآتون إليكِ على الدوام هم أولئك الذين لا يرفضون القداسة... بل بُرص، بل فظاعات، بل النتانة، بل عَجيج الأفاعي حول أشياء نجسة، سوف يأتون زاحفين حتّى قدميكِ، يا مَلِكَة الجنس البشريّ، ليصرخوا إليكِ: "الرحمة! أنجدينا! خذينا إلى ابنكِ!" وستضطرّين إلى وضع يدكِ، هذه اليد البيضاء على الجراح، وأن تخفضي نظركِ، الذي لِحمامة الجنّة، إلى القباحات الدنيئة، وأن تستنشقي نتانة الخطيئة، وألّا تهربي، بل على العكس، لأن تضمّي إلى قلبكِ أولئك الذين شَوَّهَهم الشيطان، تلك الطّروح، تلك التفسُّخات، وأن تغسليهم بالدموع وتأتي بهم إليَّ... حينئذ سوف تقولين: "يا لصعوبة أن أكون أُمّ الفادي!" ولكنّكِ سوف تفعلين ذلك لأنّكِ الأُمّ... أُقبِّل وأبارك يديكِ، هاتين اليدين اللتين بهما سيأتي إليَّ أناس كثيرون، وسيكون كلّ منهم أحد أمجادي. ولكن قبل أن يكون لي، سيكون أحد أمجادكِ أنتِ أيّتها الأُمّ القدّيسة.

 

أنتنّ، أيّتها النساء التلميذات، اقتدين بمَثَل تلك التي هي معلّمتي، وكذلك بمَثَل يعقوب ويوضاس، وكلّ الذين يريدون أن يتثقّفوا في النعمة وفي الحكمة. اتبعن كلامها، فإنّه كلامي، إنّما بشكل أَلطَف وأَعذَب، ولا يُضاف إليه شيء، إذ إنّه كلام أُمّ الحكمة.

 

وأنتم يا أصدقائي، تَعَلَّموا أن يكون لديكم تَواضُع ومثابرة النساء، وبالتقليل مِن كبرياء الرجل، لا تَحتَقِروا النساء التلميذات، إنّما قَلِّلوا مِن جبروتكم، ويمكنني القول، قَسوتكم وتَشَدُّدُكم، وذلك بتعاملكم بلطف مع النساء. وفوق كلّ شيء، تَعَلَّموا منهنّ الحبّ والإيمان والتألُّم مِن أجل الربّ، لأنّهنّ، الحقّ أقول لكم، وهنّ الضعيفات، سيصبحن الأقوى في الإيمان وفي الحبّ وفي الشجاعة وفي التضحية مِن أجل معلّمهنّ الذي يحببنه بكلّ كيانهنّ، دون طَلَب الـمُقابِل، ودون المطالبة بشيء، مدفوعات فقط بالحبّ ليَهَبنني العزاء والفرح.

 

اذهبوا الآن إلى بيوتكم، أو إلى البيوت التي تستضيفكم. وأنا أبقى مع أُمّي. ليكن الله معكم.»

 

يمضي الجميع ما عدا مرثا.

 

«ابقي أنتِ يا مرثا. لقد كَلَّمتُ خادمكِ. فاليوم ليست بيت عنيا هي التي تستضيف، إنّما بيت يسوع الصغير. تعالي. ستتناولين الطعام مع مريم وتنامين في الغرفة الصغيرة المجاورة لغرفتها. وروح يوسف، عزاؤنا، يعزيكِ أثناء استراحتكِ. وغداً تعودين إلى بيت عنيا أكثر قوّة وأكثر ثباتاً لتُهيّئي هناك كذلك نساء تلميذات، في انتظار تلك العزيزة جدّاً على قلبي وقلبكِ. لا تَشُكّي، يا مرثا، فإنّني لا أَعِد أبداً عَبَثاً. ولكن مِن أجل جعل صحراء تعجّ بالأفاعي غَيضة مِن الجنّة، فذلك يتطلّب وقتاً... بَوادِر العمل لا تُرى. فيبدو أنّ لا شيء قد حَصَلَ. إنّما على العكس، فالبِذار قد استقرّ. البذور جميعها. وثمّ تأتي الدموع، فتكون المطر الذي يجعلها تَنبُت... ويَعقب ذلك الأشجار الصالحة... تعالي!... ولا تبكي بعد!»