ج1 - ف54

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الأول

 

54- (العِبَر التي تنبثق مِن المشهد السابق)

 

02 / 02 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«عِبرَتان تلائمان الجميع قد انبثَقَتا عن الوصف الذي أعطيتيه.

 

العِبرة الأولى: لا تنكشف الحقيقة للكاهِن الغارق في الطقوس وروحه غائبة، إنّما هي تنكشف للمؤمن البسيط.

 

كان ينبغي للكاهِن المتّصل دائماً بالألوهة، الملتزم بالعناية بكلّ ما يرتبط بالله، المكرَّس لكلّ ما هو سام بالنسبة لكائن بشريّ، أن يرى فوراً ماهيّة الطفل الذي قُدِّم إلى الهيكل في ذلك الصباح. ولكن لكي يستطيع أن يراه كان لا بدّ له مِن روح متيقّظة، وليس فقط ثوباً يغطّي روحاً قد تكون ميتة، أو أقلّه نائمة. إنّ روح الله قادر لو أراد أن يُدوّي أو يُحرِّك مثل البرميل أو الهزّة الأرضيّة حتّى الروح الأكثر انغلاقاً. يستطيع ذلك. ولكن بما أنّه في العادة روح نظام، وبما أنّه نظام الله في جميع الناس وفق طريقته بالتفاعل، فإنّه ينتشر ويتكلّم، لستُ أقول حيث يُقابِل استحقاقاً كافياً لاستقبال فيضه -إذ سيكون عدد الحاصلين على هذه النعمة ضئيل جدّاً، وكذلك أنتِ فلن تتمتّعي بأنواره- ولكن حيثما يَجِد ما يكفي مِن "الإرادة الطيبة" لاستقطاب هذا الفيض.

 

كيف تَظهَر هذه الإرادة الطيّبة؟ بحياة، على قدر الإمكان، متأتّية بأكملها مِن الله، بالإيمان والطاعة والطهارة والمحبّة والجود والصلاة، ليس بالممارسات الظاهريّة بل بالصلاة. فالفرق بين الليل والنهار أقلّ مِن الفرق بين الممارسات والصلاة. إنّ الصلاة هي اتّحاد الروح مع الله حيث نَخرج منها منتَعِشين ومصمِّمين على أن نكون دائماً أكثر اتّحاداً بالله. أمّا الممارسات الظاهريّة فهي عادة معيّنة ذات أهداف مختلفة ولكنّها دائماً أنانيّة. تُبقيكم كما أنتم أو حتّى بزيادة خطيئة كذب وكَسَل.

 

كانت لسمعان هذه الإرادة الطيّبة. لم تستثنيه الحياة مِن الـمَضايق ولا التجارب، ولكنّه لم يفقد إرادته الطيّبة. تقلُّبات السنين لم تُنقِص أو تُزَعزِع إيمانه بالربّ وبوعوده، وكذلك لم تَكبَح إرادته الطيّبة عن أن يبقى أكثر استحقاقاً لله على الدوام. وقبل أن تُغمَض عينا خادم الله الأمين عن نور الشمس في انتظار انفتاحهما على شمس الله المشعّة في السماوات المنفَتِحة لصعودي بعد الشهادة، أَرسَلَ الله له شعاعاً مِن روحه الذي قاده إلى الهيكل ليرى النور ذاته الآتي إلى العالم.

 

"يقوده الروح القدس". هكذا يقول الإنجيل المقدّس. آه! لو يعرف الناس أيّ صَديق كامل هو الروح القدس! أيّ مُرشِد! أيّ معلّم! لو كانوا يحبّونه ويُناشِدون حُبّ الثالوث الأقدس هذا، نور النور هذا، نار النار هذا، وهذا الذكاء، هذه الحكمة! كم سيصبحون أكثر اطّلاعاً على ما هو ضروريّ أن يعرفوه!

