ج2 - ف25
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
25- (يسوع يصلّي أثناء الليل)
05 / 11 / 1944
أرى يسوع الذي يَخرُج بأقلّ قدر ممكن مِن الجَّلَبَة مِن بيت بطرس في كفرناحوم. وأُدرِك أنّه أمضى الليلة هناك إرضاء لبطرسه.
ما زال الليل حالكاً والسماء مرصّعة بالنجوم التي بالكاد تعكس البحيرة أَلَقها، ويمكن التكهّن بالأحرى بأنّنا لا نميّز هذه البحيرة الساكنة التي ترقد تحت بريق النجوم إلّا مِن خلال خرير المياه الخفيف على الشاطئ.
يَدفَع يسوع الباب ويَنظُر إلى السماء والبحيرة والطريق. يُفَكِّر ثمّ يسير، ليس بمحاذاة البحيرة، بل صوب البلدة. يسير بعض الوقت بذلك الاتّجاه ثمّ يمضي صوب القرية. يَدخُلها، يسير، يتغلغل، يَسلك درباً متّجهاً إلى أولى تموّجات حقل مزروع بالزيتون، يَدخُل في ذلك السلام الأخضر والصامت، وهناك يَسجُد للصلاة.
صلاة حارّة! إنّه يصلّي راكعاً، بعدئذ، وكمن ازدادَت عزيمته، يقف ويصلّي أيضاً، وجهه إلى الأعلى، وجه أكثر روحانيّة أيضاً مع ولادة النور القادم مِن فجر صيفيّ صاح. إنّه الآن يصلّي مبتسماً، بينما كان قبل ذلك يُطلِق زفرات عميقة كأنّه تحت تأثير ألم مميت. يصلّي وذراعاه مفتوحتان فيبدو صليباً حيّاً، سامياً، ملائكيّاً، وذلك على قَدر العذوبة التي تفيض منه. يَظهَر وكأنّه يُبارِك كلّ القرية، والنهار الذي يُولَد والنجوم التي تختفي والبحيرة التي تتكَشَّف.
«يا معلّم، لقد بحثنا عنكَ كثيراً! وَجَدنا الباب الخارجيّ مفتوحاً عندما عُدنا حامِلِين السَّمك وفكّرنا بأنّكَ كنتَ قد خرجتَ. ولكنّنا لم نكن لنجدكَ. أخيراً أعلَمَنا أحد الفلّاحين الذي كان يملأ سلاله لحملها إلى المدينة، وكنّا نناديكَ: "يسوع، يسوع!" فقال لنا: "أتبحثون عن الرابّي الذي يتحدّث إلى الناس؟ لقد مضى عبر هذا الدرب إلى الأعلى صوب الهضبة. ينبغي أن يكون في بستان زيتون ميخا، فهو يذهب إليه غالباً. لقد رأيتُه في مرّات سابقة". ولقد كان محقّاً. لماذا خرجتَ باكراً هكذا يا معلّم؟ لماذا لم تسترح؟ قد يكون السرير غير مريح...»
«لا يا بطرس. لقد كان السرير ممتازاً والغرفة شَرِحَة، إنّما مِن عادتي أن أَخرُج غالباً باكراً لأرفع روحي وأتّحد بالآب. فالصلاة قوّة للذات وللآخرين. يمكن الحصول على كلّ شيء بالصلاة. إنّما الآب لا يَمنَح دائماً النِّعم التي نَطلُب. فيجب ألّا نعتَقِد أنّ ذلك تقصير منه في الحبّ، بل يجب الاعتقاد بأنّ هذا الرفض يُقابِل مخطّطاً ينظّم مصير كلّ إنسان بشكل أفضل. ولكنّ الصلاة تَجلب بشكل أكيد السلام والتوازن اللَّذَين يُساعِدان على مقاومة أمور كثيرة نصطدم بها دون الابتعاد عن درب القداسة. إنّه مِن السهل يا بطرس، وأنتَ تعرف ذلك، أن يقوم كلّ ما يحيط بنا بإظلام روحنا وهزّ قلوبنا؟! وفي ظلام فِكرنا وهزّ القلب، كيف يمكن لله أن يُسمِعنا صوته؟»
«هذا صحيح. ولكنّنا نحن لا نعرف أن نصلّي! لا نعرف أن نقول الكلمات الرائعة التي تقولها أنتَ.»
