ج4 - ف119

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الأول

 

119- (يسوع يتحدّث عن الرّجاء)

 

18 / 08 / 1945

 

يُشاهِدهم بعض الكرّامين المارّين في البستان، حامِلين سِلالاً مملوءة عنباً كالذهب، كما لو أنّه مصنوع مِن العنبر، فيَجِد الرُّسُل أنفسهم مَحطَّ طرح الأسئلة:

 

«هل أنتم مُسافِرون أم غرباء؟»

 

«نحن جليليّون ونمضي إلى الكرمل.» يُجيب يعقوب بن زَبْدي نيابة عن الجميع، وهو مع رفاقه الصيّادين، يُحرِّكون سيقانهم، مُحاوَلة منهم في التغلُّب على بقيّة من وَسَن. يَنهَض الاسخريوطيّ ومتّى مِن على العشب الذي كانا قد تمدَّدا عليه، بينما الأكبر سنّاً ما يزالون نِياماً تَعِبين. ويسوع يتحدّث إلى يوحنّا الذي مِن عين دور وهرمست، بينما تَجلس مريم ومريم التي لحلفى قريبتين منهم، إنّما بصمت.

 

ويقول الكَرَّامون: «هل أنتم آتون مِن بعيد؟»

 

«القيصريّة كانت آخر محطّة لنا. وقبل ذلك كنّا في سيكامينون [حيفا]، بل أبعَد منها كذلك، ونحن قادمون مِن كفرناحوم.»

 

«آه! يا لها مِن طريق طويلة في مثل هذا الفصل! ولكن لماذا لا تأتون إلى بيتنا؟ إنّه هناك، هل تَرَونَه؟ فنقدّم لكم الماء البارد ليريح أعضائكم، وبعض الطعام الريفيّ، إنّما اللذيذ. تعالوا، هيّا بنا الآن.»

 

«إنّنا على وشك الذهاب. على كلّ حال جزاكم الله كلّ خير.»

 

«لن يَهرُب الكرمل على عربة مِن نار مثل نبيّه.» يقول فلّاح شِبه جادّ.

 

«لَم تَعُد تأتي عربات مِن السماء لِتَنقُل الأنبياء. لَم يَعُد أنبياء في إسرائيل. يُقال إن يوحنّا قد مات.» يقول فلّاح آخر.

 

«ماتَ؟ منذ متى؟»

 

«هذا ما قاله لنا أُناس أتوا مِن خلف الأردن. هل كنتم تُجِلّونه؟»

 

«كُنّا تلاميذه.»

 

«لماذا تركتموه؟»

 

«لِنَتبَع حَمَل الله، المسيح الذي بَشَّر به هو. فهو الباقي في إسرائيل، يا رجال. ويجب أن يأتي ما هو أفضل مِن عربة مِن نار لنقله إلى السماء بإجلال! ألستم تؤمنون بالمسيح؟»

 

«بلى، إنّنا نؤمن به! ولقد قرّرنا أن نَمضي بعد الجّني للبحث عنه. يُقال إنّه حريص على طاعة الشريعة، وإنّه يذهب إلى الهيكل في أيّام الاحتفالات المقرَّرة. سنذهب عما قريب إلى عيد المظالّ، وسنكون في الهيكل طوال الوقت لِرُؤيته. وإذا لم نَجِده فسنمضي جادّين في البحث عنه حتّى نَجِده. وأنتم، يا مَن تَعرِفونه، قولوا لنا: هل صحيح أنّه يُمضِي معظم وقته في كفرناحوم؟ هل صحيح أنّه شابّ طويل، شاحب، أشقر، وأنّ له صوتاً مُختَلِفاً عن صوت كلّ الناس، يَمسّ القلوب، وتَسمَعه الحيوانات والنباتات؟»

 

«كلّ القلوب عدا قلوب الفرّيسيّين. فقد أضحوا أكثر شراسة.»

 

«هُم ليسوا حتّى حيوانات. إنّهم شياطين، بما فيهم جَمَلا (Gamala) الذي أحمل اسمه. إنّما قولوا: هل صحيح أنّه هكذا، وأنّه طيّب لدرجة أنّه يتحدّث إلى جميع الناس، يُعزّي كلّ الناس، يَشفي الأمراض ويَردّ الخَطَأَة؟»

 

«هل تُصدِّقون ذلك أنتم؟»

 

«نعم، ولكنّنا نودّ معرفة ذلك منكم أنتم، يا مَن تتبعونه. آه! لو تَقودُوننا إليه!»

