ج7 - ف187

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

187- (في بيت عنيا. "يمكن القتل بطرق كثيرة")

 

14 / 09 / 1946

 

منزل في بيت عنيا حزين على نحو متزايد، إنّما مضياف على الدوام… وجود أصدقاء وتلاميذ لا ينزع عن المنزل كآبته. هناك يوسف، نيقوديموس، مَنَاين، إليز وأنستاسيا اللتين، حسبما أفهم، لم تستطيعا البقاء بعيداً عن يسوع، وتعتذران عن ذلك كما عن معصية، عازمتين رغم ذلك، على عدم المغادرة. وإليز تشرح الأسباب المبرّرة لذلك والّتي هي: استحالة تتبّع أختيّ لعازر للمعلّم، لمنحه هو والرُّسُل تلك الرعاية الأنثويّة الضروريّة لمجموعة رجال وحيدين، ومُضطَهَدين فوق ذلك.

 

«نحن وحدنا نستطيع ذلك، لأنّ مرثا ومريم لا يمكنهما ترك أخيهما. يُوَنّا ليست هنا. وأناليا فتيّة جدّاً للمجيء معكم. ونيقي مِن المستحسن أن تبقى حيث هي كي تستقبلكم هناك. إنّ شعري الأبيض يُجنّب الثرثرة. أنا أسبقكَ إلى حيث ستذهب، سأبقى حيث تقول لي، وستحظى دوماً بأُمّ قربكَ، وأنا سأفكّر بأنّه ما يزال لديَّ ابن. سأفعل ما تشاء، إنّما دعني أخدمكَ.»

 

يسوع يوافق شاعراً بأنّ الجميع يجدون الأمر صائباً. ربّما أيضاً، في المرارة العظيمة الّتي هي حتماً في قلبه، لديه الرغبة بأن يحظى بقربه بقلب أُموميّ يجد فيه انعكاساً لعذوبة أُمّه…

 

إليز ظافرة في بهجتها.

 

يقول لها يسوع: «سأبقى غالباً في نوبي. أنتِ سوف تذهبين إلى منزل العجوز يوحنّا. لقد قَدَّمَه لي لأجل إقاماتي. سوف ألقاكِ في كلّ إياب لنا...»

 

«أتنوي الرحيل على الرّغم مِن الأمطار؟» يَسأَل يوسف الذي مِن الرّامة.

 

«نعم. أريد أن أذهب كذلك صوب البيريه متوقّفاً في منزل سليمان. ومِن ثمّ نحو أريحا والسامرة. آه! أريد الذهاب إلى مواضع كثيرة بعد...»

 

«لا تبتعد كثيراً يا معلّم عن الطرق المحروسة وعن المدن الّتي فيها قائد مئة. هم متقلّبون. وأيضاً الآخرون هم كذلك. خشيتان، رقابتان. عليكَ. وبالتقابل. إنّما ثق، أنّه بالنسبة لكَ، فالرومان هم أقلّ خطراً...»

 

«لقد تخلّوا عنّا...» يقول يهوذا الاسخريوطيّ بفظاظة.

 

«أتظنّ ذلك؟ لا. مِن بين أولئك الوثنيّين الّذين يستمعون إلى المعلّم، أيمكنكَ التمييز بين المرسلين مِن قبل كلاوديا أو مِن قبل البنطيّ؟ مِن بين مُعتَقي الأولى وأصدقائها، وهم ليسوا بقلائل، أولئك الّذين يمكنهم التحدّث في بيل ندراش إذا ما كانوا إسرائيليّين. لا تنسَ أبداً أنّ هناك مثقّفين في كلّ مكان، أنّ روما استعبدت العالم، أنّ نبلاءها يحبّون أخذ الغنيمة الأفضل لتزيين منازلهم. وإذا ما كان لاعبو الجمباز ومدراء الحلبات يختارون كلّ ما يحقق لهم الكسب والمجد، فإنّ النبلاء يختارون أولئك الّذين، لثقافتهم أو جمالهم، هم زينة وبهجة لمنازلهم ولأنفسهم… يا معلّم، هذا الحديث يعيد إليَّ ذكرى… أمسموح لي أن أطرح عليكَ سؤالاً؟»

 

«تكلّم»

 

«تلك المرأة، تلك اليونانيّة الّتي كانت معنا العام الفائت… والّتي كانت مبرّر اتّهام ضدّكَ، أين هي؟ كُثُر سعوا لمعرفة ذلك… ليس بنيّة حسنة. إنّما أنا ليس لديَّ قصد سيّئ… فقط… عودتها إلى الضلال هو أمر لا يبدو لي ممكناً. قد كانت تتمتّع بذكاء عظيم وبرّ صادق. إنّما لم تعد تُرَى بعد...»