 

انظري يا ماريا، انظروا يا أبنائي. لقد انتَظَرَ سمعان حياة بطولها قبل أن "يرى النور"، قبل أن يَعرف أنّ وعد الله قد تمّ. ولكنّه لم يَشكّ يوماً، كما لم يَقل يوماً لنفسه: "مِن غير المجدي أن أُواظِب على الرجاء والصلاة"، ولقد واظَبَ، فنال أن "يرى" ما لم يره الكاهِن وأعضاء السنهدرين المتكبّرون والعميان: ابن الله، المَسيّا، المخلّص في جسد هذا الطفل الذي مَنَحَهُ دفئاً وابتسامة. لقد نال ابتسامة الله كمكافأة أولى على حياته الشريفة والتقيّة عبر شفتيّ، شفتيّ طفل.

 

العِبرة الثانية: أقوال حنّة. هي الأخرى نبيّة، وقد رأت فيَّ، أنا المولود حديثاً، المَسيّا. وهذا، وإن تكن قد مُنِحَت نعمة النبوّة، أمر طبيعي بالنسبة لها. ولكن اسمعي، بل اسمعوا ما تقوله لأُمّي مدفوعة بالإيمان والمحبّة. واتَّخِذوا منه منارة لروحكم التي ترتجف في زمن الظلمات هذا، إبّان عيد النور.

 

"إنّ الذي أعطى مخلّصاً لا يمكن أن تنقصه القُدرة على أن يَهِب ملاكه ليمسح دموعكِ، دموعكم". فكِّروا أنّ الله قد وَهَبَ ذاته كي يتلاشى عمل الشيطان في النفوس. أفَلا يمكنه الآن التغلّب على الشياطين الذين يُنهِكونكم؟ ألا يستطيع مسح دموعكم بأن يجعل الشياطين تهرب ويُعيد سلام مسيحه؟ فلماذا لا تطلبون منه ذلك بإيمان؟ بإيمان حقيقيّ لا يُرَدّ، تتلاشى أمامه، مع ابتسامة، قسوة الله الذي أغظتموه بخطاياكم الكثيرة جدّاً، على الرغم مِن أنّ المغفرة تأتي حاملة معها العون الذي هو نتيجتها وبَرَكَتها، التي هي قوس قزح هذه الأرض الغارقة في طوفان دم أردتموه أنتم؟

 

فكِّروا: الآب، بعد أن عاقَبَ الناس بالطوفان، قال لنفسه ولشيخه الوقور (نوح): "لن ألعن الأرض بعد بسبب الناس، لأنّ مشاعر وأفكار القلب البشريّ تنحدر نحو الشرّ منذ الشباب. لن أُعاقِب أيّ كائن حيّ كما قد فعلتُ". وظلَّ أميناً لكلمته ولم يعد يُرسِل الطوفان، إنّما أنتم فكم مرّة قلتم لأنفسكم وقلتم لله: "لو خَلصنا هذه المرّة، لو تُخلِّصنا فلن نفتعل الحروب أبداً، قطعيّاً". ومِن ثمّ أَلَم تفعلوا دائماً ما هو أرهَب؟ وكم مرّة كنتم كاذبين وبدون احترام للربّ ولكلمتكم؟ ومع ذلك فالربّ يمدّكم بمعونته، مرّة أخرى إذا ما دعاه جَمع كبير مِن المؤمنين بإيمان وبحبّ لا يُقاوَم.

 

أنتم جميعاً، يا مَن عددكم ضئيل جدّاً لِتُعَدِّلوا كفّة ميزان الجموع التي تُذكّي غضب الله على الدوام، ظَلّوا مُخلِصين لله بالرغم مِن تهديدات الساعة الحاضرة الرهيبة التي تزداد مِن لحظة لأخرى. ارموا بقلقكم أمام أقدام الله، وهو سيعرف أن يُرسِل لكم ملاكه كما أرسَلَ المخلّص إلى العالم.

 

لا تخافوا. ظلّوا متّحدين بالصليب. فلقد انتَصَرَ دائماً على أحابيل الشيطان الذي، بشراسة الناس وأحزان الحياة، يعمل على جرف القلوب التي لا يعرف أن يأخذها بطريقة أخرى إلى اليأس، يعني إلى الابتعاد عن الله.