ج2 - ف8
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
8- (لقد أحببتُ يوحنّا لطهارته)
25 / 02 / 1944
يقول يسوع:
«الجَّمع الذي التقى بي كان غفيراً، إنّما واحد فقط عَرِفَني. وهو الذي كانت لـه نَفْس وفِكر وجسد طاهِرِين مِن كلّ فجور.
إنّي أُصِرُّ على قيمة الطهارة. فالعفّة هي دائماً مَنبَع صفاء للذهن. البتوليّة تُرهِف ثمّ تصون حساسيّة الذكاء والعواطف إلى درجة مِن الكمال لا يختبرها إلّا مَن ظلّ بَتولاً.
الاستمرار في البتولية يمكن أن يحصل بأساليب مختلفة. قسريّاً، وهذا بشكل خاص لدى النساء، عندما لا يختارهن أحد للزواج. ينبغي أن يكون هذا للرجال كذلك، لكنه غير وارد؛ وهو سيّئ، إذ لا يمكن أن يتأتّى مِن شباب سَبَقَ وتمرَّغَ في الهوى سوى ربّ عائلة مريض في أحاسيسه وغالباً في جسده.
وهناك بتوليّة مبنيّة على رغبة شخصيّة. بتوليّة النفوس المكرَّسة للربّ وفق اندفاع للوفاء. بتوليّة جميلة! تضحية مَرْضيّة لدى الله! ولكنّهم جميعاً لا يعرفون المحافظة على بياض الزنبقة التي تبقى مستقيمة على ساقها المنتصبة صوب السماء، جاهلة وحل الأرض ومُنفَتِحَة فقط على قُبلات سماء الله ونَدَاها. هنالك الكثيرون ممّن لا يحفظون سوى وفاء مادّيّ، إلّا أنّهم كَفَرَة بأفكارهم النادمة والراغبة فيما ضَحَّت به. هؤلاء ليسوا سوى أنصاف بتوليّين. فإذا كان الجسد سليماً فالقلب ليس كذلك. إنّه يَجيش، يَغلي، يَبعَث أبخرة حسّية أكثر رهافة وإدانة مِن بنات الأفكار التي تُداعِب وتَرعَى وتُدَغدِغ تصوّرات الإشباع غير المشروعة بالنسبة للأحرار، وأكثر مِن غير مشروعة بالنسبة لمن نَذَرَ نَذراً.
حينئذ يكون رياء النَّذر. فهناك المظهر ولكنّه يفتقد للواقع. الحقّ أقول لكم إنّه إذا ما أتى أحد إليَّ مع زنبقة أُتلِفَت بإرادة شَرِس، وأتى آخر مع زنبقة سليمة ماديّاً إنّما مُلَطَّخة بإرادتها بطَفَح شهوة جسديّة مُدَغدِغَة يتمّ تعاطيها لإملاء ساعات العُزلة. فالأوّل أسمّيه "بتولاً" وأُنكِر هذه الصفة على الثاني. وأَمنَح الأول الإكليل المضاعَف، إكليل البتوليّة والشهادة، وذلك بسبب جسده الـمَكلوم وقلبه المليء بالجراح بسبب تشويه لم يرضَ به.
إنّ قَدْر الطهارة هو ما جَعَلَ الشيطان يهتمّ أوّلاً بأن يجرّني إلى الفساد (Impureté) كما رأيتِ، وهو يَعلَم جيّداً أن خطيئة الإحساس تُقَوِّض النَّفْس وتجعل منها فريسة سهلة للأخطاء الأخرى. ولقد تَرَكَّزَ وسواس الشيطان على المطلب الرئيسيّ للتغلّب عليَّ.
الخبز والجوع هما مِن الأشكال الماديّة التي ترمز إلى الشهيّة. الشهيّة التي يُفجّرها الشيطان للوصول إلى غاياته. إنّ الغذاء الذي كان يقدّمه لي ليوقعني كالسكران عند قدميه، كان مختلفاً تماماً! بعد ذلك كانت ستأتي: الشراهة، الفضّة، السلطان، عبادة الأصنام، الكُفر والإنكار العلنيّ لشريعة الله. إنّما الخطوة الأولى لامتلاكي كانت تلك. إنّها الطريقة نفسها التي استَخدَمَها لِجَرح آدم.