 

«ولكن أليست الكروم في حاجة إلى رعايتكم؟»

 

«ولدينا نَفْسنا أيضاً، وهي تحتاج إلى العناية، وهي أهمّ مِن الكروم. هل هو في كفرناحوم؟ فَبِخُطى حثيثة يمكننا الذهاب والعودة خلال عشرة أيام...»

 

«إنَّ مَن تبحثون عنه موجود هنا. وهو يأخذ قسطاً مِن الراحة في بستانكم، وفي هذه الآونة هو يتحدّث إلى ذاك العجوز وذاك الشاب، وإلى جانبه أُمّه وأُخت أُمّه.»

 

«ذاك!... آه!... ما العمل؟»

 

ويَظلّون مُسَمَّرين مِن الدهشة. وكلّهم بصر لينظروا إليه. وحيويّتهم كلّها تتركّز في أحداقهم.

 

«حسناً! كنتم تتمنّون رؤيته، والآن أما عُدتُم تتحرّكون؟ هل أَصبَحتم تماثيل مِلح؟» بطرس يمازحهم.

 

«لا... ذلك أنّ... ولكن هل مَسيّا بسيط؟»

 

«ولكن ماذا كنتم تريدونه أن يكون؟ جالساً على عرش لامِع، ومُتدثِّراً مِعطفاً مُلوكيّاً؟ هل تظنّونه أسويروس (Assuerus) جديد؟»

 

«لا. ولكن... بَسيط إلى هذه الدرجة، وهو القدّيس العظيم!»

 

«إنّه بسيط لأنّه قدّيس. حسناً، لنفعل هذا... يا معلّم!، تعال هنا لِتَجتَرِح معجزة. فهنا أناس يبحثون عنكَ، ورؤيتهم إيّاكَ سَمَّرتهم في مكانهم. فتعال لِتُعيد إليهم الحركة والنّطق.

 

ويسوع، الذي التَفَتَ لدى سماعه مَن يناديه، يَنهَض مبتسماً، ويُقبِل إلى الكَرّامين الذين يَنظُرون إليه مَذهولين، لدرجة بَدوا فيها مَذعورين.

 

«السلام لكم. هل كنتم تَطلبونني؟ ها أنذا.» ويقوم بحركته المعهودة التي هي فتح ذراعيه ومدّهما إلى الأمام قليلاً، كما لِيَهِب ذاته. ويجثو الكَرّامون ويَبقون صامتين.

 

«لا تخافوا. قولوا لي ماذا تُريدون.»

 

دون أن يَنبسوا ببنت شَفة، يَمدّون سلالاً مليئة عنباً. ويَمتَدِح يسوع الثّمار الرائعة قائلاً: «شكراً». ويمدّ يده ويتناول عنقوداً ويبدأ بأكل حبّاته.

 

«يا الله تعالى! إنّه يأكل مِثلنا!» يقول المدعوّ جَمَلا وهو يَشهَق.

 

مِن غير الممكن عدم الضحك على هكذا ردَّة فِعل. فحتّى يسوع تَرتَسِم على شفاهه ابتسامة أكثر تعبيراً. وكأنّه كان يَعتَذِر، ويقول: «أنا ابن الإنسان.»

 

ولكنّ حَرَكَته قد تغلَّبَت على خَدَرهم الانتشائي. ويقول جَمَلا: «ألا تَدخُل إلى بيتنا، أقلّه حتّى المساء؟ فنحن كثيروا العدد، نحن سبعة إخوة مع نسائنا وأولادنا، وفوق ذلك، أهلنا الـمُسِنّون الذين ينتظرون الموت بسكون.»

 

«هيّا بنا. وأنتم نادوا رفاقكم والحَقوا بنا. أُمّاه، تعالي أنتِ ومريم.»

 

ويَسير يسوع خَلفَ الفلّاحين الذين نَهَضوا، وهُم يَسيرون بانحراف قليل لِيَرَوه يسير. الدرب ضَيّق بين جذوع الأشجار المترابطة، الواحدة بالأخرى، بواسطة الكُروم.

 

أسْرَعوا في الوصول إلى البيت، الذي هو بالحري بيوت عِدّة تُشكِّل مربّعاً صغيراً، في وسطه دار مشتركة فيها بئر، يمكن الوصول إليها عَبْر دهليز طويل، يُغلَق ليلاً بالتأكيد بإقفال بوابات ثقيلة.