«قولوا ما تعرفونه، كما تعرفونه. فليست الكلمات بل إنّما المشاعر التي تُرافِقها هي التي تجعل الصلاة مَرضيّة لدى الآب.»
«إنّنا نرغب في أن نصلّي كما تصلّي أنتَ.»
«سوف أُعَلِّمكم الصلاة كذلك. سوف أُلَقِّنكم الصلاة الأكثر قداسة، ولكن لكي لا تكون مجرّد صيغة تافهة على شفاهكم، أريد أن يُصبِح قلبكم مُمتَلِكاً في ذاته الحدّ الأدنى مِن القداسة والنور والحكمة... إنّني أثقّفكم لهذا الهدف. وفيما بعد سوف أُعَلِّمكم الصلاة المقدَّسة. هل كنتم تطلبونني في شيء حتّى بحثتم عنّي؟»
«لا يا معلّم، إنّما هناك أناس كُثُر ينتظرون منكَ الكثير! لقد كانوا ماضين إلى كفرناحوم، وفيهم الفقراء والمرضى والـمُبتَلون وذوو الإرادة الصالحة، وقد كانوا راغبين في التثقّف. ولأنّهم كانـوا يطلبونكَ فقد قلنـا لهم: "المعلّم تَعِب وينام. اذهبوا الآن، وتعالوا السبت القادم".»
«لا يا سمعان. ينبغي ألّا يُقال هذا. فلا يوجد يوم محدّد للرحمة. أنا الحبّ والنور والخلاص كلّ أيام الأسبوع.»
«ولكن... إنّما حتّى الآن لم تتحدّث في غير أيام السبت.»
«ذلك لأنّني كنتُ لا أزال غير معروف. إنّما رويداً رويداً، وكلّما أصبحتُ معروفاً أكثر، سيكون في كلّ يوم دَفق للنِّعَم والموهبة. الحقّ أقول لكَ إنّه سيأتي يوم لن يجد فيه ابن الإنسان وقتاً للراحة والأكل حتّى بمقدار المجال المتاح لعصفور ليرتاح على غصن أو يأكل الحبوب.»
«ولكنّكَ سوف تقع طريح الفراش! ولن نسمح بذلك. فيجب ألّا يجعلكَ صلاحكَ تشقى.»
«وهل تظنّ أنّه يمكن لذلك أن يجعلني أشقى؟ آه! ولكن حتّى ولو أتى العالم كلّه إليَّ ليَسمَعني، ليبكي خطاياه، ويُلقي بألمه على قلبي ليبرأ بقلبه وجسده، ولو أُعييتُ في الحديث إليهم وفي مسامحتهم وفي نشر قُدرتي الخيّرة، فحينئذ أكون الأكثر سعادة يا بطرس. حينئذ لن أتأسّف على السماء، حيث كنتُ في الآب!... مِن أين كان الناس الذين قَدِموا إليَّ؟»
«مِن كورازين وبيت صيدا وكفرناحوم، ومنهم مَن أتى مِن طبريّا وجرجسا، ومِن مئات البلدات الصغيرة المنتشرة بين هذه المدينة وتلك.»
«امضوا وقولوا لهم بأنّني سأكون في كورازين وبيت صيدا والقرى بين هذه وتلك.»
«لماذا ليس في كفرناحوم؟»
«لأنّني للكل، وينبغي أن يكون للجميع حصّة بي، وثمّ هناك إسحاق العجوز الذي ينتظرني... يجب ألّا يَخيب أمله.»
«تنتظرنا هنا إذاً؟»
«لا. بل سأمضي وتبقون أنتم في كفرناحوم لتُرسِلوا إليَّ الجُّموع. ثمّ سأعود.»
«نبقى وحيدين...» يبدو الحزن مسيطراً على بطرس.
«يجب ألّا تحزن. فالطاعة تجعلكَ فَرِحاً، وينبغي لها أن تحملكَ على أن تكون تلميذاً مفيداً. والآخرون كذلك معكَ ومثلكَ.»
يهدأ بطرس وأندراوس مع يعقوب ويوحنا. يباركهم يسوع ويفترقون.
على هذا تنتهي الرؤيا.