يهزَأ العالم مِن الطَّاهِرِين، ويُهاجمهم الملوِّثون المدنِّسون. ويوحنّا المعمدان كان ضحيّة فجور كائنين فاسدي الأخلاق. ولكن إذا كان العالم يَنعَم بقليل مِن النور، فالفضل في ذلك يعود إلى هؤلاء الذين حافَظوا على طهارتهم وسط العالم. فهم خُدّام الله ويعرفون إدراك الله وترديد كلماته. لقد قلتُ: "طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يُعايِنون الله". حتّى على الأرض. والذين لا تجعلهم أبخرة الحسّ مُضطَربِي الفِكر، "يُعايِنون" الله، ويَسمعونه، ويَتبعونه، ويُظهِرونه للآخرين.
يوحنّا بن زَبْدي كائن نقيّ. إنّه "الطاهر" وسط تلاميذي. ونفسه زهرة في جسد ملائكيّ. هو يناديني بعبارات معلّمه الأوّل، ويطلب منّي أن أمنحه السلام. ولكنّه يمتلك السلام في ذاته بنقاء حياته، ولقد أحببتُه بسبب الطهارة المتألّقة فيه. وهذا المخلوق الأحبّ إليَّ قد ائتمنتُه على تعاليمي وأسراري.
لقد كان تلميذي الأوّل، ولقد أَحَبَّني منذ اللحظة الأولى التي رآني فيها. لقد ذابت نفسه في نفسي منذ اليوم الذي رآني فيه أسير على طول نهر الأردن ورأى المعمدان يشير إليَّ. حتّى ولو لم يكن قد التقى بي فيما بعد لدى عودتي مِن البريّة، لكان استمرَّ في البحث عنّي حتّى يجدني. بالفعل، مَن كان نقيّاً فهو مُتواضِع ورَاغِب في التثقّف مِن علوم الله وهو يمضي، مثل الماء المتّجه إلى البحر، إلى أولئك الذين يرى فيهم مُعلِّمي المذهب السماويّ.»
كلام آخر ليسوع:
«لم أشأ أن تتحدّثي أنتِ عن تجربة الإحساس لدى يسوعكِ. وطالما أنّ الصوت الداخليّ قد أفهَمَكِ خطّة (تكتيك) الشيطان ليجرّني إلى الحسّ، فقد فَضَّلتُ أن أكون أنا المتحدّث عنها وعدم التفكير بها فيما بعد. لقد كان الحديث عنها ضروريّاً. أمّا الآن فلننتقل إلى أمر آخر. دعي زهرة الشيطان على رماله. تعالي واتبعي يسوع مثل يوحنّا. سوف تمشين وسط الأشواك، إلّا أنّكِ سَتَجِدين بدل الورد نقاط دم ذاك الذي أراقَهَا لأجلكِ للتغلّب فيكِ كذلك على الجسد.
أَستَبِق وأُجيب على ملاحظة. قال يوحنّا في إنجيله أثناء كلامه عن لقائه بي: "وفي الغد". فيبدو هكذا أنّ المعمدان قد أشار إليَّ في اليوم الذي تلا العِماد، وأنّ يوحنّا ويعقوب قد تَبِعاني حالاً. وهذا يُناقِض ما قاله الإنجيليّون الآخرون بخصوص الأيّام الأربعين في البريّة. إنّما اجعلي قراءتكِ لها هكذا: "(بعد اعتقال يوحنّا) بيوم واحد شاهَدَني للمرّة الثانية وناداني وتَبِعَني التلميذان اللذان أشار لهما عنّي بقوله: ’هوذا حَمَل الله‘" وكان ذلك بعد عودتي مِن البريّة.
ومعاً عُدنا إلى ضفاف بحيرة الجليل حيث لَجَأتُ لأبدأ مِن هناك كِرازتي، وقد تكلّم الإثنان عنّي للصيّادِين. لقد سارا معي الدرب كلّه وظلّا يوماً كاملاً في ضيافة صديق لعائلتي، مِن الأقارب. ولكنّ المبادرة في هذه الحوارات كانت مِن يوحنّا، مِن النَّفْس التي، بينما كانت نقيّة جدّاً بسبب طهارتها، قد جَعَلَت منها إرادة التوبة إحدى روائع النقاء تنعكس فيها الحقيقة بوضوح؛ وهكذا كانت لديه الجرأة المقدَّسة، جرأة الأَطهَار والكِرام الذين لا يخشون أن يكونوا في المقدّمة عندما يَرَون أنّ الأمر يتعلّق بالله، بالحقّ، بتعاليم وطـرق الله. وكم أحببتُـه لهذه الطبيعة الشخصيّة (Caractère) الـمُصاغة مِن البساطة والبطولة!»