ج1 - ف52
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
52- (يوسف يحمي كذلك النفوس المكرَّسة)
08 / 05 / 1944
بعد ذلك تقول لي مريم:
«لقد أدركتِهِ، أنا أعلَم، ولكنّكِ سوف ترينني أبكي بشكل أشدّ أيضاً. فأنا الآن أرفع روحكِ بجعلكِ تَرَين قداسة يوسف. لقد كان رجلاً، يعني أنّه لم يكن يمتلك سوى قداسته كمُساعد لروحه. بالنسبة لي، فقد كانت لي كلّ نِعَم الله ضمن ظروفي كمنزَّهة عن الخطيئة. لم أكن أعرف أنّي كنتُ كذلك، إنّما في قرارة نفسي كانت منابِع نشاط، وكذلك كان هناك ما يهبني قوى روحيّة. أمّا هو فلم يكن منزّهاً عن الخطيئة، بل كان يحمل في ذاته الإنسانيّة بعبئها الثقيل، وكان عليه مع كلّ هذا الثقل أن يرتقي إلى الكمال، فكان ذلك يكلّفه جهداً متواصلاً مع استخدام كلّ مقدراته ليحصل على إرادة الوصول إلى الكمال، وأن يكون مقبولاً لدى الله.
آه! يا عروسي القدّيس! قدّيس في كلّ شيء حتّى الأكثر تواضُعاً في الوجود. قدّيس لعفّته الملائكيّة، قدّيس لنزاهته كإنسان، قدّيس لصبره وحرارته في العمل، لصفائه الثابت دائماً، لزُهده، لكلّ شيء. وتتلألأ قداسته كذلك في هذا الحَدَث. يقول له كاهِن: "يَحسن أن تُقيم هنا". وعلى الرغم مِن معرفته المسبقة بالتعب الكبير الذي ينتظره، يقول: "بالنسبة لي، لا يهمّ. أفكّر في معاناة مريم. وإن لم يكن هذا، فلستُ أقلق بشأن نفسي، يكفي أن يكون هذا في مصلحة يسوع". يسوع، مريم: حُبّاه الملائكيّان. لم يحبّ غيرهما على الأرض، عروسي القدّيس، وقد كرَّسَ نفسه بالكامل كخادِم لهذا الحبّ.
لقد جُعِلَ شفيعاً للعائلات المسيحيّة وللعمّال وكذلك لفئات كثيرة. إنّما ينبغي أن لا يكون شفيعاً للمحتضرين والأزواج والعمّال فقط، بل لكلّ النفوس المكرَّسة لله كذلك. ومَن ذا الذي، بين المكرِّسين ذواتهم في هذا العالم لخدمة الله، مهما يكن، قد كرَّسَ نفسه مثله لخدمة إلهه، راضياً بكلّ شيء، مُتنازِلاً عن كلّ شيء، مُتحمِّلاً كلّ شيء، مُتمِّماً كلّ شيء بسرعة وفرح وعن طِيب خاطِر على الدوام كما فَعَلَ هو ذلك؟ لا يوجد أحد.
وهناك أمر آخر جعلتُكِ تلاحظينه، بل أمران. زكريّا كان كاهناً ويوسف لم يكن كذلك، إنّما انظري كم كان روحه، وهو الذي لم يكن كاهناً، متّجهاً صوب السماء أكثر مِن الكاهن. زكريا يفكّر بشريّاً، ويُفَسِّر ما كُتِب كذلك بشريّاً، وهذه ليست المرّة الأولى التي يفعلها فيها، إنّه ينقاد كثيراً للحسّ البشريّ الجيّد. لقد عُوقِب لذلك، ولكنّه عاد فَوَقَع في المطبّ ذاته، حتّى ولو كان أقلّ جسامة. لقد قال بشأن ولادة يوحنّا: "كيف يكون هذا إذا كنتُ أنا طاعناً في السن وزوجتي عاقراً؟" ويقول الآن: "لتمهيد الطريق أمام يسوع يجب أن ينمو هنا". وعلى هذا الأساس مِن الكبرياء الذي يظلّ عند الطبقة الراقية، يفكّر أنّه يستطيع هو أن يكون ذا منفعة ليسوع. ليس ذا منفعة كما يريدها يوسف بكونه خادماً لـه، إنّما بكونه معلّمـاً لـه... لقد غَفَرَ الله لـه لِحُسن نيّته، ولكن هل كان "المعلّم" في حاجة إلى معلِّمِين؟
لقد حاولتُ أن أجعله يرى النور في النبوءات. ولكنّه كان يَظن نفسه أَعلَم منّي، وقد واءَمَ مُداخَلَته بطريقته. لقد كان بإمكاني الإصرار وإفحامه. ولكن -وهنا الملاحظة الثانية التي جعلتُكِ تلاحظينها- ولكنّي احترمت الكاهِن بسبب مقامه وليس بسبب عِلمه.
