الدفاتر: 24 / 06 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(24 / 06 / 1943)
يقول يسوع:
«الآن تدركين ما كنتُ أبغي قوله لكِ مِن هذا التنويه للكتاب المقدّس وما علاقته بكِ (تفسير ذلك في نهاية الإملاء). تدركين لماذا قلتُ إنّ هذا بمثابة ’حوريب لكِ صغير لما قبل وما بعد‘. إنّها جملة شغلت فكركِ لأيّام عديدة، ولجهلكِ فيما يتعلّق بالكتاب المقدّس، لم تكوني تتوصّلين إلى التفسير. وأدركتِ كذلك لماذا، منذ صباح الأمس، أهمس لكِ أنّ ما فعلتِه لزمن طويل هو ما فعله قديماً خادمي ونبيّي القديم. لن تنسي أبداً الحدث بسبب المعاناة الّتي سبّبها لكِ البحث عن النصّ الـمَرجِع.
عندما أطاع الأب (ميغليوريني) لوحيي -ذلك أنّ كلّ ما هو خير للنفوس يتمّ بفضل وحيي- وجلب لكِ الكتاب المقدّس كي تبحثي، كان بإمكاني القول لكِ أين النصّ الّذي كنتُ أستشهد به. إنّما لكان ذلك سهلاً كثيراً. لقد أردتُكِ أن تجديه بنفسكِ لتقتنعي دائماً أكثر بأنّ ذلك ليس خديعة، بل الحقيقة ذاتها.
أنتِ مرتابة كثيراً! كان عليّ أن أقودكِ بتمهّل، بتمهّل شديد إلى النقطة الّتي وصلتِ إليها الآن، لأنّكِ كنتِ تكابرين، خوفاً، مثل عنزة صغيرة حرونة. لأجل ذلك أجبتُ على صلاتكِ في الأمس بتلك العبارات. ألا تعتقدين أنّه يمكن أن يحصل ذلك بهذه الطريقة؟
نعم. البشر يتمتّعون بالشجاعة لضربي. إنّما ليس للمجيء إلى القرب منّي، منجذبين بحبّي. إنّهم يؤمنون بشكل أعمى بالشرّ وبأمير الشرّ. فهو، يتبعونه دون خوف، ما أن يتجلّى تحت أحد أشكاله اللانهائيّة وبأسماء لانهائيّة. ولكنّهم لا يؤمنون، أو يؤمنون بشكل سيّئ للغاية، بالخير وبإله الخير، ويهربون أمام تجلّياته. فهم مغلّفون بالخطأ ويقلّدون آدم عندما اختبأ مِن الخالق بعدما ارتكب الخطيئة في جنّة عدن.
لأجل عدم الشعور بالخوف مِن صوتي ومِن وجهي، يجب أن تكون النَّفْس خالية مِن الخطايا الجسيمة. النقائص لا تمنع وجود هذا القليل مِن الشجاعة بعد الّتي تسمح لكم بسماع كلمتي دون أن يُغمى عليكم. لو كان استحقاقكم لها يتطلّب أن تكونوا دون نقيصة، فما كان أحد مِن الفانين ليسمعها، ما خلا أُمّي.
أترين؟ لقد توجّب عليكِ في البدء اجتياز عمليّة إعادة بناء حقيقيّة وإصلاح روحيّ أقوده أنا، بمساعدتكِ، كي تتوصّلي إلى استحقاق وتحمّل كلمتي وحضوري. هذا منطقيّ. فالخطيئة، حتّى العرضيّة منها، تعني القربى مع الشيطان. وحيث يكون هناك شيطان لا يمكن أن يكون الله.
بإمكاني إرهاب الخطأة برؤيا مريعة أظهر فيها الله الغاضب الّذي يدين ويعاقب. وقد فعلتُ ذلك في بعض الأحيان لأجتاح قلوباً معيّنة كنتُ أريدها حقّاً لي ولم يكن بالإمكان كسبها إلاّ بهذه الوسيلة. ولكنّها حالات نادرة.
أُفضّل الجذب بالحبّ. إنّما الحبّ لا يستشعره مَن هو على علاقة حبّ مُدان مع الشيطان. هوذا لماذا لا أُظهِر للجموع وجهي كليّ الحبّ. إنّني أحتفظ به للّذين يحبّونني مانحاً إيّاهم مهمّة التحدّث للأكثر صمّاً مردّدين كلمتي، طالباً منهم أن يصبحوا نسخاً مصغّرة عنّي: محبّة وفداء، محبّين وضحايا.