 

«السلام لهذا البيت ولساكنيه.» يقول يسوع وهو يَدخُل ويَرفَع يده للمُباركة. ثمّ يَخفضها لِمُداعبة طفل نصف عار بحبّ، وهو يُحدِّق إليه بنظرة انتشائيّة. إنّه ظريف جدّاً بقميصه الصغير دون أكمام، وهو يتدلّى على كتفيه الربيلين، بينما يقف الطفل على قدميه العاريتين وإصبعه في فمه، وفي يده الصغيرة الأخرى كِسرة خبز مبلّلة بالزيت.

 

«إنّه داود، ابن أخي الصغير.» يَشرَح جَمَلا، بينما يَدخُل كَرّام آخر إلى أقرب بيت لِيُخطِرهم. ثمّ يَخرُج منه لِيَدخُل إلى آخر، وهكذا كلّ البيوت، جاعلاً وجوهاً مِن كلّ الأعمار تَحضُر ثمّ تَنسَحِب، لِتَعود بعد تزيّن جزئيّ. وفي ظلّ إفريز بارز، تَقيه تينة عملاقة، هناك عجوز، عكّازه في يده، لا يَرفَع رأسه، كما لو أنّ شيئاً لم يكن يهمّه.

 

«هو والدنا» يَشرَح جَمَلا، «أحد عجائز البيت. ذلك أنّ زوجة يعقوب كذلك جَلَبَت أباها الذي أَصبَحَ وحيداً إلى هنا. ثمّ هناك جدّة ليا، الزوجة الأصغر سنّاً. ووالِدنا أعمى. لقد تَشكَّلَت وَدَقةٌ على حدقتيه. كَم مِن الشمس على الحقول! وكَم مِن الحَرّ على الأرض! ووالدنا المسكين حزين جدّاً، ولكنّه طيّب جدّاً. وهو في هذه الآونة ينتظر أحفاده، لأنّهم فَرَحه الوحيد.»

 

يتوجّه يسوع إلى العجوز: «بارككَ الله يا أبتاه.»

 

«أيّاً تكون، فَليُعِد الله إليكَ بركتكَ.» يُجيب العجوز رافعاً رأسه صوب الصوت.

 

«مصيركَ مؤلِم، أليس كذلك؟» يَسأَل يسوع بلطف، ويُشير إلى عدم الإفصاح عَمَّن يتكلّم.

 

«إنّه مِن لَدُنْ الله، بَعد خَير كثير أعطانيه في حياتي الطويلة. فكَما تقبَّلتُ الخير مِن الله، عليَّ كذلك تَقبُّل مُصيبة نَظَري. وهو، في النهاية، ليس أبديّاً، فسينتهي على صدر إبراهيم.»

 

«إنّكَ تُجيد التَّحدُّث. ومصيركَ كان أسوأ لو أنَّ نفسكَ عمياء.»

 

«لقد حاولتُ، وما زلتُ أُحاوِل المحافظة على بَصيرتها.»

 

«ماذا فعلتَ؟»

 

«أنتَ، يا مَن تتكلّم، شاب؛ صوتكَ ينبئني بذلك. أَوَلست مِثل شباب هذه الأيام، العُميان كلّهم، لأنّهم بِلا دِين؟ في الحقيقة مُصيبة عظيمة هو عَدم الإيمان، وعدم فِعل ما أوصَى به الله. ومَن يقول لكَ ذلك عجوز هو. وأنتَ إذا ما أهملتَ الشريعة فسوف تُصبِح أعمى على الأرض وفي الحياة الأخرى. ولن ترى الله. إذ، بكلّ تأكيد، سيأتي اليوم الذي فيه يَفتَح مَسيّا الفادي أبواب الله. إنّني عجوز، وقد لا أرى ذلك اليوم على الأرض، ولكنّني سوف أراه مِن حضن إبراهيم. وإنّني كذلك لا أشتكي مِن شيء، ذلك أنّني أرجو أن أُسدِّد بهذه الظُّلمة ثَمَن إساءاتي تجاه الله، وأن أستحقّه للحياة الأبديّة. أمّا أنتَ، فإنّكَ شاب. كُن مؤمناً يا بنيّ، لتتمكّن مِن رؤية مَسيّا، فالوقت قريب. هذا ما قاله المعمدان. وسوف تَراه. أمّا إذا كانت نفسكَ عمياء، فستكون كالذين تحدَّثَ عنهم إشَعياء. ستكون لكَ عينان ولا تَرى.»

 

«هل تودّ رؤيته أيّها الأب؟» يَسأَله يسوع وهو يَضع يده على رأسه الأبيض.