 

«في مكان ما على الأرض، هي، الوثنيّة، قد أحسنت أن تمارس تجاه إسرائيليّ مُضطَهَد، محبّة لم يكن يمتلكها الإسرائيليّون.»

 

«أتقصد يوحنّا الذي مِن عين دور؟ هل هو معها؟»

 

«لقد مات»

 

«مات؟»

 

«نعم. وكان بالإمكان تركه يموت قريباً منّي… لم يكن يتوجّب الانتظار كثيراً… أولئك، وهم كُثُر، الّذين عملوا على التّسبب بإبعاده، قد ارتكبوا جريمة قتل كما لو أنّهم رفعوا عليه يداً مسلّحة بسكّين. لقد حطّموا قلبه. وبرغم علمهم بأنّه مات بسبب ذلك، فإنّهم لا يعتبرون أنفسهم قَتَلَة. إنّهم لا يشعرون بتبكيت ضمير لكونهم كذلك. يمكن قتل الإخوة بأساليب كثيرة. بالسلاح وبالكلمة، أو بالإساءة. كما بإعلام مُضطَهِد عن مكان الـمُضطَهَد، بانتزاع مكان مِن بائس يجد فيه عزاء... آه! بكم مِن الأساليب يمكن القتل… لكنّ الإنسان لا يشعر بتبكيت ضمير على ذلك. إنّ الإنسان، وهذه علامة على انحطاطه الروحيّ، قد قتل صوت الضمير.»

 

يسوع صارم للغاية وهو يقول تلك الكلمات، إلى درجة أنّ لا أحد يجد القدرة على الكلام. يتبادلون النّظر بطرف العين، مطأطئي الرأس، مرتبكين، حتّى الأكثر براءة والأفضل.

 

يسوع، بعد برهة صمت، يقول: «يجب ألاّ يُخبِر أحد أعداء الميت وأعدائي بما قلتُه، لمنحهم فرحاً شيطانيّاً. إنّما، إن سألوكم، فأجيبوا أنّ يوحنّا في سلام، بجسده في قبر بعيد، وروحه الّذي ينتظرني.»

 

«يا ربّ، هل آلمك ذلكَ؟» يَسأَل نيقوديموس.

 

«ماذا؟ موته؟»

 

«نعم.»

 

«لا. موته منحني السلام لأنّه كان سلامه. إنّه ألم، ألم عظيم سبّبه لي أولئك الّذين بسبب شعور دونيّ، قد أبلغوا السنهدرين بوجوده بين التلاميذ وتسبّبوا برحيله. إنّما لكلّ شخص أفكاره، وفقط إرادة عظيمة صالحة بوسعها تغيير الغرائز والأفكار. حينئذ أقول لكم: «مَن أبلغ سوف يبلغ بعد. مَن تسبّب بالموت سوف يتسبّب بالموت بعد. مع ذلك، الويل له. يظنّ أنّه ينتصر وهو ماضٍ إلى الخسارة. ودينونة الله تنتظره.»

 

«لماذا تنظر إليَّ هكذا يا معلّم؟» يَسأَل يوحنّا بن زَبْدي مضطرباً ومحمرّاً كما لو كان مذنباً.

 

«لأنّني إذا نظرتُ إليكَ فلا أحد، ولا حتّى الأكثر شرّاً، سوف يعتقد بأنّكَ قد كرهتَ أخاً لكَ.»

 

«يمكن أن يكون فرّيسيّاً أو رومانيّاً… هو كان يبيعهم البيض...» يقول يهوذا الاسخريوطيّ.

 

«قد كان شيطاناً. لكنّه قد أحسن إليه برغبته في إيذائه. لقد سَرَّعَ تطهّره الكامل وسلامه.»

 

«كيف علمتَ ذلك؟ مَن نقل إليكَ الخبر؟» يَسأَل يوسف.

 

«أيحتاج المعلّم ربّما لِمَن ينقل له الأخبار؟ ألا يرى ربّما أفعال البشر؟ ألم يذهب ليدعو يُوَنّا كي تأتي إليه ويشفيها؟ ما هو المستحيل عند الله؟» تقول بحدّة مريم المجدليّة.

 

«هذا صحيح يا امرأة. إنّما قلّة يمتلكون إيمانكِ… ولذلك فقد طرحتُ سؤالاً غبياً.»

 

«حسناً. إنّما الآن يا معلم، تعال. إنّ لعازر قد استيقظ وينتظركَ...»

 

وتمضي به بعيداً، حازمة وجازمة، قاطعة كلّ احتماليّة أخرى لحديث أو سؤال.