في يوم، سآتي مِن أجل الجميع. في اليوم الأخير. ولكن فقط الّذين لهم نفوس مُطَهَّرة بحياة مفعمة بالحبّ يمكنهم التحمّل، دون السقوط في الهاوية، وجهي، نظرتي، صوتي الّذي دوّيه سوف يقلب السماوات رأساً على عقب ويجعل الأعماق ترتعد.»
الآن أنا أشرح، وإلاّ فحضرتكَ لن تفهم شيئاً مِن ذلك.
منذ عشرة أيّام أو أكثر قليلاً، بينما كنتُ شبه نائمة وأفكّر بالربّ، سمعتُ الصوت المحبوب والمعبود يقول لي: ’أنتِ على مثال حوريبكِ الصغير. تذكّري ذلك.‘ منذ ذلك الحين، كنتُ مرات عديدة أسمع هذه الجملة تتردّد، لي وحدي: "هذا هو حوريبكِ الصغير لما قبل وما بعد."
لقد أرهقتُ عقلي لأبعد الحدود كي أعتصر منه إيضاح تاريخي أو جغرافي، ولم أجد شيئاً. كنتُ أريد أن أسألكَ عن ذلك، لأنّني أدركتُ أنّه أمر يتعلّق بالكتاب المقدّس كما هي مسألة الأبرار العشرة (فقرة 11 / 06). ولكن ها إنّني في اللحظة الّتي كنتُ قد قرّرتُ أن أسألكَ عن الأمر، حملتَ لي الكتاب المقدّس. قلتُ لنفسي، آه! حسناً جدّاً. سأتمكّن مِن إيجاد ضالّتي. وشرعتُ بالقراءة بطول أناة، مقرّرة القراءة مِن الكلمة الأولى حتّى الأخيرة. ولكنّني، وقتها، لم أجد شيئاً.
صباح الأمس، بعدما قمتُ بكتابة كلمات يسوع، ووصف الرؤيا بكلماتي أنا، تلوتُ هذه الصلاة: "أيا يسوع، لماذا لا تُظهِر للجميع كم أنتَ إلهيّ البهاء وإلهيّ الصلاح؟ لو أن الناس يرونكَ كما أنا أراكَ، لما كان بمقدورهم ألّا يفهموا صلاحكَ اللامتناهي وأن يحبّونكَ حبّاً يجعلهم صالحين. مرتا تودّ أن تُظهِر وجهكَ الغاضب للإخافة. أنا على العكس، أسألكَ أن تُظهِر وجهكَ المحبّ لكسب النّفوس كما كَسَبتَ نفسي."
وأجاب يسوع: "لا فائدة مِن ذلك. فالحبّ غير مفهوم. لو كنتُ ظهرتُ هكذا، لكان قد سخر البعض منّي وهرب البعض الآخر. ألم تفعلي ذلك أنتِ؟ لقد هربتِ منّي لسنوات وسنوات. ومع ذلك كنتُ أظهر لكِ دائماً مُكتسياً حبّي في الأحلام والإلهامات. وخلال سنوات أخرى لطالما كنتِ تخافين مِن تجلّياتي، وعندما كنتُ أقترب، كنتِ تفعلين مثل خادمي ونبيّي القديم: كنتِ تخفين وجهكِ لكي لا ترينني. كان لا بدّ لي مِن أن أهيّئكِ بصبر لامتناه، وحتّى الآن، في العمق، تخافين قليلاً مِن أن يكون ذلك توهّماً، رغم أنّكِ تمتلكين سلامي! ففكّري بما الّذي سيفعله الّذين ليس لهم سلامي، بل الحرب الشيطانيّة في القلب..."
عندما سمعتُ ذلك قلتُ لنفسي: هنا يجب حتماً البحث عمّن كان ذلك الخادم والنبيّ وما كان حوريب. وأمس مساء، كرّستُ نفسي لرحلة في الكتاب المقدّس.
بحثتُ في الأنبياء. لا شيء. وجدتُ اسم حوريب وأدركتُ أنّ الأمر يتعلّق بجبل. ولكنّ ذلك كان قليلاً جدّاً. قرأتُ ما بعد ذلك، وعدتُ إلى ما قبله؛ كاد ينفجر رأسي ولم أكن أجد شيئاً. لقد دوّت صفّارات الإنذار: وأنا، بعدما صلّيتُ مِن أجل ضحايا القصف، استأنفتُ التفتيش في الكتاب المقدّس. ما كنتُ لأجد شيئاً. بالتأكيد! كنتُ قد بدأتُ مِن يشوع فصاعداً، فبفعل جهلي الهائل، كنتُ مقتنعةً أنّ موسى لم يكن له علاقة بالأمر و... تجاهلته.