تُنار بصيرة الكاهِن عادة مِن قِبَل الله بشكل دائم. قلتُ "عادة" لأنّ ذلك يكون حينما يكون كاهِناً حقيقيّاً. فليس الثوب هو الذي يجعل شخصيّته مقدّسة، بل النَّفْس. للحُكم على كاهن أنّه كاهن حقيقيّ، يجب الحُكم على ما يَخرُج مِن نفسه. فكما قال يسوعي: مِن النَّفْس تخرج الأشياء التي تُقدِّس أو التي تُفسِد: التي تُظهِر بالكامل طريقة تصرّف شخص. لذا فحين يكون أحدهم كاهناً حقيقيّاً فإنه يكون مُلهَماً دائماً مِن الله. بينما الآخرون الذين هم غير ذلك فيجب أن نحمل لهم محبّة فائقة الطبيعة وأن نصلّي لأجلهم.
ولكنّ ابني قد جعلكِ في خدمة هذا الفداء ولستُ أُلحّ. كوني سعيدة بتألّمكِ ليزداد عدد الكَهَنَة الحقيقيّين. بينما أنتِ، فلتتّكئي على كلمة مَن يرشدكِ، آمني وأطيعي نصائحه.
الطاعة تُنقِذ دائماً، حتّى ولو كانت النصيحة التي نتلقّاها غير كاملة مِن جميع جهاتها. لقد رأيتِ ذلك: لقد أطعنا وكُنّا في ذلك سعيدين. في الحقيقة إنّ هيرودس قد اقتَصَرَ على ذبح أطفال بيت لحم ومحيطها، ولكن ألم يكن باستطاعة الشيطان أن يجعله يمدّ سيل جرائمه إلى أبعد مِن ذلك كثيراً، وأن يَدفَع كلّ الشخصيّات ذوات النفوذ في فلسطين إلى جريمة مُشابِهة لمحو مستقبل مَلِك اليهود؟ كان يستطيع ذلك. وقد كان هذا ممكن الحدوث في الأزمنة الأولى للمسيح، عندما لَفَتَت المعجزات انتباه الجموع ونَظَر ذوي النفوذ. فلو حدث ذلك، كيف كنا سنستطيع اجتياز كلّ فلسطين لنأتي مِن الناصرة البعيدة إلى مصر، الأرض التي كان يلجأ إليها اليهود المضطَهَدون، والسفر مع مولود صغير وأثناء هيجان الاضطهاد؟ لقد كان الهروب مِن بيت لحم أسهل حتّى ولو كانت المعاناة بنفس الدرجة. فالطاعة تُنقِذ دائماً. تذكّري ذلك. واحترام الكاهِن هو على الدوام علامة الكمال المسيحيّ.
الويل -وقد قالها يسوع- الويل للكَهَنَة الذين يَفقدون الشعلة الرسوليّة! والويل لمن يظنّ نفسه ذا سلطة على احتقارهم! ففعليّاً هم الذين يقدِّسون ويوزِّعون الخبز الحقيقيّ النازل مِن السماء. وهذا الاحتكاك يجعلهم قدّيسين، مثل كأس مقدّسة، حتّى ولو لم تكن شخصيّتهم كذلك. إّنهم يستجيبون لله في ذلك. أمّا أنتم فلا تنظروا إلّا إلى مقامهم ولا تهتمّوا بالباقي. لا تكونوا أكثر تشدّداً مِن ربّكم يسوع، الذي يترك السماء بأمر منهم وينزل ليرفَع بأيديهم. تعلّموا منه، وإذا كانوا عمياناً، إذا كانوا صُمّاً، إذا كانت نفوسهم مشلولة، وأفكارهم مريضة، وإذا كانوا مصابين بجُذام الأخطاء التي تتنافى ورسالتهم، وإذا كانوا لعازر في القبر، فاطلُبوا يسوع ليشفيهم ويردّ لهم الحياة.
اطلبيه بصلاتكِ وألمكِ أيّتها النفوس الضحيّة. فإنّ إنقاذ نفس يعني تهيئة مكان للذات في السماء سلفاً. إنّما إنقاذ نفس كهنوتيّة يعني إنقاذ عدد كبير مِن النفوس، لأنّ كلّ كاهِن قدّيس هو كالشَّبَكة التي تجتذِب النفوس إلى الله. وإنقاذ كاهِن يعني تقديسه، تقديسه مِن جديد يعني جَعله شبَكَة روحانيّة. وكلّ غنيمة له تُضيف إلى إكليلكم الأبديّ بريق نور جديد.
اذهبي بسلام.»