 

«أودُّ رؤيته. نعم. ولكنّني، مع ذلك، أُفضِّل الذهاب دون رؤيته على أن أراه وأرى أبنائي وقد فَشِلوا في التَّعرف عليه. فأنا ما زال لديَّ الإيمان القديم، وهو يكفيني. وهُم... آه! عالَم اليوم!...»

 

«أيّها الأب، شَاهِد إذن المسيح، وليكن مساؤكَ مكلّلاً بالفرح.» ويمرّر يسوع يده في الشعر الأبيض وعلى الجبهة، وحتّى ذقن ولحية العجوز ليلاطفه، وفي الوقت ذاته، ينحني ليكون على مستوى وجه الهَرِم.

 

«آه! أيّها الربّ تعالى! ولكنّني أرى! أرى... مَن تكون يا ذا الوجه المجهول، إنّما المألوف، كما لو أنّني رأيتكَ مِن قبل؟... ولكن!... آه! يا لي مِن أبله! أنتَ مَن أعدتَ لي نَظَري، فأنتَ مَسيّا المبارك! آه! آه!» ويبكي العجوز على يديّ يسوع اللتين أمسَكَ بهما، مُفعِماً إيّاهما لَثمَاً ودموعاً. وقد بدا التأثُّر على ذَويه كلّهم.

 

يُحرّر يسوع إحدى يديه، ويُلاطِف العجوز قائلاً: «نعم، هذا أنا. تعال حتّى تتعرّف على كلمتي علاوة على وجهي.» ويتوجّه صوب سُلّم يُفضي إلى شُرفة تُظلّلها تعريشة كثيفة تغطّيها بالكامل. ويتبعه الجميع.

 

«كنتُ قد وعدتُ تلاميذي بالحديث عن الرجاء، وشرح مَثَل. هاكُم المثل: هذا العجوز الإسرائيليّ. والآب السماوي هو الذي يجعلني أستخلص منه الموضوع، لتعليمكم جميعاً الفضيلة العُظمى التي تُثبِّت الإيمان والمحبّة، كذراعيّ نِير.

 

إنّه نِير مُفعَم لُطفاً ولِيناً. مِشبَك الإنسانيّة، كَذِراع الصليب المعترض، عَرش المجد، كَدَعامة الحيّة السلاميّة المنتصِبة في البرّيّة. مِشبَك الإنسانيّة. جِسر النَّفْس الذي يجعل تحليقها في النور حرّاً، وهي في الوسط، بين الإيمان الذي لا بدّ منه، والمحبّة التامّة للغاية، إذ لا يمكن أن يكون للإيمان وجود دون الرجاء، وبدون الرجاء تموت المحبّة.

 

الإيمان يَفتَرِض مُسبقاً رجاء مُفعَماً يقيناً. كيف الوصول إلى الله بالإيمان إذا لم نكن نأمل ونرجو صلاحه؟ كيف يمكن إيجاد نقطة استناد في الحياة، إذا لم يكن رجاء بأبديّة؟ كيف يمكن المثابرة في الاستقامة إذا لم يكن ما يُحرّك المرء هو الرّجاء بأنّ كلّ عمل مِن أعمالنا الصالحة يراه الله ويُكافئنا عليه؟ وبالطريقة ذاتها، كيف يمكن للمرء أن يعيش المحبّة إذا لم يكن فيه الرجاء؟ فالرجاء يَسبق المحبّة ويهيّئها. والإنسان يحتاج إلى الرّجاء ليتمكّن مِن الحبّ. فاليائِسون لا يَعودُون يحبّون. ذاك هو السلّم المصنوع مِن قوائم ودَرَجات. الإيمان هو الدَّرجات، والرجاء القوائم، وفي القمّة تتربع المحبّة التّي يتمّ الصعود إليها بواسطة الإثنين الآخرين. فالإنسان يرجو كي يؤمن، ويؤمن كي يحبّ.

 

هذا الرجل عَرَفَ أن يرجو. منذ ولادته، كان طفلاً لإسرائيل مثل كلّ الآخرين. نما مع التعاليم ذاتها التي رافَقَت الآخرين. أَصبَحَ ابناً للشريعة مثل كلّ الآخرين. وقد أَصبَحَ رجلاً ثمّ زوجاً فأباً فعجوزاً، راجياً على الدوام الوعود التي قَطَعَها الأحبار وردَّدَها الأنبياء. وفي شيخوخته هَبَطَت الظّلال على قرنيّتيه، إنّما ليس في قلبه. وظلّ الرجاء متأجّجاً فيه. الرجاء برؤية الله، رؤية الله في الحياة الأُخرى. وفي رجاء تلك الرؤية الأبديّة، رجاء ودّي أكثر، وعزيز على قلبه أكثر: "رؤية مَسيّا". وقد قال لي، دون معرفته الشاب الذي كان يُحدِّثه: "إذا تخلَّيتَ عن الشريعة، فستكون أعمى على الأرض وفي السماء. فلن تَرى الله ولن تتعرّف على مَسيّا".

