ج1 - ف6
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
6- (الخالية مِن كلّ عيب لم تغب أبداً عن ذاكرة الله)
24 / 08 / 1944
يقول يسوع:
«بعد أن أنارتهُما الحكمة في أحلام الليل، نَزلت، هي نفسها، "انبثاقاً مِن قدرة الله ومِن مجد الكلّي القُدرة"، وصارت وعداً للمدعوّة عاقراً. الذي كان يُرى آنذاك زمن الفداء قريباً جدّاً -أنا المسيح حفيد حنّة- اجترح المعجزات على العاقرات والمرضى، على المصابين ومَن تسكنهم الشياطين، على كلّ ويلات الأرض.
ولكن في تلك الأثناء، في غمرة فرح الحصول على أُمّ، تراني أهمس كلمة مخبّأة في عتمة الهيكل الذي حوى آمال إسرائيل، الهيكل الذي أصبَح منذ الآن في حدود وجوده، لأنّ الهيكل الجديد الحقيقيّ الذي لم يعد يحوي آمال شعب وحسب، بل يقين الجنّة لأمم الأرض قاطبة عبر تعاقب الدهور، إلى نهاية العالم، قد أصبح على وشك تجلّيه على الأرض. هذا "الوعد" يجترح معجزة إعادة أحشاء العاقر خصيبة، يعطيني أُمّاً ليست ذات طبيعة كاملة فقط كما هو مفترض أن يكون بحكم ولادتها مِن أبوين قدّيسين، ليست ذات نفس صالحة فقط مثل كثيرين غيرها، مع تطوّر لصلاحها مستمرّ باستعدادات إرادتها الرائعة، وليست جسداً طاهراً فقط، ولكنّها وحدها بين المخلوقات جميعها كانت تتمتّع بنَفْس لا شائبة فيها.
لقد رأيتِ خلق الله المستمرّ للأرواح. والآن، فكري ما يمكن أن يكون جمال هذه الروح التي كانت ذات إيثار لدى الآب قبل أن يوجَد الزمن، هذه النّفْس التي كانت متعة الثالوث الأقدس الذي تَحَرَّق شوقاً ليزيّنها بمواهبه ليجعل منها هِبة لنفسه. أيّتها الكلّية القداسة التي خَلَقَها الله لنفسه، وثمّ لخلاص البشر! بحملكِ المخلّص أضحيتِ أصل الخلاص. أيّتها الجنّة الحيّة، بابتسامتكِ بدأتِ تقديس الأرض. النّفْس التي خُلِقَت لتكون نَفْس أُمّ الله! عندما انبثقت شرارة الحياة هذه بارتعاشة الحبّ الثلاثيّ المضطرمة جدّاً، اختَبَر الملائكة فرحاً غير عاديّ، إذ لم يكن الفردوس قد رأى نوراً أكثر توقّداً... كوريقات زهرة سماويّة، وريقات غير ماديّة وثمّينة بدت مثل جوهرة وشعلة، والتي كانت نفحة مِن الله نزلَت لتحيي جسداً بشكل مختلف عن الآخرين، التي نزلَت تتوهّج بشدّة لم تستطع معها الخطيئة أن تمسّها، فاجتازت المسافات واستقرّت في أحشاء مقدّسة.
أصبحَت للأرض زهرتها، دون علمها، الزهرة الحقيقيّة، الزهرة الوحيدة ذات التفتّح الأبديّ: زنبق وورد وبنفسج وياسمين ودوار شمس، جميعها منصهرة معاً، ومعها كلّ زهور الأرض، في زهرة واحدة، مريم، التي فيها تتّحد كلّ الفضائل وكلّ النِّعم. في نيسان (أبريل) بدت أرض فلسطين كبستان كبير حيث أضحت العطور والألوان هبة رائعة لقلوب البشر. ولكنّ الوردة الأجمل والأبهى كانت ما تزال مجهولة، كانت ما تزال تتفتّح لله في سرّ الأحشاء الوالديّ، فقد كان الحبّ يملأ قلب أُمّي منذ اللحظة الأولى للحَبَل بها. إنّها فقط اللحظة التي أعطت فيها الكرمة دمها ليُصنَع منه الخمر، وعندما ملأ عصير العنب الحلو والقويّ الأجواء والأنوف ابتَسَمَت، لله أولاً، ثمّ للبشر، قائلة بهذه الابتسامة فائقة الوصف: "ها هي الكرمة التي سَتَطرَح العنقود المعدّ للعصر ليصبح الدواء الأزليّ لآلامكم، ها هي ذي، إنّها بينكم".
لقد قُلتُ: "ملأ الحبّ قلب مريم منذ اللحظة الأولى للحَبَل بها". مَن ذا الذي يمنح النّفْس النور والمعرفة؟ إنّها النعمة. ومَن يجعلهما يختفيان؟ الخطيئة الأصليّة والخطيئة المميتة.
مريم الخالية مِن كلّ عيب لم تغب أبداً عن ذاكرة الله، عن جواره وحبّه ونوره وحكمته. لقد اسـتطاعت إذن أن تُدرِك وتحبّ عندما لم تكن سوى جسد يتشكل حول روح طاهرة نزيهة استمرّت في الحبّ.
فيما بعد، سوف أجعلكِ تتأمّلين بالروح أغوار البتوليّة في مريم. ستختبرين في ذلك دُواراً سماويّاً، كما عندما جعلتُكِ تتأمّلين أزليّتنا. الآن لاحظي كيف أنّ حَمْل خليقة "خالية مِن كلّ عيب يسبّب ابتعادها عن الله" في الأحشاء، يمكنه أن يمنح الأُمّ التي حَبلَت بها طبيعيّاً فقط وبشريّاً، ذكاءً فائقاً، وفعليّاً نبوّة. إنّها نبوّة ابنتها التي أعلنَتها "ابنة الله".
تخيّلي كيف كانت ستبقى حالة الأبوين الأوّلين النقيّين لو كان وُلِد لهما أبناء أنقياء حسب مشيئة الله. انظروا أيّها الناس الذين تدّعون الطموح إلى الكمال وأنتم برذائلكم تتوجّهون إلى الشيطان، هناك وسيلة قائمة للوصول إلى الكمال: معرفة الإفلات مِن سيطرة الشيطان المشؤومة لِتَدَعوا لله أمر تنظيم الحياة والمعرفة والخير دون الرغبة في شيء آخر غير الذي أعطاكموه الله -وكان هذا أقلّ قليلاً مِن اللانهاية- لتتمكّنوا مِن التوالد والنموّ باستمرار نحو الكمال، أبناء بشراً بالجسد وأولاد فطنة بالروح، يعني منتصرين وقادرين، يعني عمالقة في مواجهة الشيطان الذي كان سيبقى مسمّراً في الأرض آلاف القرون قبل الساعة التي سيصبح فيها هكذا، ومعه كلّ الشرّ الكامن فيه.