بما أنّني لم أكن أجد شيئاً البتّة، توسّلتُ الروح القدس أن يجعلني أجد ضالّتي. كنتُ قد قرّرتُ أن أعرف في تلك الليلة حتّى ولو استمرّيتُ حتّى صباح الغد وأنا أقلب صفحات الكتاب المقدّس. والروح القدس قال لي: "اقرأي سفر الخروج". وجدته في الحال. كنتُ قريبة، لأنّني كنتُ في نهاية سفر التكوين، وكنتُ سأمضي للبحث قُدُماً! الآن أعلم وأنا مسرورة. مَن كان يتصوّر أنّ حوريب هو سيناء؟ في غبائي، كنتُ أعلم أنّ موسى كان قد ذهب إلى سيناء ولذلك كنتُ أقول لنفسي إنّ موسى لا علاقة له بالأمر.
هاكم لماذا قال يسوع إنّ هذا هو حوريبي الصغير لما قبل وما بعد وإنّني أشبه خادمه ونبيّه. بالفعل هنا سمعتُ صوت الله، بالفعل، لقد تبعتُه دون التفكير بالله، متّبعةً طريقاً شائعة، مثل موسى خلف قطيعه؛ بالفعل، عندما كنتُ لا أتوقّع الأمر، وقتها تلقّيتُ كلمات يسوع و... سترتُ وجهي لأنّني لم أكن أجرؤ على النّظر إليه. أمّا الآن، فقد تعلّمتُ كيف أنظر إليه. لقد عَوَّدني على ذلك. وأعود عن طيب خاطر إلى حوريب. هاكم شرحي.
شكراً أيّها الأب، لإعطائي الفرصة لقراءة الكتاب المقدّس. هذا يجعلني أقلّ غباءً وسأفهم بشكل أفضل.
يقول يسوع أيضاً (اليوم 24 / 06):
«أيضاً اليوم، الذي هو عيد جسدي الإلهيّ، ضربني الشيطان في كنائسي وفي أولادي. فلا أمرّ منتصراً، قرباناً للسلام، عبر مناطقكم، على سجّادات مِن زهور، وسط هتافات الهوشعنا. بل أسقط وسط الأنقاض، في ضجيج جهنّم الكراهية ضدّ المحبّة، الهائجة بكلّ قوّتها.
زهور اليوم، جسد الربّ لزمن الغضب، هي أولادي الّذين قُتلوا. ومغبوطون منهم الّذين يسقطوا أبرياء والّذين يصبح موتهم المجرّد مِن الحقد جميلاً مثل استشهاد. لا يُرى دمي وسط دم المقتولين. أحتفظ ببياض قرباني المتلألئ. هو دم الآخرين الّذي يلطّخني، مثلما أنّ ضراوة الّذين استُعبِدوا للعدوّ تجرحني وتجرح معي الّذين هم قرابين مثلي، ابتداءً مِن الأعظم بينكم -مستقيم على صليب سرّيّ بين الهيكل والسماء، مجروح، مغطّى بالبصاق، مطعون، مجلود مثل سيّده، بسبب الكذب المباع للعدوّ- وصولاً للطفل الأصغر منكم المذبوح مثل حَمَل بريء. ولكنّ هذه القرابين لم يُضَحَّ بها عبثاً. فليست فيها وصمات الكراهية. إنّهم الضحايا، المغبوطون إلى الأبد لكونهم الضحايا!
إنّ أولادي الأعزّاء بالأكثر، أولادي الحقيقيّون، يحملون علامتي. لقد وسمتُكم جميعاً، أنتم الّذين تحبّونني وأحبّكم. وبأكثر مِن التاج الّذي يكلّله (البابا بيوس 12)، هذه العلامة التي هي مؤشّر إلهيّ على جبهة بطرسي الحاليّ، بابا السلام الّذي لا يحمل في داخله أيّة خميرة للكراهية، وبأكثر مِن كلّ هالة نور، هذه العلامة تتلألأ على رأس الضحايا الّذين يسقطون معي تحت أسلحة الشيطان والّذين هم السابقون لمجيء المسيح الثاني.
وملائكة الكنائس المنكوبة الذين يصلّون، والذين يتعبّدون القرابين المرمية أرضاً، يجمعون النّفوس البريئة التي ستجد دموعها العزاء في السماء»