 

لقد تحدَّثَ بحكمة. فكثيرون في إسرائيل هُم الآن عميان. ليس لديهم الرّجاء، لأنّ التمرّد على الشريعة قَتَلَه فيهم. والتمرّد يبقى تمرّداً دائماً، حتّى لو تخفَّى تحت زِينات قدسيّة، إذا لم يكن قبولاً تامّاً لكلمة الله، أقول كلمة الله، فأنا لستُ أتكلّم عن البُنيات الفوقيّة (الشرائع والأحكام المعقَّدة) التي هي مِن صنع الإنسان، والتي لكثرتها، وإغراقها في الأَنسَنة، هي مهملة حتّى مِن قِبَل أولئك الذين وَضَعوها، ومتّبعة بشكل آليّ، بالقوّة وبإنهاك وبشكل عَقيم مِن قِبَل الآخرين. لَم يَعُد لديهم رجاء، بَل هُم يَسخَرون مِن الحقائق الأزليّة، فلم يَعُد لديهم إذن إيمان ولا محبّة. النِّير الإلهيّ الـمُلقى على عاتق الإنسان لِيُطيع ويُكافأ، الصليب السماوي الذي وَهَبَه الله للإنسان لحمايته مِن ثعابين الشرّ، واستخلاص المجد منه، قد فَقَدَ ذراعه العرضيّة، التي كانت تَحمل الشُّعلة البيضاء والشُّعلة الحمراء: الإيمان والمحبّة. وخَيَّمَت الظلمات في قلوبهم.

 

قال لي العجوز: "إنّها لَمُصيبة عظيمة عدم الإيمان وعدم القيام بما أوصى به الله".

 

وهي الحقيقة. أؤكّد لكم ذلك. إنّه أسوأ مِن العَمى المادّيّ الذي ما زال شفاؤه ممكناً، لِيَمنَح مستقيم القلب فَرَح رؤية الشمس مِن جديد، ورؤية الحقول وثمار الأرض ووجوه الأولاد والأحفاد، وفوق كلّ ذلك، ما كان أمل رجائه: "رؤية مسيح الربّ". أودُّ لو أنّ فضيلة كهذه تكون حيّة فاعلة في نَفْس إسرائيل كلّها، خاصّة لدى أولئك المثقَّفين في الشريعة أكثر مِن سِواهم. فلا يكفي الذهاب إلى الهيكل، لا يكفي أن يُحفَظ كلام الكِتاب عن ظَهر قَلب؛ بل يجب أن نَصنَع من ذلك حياة حياتنا، بواسطة الفضائل الإلهيّة الثلاث.

 

لديكم مِثال: حيث توجد الفضائل فَاعِلة، يَسهُل تَحمُّل كلّ شيء، حتّى المصيبة. إذ إنّ نِير الله نِير خفيف هو على الدوام، وثِقله على الجسد فقط، ولا يصيب الروح. امضوا بسلام، أنتم يا مَن تُقيمون في بيت الإسرائيليّين الصالحين هذا. امضِ بسلام أيّها الأب العجوز. وليحبّكَ الله، فأنتَ على يقين مِن ذلك. اختُم نهار الاستقامة بأن تَضَع الحكمة في قلب الصغار الذين مِن دمكَ.

 

لا يمكنني المكوث، ولكنّ بركتي تُقيم في هذه الجُّدران، الغنيّة بالنِّعَم مثل عناقيد تلك الكرمة.»

 

يودّ يسوع الذهاب، ولكنّه يضطرّ للبقاء ريثما يتعرّف على تلك العشيرة مِن كلّ الأعمار، ويتلقّى كلّ ما يَودّون إعطاءه إيّاه، حتّى أَصبَحَت حقائب السفر بَطينة مثل القُرَب... يتمكّن بعد ذلك مِن معاودة المسير عَبْر طريق مُختَصَرة بين الكروم، يشير إليها الكرّامون الذين لا يتركونه حتّى بلوغ الطريق الرئيسيّة الظاهرة الآن في بلدة يمكن ليسوع وأتباعه المبيت فيها.